الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ]
مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ، تَمَسَّكَ بِهَا الشَّافِعِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ عَلَى الثَّمَانِيَةِ الْأَصْنَافِ. فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ التَّمْلِيكُ، وَالْوَاوُ الْعَاطِفَةُ لِلْجَمْعِ وَالتَّشْرِيكِ. فَيَجِبُ اشْتِرَاكُ الْجَمِيعِ فِي مِلْكِ هَذَا الْمَالِ الَّذِي هُوَ الصَّدَقَةُ. وَخَالَفَ مَالِكٌ، وَرَأَى أَنَّ اللَّامَ فِيهَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَبَيَانِ الْمَصْرِفِ، لَا لِلْمِلْكِ وَالتَّشْرِيكِ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَنْ لَيْسَ أَهْلَهَا بِقَوْلِهِ:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58] فَإِنَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ طَلَبَهَا، فَأُجِيبَ بِقَوْلِهِ:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الْآيَةَ، أَيْ لَيْسَ الطَّالِبُ لَهَا مُسْتَحِقًّا، وَإِنَّمَا الْمُسْتَحِقُّ لَهَا هَذِهِ الْأَصْنَافُ الْمَذْكُورَةُ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ مُسْتَحَقِّينَ أَنْ يَشْتَرِكُوا، بَلْ اللَّازِمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَخْرُجَ عَنْهُمْ، وَتَوْزِيعُهَا عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَخْذِهَا مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَتَفْرِيقُهَا لِمَنْ يَرَاهُ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عليه السلام:«خُذْ صَدَقَةً مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ غَيْرَ صِنْفٍ. قَالَ أَصْحَابُنَا: الْمُقْتَصِرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ مُعَطِّلٌ لَا مُؤَوِّلٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا حَاصِلُهُ: ثُمَّ إنَّ الْحَاجَةَ لَيْسَتْ مَرْعِيَّةً فِي بَعْضِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ كَالْعَامِلِينَ، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَهَا لَا مِنْ جِهَةِ حَاجَتِهِمْ، وَكَالْغَارِمِينَ بِسَبَبِ حِمَالَةٍ يَحْمِلُونَهَا لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَقَدْ بَطَلَ التَّعْوِيلُ عَلَى الْحَاجَةِ.
وَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ مَنْعَ الشَّافِعِيُّ الْحُكْمَ لِقُصُورٍ الْإِبْيَارِيِّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ " وَقَالَ: اللَّامُ فِي " {لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] " إمَّا أَنْ تَكُونَ لِلتَّمْلِيكِ، أَوْ لِلْأَهْلِيَّةِ وَالِانْتِفَاعِ، كَالْجَلِّ لِلْفَرَسِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمِلْكَ صَحَّ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَإِلَّا فَلَا، لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَصِحَّةِ التَّصَرُّفِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، فَيَخْرُجُ الْكَلَامُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ عَنْ مَرَاتِبِ النُّصُوصِ. فَإِمَّا أَنْ نَقُولَ إنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ، مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ فِي الْحَالَيْنِ، فَيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مُفْتَقِرًا إلَى الدَّلِيلِ، أَوْ نُسَلِّمَ ظُهُورَ مَا قَالُوهُ، فَتَخْرُجَ الْمَسْأَلَةُ عَنْ تَعْطِيلِ النُّصُوصِ، وَيَكُونَ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْمَقْبُولَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ مَنْ صَارَ إلَيْهَا إلَى دَلِيلٍ يُعَضِّدُهُ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَصْلَ اللَّامِ لِلْمِلْكِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى كَمَا رَاعَى الْحَاجَةَ رَاعَى مَنْ يُصْلِحُ ذَاتَ الْبَيْنِ، وَمَنْ يَغْرَمُ، وَكُلَّ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا تَرْغِيبًا فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ ثُمَّ تَجْوِيزُ الدَّفْعِ إلَى الْغَارِمِ الْغَنِيِّ يُنَافِي كَوْنَ الْمَقْصُودِ الْحَاجَةَ.
وَمِنْهَا: تَأْوِيلُ مَالِكٍ " الِاسْتِجْمَارُ " فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» عَلَى الْبَخُورِ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ جَمَعَ كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ. وَلِهَذَا لَمَّا سَمِعَهُ مِنْهُ الْأَعْرَابِيُّ اسْتَنْكَرَهُ. حَكَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ.
وَمِنْهَا: تَأْوِيلُهُ النَّهْيَ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ بِالتَّغَوُّطِ وَالْبَوْلِ عَلَيْهِ، وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ:«لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جَسَدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» .