الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ". وَقَالَ: قَالَ الْجَصَّاصُ: الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْمَنْعُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَنَا اعْتِقَادَهُ بَاقِيًا عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ مُؤَقَّتًا. قَالَ: وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ جَوَازُهُ كَالْمُطْلَقِ، وَكَلِمَةُ التَّأْبِيدِ تُسْتَعْمَلُ لِلدَّوَامِ الْمَعْهُودِ. قُلْت: وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي التَّخْصِيصِ لِلْحُكْمِ الْمُؤَكِّدِ. .
[مَسْأَلَةٌ فِي نَسْخِ الْأَخْبَارِ]
ِ [الْخَبَر] إمَّا أَنْ يَنْسَخَ لَفْظَهُ أَوْ مَدْلُولَهُ. وَالْأَوَّلُ: إمَّا أَنْ يَنْسَخَ تَكْلِيفًا بِأَنْ يُخْبِرَ بِهِ، أَوْ تِلَاوَتَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فِيمَا يَقْبَلُ التَّغْيِيرَ كَإِيمَانِ زَيْدٍ أَمْ لَا. وَسَيَأْتِي حَدِيثُ:«لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا» ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَتُهُ، وَهُوَ خَبَرٌ، لَكِنْ هَلْ يَجُوزُ نَسْخُ تَكْلِيفِنَا بِالْإِخْبَارِ عَمَّا لَا يَتَغَيَّرُ تَكْلِيفًا بِالْإِخْبَارِ بِنَقِيضِهِ؟ مَنَعَهُ الْمُعْتَزِلَةُ، لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَالتَّكْلِيفُ فِيهِ قَبِيحٌ. قَالَ الْآمِدِيُّ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْبَاطِلَةِ عِنْدَنَا. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَلَا مَانِعَ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْخَبَرِ نَقِيضَ الْحَقِّ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ نَسْخُ مَدْلُولِهِ وَثَمَرَتِهِ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُلَقَّبَةُ بِنَسْخٍ
الْأَخْبَارِ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ، فَنَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ بِأَنْ لَا يَقَعَ إلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَصِفَاتِ اللَّهِ، وَخَبَرِ مَا كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ، وَمَا يَكُونُ مِنْ السَّاعَةِ وَآيَاتِهَا، كَخُرُوجِ الدَّجَّالِ، فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ "، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْكَذِبِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصِحُّ تَغْيِيرُهُ بِأَنْ يَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا، أَوْ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا، أَوْ خَبَرًا عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ.
فَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيَّانِ، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ، وَالْإِمَامُ الرَّازِيَّ إلَى جَوَازِهِ مُطْلَقًا، وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ " إلَى الْمُعْظَمِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى الْمَنْعِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ كَمَا رَأَيْته فِي كِتَابِهِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ كَمَا رَأَيْته فِي كِتَابِهِ فِي " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ "، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وَالْجُبَّائِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو هَاشِمٍ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ. وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ، وَمَنَعَ فِي الْمَاضِي لِأَنَّهُ يَكُونُ تَكْذِيبًا، دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ، لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ، وَلِأَنَّ الْكَذِبَ يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى مَنْ لَمْ يَفِ بِالْوَعْدِ مُخْلِفًا لَا كَاذِبًا.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ جَزَمَ بِهِ سُلَيْمٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ فِي " الْمِنْهَاجِ "، وَسَبَقَهُمَا إلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ، فَقَالَ الْخَبَرُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يُمْنَعُ نَسْخُهُ كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ لَنَا عَنْ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، كَقَوْلِهِ:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] .
وَالثَّانِي: مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْأَخْبَارِ الْكَائِنَةِ كَقَوْلِهِ: مَنْ صَلَّى دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ زَنَى دَخَلَ النَّارَ، فَهَذَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ، فَيُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ: مَنْ صَلَّى أَدْخَلْته النَّارَ عَلَى حَسَبِ الْمَصْلَحَةِ. اهـ.
وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ جَازَ نَسْخُهُ، قَالَ ابْنُ مُقْلَةَ فِي كِتَابِهِ " الْبُرْهَانِ ": كَمَا وَعَدَ قَوْمَ يُونُسَ بِالْعَذَابِ إنْ لَمْ يَتُوبُوا، فَلَمَّا تَابُوا كَشَفَهُ عَنْهُمْ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَجُوزُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَالْخَبَرُ عَامٌّ، فَيُبَيِّنُ النَّاسِخُ إخْرَاجَ مَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْمَشْهُورُ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ، لِأَنَّ صِدْقَهُ مُطَابَقَتُهُ لِلْوَاقِعِ، وَذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ. وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ جَوَازَهُ، لَكِنْ جَوَازًا مُقَيَّدًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، نَحْوُ:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] .
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ تَابِعًا لِلْحُكْمِ، فَيَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِ الْحُكْمِ.