المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أعطى صيرفيا درهما فقال أعطني به نصف درهم فلوس ونصفا إلا حبة] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٦

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَبَنَى أَوْ غَرَسَ أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ]

- ‌[تَعْلِيقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالشَّرْطِ]

- ‌خِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ)

- ‌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ

- ‌ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ

- ‌[أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ]

- ‌[شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ]

- ‌ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِهِ]

- ‌[اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا]

- ‌(بَابٌ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ)

- ‌[يَبْطُلُ خِيَار الرُّؤْيَة بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ]

- ‌ عَقْدُ الْأَعْمَى) أَيْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ

- ‌[لَا يُورَثُ خِيَار الرُّؤْيَة كَخِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ)

- ‌ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا

- ‌[مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ]

- ‌[السَّرِقَةُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ]

- ‌ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا

- ‌ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا فَوَجَدَهُ فَاسِدًا يَنْتَفِعُ بِهِ

- ‌ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبِ بِقَضَاءٍ

- ‌[قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَادَّعَى عَيْبًا]

- ‌[اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا]

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌(بَابُ الْإِقَالَةِ)

- ‌[شَرَائِطُ صِحَّة الْإِقَالَة]

- ‌[صِفَة الْإِقَالَة]

- ‌[حُكْمُ الْإِقَالَة]

- ‌[رُكْنُ الْإِقَالَة]

- ‌[مَنْ يَمْلِكُ الْإِقَالَة وَمَنْ لَا يَمْلِكُهَا]

- ‌[إقَالَةُ الْإِقَالَةِ]

- ‌(بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ)

- ‌[شَرْطُ الْمُرَابَحَة وَالتَّوْلِيَة]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌(بَابُ الرِّبَا)

- ‌[عِلَّةُ الرِّبَا]

- ‌ بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ، وَالْمَوْزُونِ كَالنَّقْدَيْنِ

- ‌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌ بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ)

- ‌(بَابُ الْحُقُوقِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي السَّمَكِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ]

- ‌[أَقَلُّ أَجَلِ السِّلْم]

- ‌ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَمِائَةً نَقْدًا

- ‌[اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً]

- ‌[أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ الْأَمَةُ فَتَقَايَلَا وَمَاتَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ]

- ‌ السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ)

- ‌[بَابُ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْبَيْع]

- ‌(فُرُوعٌ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَائِبِ

- ‌(كِتَابُ الصَّرْفِ)

- ‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌ بَاعَ أَمَةً مَعَ طَوْقٍ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا

- ‌[بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ]

- ‌ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا

- ‌ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَكُرِّ بُرٍّ وَشَعِيرٍ بِضَعْفِهِمَا)

- ‌ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ

- ‌(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

- ‌[أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً]

- ‌[تَبْطُلُ الْكَفَالَة بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ لَا الطَّالِبِ]

- ‌ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ)

- ‌ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ

- ‌[الْكَفَالَةِ بِالْمَجْهُولِ]

- ‌ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ

- ‌ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ

- ‌لَا يُطَالِبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ)

- ‌[يَبْرَأ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ]

- ‌ صَالَحَ الْأَصِيلُ أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى نِصْفِ الدَّيْنِ

- ‌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِحَمْلِ دَابَّةٍ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْخَلَاصِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ]

- ‌[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

- ‌[كَفَالَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ)

- ‌(كِتَابُ الْحَوَالَةِ)

- ‌ أَحَالَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً

- ‌(كِتَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌ أَهْلُ الْقَضَاءِ

- ‌[تَقْلِيد الْفَاسِقُ الْقَضَاءِ]

- ‌[كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ]

- ‌[أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ]

- ‌الْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا

- ‌[فَرْعٌ لِلْمُفْتِي أَنْ يُغَلِّظَ لِلزَّجْرِ مُتَأَوِّلًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُسْتَفْتِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفْتِي]

- ‌[فَصْلٌ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لِلْإِفْتَاءِ]

- ‌ طَلَبَ الْقَضَاءَ

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إذَا تَقَلَّدَ الْقَضَاء]

- ‌[تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ]

الفصل: ‌[أعطى صيرفيا درهما فقال أعطني به نصف درهم فلوس ونصفا إلا حبة]

الْعَقْدَ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ قَالَ اعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِي الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ فَهُنَا صُوَرٌ الْأُولَى مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً صَحَّ اتِّفَاقًا الثَّانِيَةُ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً فَسَدَ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ وَفِي الْفِضَّةِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا، الثَّالِثَةُ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ فِي الْفُلُوسِ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ وَحَاصِلُهُ إنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ فِي النِّصْفِ إلَّا حَبَّةً لِكَوْنِهِ صَرْفًا لَاقَى الْفُلُوسَ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فَيَكْفِي قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِ الدِّرْهَمَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْفُلُوسَ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْفُلُوسِ فِي بَابِ الرِّبَا وَهَذَا الْبَابِ، وَإِلَى هُنَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَمْوَالَ ثَلَاثَةٌ ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ النَّقْدَانِ صَحِبَهُ الْبَاءُ أَوْ لَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ لَا وَمَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمِثْلِيَّاتِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَانَ مَبِيعًا وَإِلَّا وَصَحِبَهُ الْبَاءُ وَقُوبِلَ بِمَبِيعٍ فَهُوَ ثَمَنٌ وَثَمَنٌ بِاصْطِلَاحٍ وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الْأَصْلِ كَالْفُلُوسِ فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَهِيَ ثَمَنٌ وَإِلَّا فَسِلْعَةٌ وَمِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ وَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَحُكْمُ الْمَبِيعِ خِلَافُهُ فِي الْكُلِّ وَمِنْ حُكْمِهَا وُجُوبُ التَّسَاوِي عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرِّبَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

ذَكَرَهَا عَقِبَ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّهَا غَالِبًا تَكُونُ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْمَبِيعِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلصَّرْفِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ آخِرًا عِنْدَ الرُّجُوعِ مُعَاوَضَةً عَمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ الْإِثْمَانِ وَقَدَّمَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كَفَلْت بِالْمَالِ وَبِالنَّفْسِ كِفْلًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَكُفُولًا أَيْضًا، وَالِاسْمُ الْكَفَالَةُ وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَبِ مِنْ بَابَيْ تَعِبَ وَقَرُبَ وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّاعِ كَفَلْت وَكَفَلْت بِهِ وَعَنْهُ إذَا تَحَمَّلْت بِهِ وَيَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ بِالتَّضْعِيفِ وَالْهَمْزَةِ فَيُحْذَفُ الْحَرْفُ فِيهِمَا وَقَدْ يَثْبُت مَعَ الْمُثْقَلِ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ تَكَفَّلْت بِالْمَالِ الْتَزَمْت بِهِ وَأَلْزَمْته نَفْسِي، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ تَحَمَّلْت بِهِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ كَفَلْت بِهِ كِفْلَةً وَكَفَلْت عَنْهُ بِالْمَالِ لِغَرِيمِهِ حُقُوقٌ بَيْنَهُمَا وَكَفَلْت الرَّجُلَ وَالصَّغِيرَ مِنْ بَابِ قَتَلَ كَفَالَةً أَيْضًا عُلْته وَقُمْت بِهِ وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ إلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ يُقَالُ كَفَلْت زَيْدًا الصَّغِيرَ وَالْفَاعِلُ مِنْ كَفَالَةِ الْمَالِ كَفِيلٌ بِهِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَكَافِلٌ أَيْضًا مِثْلُ ضَمِينٌ وَضَامِنٌ وَفَرَّقَ اللَّيْثِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الْكَفِيلُ الضَّامِنُ وَالْكَافِلُ هُوَ الَّذِي يَعُولُ إنْسَانًا وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَالْكِفْلُ وِزَانُ حِمْلٍ الضِّعْفُ مِنْ الْأَجْرِ أَوْ الْإِثْمِ وَالْكَفَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْعَجُزُ. اهـ.

وَفِي الْمُغْرِبِ الْكَفِيلُ الضَّامِنُ وَتَرْكِيبُهُ دَالٌّ عَلَى الضَّمِّ وَالتَّضَمُّنِ وَالْكَفَالَةُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ اهـ.

الثَّانِي: فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَصَحِّ بِقَوْلِهِ (هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ) الضَّمُّ الْجَمْعُ وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ جَعَلَ الضَّمَانَ مُشْتَقًّا مِنْ الضَّمِّ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ؛ لِأَنَّ نُونَ الضَّمَانِ أَصْلِيَّةٌ وَالضَّمَّ لَا نُونَ فِيهِ فَهُمَا مَادَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَالضَّمَانُ، وَقَوْلُهُمْ فِي ذِمَّتِي كَذَا أَيْ فِي ضَمَانِي وَالْجَمْعُ ذِمَمٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٌ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَقَالَ الْأُصُولِيُّونَ: إنَّ الْآدَمِيَّ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَفِي التَّحْرِيرِ وَالذِّمَّةُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ بِهِ

ــ

[منحة الخالق]

الْخِلَافَ فِي رَدِّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَرْضُ الَّذِي كَسَدَ مِمَّا غَلَبَ غِشُّهُ، وَانْظُرْ حُكْمَ مَا إذَا اقْتَرَضَ مِنْ فِضَّةٍ خَالِصَةٍ أَوْ غَالِبَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لِلْغِشِّ ثُمَّ كَسَدَتْ هَلْ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَوْ يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ أَبُو السُّعُودِ.

[أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً]

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية لَكِنْ قَالُوا فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةً كَلَفْظِ بِعْنِي وَبِالْمُسَاوِمَةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فَكَيْفَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ تَكْرَارُ أَعْطِنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ تَفْرِيقُ الْعَقْدِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا عَقَدَا عَقْدَيْنِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.

[كِتَابُ الْكَفَالَةِ]

ص: 221

الْأَهْلِيَّةُ لِوُجُوبِ مَالَهُ وَعَلَيْهِ وَفَسَّرَهَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِالنَّفْسِ وَالرَّقَبَةُ الَّتِي لَهَا عَهْدٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا الْعَهْدُ فَقَوْلُهُمْ فِي ذِمَّتِهِ أَيْ فِي نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ عَهْدِهَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْحَالِّ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ اهـ.

وَالْمُطَالَبَةُ مِنْ طَالَبْتُهُ مُطَالَبَةً وَطِلَابَا مِنْ بَابِ قَاتَلَ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفِيلَ وَالْمَكْفُولَ عَنْهُ صَارَا مَطْلُوبَيْنِ لِلْمَكْفُولِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَحَدِهِمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْأَصِيلِ الْمَالُ وَمِنْ الْكَفِيلِ إحْضَارُ النَّفْسِ وَلَفْظُ الْمُطَالَبَةِ بِإِطْلَاقِهِ يَنْتَظِمُهُمَا هَذَا عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ.

وَجَزَمَ مِسْكِينٌ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ وَالْكَفِيلُ قَدْ الْتَزَمَهُ وَقَيَّدَ بِالْمُطَالَبَةِ لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا الضَّمُّ فِي الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ مِنْ غَيْرِ سُقُوطٍ عَنْ الْأَصِيلِ وَلَمْ يُرَجَّحْ فِي الْمَبْسُوطِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَمَا يَظُنُّ مَانِعًا مِنْ لُزُومِ صَيْرُورَةِ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ دَيْنَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ دَفَعَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي الْأَمْنَ أَحَدُهُمَا كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ كُلًّا ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ وَلَيْسَ حَقُّ الْمَالِكِ إلَّا فِي قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا وَاخْتِيَارُهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْآخَرِ فَكَذَا هُنَا لَكِنَّ هُنَا بِالْقَبْضِ لَا بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ صَحَّ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ مَعَ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَصِحُّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ اعْتِبَارٌ مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَجَازَ أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ فِي ذِمَّتَيْنِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ فِي عَيْنٍ تَثْبُتُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فِي طَرَفَيْنِ حَقِيقِيَّيْنِ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ فِي مُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ لَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِي ذِمَّتَيْنِ وَإِنْ أَمْكَنَ شَرْعًا لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ كُلِّ مُمْكِنٍ إلَّا بِمُوجِبٍ وَلَا مُوجِبَ؛ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ يَحْصُلُ بِالْمُطَالَبَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ اعْتِبَارِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ يُطَالِبُ بِالثَّمَنِ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ.

كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالْوَلِيُّ وَالنَّاظِرُ يُطَالَبُونَ بِمَا لَزِمَ دَفْعُهُ وَلَا شَيْءَ فِي ذِمَّتِهِمْ، وَكَذَا كُلُّ أَمِينٍ يُطَالَبُ بِرَدِّ الْأَمَانَةِ وَلَا شَيْءَ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَا سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ مُطَالَبٌ بِبَيْعِهِ أَوْ فِدَائِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ فَإِنَّا جَعَلْنَاهُ فِي حُكْمِ دَيْنَيْنِ تَصْحِيحًا لَتَصَرُّفِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَذَلِكَ عِنْدَهُ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا ضَرُورَةَ وَلَا دَاعِيَ إلَى ذَلِكَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا نُقِلَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّيْنَ فِعْلٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ إذْ فِعْلُ الْأَدَاءِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِإِسْقَاطِ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا جَعَلَهُ فِعْلًا لِسُقُوطِهِ عَنْ الْمَيِّتِ إذْ لَا يَتَأَتَّى الْفِعْلُ مِنْهُ فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ حَقِيقَتَهُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالذِّمَّةِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْفِعْلُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَوَاضِعَ بِأَنَّهُ وَصْفٌ وَلِذَا قَالُوا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَفِي الْإِيضَاحِ أَخْذًا مِنْ الْغَايَةِ أَنَّ تَعْرِيفَهَا بِالضَّمِّ فِي الدَّيْنِ لَا يَنْتَظِمُ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَالْكَفَالَةَ بِالْعَيْنِ وَالْكَفَالَةَ بِالْفِعْلِ. اهـ.

قُلْتُ: نَعَمْ لَا يَشْمَلُ لَكِنَّ الْمُعَرِّفَ لَهَا بِذَلِكَ إنَّمَا أَرَادَ تَعْرِيفَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَإِنَّ أَصْلَ الْخِلَافِ نَشَأَ مِنْ أَنَّ الْكَفِيلَ هَلْ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ الْمَالُ أَوْ لَا ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَدَائِعِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي بَيَانِ حُكْمِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ ثَمَرَةً فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَنَّ الْكَفِيلَ مُطَالَبٌ وَأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لَهُ صَحِيحَةٌ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ اشْتَرَى الطَّالِبُ بِالدَّيْنِ شَيْئًا مِنْ الْكَفِيلِ صَحَّ مَعَ أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَدَائِعِ إلَخْ) قَالَ الْغَزِّيِّ قُلْتُ: وَرَأَيْت بِخَطٍّ قَدِيمٍ عَلَى حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمُجْمَعِ لِابْنِ مَالِكٍ مَا صُورَتُهُ وَفَائِدَةُ كَوْنِ الْكَفَالَةِ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا فِي الدَّيْنِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْكَفِيلُ بَعْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْأَصِيلِ يَأْخُذُ الْمُطَالِبُ الدَّيْنَ مِنْ تَرِكَةِ الْكَفِيلِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ عَلَى قَوْلِهِمْ وَلَا يَأْخُذُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ فَحَسْبُ وَكَذَا إذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَلَا يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ بِإِبْرَاءِ الطَّالِبِ عَنْ أَحَدِهِمَا بَلْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْكَفِيلِ إذَا أَبْرَأَ الْأَصِيلَ وَكَذَا عَكْسُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَدْيُونٌ وَمُطَالَبٌ. اهـ. بِلَفْظِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ إلَى كِتَابٍ فَلْيُحَرَّرْ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ أَقُولُ: وَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَسَيَأْتِي مَتْنًا أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلُ أَوْ آخَرُ عَنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ وَلَا يَنْعَكِسُ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ وَسَيَأْتِي هُنَاكَ عَنْ الْغَزِّيِّ أَيْضًا أَنَّ الَّذِي فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنَّ الْمَالَ يَحِلُّ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ

ص: 222

الشِّرَاءَ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَصِحُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا حَلَفَ الْكَفِيلُ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَعَلَى الْأَصَحِّ لَا يَحْنَثُ وَعَلَى الضَّعِيفِ يَحْنَثُ وَجُهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ثَمَرَةً وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ عَنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَالَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ عَرَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَالَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا ضَمِنَ وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَضْمَنُ مَالًا ثُمَّ يُؤَدِّي أَوْ يُبَرِّئُهُ الطَّالِبُ أَوْ يُؤَدِّيه الْمَضْمُونُ عَنْهُ فَيَبْرَأُ الضَّامِنُ. اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّهَا لِلضَّمِّ فِي الدَّيْنِ وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّا يُضَعِّفُ أَنَّهَا الضَّمُّ فِي الدَّيْنِ أَنَّ الْمَدْيُونَ لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ ثُمَّ كَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ قَالُوا لَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِهِمْ بِبَقَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ الدَّفْعِ وَأَنَّ السَّاقِطَ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ وَلَمْ يَجْعَلْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ الْقَبُولَ رُكْنًا فَجَعَلَهَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ رُكْنِهَا قَالُوا: هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ وَلَمْ يَجْعَلْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ الْقَبُولَ رُكْنُهَا فَجَعَلَهَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ.

وَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِهِ فَقِيلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ وَقِيلَ تَنْفُذُ، وَلِلطَّالِبِ الرَّدُّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَمَنْ قَالَ بِالتَّوَقُّفِ قَالَ لَا يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ الرَّابِعُ فِي شَرَائِطِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ فِي الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ وَالطَّالِبِ وَالْمَكْفُولِ بِهِ ثُمَّ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، أَمَّا شَرَائِطُ الْكَفِيلِ فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَهُمَا شَرْطَانِ لِلِانْعِقَادِ فَلَا يَنْعَقِدُ كَفَالَةُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ إلَّا إذَا اسْتَدَانَ الْوَلِيُّ دَيْنًا فِي نَفَقَةِ الْيَتِيمِ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ عَنْهُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلَوْ أَمَرَهُ بِكَفَالَةِ نَفْسِهِ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّيْنِ قَدْ لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا تَأْكِيدًا فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَأَمَّا ضَمَانُ النَّفْسِ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ مَنْشَؤُهُ تَوَهُّمُ أَنَّ قَوْلَهُ مَالَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالِ يُفِيدُ مَا ادَّعَاهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَعْنَاهُ مَالَهُ عَلَيْك الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَكَيْفَ يَصِحُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ أَنْ يَكُونَ مَا عَنْ الثَّانِي مُفَرَّعًا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ يُوَافِقُهُ فِيمَا إذَا عَرَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَارَةً يُفَرَّعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَتَارَةً عَلَى الثَّانِي مَا هَذَا الْتَوَانِي.

(قَوْلُهُ: الثَّالِثُ فِي بَيَانِ رُكْنِهَا قَالُوا هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: أَيْ عِنْدَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا حَتَّى أَنَّهَا لَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ مَا لَمْ يُوجَدْ قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ قَبُولُ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ خِطَابُ الْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ خِطَابُ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ الطَّالِبُ اُكْفُلْ بِنَفْسِ فُلَانٍ لِي فَقَالَ كَفَلْت أَوْ قَالَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ لِغَيْرِهِ اُكْفُلْ بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ عَنْ فُلَانٍ لِفُلَانٍ فَيَقُولُ ذَلِكَ الْغَيْرُ كَفَلْت تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَتَقِفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ عَلَى إجَازَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْغَائِبُ كَفَالَتَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْكَفِيلُ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ لِفُلَانٍ أَوْ بِمَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدُّيُونِ فَإِنَّهَا لَا تَقِفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الطَّالِبُ فَقَبِلَ لَمْ تَصِحَّ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْكَفَالَةُ لِلصَّبِيِّ لَمْ تَجُزْ قِيلَ لَهُ هُوَ حَجْرٌ عَلَى الْمَضَارِّ لَا الْمَنَافِعِ بِدَلِيلِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا مَنْفَعَةٌ فَتَجُوزُ قَالَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ تَصِحُّ بِالْفِعْلِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ، وَأَمَّا هُنَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ وَقَوْلُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَفَالَةِ وَذَكَرَ فِي الْأَحْكَامِ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ تَاجِرًا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَلَوْ خَاطَبَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ وَقَبِلَ عَنْهُ تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَةِ وَكِيلِهِ فَإِنْ لَمْ يُخَاطِبْ أَجْنَبِيٌّ وَلَا وَلِيُّهُ وَإِنَّمَا خَاطَبَ الصَّبِيُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَصِحُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ. اهـ.

وَالْوَلِيُّ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِهِ أَوْ الْوَصِيُّ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ الْقَاضِي لَوْلَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَا وَصِيٌّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَجْلِسِ بَلْ يَصِحُّ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا صِحَّتُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اسْتَدَانَ الْوَلِيُّ دَيْنًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمُحِيطِ عَزَا الْمَسْأَلَةَ إلَى الْمَبْسُوطِ وَلَفْظُهُ فِي كَفَالَةِ الصَّبِيِّ، وَإِذَا اسْتَدَانَ لَهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَأَمَرَ أَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ فِي الدَّيْنِ وَبِنَفْسِهِ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ مَتَى اسْتَدَانَ عَلَى الصَّبِيِّ لِلنَّفَقَةِ كَانَ لَهُمَا الرُّجُوعُ بِذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَكَانَ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الصَّبِيِّ إلَّا أَنَّ الْوَصِيَّ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْأَدَاءِ فَإِذَا أَمَرَ بِالضَّمَانِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ بِالْأَدَاءِ وَهُوَ يَمْلِكُ الْأَدَاءَ بِإِذْنِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الضَّمَانُ تَبَرُّعًا. اهـ.

وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّبِيَّ يُطَالَبُ بِهَذَا الْمَالِ بِمُوجِبِ الْكَفَالَةِ وَلَوْلَاهَا لَكَانَ الطَّلَبُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَلِيِّ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ بَطَلَ قَوْلُ عَصْرِيٍّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُسْتَدْرَكٌ بَلْ لَا تَصِحُّ كَفَالَةُ الصَّبِيِّ مُطْلَقًا فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.

قُلْتُ: وَمِثْلُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ مَذْكُورٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ

ص: 223

فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِهِ فَلَمْ يَجُزْ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطُ نَفَاذِهَا فَلَمْ يَنْفُذْ كَفَالَةُ الْعَبْدِ وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَيُؤَاخَذُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا فَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَتْ وَبِيعَ فِيهَا إلَّا إنْ فَدَاهُ وَلَمْ تَجُزْ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ عَنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ أَذِنَ مَوْلَاهُ وَيُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ عِتْقِهِ وَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ عَنْ مَوْلَاهُمَا.

وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ صَحِيحًا فَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْمَرِيضِ لَكِنْ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ، وَأَمَّا شَرَائِطُ الْأَصِيلِ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا فَلَوْ كَفَلَ بِمَا عَلَى وَاحِدٍ لَمْ تَصِحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا، وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمَكْفُولِ لَهُ فَالْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، الثَّانِي - وُجُودُهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَهُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ وَتَفَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ قَبُولِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَقْلِهِ لَا حُرِّيَّتِهِ، وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمَكْفُولِ بِهِ: فَالْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا أَوْ نَفْسًا أَوْ فِعْلًا وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً لِنَفْسِهَا. الثَّانِي - أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ مِنْ الْكَفِيلِ فَلَا تَجُوزُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. الثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لَازِمًا وَهُوَ خَاصٌّ بِالْكَفَالَةِ فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ الْكُلُّ مِنْ الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا.

الْخَامِسُ فِي سَبَبِهَا قَالُوا سَبَبُ وُجُودِهَا تَضْيِيقُ الطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَعَ قَصْدِ الْخَارِجِ دَفْعُهُ عَنْهُ إمَّا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إزَالَةً لِلْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِمَّنْ يُهِمُّهُ مَا أَهَمَّهُ وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهَا رَفْعُ هَذِهِ الْحَاجَةِ وَالضَّرَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ السَّادِسُ فِي حُكْمِهَا فَفِي الْبَدَائِعِ لَهَا حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا ثُبُوتُ مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ طُولِبَ بِكُلِّهِ الْكَفِيلُ إنْ كَانَ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ طُولِبَ كُلُّ وَاحِدٍ بِنِصْفِهِ، وَفِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ يُطَالَبُ بِإِحْضَارِهِ إنْ أَمْكَنَ كَمَا سَيَأْتِي وَالْكَفِيلُ بِالْعَيْنِ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِهَا حَالَ قِيَامِهَا وَبِبَدَلِهَا حَالَ هَلَاكِهَا وَبِالتَّسْلِيمِ يُطَالَبُ بِهَا وَبِالْفِعْلِ جَمِيعًا وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِيمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ قُبَيْلَ الصَّرْفِ السَّابِعُ فِي صِفَتِهَا فَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ بِهِ لَازِمٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْهَا فِي مَسْأَلَةِ بَايَعَ فُلَانًا فَمَا بَايَعْته فَهُوَ عَلَى، الثَّامِنُ فِي مَحَاسِنِهَا وَمَسَاوِئِهَا فَمَحَاسِنُهَا جَلِيلَةٌ وَهِيَ تَفْرِيجُ كَرْبِ الطَّالِبِ الْخَائِفِ عَلَى مَالِهِ وَالْمَطْلُوبِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ كَفَاهُمَا مُؤْنَةَ مَا أَهَمَّهُمَا وَهُوَ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَيْهِمَا، وَلِذَا كَانَتْ مِنْ الْأَفْعَالِ الْعَالِيَةِ حَتَّى امْتَنَّ اللَّهُ بِهَا حَيْثُ قَالَ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ الْمُتَضَمَّنِ لِلِامْتِنَانِ عَلَى مَرْيَمَ إذْ جَعَلَ لَهَا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهَا وَيَقُومُ بِهَا وَمَسَاوِئُهَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى قَالَ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّكَفُّلِ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاة وَالزَّعَامَةُ أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ وَآخِرُهَا غَرَامَةٌ. اهـ.

التَّاسِعُ فِي أَنْوَاعِهَا سَيَأْتِي أَنَّهَا نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ الْعَاشِرُ فِي دَلِيلِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ الزَّعِيمُ الْكَفِيلُ وَغَارِمٌ مِنْ الْغُرْمِ وَهُوَ أَدَاءُ شَيْءٍ لَازِمٍ. اهـ.

وَيُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَسَامِي أَرْبَعَةٍ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَهُوَ الْمَدْيُونُ وَالْمَكْفُولُ لَهُ وَهُوَ الدَّائِنُ وَالْكَفِيلُ وَهُوَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ عَنْ مَوْلَاهُمَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي عِقْدِ الْفَرَائِدِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ وَكَفَالَةُ الْعَبْدِ التَّاجِرِ عَنْ سَيِّدِهِ بِمَالٍ أَوْ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَاطِلٌ. (قَوْلُهُ: الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَأَمَّا الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ كَفَلَ لِهَذَا الرَّجُلِ بِنَفْسِ رَجُلٍ نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَكِنْ لَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ قَالَ اُكْفُلْ بِنَفْسِ رَجُلٍ لَا نَعْرِفُهُ لَا بِوَجْهِهِ وَلَا بِاسْمِهِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَذِكْرُ نَسَبِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعْلَمُ بِذَلِكَ جَوَابُ وَاقِعَةِ الْفَتْوَى وَهِيَ الْكَفَالَةُ بِالْمُسْلِمِ فِيهِ فِي السَّلَمِ الْفَاسِدِ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْأَصْلِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ شَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ صَحِيحًا وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَصَحَّ لَوْ ثَمَنًا أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِالثَّمَنِ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الْبَيْعِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا دَفَعَهُ وَكَيْفَ صَحَّ بِهِ وَهُوَ لَا يُطَالَبُ بِهِ الْأَصْلَ فَأَنَّى يُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا تَجُوزُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْكَفَالَةُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا أَوْ الْمُضِيِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِهَا وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ دَيْنٌ إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَمَا لَيْسَ دَيْنًا أَوْلَى وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْكَفِيلُ وَهُوَ الْمُلْتَزِمُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَكَافِلًا وَكَفِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْحَمِيلَ فِي الدِّيَاتِ وَالزَّعِيمَ فِي الْأَمْوَالِ

ص: 224

الْمُلْتَزِمُ وَالْمَكْفُولُ بِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَيُقَالُ لِلْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ مَكْفُولٌ بِهِ وَلَا يُقَالُ مَكْفُولٌ عَنْهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ بِالنَّفْسِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ) أَيْ الْكَفَالَةُ بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ثُمَّ كَفِيلًا ثُمَّ آخَرُ وَجَازَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى النَّفْسِ بِأَنْ كَفَلَ وَاحِدٌ نُفُوسًا كَمَا يَجُوزُ بِالدُّيُونِ الْكَثِيرَةِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلَا يُقَالُ لَا غُرْمَ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْغُرْمُ لُزُومُ ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] وَيُمْكِنُهُ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكْفُولِ أَوْ يُرَافِقَهُ إذَا دَعَاهُ أَوْ يُكْرِهَهُ بِالْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ اسْتَعَانَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ حُضُورُهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْكَفِيلُ فَسَلَّمَ الْبَعْضُ هَلْ يَبْرَأُ الْبَاقِي فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ قُلْتُ: يُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا إذَا كَانَ غَرِيبًا وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَفِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي وَلَا لِلْقَاضِي طَلَبُ الْكَفِيلِ بِقَوْلِهِ لِي عَلَيْهِ دَعْوَى قَبْلَ بَيَانِ الدَّعْوَى، وَإِذَا طَلَبَ الْقَاضِي مِنْهُ كَفِيلًا وَامْتَنَعَ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْمُلَازَمَةِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَرُبَ الْحَوْلُ وَأَرَادَ الْمَدْيُونُ السَّفَرَ لَا يَجِبُ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ وَفِي الصُّغْرَى لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْمُؤَجَّلِ، وَقَالَ الثَّانِي لَوْ قِيلَ لَهُ طَلَبُ الْكَفِيلِ قِيَاسًا عَلَى نَفَقَةِ شَهْرٍ لَا يَبْعُدُ.

وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ مَدْيُونِي يُرِيدُ السَّفَرَ لَهُ التَّكْفِيلُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَتْ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ فَخُذْ بِالنَّفَقَةِ كَفِيلًا لَا يُجِيبُهَا الْحَاكِمُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ وَاسْتَحْسَنَ الْإِمَامُ الثَّانِي أَخْذَ الْكَفِيلِ رِفْقًا بِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَيْهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَفْتَى يَقُولُ الثَّانِي فِي سَائِرِ الدُّيُونِ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ كَانَ حَسَنًا رِفْقًا بِالنَّاسِ وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَهَذَا تَرْجِيحٌ مِنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ عُرِفَ الْمَدْيُونُ بِالْمَطْلِ وَالتَّسْوِيفِ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ وَإِلَّا فَلَا، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ تَعَدُّدِهَا أَنْ يَكُونَ لِلْكَفِيلِ كَفِيلٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا أَعْطَى الطَّالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَمَاتَ الْأَصِيلُ بَرِئَ الْكَفِيلَانِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ بَرِئَ الْكَفِيلُ الثَّانِي. اهـ.

وَأَشَارَ بِجَوَازِ تَعَدُّدِهَا إلَى أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ إذَا أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ كَفِيلًا آخَرَ بَعْدَ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْرَأْ الْأَوَّلُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ فَلِقَوْلِهِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.

قَوْلُهُ (بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ وَبِمَا عَبَّرَ عَنْ الْبَدَنِ وَيُجْزِئُ شَائِعٌ) أَيْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِقَوْلِهِ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ بِرَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ وَرَقَبَتِهِ وَعُنُقِهِ وَكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ بِثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرُوا صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِالرُّوحِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الطَّلَاقِ وَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ بِهِ وَذَكَرُوا فِي الطَّلَاقِ الْفَرْجَ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا، وَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِهِ إذَا كَانَتْ امْرَأَةً، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَلْخِيّ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَدَنَ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالطَّلَاقِ إذَا تَعَيَّنَ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ يُقَالُ عَيْنُ الْقَوْمِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ وَيَتَأَتَّى فِي دَمِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ جُزْءَ الْكَفِيلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ أَضَافَ الْجُزْءَ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ الْكَفِيلُ كَفَلَ لَك نِصْفِي أَوْ ثُلُثِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْكَرْخِيِّ فِي بَابِ الرَّهْنِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (قَوْلُهُ وَبِضَمِنْتُهُ) أَيْ تَصِحُّ بِقَوْلِهِ ضَمِنْت لَك فُلَانًا؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَاهَا

ــ

[منحة الخالق]

الْعِظَامِ وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمِيعِ وَكَالضَّمِينِ فِيمَا قَالَهُ الضَّامِنُ وَكَالْكَفِيلِ الْكَافِلُ وَكَالصَّبِيرِ الْقَبِيلُ قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالزَّعِيمُ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحَمِيلُ لُغَةُ أَهْلِ مِصْرَ وَالْكَفِيلُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ مَكْفُولٌ عَنْهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ وَجَدْنَا بَعْضَهُمْ يَقُولُهُ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة بِعَزْوِهِ لِلذَّخِيرَةِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَفَلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَالَ فَإِنْ قُلْتُ: كَفَّلَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] فَلِمَ عَدَّاهُ الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَفَلَ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ قُلْتُ: ذَلِكَ بِمَعْنَى عَالَ وَمَا هُنَا بِمَعْنَى ضَمِنَ وَالْتَزَمَ وَاسْتِعْمَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَهُ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ مُؤَوَّلٌ فَإِنَّ صَاحِبَ الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرَهُمَا مِنْ

ص: 225

قَيَّدَ بِقَوْلِهِ ضَمِنْته لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا لَا يَكُونُ كَفِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَضْمُونَ نَفْسًا أَوْ مَالًا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُوَ عَلَيَّ ضَمَانٌ مُضَافٌ إلَى الْعَيْنِ وَجَعَلَ الِالْتِقَاءَ غَايَةً لَهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة هُوَ عَلَيَّ حَتَّى نَجْتَمِعَا فَهُوَ كَفِيلٌ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ حَتَّى تَلْتَقِيَا فَهُوَ كَفِيلٌ إلَى الْغَايَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَبِعَلَيَّ) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلْوُجُوبِ فَهِيَ صِيغَةُ الْتِزَامٍ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ لَك عِنْدِي هَذَا الرَّجُلُ أَوْ قَالَ دَعْهُ إلَيَّ كَانَتْ كَفَالَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِلَيَّ) بِمَعْنَاهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ» أَيْ يَتِيمًا فَإِلَيَّ «وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» . (قَوْلُهُ: وَأَنَا زَعِيمٌ) ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى زَعِيمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ يُوسُفَ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَيْ كَفِيلٌ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ لَكِنْ ذَكَرَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَنَّ ذَلِكَ كَفَالَةً وَلَيْسَ مِنْهَا فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ مُسْتَأْجِرٌ لِمَنْ جَاءَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا لِمَنْ جَاءَ بِهِ وَلَيْسَ ضَمَانًا عَنْ أَحَدٍ وَجَوَابُهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَسُولًا مِنْ جِهَةِ الْمَلِكِ وَالرَّسُولُ سَفِيرٌ فَلَا تَجِبُ الْأَحْكَامُ عَلَيْهِ، كَأَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَلِكَ قَالَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ثُمَّ يَقُولُ مِنْ جِهَتِهِ وَأَنَا بِذَلِكَ الْحِمْلِ عَلَى الْمَلِكِ كَفِيلٌ، وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ بَعْدَمَا قَرَّرَ أَنَّهَا دَلِيلُ الْكَفَالَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ كَفَالَةً لِرَدِّ مَالِ السَّرِقَةِ وَهُوَ كَفَالَةٌ مَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا عَلَى رَدِّ السَّرِقَةِ وَلَعَلَّ مِثْلَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ كَانَتْ تَصِحُّ عِنْدَهُمْ. اهـ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْجَعَالَةِ وَضَمَانِ الْجُعَلِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ. اهـ.

وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْأَسْيُوطِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] قَالَ الزَّعِيمُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ الَّذِي قَالَ أَيَّتُهَا الْعِيرُ اهـ.

قَوْلُهُ (وَقَبِيلٌ بِهِ) أَيْ بِفُلَانٍ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ الْكَفِيلُ وَلِذَا سُمِّيَ الصَّكُّ قُبَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْحَقَّ فَمَعْنَاهُ الْقَابِلُ لِلضَّمَانِ وَفِي الصِّحَاحِ الْقَبِيلُ الْكَفِيلُ وَالْعَرِيفُ وَقَدْ قِبَلَ بِهِ يَقْبَلُ بِهِ قُبَالَةً وَنَحْنُ فِي قُبَالَتِهِ أَيْ فِي عَرَافَتِهِ وَالْقَبِيلُ الْجَمَاعَةُ تَكُونُ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا مِنْ قَوْمٍ شَتَّى مِثْلُ الرُّومِ وَالزِّنْجِ وَالْعَرَبِ وَالْجَمْعُ قُبُلٌ. اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَا قَبِيلٌ لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ كَانَ كَفِيلًا كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ آتِيك بِهِ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (لَا بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) أَيْ لَا تَصِحُّ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْعُرْفِ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الْكَفَالَةَ وَجْهُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ الْتَزَمَ مَعْرِفَتَهُ دُونَ الْمُطَالَبَةِ فَصَارَ كَالْتِزَامِهِ دَلَالَةً عَلَيْهِ أَوْ قَالَ أُوقِفُك عَلَيْهِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَالظَّاهِرُ مَا عَنْهُمَا وَفِي خِزَانَةِ الْوَاقِعَاتِ وَبِهِ يُفْتَى أَيْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَيَّدَ بِالْمَعْرِفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِتَعْرِيفِهِ أَوْ عَلَى تَعْرِيفِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ اللُّزُومُ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُتَعَدٍّ إلَى اثْنَيْنِ فَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ يَعْرِفَهُ الْغَرِيمُ بِخِلَافِ مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا مَعْرِفَةَ الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِوَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا أَعْرِفُهُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا كَمَا فِي السِّرَاجِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَلَوْ قَالَ مَعْرِفَةُ فُلَانٍ عَلَيَّ قَالُوا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ. اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَلْفَاظُ الْكَفَالَةِ كُلُّ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ثُمَّ قَالَ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ

ــ

[منحة الخالق]

أَئِمَّةِ اللُّغَةِ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ إلَّا مُتَعَدِّيًا بِغَيْرِهِ. اهـ.

أَقُولُ: فَلِذَا أَتَى النَّسَفِيُّ بِالْبَاءِ فِي بِنَفْسِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْ ضَمِنْت بِغَيْرِ ضَمِيرٍ قَالَ الْغَزِّيِّ أَقُولُ: يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْبَيَانِ. اهـ. كَلَامُهُ.

أَقُولُ: فَلَوْ قِيلَ أَتَضْمَنُ هَذَا الرَّجُلَ فَقَالَ ضَمِنْت أَوْ أَنَا ضَامِنٌ صَحَّ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ مَعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَحَصَلَ الْبَيَانُ. اهـ.

هَذَا وَنَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الشَّلَبِيِّ قَدْ رَاجَعْت نُقُولًا كَثِيرَةً مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى فَبَعْضُهُمْ صَرَّحَ بِأَنَّ ضَمِنْت مِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا فِي أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ إلَّا قَطَعَ عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ضَمِنْته أَوْ هُوَ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ أَنَا زَعِيمٌ بِهِ أَوْ قَبِيلٌ بِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمَانِ النَّفْسِ وَضَمَانِ الْمَالِ. اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ إنْ أُطْلِقَتْ تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَتَتَمَحَّضُ حِينَئِذٍ لِلْكَفَالَةِ بِهِ. اهـ.

قُلْتُ: وَمُفَادُهُ أَنَّ الْبَيَانَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَإِنَّهَا عِنْدَ عَدَمِهِ تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ لِوُجُودِ الْبَيَانِ بِالْإِضَافَةِ فِيهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَنَا ضَامِنٌ وَبَيْنَ هُوَ عَلَيَّ خِلَافًا لِمَا فِي الْمِنَحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَانَتْ كَفَالَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ كَانَتْ كَفَالَةً بِالنَّفْسِ

ص: 226

رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَبَرِئَ ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ لَزِمَ الْمَطْلُوبَ فَقَالَ لَهُ الْكَفِيلُ دَعْهُ وَأَنَا عَلَى كَفَالَتِي أَوْ عَلَى مِثْلِ كَفَالَتِي لَا شَكَّ أَنَّهُ كَفَالَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْكَفَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالْوَقْتِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَصِيرُ مُطَالَبًا بِالثَّمَنِ بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ، وَقَالَ فِي الطَّلَاقِ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ أَيْضًا، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ قَالَ وَذَكَرَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا لِتَأْخِيرِ الْكَفَالَةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ قَبْلَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ يُجْبَرُ الطَّالِبُ عَلَى الْقَبُولِ كَتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ كَفِيلًا مُطَالَبًا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرُهُ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَقَالُوا لَا يَصِيرُ كَفِيلًا لِلْحَالِ، فَإِذَا مَضَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ كَانَ كَفِيلًا أَبَدًا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِذَا قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ مِنْ الْيَوْمِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ صَارَ كَفِيلًا فِي الْحَالِ، فَإِذَا مَضَتْ الْعَشَرَةُ خَرَجَ عَنْهَا، وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا مَضَتْ الْعَشَرَةُ فَإِنِّي بَرِيءٌ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ بِهَا لَا فِيهَا وَلَا بَعْدَهَا وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ شَهْرًا كَانَ كَفِيلًا أَبَدًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا، وَلَوْ قَالَ: عَلَى نَفْسُهُ إلَى شَهْرٍ. عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ وَلَوْ قَالَ: نَفْسُهُ عَلَى إلَى شَهْرٍ. فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ قَالَ هَذَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا كَفَلَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ كَفِيلًا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا يُطَالَبُ فِي الْحَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي السِّرَاجِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الصُّغْرَى وَبِهِ يُفْتَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ إذَا مَضَى شَهْرٌ.

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا كَفَلَ إلَى شَهْرٍ طَالَبَهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَيَبْطُلُ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّهُ كَفِيلٌ فِي الْحَالِ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ عِصَامٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ يَقَعُ بَعْدَ الْأَجَلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ وَبِهِ يُفْتَى، بِخِلَافِ أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِهَا إلَى شَهْرٍ حَيْثُ يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْحَالِ إلَى شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَالْأَمْرُ يَحْتَمِلُهُ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ تَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَلَا نَعْنِي بِقَوْلِهِ أَنَّهُ كَفِيلٌ بَعْدَ شَهْرٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَفِيلٍ لِلْحَالِ. أَلَا تَرَ أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ سَلَّمَ لِلْحَالِ يَجِبُ عَلَى الطَّالِبِ الْقَبُولُ وَلَوْ لَمْ يَصِرْ كَفِيلًا إلَّا بَعْدَ الشَّهْرِ لَمَا أُجْبِرَ فِي الْحَالِ لَكِنَّ ذِكْرَ الشَّهْرِ تَأْجِيلٌ لِلْكَفِيلِ حَتَّى لَا يُطَالِبَ لِلْحَالِ وَيُطَالِبَ بَعْدَ الْأَجَلِ اهـ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ أَحْضَرَهُ فِيهِ إنْ طَلَبَهُ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالشَّرْطِ فِي الْكَفَالَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ طَلَبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا حَلَّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ) لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ حَتَّى يَظْهَرَ مَطْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِظَالِمٍ قَبْلَ الْمَطْلِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ كَمَا فَصَّلَ فِي الْحَبْسِ بِالدَّيْنِ مِنْ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ وَإِلَّا عَجَّلَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى نَقْلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَوْ ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَالَ الْخَصَّافُ لَا يَحْبِسُهُ فِيهِمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ، وَأَمَّا فِي الْبَيِّنَةِ يَحْبِسُهُ وَلَوْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. اهـ.

وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَصَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ كَالدِّينِ وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا مَعْنَى لِحَبْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُلَازِمُهُ كَالْمَدْيُونِ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ لَوْ ادَّعَى الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى وَكِيلِ الطَّالِبِ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ حَلَفَ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ثَلَاثَةٌ كَفَلُوا رَجُلًا بِنَفْسِهِ كَفَالَةً وَاحِدَةً فَأَحْضَرَهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ إلَخْ) أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ لَفْظَ عِنْدِي لِلضَّمَانِ لِلْعُرْفِ مَعَ أَنَّهُ لِلْأَمَانَةِ، وَقَالُوا أَيْضًا يُحْمَلُ كَلَامُ كُلِّ عَاقِدٍ وَحَالِفٍ وَوَاقِفٍ عَلَى عُرْفِهِ وَلُغَتِهِ وَإِنْ خَالَفَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ.

ص: 227

أَحَدُهُمْ بَرَءُوا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُتَفَرِّقَةً لَمْ يَبْرَأْ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً فَالْإِحْضَارُ الْمُسْتَحَقُّ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا سَلَّمَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ إحْضَارُ أَحَدٍ، وَأَمَّا إذَا تَفَرَّقَتْ فَكُلُّ عَقْدٍ أَوْجَبَ إحْضَارًا عَلَى حِدَةٍ فَإِحْضَارٌ وَاحِدٌ لَا يُسْقِطُ إحْضَارَ غَيْرِهِ وَلَوْ تَكَفَّلُوا بِمَالٍ كَفَالَةً وَاحِدَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً فَأَدَّى وَاحِدٌ جَمِيعَ الْمَالِ بَرِئَ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا أَدَّاهُ وَاحِدٌ لَمْ يَبْقَ عَلَى غَيْرِهِ مَالٌ. اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لِرَجُلَيْنِ فَسَلَّمَهُ إلَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ لَهُ وَالْآخَرُ عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ نَائِبَ الْآخَرِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَابَ أَمْهَلَهُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) يَعْنِي وَلَا يَحْبِسُهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ مَطْلِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَرَادَ الْكَفِيلُ السَّفَرَ إلَيْهِ فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ لِلْحَالِ مِنْ غَيْرِ إمْهَالٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ عُذْرٌ لَا يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ بِهِ وَالْإِيَابُ بِالْكَسْرِ الرُّجُوعُ مِنْ آبَ يَئُوبُ أَوْبًا وَأَوْبَةً وَإِيَابًا، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسٍ مَحْبُوسٍ أَوْ غَائِبٍ صَحَّ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ غَابَ أَيْ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْكَفِيلَ غَائِبٌ بِبَلَدٍ آخَرَ بِعِلْمِ الْقَاضِي أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْكَفِيلُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَسَافَةَ الْقَرِيبَةَ وَالْبَعِيدَةَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَحْضُرْهُ حَبَسَهُ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مَطْلُهُ إلَى أَنْ يُظْهِرَ لِلْقَاضِي تَعَذُّرُ إحْضَارِهِ بِشُهُودٍ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَيُطْلِقُهُ كَالْمَدْيُونِ الْمُفْلِسِ وَيَنْظُرُهُ إلَى وَقْتِ قُدُومِهِ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّالِبِ فَيُلَازِمُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَشْغَالِهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنْ أَضَرَّتْهُ مُلَازَمَتُهُ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِكَفِيلٍ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. قَوْلُهُ (فَإِنْ غَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَا يُطَالِبُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ غَائِبٌ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ إمَّا بِتَصْدِيقِ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْكَفِيلُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ إذَا غَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَلِلدَّائِنِ أَنْ يُلَازِمَ الْكَفِيلَ حَتَّى يُحْضِرَهُ وَالْحِيلَةُ فِي دَفْعِهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ خَصْمَك غَائِبٌ غَيْبَةً لَا تُدْرَى فَبَيِّنْ لِي مَوْضِعَهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ. اهـ.

وَفِي مُلَازَمَةِ الطَّالِبِ الْكَفِيلَ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِ الْأَصِيلِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يُلَازِمُهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يُلَازِمُهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ اخْتَلَفَا وَلَا بَيِّنَةَ فَقَالَ الْكَفِيلُ لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ، وَقَالَ الطَّالِبُ تَعْرِفُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ خُرْجَةٌ مَعْلُومَةٌ لِلتِّجَارَةِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجَهْلُ وَقَوْلُهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُبَرْهِنْ الطَّالِبُ عَلَى أَنَّهُ بِمَوْضِعِ كَذَا فَإِنْ بَرْهَنَ أَمَرَ الْكَفِيلَ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ وَإِحْضَارِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَكَانَهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَلَا تَبْطُلُ بِاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا حُكْمًا لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَالِهِ وَإِلَّا فَهُوَ حَيٌّ مُطَالَبٌ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ قَادِرًا عَلَى رَدِّهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُوَاعَدَةٌ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ إلَيْنَا الْمُرْتَدَّ وَإِلَّا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ. اهـ.

وَهُوَ تَقْيِيدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: إنَّهُ يُؤْمَرُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ لِلطَّالِبِ أَنْ يَسْتَوْثِقَ بِكَفِيلٍ مِنْ الْكَفِيلِ حَتَّى لَا يَغِيبَ الْآخَرُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا مَنَعَ الْمَكْفُولَ بِهِ عَنْ السَّفَرِ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ حَالَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُؤَجَّلَةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. اهـ.

ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْكَفِيلِ مُلَازَمَةَ الْأَصِيلِ إذَا كَانَتْ حَالَّةً وَإِنْ لَمْ يُلَازِمْهُ الطَّالِبُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ سَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْمَكْفُولُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ كَمِصْرٍ بَرِئَ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ إذْ لَمْ يَلْتَزِمْ تَسْلِيمُهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَحَصَلَ مَقْصُودُ الطَّالِبِ فَلَمْ تَبْقَ الْكَفَالَةُ كَمَا لَوْ تَكَفَّلَ بِمَالٍ فَقَضَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِلتَّسْلِيمِ وَقْتٌ فَسَلَّمَهُ قَبْلَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْكَفِيلِ فَلَهُ إسْقَاطُهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَضَاهُ الْمَدْيُونُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْكَفِيلَ) صَوَابُهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ غَائِبٌ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي قَوْلُ الْكَفِيلِ لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ تَأَمَّلْ

ص: 228

قَبْلَ الْحُلُولِ وَالتَّسْلِيمِ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَصْمِ وَذَلِكَ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا خَصْمُك فَخُذْهُ إنْ شِئْت فَإِنْ سَلَّمَهُ بَعْدَ طَلَبِهِ بَرِئَ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ حَتَّى يَقُولَ سَلَّمْته إلَيْك بِجِهَةِ الْكَفَالَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ كَانَ الْمَكْفُولُ لَهُ جَالِسًا مَعَ قَوْمٍ فِي مَدْرَسَةٍ فَجَاءَ الْكَفِيلُ بِالْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَقَالَ لَهُ هُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَلَمْ يَجْلِسْ بَلْ مَرَّ وَخَرَجَ إلَى بَابٍ آخَرَ فَهَذَا الْقَدْرُ تَسْلِيمٌ مِنْهُ اهـ.

قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ فِي سَوَادٍ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى مُخَاصَمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ سَوَاءٌ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَوْ لَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا سَلَّمَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ لِلطَّالِبِ حِينَ خَرَجَ اللُّصُوصُ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ، وَفِي الْقُنْيَةِ سَلَّمَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ الْمَكْفُولَ عَنْهُ إلَى الطَّالِبِ لَيْلًا فِي مَكَانِهِ لَا يُمْكِنُهُ الْعِصْمَةُ وَفَرَّ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ التَّسْلِيمُ بِطَلَبِهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ اهـ.

قَوْلُهُ (وَلَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي سَلَّمَهُ ثَمَّ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُفِيدٌ فَإِنْ سَلَّمَهُ فِي مَجْلِسِهِ بَرِئَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ سَلَّمَهُ إلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَإِنْ سَلَّمَهُ فِي السُّوقِ لَمْ يَبْرَأْ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِتَهَاوُنِ النَّاسِ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي بَلْدَةٍ لَمْ يَعْتَادُوا نَزْعَ الْغَرِيمِ يَدَ خَصْمِهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا بِقَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْهَا قُعُودُ الْمَرِيضِ فِي صَلَاتِهِ كَقُعُودِ الْمُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ، وَمِنْهَا سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ مِنْ امْرَأَةِ الْغَائِبِ لِيُقَرِّرَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةً وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَلِي الْقَبْضَ وَمِنْهَا تَضْمِينُ السَّاعِي إذَا سَعَى بِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَغَرَّمَهُ شَيْئًا، وَمِنْهَا أَنَّ رُؤْيَةَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّحْنِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ دَاخِلِهِ وَمِنْهَا أَنَّ رُؤْيَةَ ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَشْرِهِ فَهِيَ سَبْعٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرُ وَفِي الْقُنْيَةِ كَفَلَ بِنَفْسِهِ فِي الْبَلَدِ وَسَلَّمَهُ فِي الرَّسَاتِيقِ صَحَّ إنْ كَانَ فِيهَا حَاكِمٌ، وَقَالَ الْعَلَاءُ التَّاجِرِيُّ وَالْبَدْرُ الظَّاهِرُ لَا يَصِحُّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَجَوَابُهُمَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ أَغْلَبَ قُضَاةِ رَسَاتِيقِ خُوَارِزْمَ ظَلَمَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُحَاكَمَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ دُونَ رَسَاتِيقِهِمْ. اهـ.

وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرَ الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ بَرِئَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ فِيهِ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ وَكَانَتْ الْكَفَالَةُ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِمِصْرٍ وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِإِمْكَانِ إحْضَارِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا يَبْرَأُ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلُهُمَا أَوْجُهُ قِيلَ: إنَّهُ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ضَمِنَ نَفْسَ رَجُلٍ وَحُبِسَ الْمَطْلُوبُ فِي السِّجْنِ فَسَلَّمَ لَا يَبْرَأُ وَلَوْ ضَمِنَ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فَسَلَّمَهُ فِيهِ يَبْرَأُ وَلَوْ أُطْلِقَ ثُمَّ حُبِسَ ثَانِيًا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فِيهِ أَنَّ الْحَبْسَ الثَّانِي مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا صَحَّ الدَّفْعُ وَإِنْ فِي أُمُورِ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهَا لَا، حَبَسَ الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ ثُمَّ طَالَبَ الْكَفِيلَ بِهِ فَدَفَعَهُ وَهُوَ فِي حَبْسِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ بَرِئَ. اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَهُوَ غَيْرُ مَحْبُوسٍ ثُمَّ حُبِسَ فَخَاصَمَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ إلَى الْقَاضِي الَّذِي حَبَسَهُ فَقَالَ الْكَفِيلُ كَفَلْت بِهِ وَأَنْتَ حَبَسْتَهُ بِدَيْنِ فُلَانٍ آخَرَ لَهُ عَلَيْهِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ بِإِحْضَارِ الْمَطْلُوبِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ الْكَفِيلُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ ثُمَّ يُعَادُ إلَى الْحَبْسِ. اهـ. وَلَوْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَهَذَا الْقَدْرُ تَسْلِيمٌ مِنْهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ التَّسْلِيمُ بَعْدَ الطَّلَبِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ سَلَّمَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ ضَعْفُهُ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحَامِيَةِ جَعَلَ هَذَا رَأْيًا لِمُتَأَخِّرِينَ لَا قَوْلًا لِزُفَرَ وَلَفْظُهُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ جَوَابُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَبْرَأُ إذَا سَلَّمَهُ فِي السُّوقِ أَوْ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ فِي الْمِصْرِ بِنَاءً عَلَى عَادَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُعَيِّنُونَ الْمَطْلُوبَ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْحُضُورِ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُفِيدًا فَيَصِحُّ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ.

وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ مَعَ أَنَّ زُفَرَ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ كَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا الْإِمَامُ وَأَصْحَابُهُ وَجَعَلُوا الْخِلَافَ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ كَمَسْأَلَةِ الِاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا وَبَعْدَ نَقْلِ الثِّقَاتِ ذَلِكَ عَنْ زُفَرَ كَيْفَ يَنْفِي بِكَلَامٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ) كَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شُهُودُهُ فِي الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ وَإِلَّا فَفِي التَّعْيِينِ لَا يَبْرَأُ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ: قِيلَ أَنَّهُ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ حِينَ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْعُمَّالُ كَانُوا يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَلَا يَمِيلُونَ إلَى الرِّشْوَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ مِصْرٍ وَمِصْرٍ آخَرَ وَهُمَا قَالَا ذَلِكَ بَعْدَ مَا ظَهَرَ الْفَسَادُ وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ الْقَضَاءِ وَالْعُمَّالِ حَتَّى لَا يُقِيمُوا الْحَقَّ إلَّا بِالرِّشْوَةِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مِصْرُهُ أَسْهَلُ لِإِثْبَاتِ حُقُوقِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ضَمِنَ نَفْسَ رَجُلٍ وَحُبِسَ الْمَطْلُوبُ فِي السِّجْنِ لَا يَبْرَأُ) أَيْ وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا جَلَسَ الْمَكْفُولُ بِهِ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ أَخَذْت الْكَفِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَفُكَّهُ مِمَّا حُبِسَ بِهِ بِأَدَاءِ حَقِّ الَّذِي حَبَسَهُ اهـ.

ص: 229