الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُكَلَّفِ أَوْ جُنُونِهِ لَيْسَ بِنَسْخٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سُقُوطُ التَّكْلِيفِ جُمْلَةً.
الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْمَرْفُوعُ مُقَيَّدًا بِوَقْتٍ يَقْتَضِي دُخُولُهُ زَوَالَ الْمُغَيَّا بِغَايَةٍ، فَلَا يَكُونُ نَسْخًا عِنْدَ وُجُودِهَا.
الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ أَقْوَى مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلَهُ، فَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ مِنْهُ لَمْ يَنْسَخْهُ، لِأَنَّ الضَّعِيفَ لَا يُزِيلُ الْقَوِيَّ. قَالَ إِلْكِيَا: وَهَذَا مِمَّا قَضَى بِهِ الْعَقْلُ، بَلْ دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَنْسَخُوا نَصَّ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.
السَّادِسُ: وَذَكَرَهُ إِلْكِيَا أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضَى بِالْمَنْسُوخِ غَيْرَ الْمُقْتَضَى بِالنَّاسِخِ، حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْبَدَاءُ. قَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ بِالِاتِّفَاقِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ النَّاسِخُ مُتَنَاوِلًا لِمَا تَنَاوَلَهُ الْمَنْسُوخُ، أَعْنِي التَّكْرَارَ وَالْبَقَاءَ، إذْ لَا يُمْنَعُ فَهْمُ الْبَقَاءِ بِدَلِيلٍ آخَرَ سِوَى اللَّفْظِ، وَمِنْ هُنَا يُفَارِقُ التَّخْصِيصَ.
السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ نَسْخًا، مَعَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا. فَلَا يَدْخُلُ النَّسْخُ أَصْلَ التَّوْحِيدِ بِحَالٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَكَذَا مَا عُلِمَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ يَتَأَبَّدُ وَلَا يَتَأَقَّتُ فَلَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ، كَشَرِيعَتِنَا هَذِهِ. قَالَ سُلَيْمٌ: وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا نَسْخَ فِي الْأَخْبَارِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهَا عَلَى خِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ. وَكَذَا قَالَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ. وَقَالَ: الضَّابِطُ فِيمَا يُنْسَخُ مَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ مِنْ حُسْنٍ لِقُبْحٍ. .
[نَسْخِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالتَّأْبِيدِ]
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالتَّأْبِيدِ وَجْهَيْنِ، حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا: أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّ صَرِيحَ التَّأْبِيدِ مَانِعٌ مِنْ احْتِمَالِ النَّسْخِ. قَالَ: وَأَشْبَهَهُمَا الْجَوَازُ. قُلْت: وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ إلَى مُعْظَمِ الْعُلَمَاءِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ
فِي " الْمُعْتَمَدِ " إلَى الْمُحَقِّقِينَ. قَالَ: لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي لَفْظِ التَّأْبِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي لَفْظِ الْأَمْرِ الْمُبَالَغَةُ لَا الدَّوَامُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ كَالْمُؤَكَّدِ. وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ انْقِطَاعُ الْمُؤَبَّدِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] الْآيَةَ جَازَ انْقِطَاعُهُ بِالنَّسْخِ كَالْمُطْلَقِ. وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ تَخْصِيصُ الْحُكْمِ الْمُؤَكَّدِ. وَقَالَ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ": ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ جَوَازُ نَسْخِ الْحُكْمِ الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِكَلِمَةِ التَّأْبِيدِ، وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ.
وَقَالَ الْجَصَّاصُ: الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا امْتِنَاعُ نَسْخِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَنَا اعْتِقَادَ الْحُكْمِ بَاقِيًا عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ مُؤَقَّتًا إلَى وَقْتٍ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَالدَّبُوسِيُّ، والبزدويان الْأَخَوَانِ، وَادَّعَى شَارِحُ الْبَزْدَوِيِّ فِي " الْكَشْفِ " الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ التَّنْصِيصَ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الزَّمَانِ بِخُصُوصِهِ يَمْنَعُ النَّسْخَ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِمَا إذَا كَانَ إنْشَاءً، نَحْوُ: صُومُوا أَبَدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَبَرًا مِثْلَ: الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا،