المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[كفالة الشريك لشريكه] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٦

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَبَنَى أَوْ غَرَسَ أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ]

- ‌[تَعْلِيقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالشَّرْطِ]

- ‌خِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ)

- ‌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ

- ‌ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ

- ‌[أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ]

- ‌[شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ]

- ‌ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِهِ]

- ‌[اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا]

- ‌(بَابٌ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ)

- ‌[يَبْطُلُ خِيَار الرُّؤْيَة بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ]

- ‌ عَقْدُ الْأَعْمَى) أَيْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ

- ‌[لَا يُورَثُ خِيَار الرُّؤْيَة كَخِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ)

- ‌ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا

- ‌[مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ]

- ‌[السَّرِقَةُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ]

- ‌ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا

- ‌ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا فَوَجَدَهُ فَاسِدًا يَنْتَفِعُ بِهِ

- ‌ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبِ بِقَضَاءٍ

- ‌[قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَادَّعَى عَيْبًا]

- ‌[اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا]

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌(بَابُ الْإِقَالَةِ)

- ‌[شَرَائِطُ صِحَّة الْإِقَالَة]

- ‌[صِفَة الْإِقَالَة]

- ‌[حُكْمُ الْإِقَالَة]

- ‌[رُكْنُ الْإِقَالَة]

- ‌[مَنْ يَمْلِكُ الْإِقَالَة وَمَنْ لَا يَمْلِكُهَا]

- ‌[إقَالَةُ الْإِقَالَةِ]

- ‌(بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ)

- ‌[شَرْطُ الْمُرَابَحَة وَالتَّوْلِيَة]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌(بَابُ الرِّبَا)

- ‌[عِلَّةُ الرِّبَا]

- ‌ بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ، وَالْمَوْزُونِ كَالنَّقْدَيْنِ

- ‌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌ بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ)

- ‌(بَابُ الْحُقُوقِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي السَّمَكِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ]

- ‌[أَقَلُّ أَجَلِ السِّلْم]

- ‌ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَمِائَةً نَقْدًا

- ‌[اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً]

- ‌[أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ الْأَمَةُ فَتَقَايَلَا وَمَاتَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ]

- ‌ السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ)

- ‌[بَابُ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْبَيْع]

- ‌(فُرُوعٌ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَائِبِ

- ‌(كِتَابُ الصَّرْفِ)

- ‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌ بَاعَ أَمَةً مَعَ طَوْقٍ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا

- ‌[بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ]

- ‌ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا

- ‌ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَكُرِّ بُرٍّ وَشَعِيرٍ بِضَعْفِهِمَا)

- ‌ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ

- ‌(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

- ‌[أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً]

- ‌[تَبْطُلُ الْكَفَالَة بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ لَا الطَّالِبِ]

- ‌ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ)

- ‌ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ

- ‌[الْكَفَالَةِ بِالْمَجْهُولِ]

- ‌ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ

- ‌ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ

- ‌لَا يُطَالِبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ)

- ‌[يَبْرَأ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ]

- ‌ صَالَحَ الْأَصِيلُ أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى نِصْفِ الدَّيْنِ

- ‌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِحَمْلِ دَابَّةٍ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْخَلَاصِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ]

- ‌[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

- ‌[كَفَالَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ)

- ‌(كِتَابُ الْحَوَالَةِ)

- ‌ أَحَالَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً

- ‌(كِتَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌ أَهْلُ الْقَضَاءِ

- ‌[تَقْلِيد الْفَاسِقُ الْقَضَاءِ]

- ‌[كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ]

- ‌[أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ]

- ‌الْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا

- ‌[فَرْعٌ لِلْمُفْتِي أَنْ يُغَلِّظَ لِلزَّجْرِ مُتَأَوِّلًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُسْتَفْتِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفْتِي]

- ‌[فَصْلٌ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لِلْإِفْتَاءِ]

- ‌ طَلَبَ الْقَضَاءَ

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إذَا تَقَلَّدَ الْقَضَاء]

- ‌[تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ]

الفصل: ‌[كفالة الشريك لشريكه]

رَاجِعٌ إلَى التَّفْسِيرِ. قَوْلُهُ (وَبِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ قَيَّدَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْعِتْقِ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّنَافِي

[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

(فَصْلٌ)(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ لَا يَسْتَرِدُّ مِثْلَهُ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ فَلَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ مَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ كَمَنْ عَجَّلَ زَكَاتَهُ وَدَفَعَهَا إلَى السَّاعِي وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا نَذْكُرُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَلَا يَسْتَرِدُّ لَكِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ لِتَمَحُّضِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ دَفَعَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ كَأَنْ قَالَ لَهُ: إنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْك فَأَنَا أَقْضِيك الْمَالَ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ لَمْ يَكُنْ رِسَالَةً، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ ابْتِدَاءً خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْهُ إلَى الطَّالِبِ كَانَ رِسَالَةً فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ مِلْكِ الْمَدْفُوعِ لِلْقَابِضِ وَعَدَمِهِ.

وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ بِالْكَفَالَةِ صَارَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ لَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْهُ رَهْنًا قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ جَازَ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْكَفِيلُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَنْهُ صَحَّ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ فَثَبَتَ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ. وَقَدْ سُئِلْت عَمَّا إذَا دَفَعَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ لِيُؤَدِّيَهُ إلَى الطَّالِبِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْأَدَاءِ هَلْ يُعْمَلُ نَهْيُهُ فَأَجَبْت إنْ كَانَ كَفِيلًا بِالْأَمْرِ لَمْ يُعْمَلْ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ وَإِلَّا عُمِلَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ.

قَوْلُهُ (وَمَا رَبِحَ الْكَفِيلُ لَهُ) أَيْ إذَا رَبِحَ الْكَفِيلُ فِي الْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَانَ الرِّبْحُ بَذْلَ مِلْكِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَضَى الدَّيْنَ هُوَ أَوْ قَضَاهُ الْأَصِيلُ وَقَدَّمْنَاهُ أَنَّ مِلْكَهُ لِلْمَقْبُوضِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ وَأَصْلُهُ رِبْحُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . قَوْلُهُ (وَنُدِبَ رَدُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَوْ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ) أَيْ يُسْتَحَبُّ رَدُّ الرِّبْحِ عَلَى الْأَصِيلِ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَا هُوَ لَهُ لَا يَرُدُّهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ لَهُمَا أَنَّهُ رِبْحٌ فِي مِلْكِهِ فَيُسَلَّمُ لَهُ وَلَهُ أَنَّهُ تَمَكَّنَ الْخَبَثُ مَعَ الْمِلْكِ إمَّا لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ بِأَنْ يَقْضِيَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ عَلَى اعْتِبَارِ قَضَاءِ الْكَفِيلِ، فَإِذَا قَضَاهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ وَهَذَا الْخَبَثُ يُعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ فِي رِوَايَةٍ وَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ لَحِقَهُ وَهَذَا أَصَحُّ لَكِنَّهُ اسْتِحْبَابٌ لَا جَبْرٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْكَفِيلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ

ــ

[منحة الخالق]

[كَفَالَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ]

فَصْلٌ) (قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ شُمُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِمَا إذَا كَانَ الْقَبْضُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ وَمَا رَبِحَ لَهُ نُدِبَ رَدُّهُ لَوْ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ فَإِنَّهُ فِي هَذَيْنِ لَا يَطِيبُ لَهُ رِبْحٌ فَالْأَوْلَى جَعْلُ كَلَامِهِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ سَاكِتٌ عَنْ مَسْأَلَةِ الرِّسَالَةِ وَهَذَا أَسْهَلُ الْأَمْرَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ.

قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ تَعْبِيرُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِالْقَضَاءِ بَدَلَ الْإِعْطَاءِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ الِاسْتِرْدَادَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَدَمَ الِاسْتِرْدَادِ عَنْ الْكَافِي لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْكُبْرَى قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا دَفَعَهُ إلَى الْكَفِيلِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ، أَمَّا إذَا دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ قَالَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْحَكَمِيُّ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي بَابِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَالَ الْكَفِيلُ يَكُونُ أَمِينًا اهـ.

وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ كَلَامَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَقَالَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ وَيَدُ الرَّسُولِ يَدُ الْمُرْسَلِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَعَلُّقُ حَقِّ الطَّالِبِ. اهـ.

وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ بِالْكَفَالَةِ صَارَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يُنَافِيه مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّالِبِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ لِلْكَفِيلِ دَيْنٌ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَعَلَى هَذَا فَالْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ تُوجِبُ ثُبُوتَ دِينَيْنِ وَثَلَاثِ مُطَالَبَاتٍ تُعْرَفُ بِالتَّدَبُّرِ. اهـ.

وَأَصْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ فَلِكَوْنِ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ دَيْنَيْنِ وَثَلَاثِ مُطَالَبَاتٍ، دَيْنٌ وَمُطَالَبَةُ حَالَيْنِ لِلْمُطَالَبِ عَلَى الْأَصِيلِ، وَمُطَالَبَةٌ فَقَطْ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ وَدَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ دَيْنُ الْكَفِيلِ مُؤَجَّلًا وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ الْمَدْيُونُ إلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ أَنْ يُوفِيَ وَلَمْ يَقُلْ: قَضَاءٌ، وَلَا بِجِهَةِ الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ. اهـ. فَعَلَيْهِ يَكُونُ لِلْكَفِيلِ مَا رَبِحَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، كَذَا فِي الشرنبلالية

ص: 255

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا جَبْرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِحْبَابِ عَدَمُ جَبْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ اسْتِحْبَابِهِ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَالْعِبَارَةُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ظَاهِرُهَا وُجُوبُ الرَّدِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ التَّصَدُّقُ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ تَرَجَّحَ الرَّدُّ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُخْتَصَرًا وَقَيَّدَ بِمَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ رِبْحَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ لَا يُنْدَبُ رَدُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لِلْأَصِيلِ إذَا رَدَّهُ الْكَفِيلُ أَوْ لَا وَحُكْمُهُ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصِيلُ فَقِيرًا طَابَ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ. اهـ.

وَقَيَّدَ بِالْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إذَا رَبِحَ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ وَيُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِي الرِّبْحِ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ.

قَوْلُهُ (وَلَوْ أَمَرَ كَفِيلَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَرِيرًا فَفَعَلَ فَالشِّرَاءُ لِلْكَفِيلِ وَالرِّبْحُ عَلَيْهِ) وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِبَيْعِ الْعِينَةِ مِثْلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ تَاجِرٍ عَشَرَةً فَيَأْبَى فَيَبِيعُ مِنْهُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا رَغْبَةً فِي نَيْلِ الزِّيَادَةِ لِيَبِيعَهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِعَشَرَةٍ وَيَتَجَمَّدَ خَمْسَةٌ سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِمَذْمُومِ الْبُخْلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَيَّ حَرِيرًا اذْهَبْ فَاسْتُقْرِضَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَسْئُولُ أَنْ يُقْرِضَك فَاشْتَرِ مِنْهُ الْحَرِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ اذْهَبْ فَاشْتَرِ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لِتَبِيعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِالْأَقَلِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ الْأَقَلَّ إلَى بَائِعِهِ فَيَدْفَعُهُ بَائِعُهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْمَدْيُونِ فَيُسَلِّمُ الثَّوْبَ لِلْبَائِعِ كَمَا كَانَ وَيَسْتَفِيدُ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ الْأَقَلِّ وَإِنَّمَا وَسَّطَ الثَّانِيَ تَحَرُّزًا عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، فَإِذَا فَعَلَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ لَهُ فِي الْحَرِيرِ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي يَخْسَرُهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ حَاصِلُهَا ضَمَانُ مَا يَخْسَرُ الْمُشْتَرِي نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ كَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَمَا خَسِرَ فَعَلَيَّ وَضَمَانُ الْخُسْرَانِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَضْمُونٍ وَالْخُسْرَانُ غَيْرُ مَضْمُونٍ كَمَا لَوْ قَالَ بَايِعْ فِي السُّوقِ عَلَى أَنَّ كُلَّ خُسْرَانٍ يَلْحَقُك فَعَلَيَّ أَوْ قَالَ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ إنْ أَبَقَ عَبْدُك فَعَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ وَمَعْنَى عَلَيَّ مُنْصَرِفٌ إلَى الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ يَكُونُ الْمَبِيعُ لَهُ فَأَعْنِي عَنْ قَوْلِهِ فَهُوَ تَوْكِيلٌ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِقْدَارُهُ وَلَا ثَمَنُهُ فَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي حِنْطَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهَا وَلَا ثَمَنَهَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ إيفَاءُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَدْرَهُ إنَّمَا هُوَ ثَمَنُ الْحَرِيرِ الَّذِي يُبَاعُ بِهِ لَا ثَمَنُ مَا يَشْتَرِيه الْكَفِيلُ بِهِ. اهـ.

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَيَّ حَرِيرًا اشْتَرِ حَرِيرًا بِطَرِيقِ الْعِينَةِ وَمَا لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ الْعَيْنُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ لَا يُسَمَّى بَيْعَ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَرْجَعَةِ لَا الْعَيْنِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَكُلُّ بَيْعٍ بَيْعُ الْعِينَةِ وَفِي الْبِنَايَةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي هَذَا الْبَيْعِ حَصَلَتْ مِنْ الْمَجْمُوعِ فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْإِقْرَاضِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَالْبُخْلُ الْحَاصِلُ مِنْ طَلَبِ الرِّبْحِ فِي التِّجَارَاتِ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَكَانَتْ الْمُرَابَحَةُ مَكْرُوهَةً. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ ذَمُّوا الْبِيَاعَاتِ الْكَائِنَةَ الْآنَ أَشَدُّ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ لِلتِّجَارَةِ: إنَّ الْعِينَةَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ بِيَاعَاتِكُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ فَكَثِيرٌ مِنْ الْبِيَاعَاتِ كَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالشَّيْرَجُ وَغَيْرِ ذَلِكَ اسْتِقْرَارُ وَزْنِهَا عَلَيْهَا مَظْرُوفَةً ثُمَّ إسْقَاطُ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ عَلَى الظَّرْفِ وَبِهِ يَصِيرُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فِي حُكْمِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا جَبْرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا أَعْنِي الْوُجُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ كَوْنِهِ نَمَاءُ مِلْكِهِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ شَرْعًا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّنَزُّهُ عَمَّا فِي مِلْكِهِ مِنْ الْخَبَثِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهِ لِتَعَيُّنِهِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ إذْ لَوْ وَجَبَ حَقًّا لِلْعَبْدِ لَأَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِالْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إلَخْ) قَالَ بَعْدَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَجَّرَ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ رَدَّهُ فَإِنَّ الْأَجْرَ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. اهـ.

وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صُورَةِ مَا إذَا اتَّجَرَ فِي الْمَغْصُوبِ الْمُتَعَيَّنِ وَرَبِحَ فِيهِ وَهَذَا فِيمَا إذَا أَجَّرَ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْأَجْرَ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ وَلَوْ وَصَلْيَةٌ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ هَكَذَا وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِيفَاءُ كَانَ الْحَاصِلُ اشْتَرِ لِي حَرِيرًا يَكُونُ ثَمَنُهُ الَّذِي تَبِيعُهُ بِهِ فِي السُّوقِ قَدْرَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْنَا وَهُوَ لَا يُعَيِّنُ قَدْرَ ثَمَنِ الْحَرِيرِ الْمُوَكِّلُ بِشِرَائِهِ بَلْ مَا يُبَاعُ بِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِيفَاءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَكَيْفَ مَا كَانَ بَعْدَ تَوْكِيلًا فَاسِدًا أَوْ ضَمَانًا بَاطِلًا انْتَهَتْ.

ص: 256

الْغَصْبِ الْمُحَرَّمِ فَأَيْنَ هُوَ مِنْ بَيْعٍ جَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ. اهـ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَغَابَ الْمَطْلُوبُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفًا لَمْ يُقْبَلْ) لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ يَقْضِي بِهِ وَهَذَا فِي لَفْظِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَابَ تَقَرَّرَ وَهُوَ وَبِالْقَضَاءِ إذْ الْمَضْمُونُ مَالٌ يُقْضَى بِهِ وَهَذَا مَاضٍ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبِلُ كَقَوْلِهِ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَالدَّعْوَى عَلَى الْكَفِيلِ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِأَنَّ الْمَالَ وَجَبَ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَعْدَهَا كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا فَلَا تَصِحُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ الْأَصِيلُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ عَنْهُ وَجَزْمُهُمْ هُنَا بِعَدَمِ الْقَبُولِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ أَمَّا عَلَى أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَيَنْبَغِي النَّفَاذُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْوُجُوبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِأَنْ قَالَ حَكَمَ لِي عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانٌ بِكَذَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَبَرْهَنَ قَبْلُ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْكَفَالَةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ أَقَرَّ عَلَى الْأَصِيلِ بِأَلْفٍ لَمْ تَجِبْ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُوجِبُ عَلَى الْأَصِيلِ شَيْئًا فَلَمْ يَجِبْ بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ.

قَوْلُهُ (وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا وَأَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ بِلَا أَمْرٍ قُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَقَطْ) وَإِنَّمَا قُبِلَ الْبُرْهَانُ هُنَا لِأَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَجَزْمُهُمْ هُنَا بِعَدَمِ الْقَبُولِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ إلَخْ) أَقُولُ: بَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِيَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِعَدَمِ النَّفَاذِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهِ، كَذَا فِي الْمِنَحِ شَرْحِ التَّنْوِيرِ وَأَقَرَّهُ الرَّمْلِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي النَّهْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْبُرْهَانَ لَا يُقْضَى بِهِ بَلْ يُقْضَى بِهِ إذْ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فِي مِثْلِهِ صَحِيحٌ فَفِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ فُلَانٍ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الْحَقَّ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ الْحَاضِرِ وَفِي حَقِّ الْغَائِبِ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ. اهـ.

كَذَا فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْكَفِيلَ يَكُونُ هُنَاكَ خَصْمًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ خَصْمًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَوْجُودٌ فِي فَرْعِ الْفُصُولِ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.

أَقُولُ: وَقَدْ أَجَابَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ وَقَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ لِكَوْنِ الدَّعْوَى مُطْلَقَةً وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالدَّعْوَى مُطْلَقَةٌ عَنْ ذَلِكَ صَرِيحٌ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَجَابَ بِهِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَقَدْ يَدْفَعُ مَا نُظِرَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ خَصْمًا فِيمَا نَحْنُ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ جَعَلَ الذَّوْبَ شَرْطًا لِلْكَفَالَةِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الذَّوْبُ بَعْدَهَا لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَالدَّعْوَى مُطْلَقَةٌ عَنْ ذَلِكَ لَمْ تَشْهَدْ بِقَضَاءِ مَالٍ وَجَبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَلَمْ تَقُمْ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ كَفِيلًا عَنْ الْغَائِبِ بَلْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ. اهـ.

وَهَذَا بِخِلَافِ فَرْعِ الْعِمَادِيَّةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَاكَ ادَّعَى أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ ذَابَ بِمَعْنَى تَقَرَّرَ وَوَجَبَ وَهُوَ بِالْقَضَاءِ فَيُسَاوِي الْفَرْعُ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ حَكَمَ لِي عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانٌ بِكَذَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ خَصْمًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ وَرَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْوَانِيِّ عَلَى شَرْحِ الدُّرَرِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ النَّقْضَ بِفَرْعِ الْعِمَادِيَّةِ وَدَفَعَهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ يُفِيدُ تَقْيِيدَ الْكَفَالَةِ بِحَقٍّ وَجَبَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ يَجِبُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَأَنَّهُ قَالَ كَفَلْت إنْ وَجَبَ دَيْنٌ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ بِأَنْ قُضِيَ بِهِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ بِالْكَفَالَةِ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ مَقْضِيٌّ بِهِ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ قَالَ مَا قَالَ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. اهـ.

قُلْتُ: وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا قُلْنَا أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ كَفَلْت فِيمَا قُضِيَ لَك عَلَى فُلَانٍ أَيْ بِمَا يُقْضَى لَك عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الْكَفَالَةُ، فَإِذَا بَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفًا لَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ خَصْمًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ كَفَالَتِهِ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ يَثْبُتُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصِيلِ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَهُنَا لَمْ تَصِحَّ فَلَمْ يَثْبُتْ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصِيلِ لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْفُصُولِ فَإِنَّ الْمُدَّعِي قَدْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ كَذَا أَيْ أَنَّهُ قَضَى لَهُ فُلَانٌ الْقَاضِي أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ كَذَا فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْكَفَالَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْقَاضِي الَّذِي بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَارَ الْكَفِيلُ خَصْمًا لِوُجُودِ شَرْطِ الْكَفَالَةِ وَهُوَ الْحُكْمُ بِالْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَالْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى إلْزَامُ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ بِمُقْتَضَى كَفَالَتِهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ

ص: 257

الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ مُطْلَقٌ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِالْأَمْرِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُمَا يَتَغَايَرَانِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْأَمْرِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً وَبِغَيْرِ أَمْرٍ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَبِدَعْوَاهُ أَحَدِهِمَا لَا يُقْضَى لَهُ بِالْآخَرِ، وَإِذَا قُضِيَ بِهَا بِالْأَمْرِ يَثْبُتُ أَمْرُهُ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا وَالْكَفَالَةُ بِأَمْرٍ لَا تَمَسُّ جَانِبَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ صِحَّتُهَا قِيَامَ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْكَفِيلِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ فِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرٍ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْآمِرِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ فَقَدْ ظَلَمَ فِي زَعْمِهِ فَلَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ مَا زَعَمَهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا وَإِنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ يَعْنِي بِهَذَا الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَوْ كَانَتْ مُطْلَقَةً نَحْوَ أَنْ يَقُولَ كَفَلْت بِمَالِك عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْكَفِيلِ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصِيلِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِهِ عَلَى الْأَصِيلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْكَفِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْأَصِيلِ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَنْهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ حَقًّا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ مَشَايِخُنَا وَهَذَا طَرِيقُ مَنْ أَرَادَ إثْبَاتَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْكَفِيلِ وَالْغَائِبِ اتِّصَالٌ.

وَكَذَا إذَا خَافَ الطَّالِبُ مَوْتَ الشَّاهِدِ يَتَوَاضَعُ مَعَ رَجُلٍ وَيَدَّعِي عَلَيْهِ مِثْلَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ فَيُقِرُّ الرَّجُلُ بِالْكَفَالَةِ وَيُنْكِرُ الدَّيْنَ فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّيْنِ فَيُقْضَى بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ ثُمَّ يُبَرِّئُ الْكَفِيلَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مُطْلَقَةٌ عَنْ الْمِقْدَارِ وَمُقَيَّدَةٌ بِهِ وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا بِالْأَمْرِ أَوْ بِعَدَمِهِ فَلَا تَفْصِيلَ فِي الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الْحِيلَةُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُقَيَّدَةِ وَلَا تَصْلُحُ لِلْحِيلَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّعَدِّي إلَى الْغَائِبِ كَوْنُهَا بِأَمْرِهِ وَالْحَوَالَةُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْكَفَالَةَ الْمُطْلَقَةَ وَهِيَ الْحِيلَةُ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ وَلَيْسَ هُوَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسَخَّرِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ عَلَى الْكَفِيلِ ثُمَّ يُبَرِّئُ الْمُدَّعِي الْكَفِيلَ عَنْ الْمَالِ وَالْكَفَالَةِ وَيَبْقَى الْمَالُ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ. اهـ.

وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ مِنْ الصُّوَرِ الْكَفَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى آخِرِهِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمُطْلَقَةِ وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ (وَكَفَالَتُهُ بِالدَّرَكِ تَسْلِيمٌ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَوْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ فَتَمَامُهُ بِقَبُولِهِ ثُمَّ بِالدَّعْوَى يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ

ــ

[منحة الخالق]

عَلَيْهِ إلَى الْحُكْمِ عَلَى الْأَصِيلِ الْغَائِبِ فَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا فَقَدْ ظَهَرَ مَا قَالَهُ الْوَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنَّمَا بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا وَقَعَ فَهْمُ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الْإِضْرَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نَقُولُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ مَا زَعَمَهُ) اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْخَصْمِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَثْبُتُ أَوَّلًا بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي كَذَّبَهُ الشَّرْعُ بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّنَاقُضُ لِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَحْتَاجُ فِيهَا ثَانِيًا إلَى الدَّعْوَى وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَلَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ أَمَتَهُ هَذِهِ ثُمَّ قَالَ لَسْت أَنَا بَائِعُك قَطُّ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي فَوَجَدَ عَيْبًا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَهُ وَبَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَرَاءَةَ لِلتَّنَاقُضِ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْإِنْكَارَ مَعْدُومٌ مِنْ وَجْهٍ مَوْجُودٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُعْمَلُ بِالْوَجْهَيْنِ فَاعْتُبِرَ عَدَمُهُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى ثَانِيًا وَاعْتُبِرَ وُجُودُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَلْيَكُنْ هَذَا فِي ذِكْرٍ مِنْك فَإِنَّهُ كَثِيرُ النَّفْعِ، كَذَا فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُقَيَّدَةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهَا تَصْلُحُ لِلْحِيلَةِ لَوْ بِالْأَمْرِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلُ كَفَلَ لِي عَنْ الْغَائِبِ بِالْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ فَهَذَا وَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ بِأَمْرِهِ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ يَقْضِي بِالْأَلْفِ عَلَى الْحَاضِرِ وَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْكَفَالَةَ الْعَامَّةَ فَلَا تَفْصِيلَ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي إلَخْ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ قُبَيْلَ بَابَ التَّحْكِيمِ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي رَايَتُهُ فِيهِ مُوَافِقٌ لِمَا هُنَا وَهَذَا نَصُّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا عَلَى أَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ الْغَائِبِ بِأَمْرِهِ فَأَقَرَّ الْحَاضِرُ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَثْبُتُ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَزِمَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمُطْلَقَةِ) فِي الْحَصْرِ نَظَرٌ بَلْ فِي الْمُقَيَّدَةِ بِمِقْدَارٍ إذَا كَانَتْ بِالْأَمْرِ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت نَعَمْ يَظْهَرُ التَّخْصِيصُ بِالْمُطْلَقَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شُهُودٌ عَلَى كَوْنِ الْكَفَالَةِ بِالْأَمْرِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ شُهُودٌ عَلَيْهَا وَأَثْبَتَ ذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ يَثْبُتُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً وَكَأَنَّهُ خَصَّ الْمُطْلَقَةَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حِيلَةِ الْإِثْبَاتِ

ص: 258

مَشْرُوطَةً فِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إذْ لَا يَرْغَبُ فِيهِ دُونَ الْكَفَالَةِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا تَسْلِيمًا أَنَّهَا تَصْدِيقٌ مِنْ الْكَفِيلِ بِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُ الْبَائِعِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْكَفِيلُ الدَّارَ لِنَفْسِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فَلَا يُفِيدُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ شَفِيعُهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِالْمِلْكِ فِيهَا وَبِالشُّفْعَةِ وَبِالْإِجَارَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَالدَّرَكُ فِي اللُّغَةِ التَّبَعَةُ يُحَرَّكُ وَيُسَكَّنُ وَفِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ بُيُوعِ الْخُلَاصَةِ مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا - رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. وَالثَّانِي - إذَا وَهَبَ جَارِيَتَهُ مِنْ إنْسَانٍ فَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ الْوَاهِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْجَارِيَةِ وَالْعُقْرِ. اهـ.

وَالْحَصْرُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ الْبُيُوعِ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَبِيعَ حُرٌّ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقَفَهَا وَأَنَّهَا وَقْفٌ فَإِنْ بَيِّنَتَهُ مَقْبُولَةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ لَكِنْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ مَعَ أَنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ.

(قَوْلُهُ: وَشَهَادَتُهُ وَخَتْمُهُ لَا) أَيْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَالشَّاهِدُ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَرَّةً يُوجَدُ مِنْ الْمَالِكِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ كَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْفَظَ الْحَادِثَةَ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. قَالُوا: إذَا كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ أَوْ بَيْعًا بَاتًّا نَافِذًا أَوْ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ كَانَ تَسْلِيمًا إلَّا إذَا كَتَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالْبَيْعِ وَقُضِيَ بِشَهَادَتِهِ أَوْ لَمْ يُقْضَ كَانَ تَسْلِيمًا أَوْ التَّقْيِيدُ بِالْخَتْمِ لِبَيَانِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْكِتَابَةِ بِلَا خَتْمٍ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا بِالْأَوْلَى وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ بِنَاءً عَلَى عَادَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَخْتِمُونَهُ بَعْدَ كِتَابَةِ أَسْمَائِهِمْ عَلَى الصَّكِّ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّزْوِيرِ وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْخَتْمُ أَمْرٌ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ إذَا كَتَبَ اسْمَهُ فِي الصَّكِّ جَعَلَ اسْمَهُ تَحْتَ رَصَاصٍ مَكْتُوبًا وَوَضَعَ نَقْشَ خَاتَمِهِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقَهُ التَّبْدِيلُ وَلَيْسَ هَذَا فِي زَمَانِنَا. اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ يَدُلُّ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ زَمَانًا لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ بَاعَ عَقَارًا وَبَعْضُ أَقَارِبِهِ حَاضِرٌ إلَى آخِرِهِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ أَوْ رَهَنَ بِهِ أَوْ ضَمِنَ نَوَائِبَهُ أَوْ قِسْمَتَهُ صَحَّ) أَمَّا الْخَرَاجُ فَلِكَوْنِهِ دَيْنًا مُطَالَبًا بِهِ قَيَّدَ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الضَّمَانُ بِهَا عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ فِعْلٍ وَلِهَذَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إلَّا بِوَصِيَّتِهِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْخَرَاجَ الْمُوَظَّفُ وَخَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ وَخَصَّصَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُوَظَّفِ وَهُوَ مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَنَفَى صِحَّةَ الضَّمَانِ بِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالرَّهْنُ كَالْكَفَالَةِ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِيهِ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالدَّرَكِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِهِ جَائِرَةٌ دُونَ الرَّهْنِ، وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَجَمْعُ نَائِبَةٍ وَفِي الصِّحَاحِ النَّائِبَةُ الْمُصِيبَةُ وَاحِدَةُ نَوَائِبِ الدَّهْرِ. اهـ.

وَفِي اصْطِلَاحِهِمْ قِيلَ أَرَادَ بِهَا مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَأُجْرَةِ الْحُرَّاسِ وَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَالِ الْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسْرَى وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ الَّتِي فِي زَمَانِنَا يَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ هُوَ الْأَوَّلُ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَضْمُونٌ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الثَّانِيَ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ؛ لِأَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ أَوْ الدَّيْنِ وَهُنَا لَا مُطَالَبَةَ وَلَا دَيْنَ

ــ

[منحة الخالق]

عَلَى الْغَائِبِ بِالْمُوَافَقَةِ وَذَلِكَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ.

(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إلَخْ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ لَكِنْ نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ فَتَاوَى الشَّيْخِ الشَّلَبِيِّ أَنَّ حُضُورَهُ مَجْلِسَ الْبَيْعِ وَسُكُوتَهُ بِلَا مَانِعٍ مَانِعٌ لَهُ مِنْ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ حَسْمًا لَبَابِ التَّزْوِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَخَصَّصَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُوَظَّفِ) مَشَى عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ ثُمَّ قَالَ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قُيِّدَتْ الْكَفَالَةُ بِمَا إذَا كَانَ خَرَاجًا مُوَظَّفًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الذَّبِّ عَنْ حَوْزَةِ الدَّيْنِ وَحِفْظِهِ فَكَانَ كَالْأُجْرَةِ لِإِخْرَاجِ مُقَاسَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَقَرِينَةُ إرَادَةِ الْمُوَظَّفِ قَوْلُهُ أَوْ رَهَنَ بِهِ إذْ الرَّهْنُ بِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ بِخِلَافِ الْمُوَظَّفِ. اهـ.

مَا فِي النَّهْرِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَاَلَّذِي اعْتَمَدُوهُ جَمِيعًا فِي التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْمُوَظَّفِ، أَمَّا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ فَجُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ وَهُوَ عَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ وَالْكَفَالَةُ بِأَعْيَانٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ لَا تَجُوزُ كَالزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ. اهـ.

(قَوْلُ صَدْرِ الْإِسْلَامِ) هُوَ أَبُو الْيُسْرِ رَمْلِيٌّ

ص: 259

شَرْعِيَّانِ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَاهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجُوزُ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَرْذَوِيُّ أَخُو صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ مِثْلُ سَائِرِ الدُّيُونِ بَلْ فَوْقَهَا وَالْعِبْرَةُ لِلْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِالْتِزَامِهَا فَالْمُطَالَبَةُ الْحِسِّيَّةُ كَالْمُطَالَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِذَا قُلْنَا وَمَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِسْطِ أَيْ بِالْعَدْلِ يُؤْجَرُ وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بِالْأَخْذِ ظَالِمًا وَقُلْنَا مَنْ قَضَى نَائِبَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ كَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ وَفِي الْعِنَايَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَا عَنْ إكْرَاهٍ أَمَّا إذَا كَانَ مُكْرَهًا فِي الْأَمْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِي الرُّجُوعِ. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ: إنَّهَا ضَمٌّ فِي الدَّيْنِ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا هُنَا وَمَنْ قَالَ فِي الْمُطَالَبَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ بِصِحَّتِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّيْنِ أَوْ مَعْنَاهُ أَوْ مُطْلَقًا. اهـ.

وَقَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّيْنِ مَمْنُوعٌ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّيْنِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَشْمَلْ التَّعْرِيفُ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا ضَمٌّ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْحُضُورِ وَفِي قَوْلِهِ أَوْ مُطْلَقًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ بِأَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ مُطْلَقًا لَا يَمْنَعُهَا هُنَا.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ صَادَرَ الْوَالِي رَجُلًا وَطَلَبَ مِنْهُ مَالًا وَضَمِنَ رَجُلٌ ذَلِكَ وَبَذَلَ الْحَطَّ ثُمَّ قَالَ الضَّامِنُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَالِي عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ الشَّرْعِيَّةَ كَالْمُطَالَبَةِ الْحِسِّيَّةِ. اهـ.

وَلَوْ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ الْحِسِّيَّةَ كَالْمُطَالَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَالْفَتْوَى عَلَى الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا وَإِنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِالْجِبَايَاتِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَصِحُّ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَكَذَا السُّلْطَانُ إذَا صَارَ رَجُلًا فَأَمَرَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ الْمَالَ لِكُلِّ مَا هُوَ مُطَالَبٌ بِهِ حِسًّا جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِهِ فَإِنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ إنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ بِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَإِلَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرْجِعُ، ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْمَسْأَلَةَ إذَا أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ إنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْأَسِيرِ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَمْرِهِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ سَوَاءٌ أَمَرَهُ الْأَسِيرُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيَّ وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ أَنْفِقْ مِنْ مَالِك عَلَى عِيَالِي أَوْ أَنْفِقْ فِي بِنَاءِ دَارِي فَأَنْفَقَ الْمَأْمُورُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ بِمَا أَنْفَقَ وَكَذَا الْأَسِيرُ إذَا أَمَرَ رَجُلًا لِيَدْفَعَ الْفِدَاءَ وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ. اهـ.

لَكِنْ قَاضِي خَانْ خَالَفَ ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الْجِبَايَاتُ الَّتِي يُوَظِّفُهَا السُّلْطَانُ عَلَى النَّاسِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَصِحُّ بِهَا الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهَا مُطَالَبٌ بِهَا حِسًّا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا مَنْ قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ فِي الْأَمْرِ يَرْجِعُ بِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الضَّمَانَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا وَلَوْ أَدَّاهُ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الضَّمَانَ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ فِي حَقِّ الْآخِذِ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ فَلَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ مَمْنُوعٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا الْمَمْنُوعُ مَمْنُوعٌ إذْ الْكَلَامُ فِي الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ لَا بِالنَّفْسِ. (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ أَوْ مُطْلَقًا نَظَرٌ إلَخْ) أَقُولُ: مُرَادُ الْمُحَقِّقِ بَيَانُ وَجْهٍ لِلصِّحَّةِ وَوَجْهٍ لِلْمَنْعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ فَقَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّيْنِ أَوْ مَعْنَاهُ وَجْهٌ لِلْمَنْعِ وَقَوْلُهُ أَوْ مُطْلَقًا وَجْهٌ لِلصِّحَّةِ فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ الْحِسِّيَّةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ عَكْسِ التَّشْبِيهِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْأَبْلَغِيِّةِ فَلَا أَوْلَوِيَّةَ كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ الْمَقَامُ مَقَامَ الْبَلِيغَةِ وَهَذَا الشَّارِحُ لَمْ يَنْفِ الْجَوَازَ إنَّمَا ذَكَرَ الْأَوْلَوِيَّةَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ إلَخْ) رَجَّحَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَدَمَهَا مُسْتَنِدًا إلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ضَمَانَ الْجِبَايَاتِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَصِحُّ فَجَعَلَهُ قَوْلَ الْعَامَّةِ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِلَا بُرْهَانٍ وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَالْعِلَّةُ لَهُ أَنَّ الظُّلْمَ يَجِبُ إعْدَامُهُ وَيَحْرُمُ تَقْرِيرُهُ وَفِي الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ تَقْرِيرُهُ، وَقَالَ مُؤَيَّدُ زَادَهْ فِي مَجْمُوعِهِ نَقْلًا عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَالْأَسِيرُ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ خَلِّصْنِي فَدَفَعَ الْمَأْمُورُ مَالًا وَخَلَّصَهُ مِنْهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ يَرْجِعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ لَا يَرْجِعُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَهُوَ مُدَافِعٌ لِمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَقَوْلُ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ الصِّحَّةُ لَا يَدْفَعُ قَوْلَ صَاحِبِ الْمُحِيطِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. مُلَخَّصًا.

أَقُولُ: غَايَتُهُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ، وَقَالُوا لَا يَعْدِلُ عَنْ تَصْحِيحِ قَاضِي خَانْ كَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ تَصْحِيحٌ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْمُحِيطِ لَمْ يَسْتَوْفِ شَرَائِطَ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالرُّجُوعِ وَهُوَ بِأَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى لَفْظَةِ عَنِّي أَوْ عَلَيَّ

ص: 260

كَالدُّيُونِ الصَّحِيحَةِ حَتَّى لَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْأَكَّارِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِك الْأَرْضِ. اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ الصَّحِيحُ الصِّحَّةُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا وَالرِّوَايَةُ بِأَوْ وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ وَالْمُرَادُ بِالنَّوَائِبِ مَا يَنُوبُهُ عَنْ رَاتِبٍ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ فِعْلٌ وَهَذَا الْفِعْلُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَرُدَّ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَجِيءُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] وَالْمُرَادُ النَّصِيبُ.

وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدَاوِيُّ قَالَ مَعْنَاهَا أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ مِنْ صَاحِبِهِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ عَنْ ذَلِكَ فَضَمِنَ إنْسَانًا لِيَقُومَ مَقَامَهُ فِي الْقِسْمَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهَا إذَا اقْتَسَمَا ثُمَّ مَنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَسْمَ صَاحِبِهِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ عَلَى هَذَا قِسْمَةً بِالضَّمِيرِ لَا بِالتَّاءِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقِسْمَةَ بِالتَّاءِ تَجِيءُ بِمَعْنَى الْقِسْمِ بِلَا تَاءٍ وَقِيلَ هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا فَالْعَطْفُ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ وَقِيلَ مَا يَخُصُّ الرَّجُلَ مِنْهَا وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْطِفَ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ لِيَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الدِّيوَانِيَّةُ كُلُّ شَهْرٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَالنَّوَائِبُ غَيْرُ الرَّاتِبَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ثُمَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْأَفْضَلُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُسَاوِيَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ فِي إعْطَاءِ النَّائِبَةِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْحَاجَةِ وَالْجِهَادِ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَأَكْثَرُ النَّوَائِبِ تُؤْخَذُ ظُلْمًا وَمَنْ تَمَكَّنَ دَفْعَ الْمَظْلِمَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ إذَا أَرَادَ الْإِعْطَاءَ فَلْيُعْطِ مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ لِفَقْرٍ لِيَسْتَعِينَ بِهِ الْفَقِيرُ عَلَى الظُّلْمِ وَيَنَالَ الْمُعْطِي الثَّوَابَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ) فَقَالَ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالدَّيْنِ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ إنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ، قَيَّدَ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ، وَقَالَ الْمَقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى أَجَلٍ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ، وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْأَجَلَ فِي الدَّيْنِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِشَرْطٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ كَمَا فِي الْخِيَارِ، وَأَمَّا الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ فَنَوْعٌ حَتَّى يَثْبُتَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ، وَالشَّافِعِيُّ أَلْحَقَ الدَّيْنَ بِالْكَفَالَةِ وَأَبُو يُوسُفَ عَكْسُهُ وَالْفَرْقُ قَدْ أَوْضَحْنَاهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَالْحِيلَةُ فِيهَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَادَّعَى عَلَيْهِ وَخَافَ الْكَذِبَ إنْ أَنْكَرَ وَالْمُؤَاخَذَةَ فِي الْحَالِ إنْ أَقَرَّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي هَذَا الَّذِي تَدَّعِيهِ مِنْ الْمَالِ حَالٌّ أَمْ مُؤَجَّلٌ فَإِنْ قَالَ مُؤَجَّلًا فَلَا دَعْوَى عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَإِنْ قَالَ حَالٌّ فَيُنْكِرُهُ وَهُوَ صَدُوقٌ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَقِيلَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ قِبَلِي حَقٌّ؛ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ إتْوَاءَ حَقِّهِ اهـ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ الْمُشْتَرِي

ــ

[منحة الخالق]

فَلِهَذَا صَحَّحَ عَدَمَ الرُّجُوعِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَمْرِهِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ سَوَاءٌ أَمَرَ الْأَسِيرُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيَّ، وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ أَنْفِقْ مِنْ مَالِك عَلَى عِيَالِي أَوْ فِي بِنَاءِ دَارِي. اهـ.

فَعَلِمَ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ هُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُهُ مَا قُلْنَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ وَالِاسْتِحْسَانُ خِلَافُهُ وَهَذَا غَيْرُ مَسْأَلَتِنَا كَمَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا عِنْدَ اسْتِيفَاءِ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالنَّوَائِبِ رُجُوعُ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ لِطَالِبِهَا الظَّالِمِ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ يَجِبُ إعْدَامُهُ وَلَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ فَلَا تَغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْكَلَامِ. اهـ. وَلَعَمْرِي أَنَّهُ تَنْبِيهٌ حَسَنٌ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوا الرُّجُوعَ عَلَى الْكَفِيلِ وَكَيْفَ يَسُوغُ الْقَوْلُ بِرُجُوعِ الْمَكْفُولِ لَهُ الظَّالِمِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا مَرَّ عَنْ الرَّمْلِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَالْعِلَّةُ لَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مُسَلَّمٌ لَوْ قُلْنَا بِرُجُوعِ الظَّالِمِ عَلَى الْكَفِيلِ أَمَّا عَلَى مَا قُلْنَا فَلَيْسَ فِيهِ تَقْرِيرُ الظُّلْمِ بَلْ فِيهِ رَفْعُهُ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْكَفِيلُ يَحْبِسُ الظَّالِمُ الْمَكْفُولَ وَيَضْرِبُهُ وَيَبِيعُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَعَقَارَهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ أَوْ يُلْجِئُهُ إلَى بَيْعِهِ أَوْ الِاسْتِدَانَةِ بِالْمُرَابَحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُشَاهَدٌ وَبِالْكَفَالَةِ يَرْتَفِعُ كُلُّ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِلْفَهْمِ الْقَاصِرِ فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَخَذْت مِنْ الْأَكَّارِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِك الْأَرْضِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا هُوَ مُرَتَّبٌ مِنْ جِهَةِ الْأَعْرَابِ عَلَى الْمَزَارِعِ وَيُسَمَّى فِي عُرْفِنَا فِلَاحَةُ الْعَرَبِ لَوْ أَخَذْت مِنْ الْأَكَّارِ جَبْرًا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمَا هُوَ مُرَتَّبٌ أَوْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُرَتَّبِ لِأَنَّهَا مِنْ قِسْمِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ تَأَمَّلْ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَكَّارَ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَكْفُلْ مَالِكُ الْأَرْضِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ هِيَ النَّوَائِبُ إلَخْ) قَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَقِيلَ هِيَ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا.

ص: 261