الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحُكْمُ الْمُقَيَّدُ بِعَدَدٍ إنْ كَانَ مَعْلُولَ ذَلِكَ الْعَدَدِ ثَبَتَ فِي الزَّائِدِ لِوُجُودِهِ فِيهِ كَمَا فِي جَلْدِ مِائَةٍ، أَوْ حُكْمٍ بِأَنَّ الْقُلَّتَيْنِ يَدْفَعَانِ حُكْمَ النَّجَاسَةِ وَإِلَّا يَلْزَمُ كَمَا أَوْجَبَ مِائَةُ جَلْدَةٍ. وَالنَّاقِصُ عَنْ ذَلِكَ الْعَدَدُ، إنْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ وَكَانَ الْحُكْمُ إيجَابًا أَوْ إبَاحَةً ثَبَتَ فِيهِ، كَمَا أَوْجَبَ أَوْ أَبَاحَ جَلْدَ مِائَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمًا فَلَا يَلْزَمُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِيهِ، كَالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، فَالتَّحْرِيمُ قَدْ ثَبَتَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأُولَى، وَالْإِيجَابُ وَالْإِبَاحَةُ لَا يَلْزَمَانِ قَالَ: فَثَبَتَ أَنَّ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَى الْعَدَدِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا زَادَ أَوْ نَقَصَ إلَّا بِدَلِيلٍ.
[تَنْبِيهٌ الْأَوَّلُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّكْثِيرُ]
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّكْثِيرُ، فَأَمَّا الْمَقْصُودُ بِهِ كَالْأَلْفِ وَالسَّبْعِينَ، وَغَيْرِهِمَا، فَمَا جَرَى فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لِلْمُبَالَغَةِ، فَلَا يَدُلُّ بِمُجَرَّدِهِ عَلَى التَّحْدِيدِ. ذَكَرَهُ ابْنُ فُورَكٍ. وَكَلَامُ الْبَاقِينَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ مُصَرِّحٌ بِهِ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " مَا إذَا كَانَ فِي الْعَدَدِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا زَادَ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ:«إذَا بَلَغَ الْمَاءَ قُلَّتَيْنِ» فَإِنَّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِمَا أَوْلَى بِأَنْ لَا يُحْمَلَ.
الثَّانِي: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ نَفْسِهِ، كَاثْنَيْنِ، وَثَلَاثَةٍ. أَمَّا الْمَعْدُودُ فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ حُجَّةً، كَقَوْلِهِ:«أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» ، فَلَا يَكُونُ تَحْرِيمُ مَيْتَةٍ ثَالِثَةٍ مَأْخُوذًا مِنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ. لَكِنَّ النَّاسَ يُمَثِّلُونَ لِمَفْهُومِ الْعَدَدِ بِقَوْلِهِ:«إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ» وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اسْمُ عَدَدٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدَدَ يُشْبِهُ الصِّفَةَ، وَالْمَعْدُودَ
يُشْبِهُ اللَّقَبَ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ مُثَنًّى، أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت: رِجَالٌ، لَمْ يُتَوَهَّمْ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ عَدَدٌ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهَا مَا يُفْهَمُ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَدَدِ، فَكَذَلِكَ الْمُثَنَّى، لِأَنَّهُ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِاثْنَيْنِ، كَمَا أَنَّ الرِّجَالَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَا زَادَ، فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ:(مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ) يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ حِلِّ مَيْتَةٍ ثَالِثَةٍ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَةٌ، لَمْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ حِلِّ أُخْرَى.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنْ أَشْهَرِ حِجَجِ الْمُثْبِتِينَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: «لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» فَعُلِمَ مِنْ الْآيَةِ أَنَّ حُكْمَ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ بِخِلَافِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ قَالَهُ رَجَاءَ حُصُولِ الْمَغْفِرَةِ بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ، فَإِنَّ رَجَاءَهَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، لَا لِأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ. وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْإِمَامُ، وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ بِالطَّعْنِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالُوا لَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّهُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، لَكِنْ بِلَفْظِ سَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ: فَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ: لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ، فَهِيَ رِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ لَا تَصِحُّ، وَلَا تَجُوزُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ غُفْرَانُ ذَنْبِ الْكَافِرِ، وَإِنَّمَا الْمَرْوِيُّ: لَوْ عَلِمْت أَنْ يُغْفَرَ لَهُ إذَا زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ لَزِدْت. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ بِلَفْظِ: «لَوْ عَلِمْت أَنِّي إنْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ، لَزِدْت عَلَيْهَا» .