الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَخَالَفَ فِيهِ الدَّقَّاقُ، قَالَ: وَيَلْتَحِقُ بِاللَّقَبِ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْأَعْيَانِ كَقَوْلِهِ: فِي هَذَا الْمَالِ الزَّكَاةُ، وَعَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْحَجُّ، فَدَلِيلُ خِطَابِهِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، وَلَا يَدُلُّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ عَلَى تَرْكِهَا فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا عِنْدَنَا كَتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ. اهـ.
[النَّوْعُ الثَّانِي مَفْهُومُ الصِّفَةِ]
وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى الذَّاتِ بِأَحَدِ الْأَوْصَافِ، نَحْوُ: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ، وَكَتَعْلِيقِ نَفَقَةِ الْبَيْنُونَةِ عَلَى الْحَمْلِ، وَشَرْطِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَتْ مُؤَبَّرَةً، فَيَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ، وَلَا نَفَقَةَ لِلْحَامِلِ، وَلَا ثَمَرَةَ لِبَائِعِ النَّخْلَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ.
وَالْمُرَادُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ: تَقْيِيدُ لَفْظٍ مُشْتَرَكِ الْمَعْنَى بِلَفْظٍ آخَرَ مُخْتَصٍّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا غَايَةٍ، وَلَا يُرِيدُونَ بِهَا النَّعْتَ فَقَطْ كَالنُّحَاةِ. وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ تَمْثِيلُهُمْ بِ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» ، مَعَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِالْإِضَافَةِ فَقَطْ وَقَدْ جَعَلُوهُ صِفَةً. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَمُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ، وَأَصْحَابُ مَالِكٍ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ. وَحَكَاهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ
عَنْ اخْتِيَارِ الْمُزَنِيّ وَالْإِصْطَخْرِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَابْنِ خَيْرَانَ. قَالَ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُد، وَأَبُو ثَوْرٍ. قُلْت: وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَعْقُولٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ لَهُ وَصْفَانِ، فَوُصِفَ أَحَدُهُمَا بِصِفَةٍ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تِلْكَ الصِّفَةُ بِخِلَافِهِ. اهـ.
وَكَذَا حَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ إنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ حَكَى فِي الْقَوْلِ بِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا. قَالَ الْقَاضِي: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي إثْبَاتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ: قَالَ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] مَفْهُومُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْفَاسِقِ لَا نَتَبَيَّنُهُ، وَتَمَسَّكَ أَيْضًا فِي إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ بِ {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] . قَالَ: مَفْهُومُهُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ الْجِنَانِ، وَهَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ ".
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ ": قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْفَرَجِ فِي " اللُّمَعِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ. اهـ. وَبِهَذَا يُرَدُّ نَقْلُ صَاحِبِ " الْمَعَالِمِ " عَنْ مَالِكٍ مُوَافَقَةً أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ: وَلَعَلَّهُمَا يُنْقَلَانِ عَنْهُ بِالتَّخْرِيجِ فِي مَسَائِلَ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاَللَّهِ دَخَلَ النَّارَ» وَقُلْت أَنَا: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. اهـ. وَهَذَا مُصَيَّرٌ مِنْهُ إلَى الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَطَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالْمَالِكِيَّةُ إلَى
نَفْيِهِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَقَدْ رَآهُ الْحَنَفِيَّةُ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ، وَمَنْعُهُمْ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ. اهـ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ، زَادَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ ": وَأَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ. قَالَ: وَأَضَافَ ذَلِكَ ابْنُ سُرَيْجٍ إلَى الشَّافِعِيِّ، وَتَأَوَّلَ كَلَامَهُ الْمُقْتَضِي بِخِلَافِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: أَبَاحَ الْقَفَّالُ بِمُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ. وَأَمَّا ابْنُ سُرَيْجٍ فَتَلَطَّفَ، وَقَالَ: إنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِالْمَفْهُومِ بِدَلِيلٍ يَزِيدُ عَلَى نَفْسِ اللَّفْظِ، لَا مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ. اهـ. وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَالْآمِدِيَّ، وَصَاحِبُ " الْمَحْصُولِ " فِيهِ. وَاخْتَارَ فِي " الْمَعَالِمِ " خِلَافَهُ. وَمِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْأَخْفَشُ، وَابْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِ " فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ "، وَابْنُ جِنِّي. وَذَهَبَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ جَوَابَ سُؤَالٍ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً، وَبَيْنَ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، فَيَكُونُ حُجَّةً، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِتَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ مِنْ مُوجِبٍ، فَلَمَّا خَرَجَ عَنْ الْجَوَابِ ثَبَتَ وُرُودُهُ لِلْبَيَانِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا مَذْهَبًا آخَرَ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ مِنْ أَصْلِهِ أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ.
وَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " إلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: أَنْ يَرِدَ مَوْرِدَ الْبَيَانِ، كَقَوْلِهِ:(فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ) ، أَوْ مَوْرِدَ التَّعْلِيمِ، نَحْوُ: خَبَرِ التَّحَالُفِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ، أَوْ يَكُونُ مَا عَدَا الصِّفَةَ دَاخِلًا تَحْتَ الصِّفَةِ، نَحْوُ: الْحُكْمِ بِالشَّاهِدَيْنِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الشَّاهِدَيْنِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ.
وَفَصَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ الرَّازِيَّ عَنْهُ مِنْ الْمَنْعِ وَابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ الْجَوَازِ، وَإِلَّا فَهُمَا نَقْلَانِ مُتَنَافِيَانِ. نَعَمْ، صُرِّحَ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ " الْأَسَالِيبِ " بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، فَقَالَ: إذَا عَلَّلْنَا بِالشَّيْءِ الْمُحْتَمَلِ، فَلَا تُشْتَرَطُ الْإِحَالَةُ فِي الْمَفْهُومِ، بَلْ نَقُولُ: إذَا خُصِّصَ مَوْصُوفٌ بِذِكْرٍ أَيَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْدِ إحَالَةً فِي الصِّفَةِ؟ قَالَ الْإِمَامُ: وَمِنْ سِرِّ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِلَلِ مِنْ السَّلَامَةِ عَنْ الْقَوَادِحِ، وَصَلَاحِيَّتِهِ اسْتِقْلَالًا لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْمَنْطُوقِ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُسْنَدُ إلَى الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا يُسْنَدُ إلَى اللَّفْظِ، وَالْمُنَاسَبَةُ عِنْدَهُ مُعْتَبَرَةٌ لِتَرْجِيحِ قَصْدِ اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ، وَقَطْعِ الْإِلْحَاقِ. وَخَالَفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الشَّافِعِيَّ فِي زِيَادَةِ هَذَا الشَّرْطِ، وَقَالَ: لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهَا مُنَاسَبَةُ الْحُكْمِ فَالْمَوْصُوفُ بِهَا كَاللَّقَبِ.
قُلْت: وَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّا إذَا أَثْبَتْنَاهُ فَهَلْ هُوَ مِنْ جِهَةِ الْعِلَّةِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ؟ قَوْلَانِ. وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وَهَذَا شَرْطُ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ، وَعَلَى هَذَا مَحَلُّ الْقَوْلِ بِهِ إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ تَعْلِيلٌ بِهَا فَلَا يَثْبُتُ عِنْدَ انْتِفَائِهَا. وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ قَضِيَّةُ اخْتِيَارِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ. وَقَدْ رَدَّ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ هَذَا التَّفْصِيلَ عَلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ