الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ فَقَالَ: نَحْوُ قَوْلِهِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ، وَ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» هِيَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ مَعًا بِالْمَنْطُوقِ وَالْآخَرُ بِالْمَفْهُومِ. قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: هُمَا جَمِيعًا بِالْمَنْطُوقِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالْمَفْهُومِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ:(لَا صِيَامَ) نَفْيٌ لِلصِّيَامِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَإِثْبَاتٌ لَهُ عِنْدَ وُجُودِهَا، كَقَوْلِك: لَا تُعْطِ زَيْدًا شَيْئًا إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ، فَكَانَ الْعَطَاءُ وَالْمَنْعُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِمَا، فَكَذَلِكَ هُنَا. اهـ.
[النَّوْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ مَفْهُومُ الْحَصْرِ]
ِ] وَلَهُ صِيَغٌ: الْأُولَى: وَهِيَ أَقْوَاهَا تَقْدِيمُ النَّفْيِ عَلَى إلَّا نَحْوُ: مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ، يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْقِيَامِ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِثْبَاتِهِ لَهُ، وَنَحْوُ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ، وَهُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ سَبَقَ، بَلْ قَالَ جَمَاعَةٌ: إنَّ ذَلِكَ مَنْطُوقٌ لَا مَفْهُومٌ، وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " الْمُلَخَّصِ "، وَرَجَّحَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ ". وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: النَّفْيُ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْإِثْبَاتِ فَإِنْ كَانَ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِإِثْبَاتِ مَا عَدَاهُ، كَقَوْلِهِ:«لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» فَلَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ بِالثَّالِثَةِ. وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءً كَقَوْلِهِ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ» فَيَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا بِالطُّهُورِ، وَيَكُونُ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ مُوجِبًا لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ مَا عَدَا الْإِثْبَاتَ فِي " إنَّمَا " مَوْقُوفًا أَنْ يَجْعَلَ مَا عَدَا النَّفْيَ مَوْقُوفًا.
وَقَالَ سُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ ": «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» يُفِيدُ إجْزَاءَ الصَّلَاةِ بِالطُّهُورِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يُفِيدُ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يُفِيدُ إجْزَاءَهَا. وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ:(إلَّا بِطُهُورٍ) يَقْتَضِي رَدَّ جَمِيعِ مَا نَفَاهُ بِقَوْلِهِ: (لَا صَلَاةَ) وَإِثْبَاتُهُ. قَالَ: وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ، وَذَهَبَ ابْنُ الدَّقَّاقِ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ فِي النَّوَافِلِ، فَيُقَالُ: لَا صَلَاةَ نَافِلَةٍ إلَّا بِطَهَارَةٍ. وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا وَإِجْزَائِهَا بِالطَّهَارَةِ.
وَقَالَ إِلْكِيَا: الْمَفْهُومُ يَجْرِي فِي النَّفْيِ كَالْإِثْبَاتِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ. قَالَ: وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إذَا قَالَ: لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، كَانَ نَصًّا فِي الْقَطْعِ فِي الرُّبْعِ مَفْهُومًا فِي الَّذِي فَوْقَهُ وَدُونَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي " أَمَالِيهِ ": الْإِثْبَاتُ بَعْدَ النَّفْيِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُفَرَّغِ مُفِيدٌ لِلْحَصْرِ، أَيْ يَنْفَرِدُ مَا بَعْدَ " إلَّا " بِذَلِكَ دُونَ الْعَامِّ الْمُقَدَّرِ. فَإِذَا قُلْت: مَا جَاءَ إلَّا زَيْدٌ، فَزَيْدٌ مُنْفَرِدٌ بِالْمَجِيءِ دُونَ الْآخَرِينَ الْمُقَدَّرِينَ فِي: مَا جَاءَ أَحَدٌ. وَإِذَا قُلْت: مَا زَيْدٌ إلَّا بَشَرٌ، لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ بَشَرًا غَيْرُهُ، لِأَنَّك إنَّمَا أَثْبَتَّهَا لَهُ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ. وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِنَفْيِهَا عَمَّنْ عَدَاهُ. وَهَكَذَا فِي كُلِّ مُسْتَثْنًى هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَالصِّفَةِ وَالْحَالِ. نَحْوُ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إلَّا رَاكِبًا، وَمَا زَيْدٌ إلَّا عَالِمٌ، لَمْ تُرِدْ نَفْيَ الرُّكُوبِ وَالْعِلْمِ عَمَّنْ عَدَاهُ، وَإِنَّمَا أَرَدْت ثُبُوتَ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ. فَإِنْ قُلْت: فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَنْفِيٌّ عَامٌّ، وَهَذَا مُثْبَتٌ مِنْهُ دُونَهُ فَيَكُونَ الْمَعْنَى إثْبَاتَ هَذِهِ الصِّفَةِ لَهُ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ. وَهُوَ غَيْرُ
مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّك إذَا قُلْت: مَا زَيْدٌ إلَّا قَائِمٌ، لَمْ يَسْتَقِمْ نَفْيُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ عَنْ زَيْدٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا كَانَ الْقِيَاسَ، وَلَكِنَّهُ أَتَى عَلَى غَيْرِهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لَامْتَنَعَ اسْتِعْمَالُ هَذَا الْبَابِ فِيهِ، فَيَفُوتُ كُلُّ مَعْنَاهُ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَصَدُوا إثْبَاتَ ذَلِكَ وَنَفْيَ مَا يَتَوَهَّمُ الْمُتَوَهِّمُ مِمَّا يُضَادُّ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:«لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» فَإِنَّ الْمَعْنَى إثْبَاتُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ الْمَشْرُوعَةِ، لَا إثْبَاتُ الطَّهَارَةِ لَهَا خَاصَّةً، يَلْزَمُ أَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ وُجِدَتْ، إذْ قَدْ تُوجَدُ الطَّهَارَةُ وَلَا تُشْرَعُ الصَّلَاةُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ آخَرَ.
الثَّانِيَةُ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ فِي الْقُوَّةِ: الْحَصْرُ بِإِنَّمَا، نَحْوُ: إنَّمَا زَيْدٌ فِي الدَّارِ، مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي غَيْرِهَا. قَالَ إِلْكِيَا: وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْغَايَةِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ " فَقَالَ: وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ، وَوَالَاهُ، ثُمَّ مَاتَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثُهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ.
وَالثَّانِي: لَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ عَمَّنْ أَعْتَقَ. وَلِهَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " الْحَاوِي ": مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ.
وَذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو حَامِدٍ، وَالْمَرْوَرُوذِيُّ إلَى أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَا الْإِثْبَاتَ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا فِي قُوَّةٍ (مَا، وَإِلَّا)، لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ فِيهَا بِالْمَنْطُوقِ أَوْ الْمَفْهُومِ عَلَى وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَإِذَا انْتَفَى حُكْمُ الْإِثْبَاتِ عَمَّا عَدَاهُ، فَقَدْ