الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّافِعِيُّ، وَبِأَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الِانْعِكَاسُ. اهـ. وَالْإِمَامُ قَدْ أَوْرَدَ هَذَا عَلَى نَفْسِهِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ قَضِيَّةَ اللِّسَانِ هِيَ الدَّالَّةُ عِنْدَ إحَالَةِ الْوَصْفِ عَلَى مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا وَضْعُ اللِّسَانِ وَمُقْتَضَاهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللِّسَانِ بِخِلَافِ الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ. وَإِذَا قُلْنَا: حُجَّةٌ، فَهَلْ دَلَّ عَلَيْهِ اللُّغَةُ أَمْ اسْتَفَدْنَاهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ فِي " الْبَحْرِ ".
وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ ابْنَ السَّمْعَانِيِّ حَكَاهُمَا فِي صِيَغِ مَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ. وَاخْتَارَ الْإِمَامُ فِي " الْمَعَالِمِ " أَنَّهُ يَدُلُّ بِالْعُرْفِ لَا بِاللُّغَةِ، لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَقْصِدُونَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ. وَأَمَّا انْتِقَاؤُهُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ فَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالصِّفَةِ. وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلِانْتِفَاءِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى وَإِلَّا لَمَا كَانَتْ الْقَضِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ مُمْكِنَةً، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. .
[الصِّفَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ]
ثُمَّ إنَّ الصِّفَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ: تَارَةً يُقْتَصَرُ عَلَى ذِكْرِ الصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمَوْصُوفِ كَقَوْلِهِ: فِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ، وَتَارَةً تُذْكَرُ الصِّفَةُ وَالْمَوْصُوفُ مَعًا كَقَوْلِهِ: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ، فَدَلَالَةُ هَذَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَقْوَى مِنْ التَّرَتُّبِ عَلَى مُجَرَّدِ الصِّفَةِ، إذْ لَوْلَا اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِحَالَةِ السَّوْمِ لَوَقَعَ ذِكْرُ السَّوْمِ لَغْوًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
[صُورَةُ مَفْهُومِ الصِّفَةِ]
وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَنْ تُذْكَرَ ذَاتٌ، ثُمَّ تُذْكَرَ صِفَتُهَا، كَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ، وَالرَّجُلِ الْقَائِمِ. أَمَّا إذَا ذُكِرَ الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ كَالْقَائِمِ فَقَطْ، أَوْ السَّائِمَةِ فَقَطْ، فَهَلْ هُوَ كَالصِّفَةِ، أَوْ لَا مَفْهُومَ لَهُ، لِأَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا جُعِلَ لَهَا مَفْهُومٌ، لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهَا إلَّا نَفْيُ الْحُكْمِ، وَالْكَلَامُ بِدُونِهَا لَا يُحْتَمَلُ، وَأَمَّا الْمُشْتَقُّ فَكَاللَّقَبِ يَخْتَلُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَعِبَارَةُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ: الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ كَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ يَجْرِي مَجْرَى تَعْلِيقِهِ بِالصِّفَةِ فِي اسْتِعْمَالِ دَلِيلِهِ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُنْظَرُ فِي الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ، فَإِنْ صَلَحَ لِلْغَلَبَةِ اُسْتُعْمِلَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ.
وَجَعَلَ أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ " أَدَبِ الْجَدَلِ " لَهُ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ الِاسْمِ، فَإِنَّ ذُكِرَا جَمِيعًا كَقَوْلِهِ:«فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ قَطْعًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، وَإِلَّا لَكَانَ اسْتِدْلَالًا بِالْأَلْقَابِ. وَأَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِشَرْطَيْنِ: كَوْنُهَا غَنَمًا، وَكَوْنُهَا سَائِمَةً. وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ أَحَدِهِمَا. اهـ. وَقَدْ سَبَقَ الْوَجْهَانِ.
قَالَ: فَإِنْ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِنَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ كَقَوْلِهِ: حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، فَهَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَجِلْدَهُ وَشَعْرَهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ؟ وَهَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَغَيْرِهِ حَلَالٌ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا. اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ: هَذَا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَقْصُودَةً، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] إلَى قَوْله: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تُذْكَرْ لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهَا، وَإِنَّمَا قُصِدَ بَيَانُ رَفْعِ الْحَرَجِ عَمَّنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ، هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ إيجَابُ الْمُتْعَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ مَذْكُورٌ ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعَلَّقٍ عَلَى الصِّفَةِ. اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْقِيَاسُ تَخْصِيصُ الْمُتْعَةِ لَهَا، لِأَنَّ الصِّفَةَ عُلِّقَ بِهَا حُكْمَانِ، فَاقْتَضَى انْتِفَاءَ الْحُكْمَيْنِ مَعًا بِانْتِفَائِهَا. وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: مَوْضِعُ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْأَوْصَافِ الَّتِي تَطْرَأُ وَتَزُولُ، كَقَوْلِهِ:«الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» ، «وَالسَّائِمَةُ فِيهَا الزَّكَاةُ» . وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَطْرَأُ، وَلَا تَزُولُ، كَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، نَحْوُ:«لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» فَفِيهِ خِلَافٌ.