الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاحِدٍ، فَيَكُونُ الصَّحَابَةُ مُجْمِعِينَ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ، وَالْمَانِعُونَ مُجْمِعِينَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ. قَالَ: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، وَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِهِ لَا يَكُونُ نَاسِخًا، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَإِنْ سَوَّغُوا الِاجْتِهَادَ فَشَرْطُهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ. .
[مَسْأَلَةُ الْقِيَاسِ لَا يَنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ]
ِ أَمَّا كَوْنُهُ نَاسِخًا فَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ، وَمِنْهُمْ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَإِلْكِيَا فِي " التَّلْوِيحِ "، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَسُلَيْمٌ، وَأَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي " التَّحْصِيلِ "، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَنَقَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا. وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي " تَعْلِيقِهِ " فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَنَقَلَهُ فِي " التَّقْرِيبِ " عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ، قَالُوا: فَلَا يَجُوزُ نَسْخُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ يُسْتَعْمَلُ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ النَّصُّ. وَلِأَنَّهُ دَلِيلٌ مُحْتَمَلٌ، وَالنَّسْخُ يَكُونُ بِأَمْرٍ مَقْطُوعٍ، وَلِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْأُصُولِ مَا يُخَالِفُهُ، فَفِي نَسْخِ الْأُصُولِ بِالْقِيَاسِ تَحْقِيقُ الْقِيَاسِ دُونَ شَرْطِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَلِأَنَّهُ إنْ عَارَضَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا فَالْقِيَاسُ فَاسِدُ الْوَضْعِ،
وَإِنْ عَارَضَ قِيَاسًا آخَرَ، فَتِلْكَ الْمُعَارَضَةُ إنْ كَانَتْ بَيْنَ أَصْلِيِّ الْقِيَاسِ، فَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ النَّسْخُ قَطْعًا، إذْ هُوَ مِنْ بَابِ نَسْخِ النُّصُوصِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ. قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: لَا يَقَعُ النَّسْخُ إلَّا بِدَلِيلٍ تَوْقِيفِيٍّ، وَلَا حَظَّ لِلْقِيَاسِ فِيهِ أَصْلًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَرِدَ خَبَرٌ لِمَعْنًى، ثُمَّ يَرِدُ نَاسِخٌ لِذَلِكَ الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَيَرْتَفِعُ هُوَ وَدَلَالَتُهُ، كَمَا لَوْ حُرِّمَ بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ لِلْأَكْلِ، فَقِسْنَا كُلَّ مَأْكُولٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُحِلَّ الْبُرُّ بِالْبُرِّ، فَيَصِيرُ مَا قِسْنَاهُ عَلَيْهِ حَلَالًا، لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَهُ مَا أَوْجَبَهُ فِي غَيْرِهَا، فَمَتَى أَزَالَ حُكْمَهَا بَطَلَ حُكْمُ مَا تَعَلَّقَ بِهَا، وَلَيْسَ هَذَا نَسْخًا بِالْقِيَاسِ، إنَّمَا هُوَ نَسْخٌ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْمَنْصُوصِ. وَقَالَ: كَذَلِكَ مَا أَقَرَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، لَا يَجُوزُ رَفْعُهُ بِالْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ تَحْلِيلُ عَيْنِهِ، وَالْقِيَاسُ يَقَعُ فِيهِ الْخَطَأُ. انْتَهَى.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: الْجَوَازُ مُطْلَقًا بِكُلِّ دَلِيلٍ يَقَعُ بِهِ التَّخْصِيصُ. حَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي أَجْوِبَةِ " التَّحْصِيلِ ": لَوْ دَلَّ نَصٌّ عَلَى إبَاحَةِ النَّبِيذِ مَثَلًا كَمَا يَقُولُ: مَنْ يُبِيحُهُ، ثُمَّ دَلَّ نَصٌّ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَكَانَ مُتَرَاخِيًا عَنْ إبَاحَةِ النَّبِيذِ، ثُمَّ قِسْنَا التَّحْرِيمَ فِي النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ، كَانَ الْقِيَاسُ الثَّانِي نَاسِخًا. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ: تَقَدُّمِ إبَاحَةِ النَّبِيذِ، وَكَوْنِ التَّحْرِيمِ فِي النَّبِيذِ بِالْقِيَاسِ لَا بِالنَّصِّ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَحِينَئِذٍ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْقِيَاسِ نَاسِخًا لِلنَّصِّ. وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُنْسَخُ بِهِ الْمُتَوَاتِرُ وَنَصُّ الْقُرْآنِ، وَعَنْ آخَرِينَ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْسَخُ بِهِ أَخْبَارُ الْآحَادِ فَقَطْ.
الثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْجَلِيِّ، فَيَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ، وَبَيْنَ الْخَفِيِّ فَلَا يَجُوزُ. حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ، إجْرَاءً لَهُ مُجْرَى التَّخْصِيصِ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَحَكَى أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ
عَنْ الْأَنْمَاطِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْقِيَاسُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْقُرْآنِ يُنْسَخُ بِهِ الْقُرْآنُ، وَالْقِيَاسُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ السُّنَّةِ يُنْسَخُ بِهِ السُّنَّةُ. وَحَكَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْهُ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا. وَقَالَ: جَوَّزَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ. وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ الْأَنْمَاطِيِّ التَّفْصِيلَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِخِلَافٍ فِي الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَهُ مَفْهُومُ الْخِطَابِ، وَهُوَ لَيْسَ بِقِيَاسٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يَجْرِي مُجْرَى النَّصِّ. وَقَسَمَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا عُرِفَ مَعْنَاهُ مِنْ ظَاهِرِ النَّصِّ بِغَيْرِ الِاسْتِدْلَالِ، كَقَوْلِهِ:{فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ قِيَاسًا لَا لَفْظًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي جَوَازِ النَّسْخِ بِهِ وَجْهَانِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْمَنْعِ.
الثَّانِي: مَا عُرِفَ كَنَهْيِهِ عَنْ الضَّحِيَّةِ بِالْعَوْرَاءِ وَالْعَرْجَاءِ، فَكَانَتْ الْعَمْيَاءُ قِيَاسًا عَلَى الْعَوْرَاءِ، وَالْعَرْجَاءِ عَلَى الْقَطْعِ، لِأَنَّ نَقْصَهَا أَكْثَرُ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِهِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ، وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِالِاتِّفَاقِ، لِجَوَازِ وُرُودِ التَّعَبُّدِ فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ.
الثَّالِثُ: مَا عُرِفَ مَعْنَاهُ بِاسْتِدْلَالٍ ظَاهِرٍ بِتَأَدِّي النَّظَرِ، كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ، وَقِيَاسِ الْعَبْدِ عَلَيْهَا فِي تَنْصِيفِ الْحَدِّ، فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ
بِهِ، وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. اهـ.
الرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ مَنْصُوصَةً، كَقَوْلِهِ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِأَجْلِ الشِّدَّةِ، فَهَذَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ مَعَ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ، وَيُرْفَعُ بِهِ حُكْمُ تَحْلِيلِ الْأَنْبِذَةِ الَّتِي فِيهَا الشِّدَّةُ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَنْبَطَةً فَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تُسْتَنْبَطَ مِنْ خِطَابٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْخِطَابِ الْمُعَارِضِ لَهَا، فَهَذَا قَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِنَسْخِهَا لِلْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ. وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْعُ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُسْتَخْرَجَةً مِنْ خِطَابٍ سَابِقٍ عَلَى الْخِطَابِ الْمُعَارِضِ لَهَا، فَهَذَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَرِدَ شَرْعٌ بِنَسْخِهَا لِلْخِطَابِ الْمُتَأَخِّرِ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، ثُمَّ يَرِدُ الْخِطَابُ الْمَنْسُوخُ بَعْدَ الْعِلَّةِ النَّاسِخَةِ بِالْإِبَاحَةِ فَيَجْتَمِعُ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ التَّكْلِيفَ. قَالَ الْبَاجِيُّ فِي أَحْكَامِهِ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. وَفَصَلَ الْآمِدِيُّ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً فَيَصِحُّ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ قَطْعِيًّا كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا، لَكِنْ لَيْسَ نَسْخًا، لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِخِطَابٍ، وَالنَّسْخُ عِنْدَهُ هُوَ الْخِطَابُ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا بِأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُسْتَنْبَطَةً فَلَا يَكُونُ نَاسِخًا. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ " أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَعْنِي الْعِلَّةَ مَنْصُوصَةً، فَالْأَقْرَبُ أَنَّ النَّاسِخَ هُوَ مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ، وَلَكِنْ فَعَلْنَا بِشَرْطٍ، وَجَعَلَ الْهِنْدِيُّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ. وَقَالَ: أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَنْسَخُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ مَنْسُوخًا فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَفِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا نُسِخَ الْأَصْلُ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْقِيَاسِ؟ قَالَ: وَصُورَتُهُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي عَيْنٍ بِعِلَّةٍ، وَيُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، ثُمَّ يُنْسَخُ الْحُكْمُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ، لِأَنَّ الْفَرْعَ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ، فَإِذَا بَطَلَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ بَطَلَ فِي الْفَرْعِ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ": نُقِلَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَسْخَ أُصُولِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهِيَ لَمْ تُنْسَخْ. وَنُقِلَ عَنْهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُ. قَالَ: وَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ بِالْكِتَابِ، لَا السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ. وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ.
وَكَذَا قَالَ إلْكِيَا: قِيلَ لَا يَصِحُّ نَسْخُهُ، لِأَنَّهُ مَعَ الْأُصُولِ، فَمَا دَامَتْ الْأُصُولُ ثَابِتَةً فَنَسْخُهُ لَا يَصِحُّ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدَنَا بَعْدَ الرَّسُولِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ النَّسْخِ فِي شَيْءٍ، بَلْ يَظْهَرُ مُخَالِفٌ أَوْ لَا يَظْهَرُ، وَكَيْفَمَا قُدِّرَ فَلَا يَكُونُ نَسْخًا، وَإِنْ كَانَ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلْغَائِبِ عَنْهُ، بِنَاءً عَلَى الْأُصُولِ. فَإِذَا طَرَأَ نَاسِخٌ بَعْدَهُ صَحَّ نَسْخُ الْقِيَاسِ، ثُمَّ يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ نَسْخُ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُصُولِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ ارْتَفَعَ التَّبَعُ. وَأَطْلَقَ سُلَيْمٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقِيَاسِ. قَالَ: لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ أَصْلِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ أَصْلِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ ": مَنَعَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ مِنْ نَسْخِ الْقِيَاسِ. قَالَ: لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُصُولِ، فَلَمْ يَجُزْ مَعَ ثُبُوتِهَا رَفْعُهُ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ.
وَقَالَ فِي الدَّرْسِ: إنْ كَانَ مَعْلُومَ الْعِلَّةِ جَازَ نَسْخُهُ. قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَوْ نَصَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْبُرِّ هِيَ الْكَيْلُ، وَأَمَرَ بِالْقِيَاسِ، لَكَانَ ذَلِكَ كَالنَّصِّ فِي تَحْرِيمِ الْأُرْزِ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يُحَرِّمَ الْأَرُزَّ ثُمَّ يَنْسَخَهُ جَازَ أَنْ يَنْسَخَ عَنَّا تَحْرِيمَ الْأُرْزِ الْمُسْتَفَادِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَيَمْنَعُ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْبُرِّ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ ": إنَّمَا يُنْسَخُ بِقِيَاسٍ أَجْلَى مِنْهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي " الْمَحْصُولِ " تَبَعًا لِصَاحِبِ " الْمُعْتَمَدِ "، وَابْنِ الصَّبَّاغِ: يُنْسَخُ الْقِيَاسُ إنْ كَانَ فِي حَيَاتِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ رَفْعُهُ بِالنَّصِّ، وَبِالْإِجْمَاعِ، وَبِالْقِيَاسِ، أَمَّا بِالنَّصِّ فَبِأَنْ يَنُصَّ عليه السلام فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقِيَاسِ بَعْدَ اسْتِمْرَارِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ، وَأَمَّا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ قِيَاسًا، ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَانَ إجْمَاعُهُمْ رَافِعًا لِحُكْمِ الْقِيَاسِ الْمُقْتَضِي لِلْقَوْلِ الْآخَرِ، وَأَمَّا بِالْقِيَاسِ فَبِأَنْ يَنُصَّ عَلَى صُورَةٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَيَجْعَلَهُ مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ مَوْجُودَةٍ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ. وَيَكُونَ أَمَارَةُ عِلِّيَّتِهَا أَقْوَى مِنْ أَمَارَةِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُ فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى نَسْخًا فِي اللَّفْظِ، كَمَا إذَا أَفْتَى الْمُجْتَهِدُ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ ظَفِرَ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْقِيَاسِ الْمُخَالِفِ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ قُلْنَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، كَانَ هَذَا الْوُجْدَانُ نَسْخًا لِقِيَاسِهِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ قُلْنَا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ الْأَوَّلُ مُتَعَبَّدًا بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ النَّصُّ الَّذِي وَجَدَهُ آخِرًا نَاسِخًا لِذَلِكَ الْقِيَاسِ.
قَالَ صَاحِبُ " التَّحْصِيلِ ": وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَفِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ نَظَرٌ، فَلْيَتَأَمَّلْهُ النَّاظِرُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ تَجْوِيزَهُ نَسْخَ الْقِيَاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْإِجْمَاعِ، يُنَاقِضُ قَوْلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ: إنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ فِي زَمَانِهِ، كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَنَقْلُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ الْخِلَافُ ثَابِتٌ فِي تَجْوِيزِ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ كَمَا سَبَقَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مُطْلَقًا، فَإِنَّا وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، كَالْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْهَا، فَإِنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ.
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: نُقِلَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَنَّهُ مَنَعَ نَسْخَ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تُنْسَخُ أُصُولُهُ، وَأُصُولُهُ بَاقِيَةٌ لَمْ تُنْسَخُ. وَنُقِلَ عَنْهُ الْجَوَازُ، وَالْحَقُّ الْبَيِّنُ مَا قَسَمَهُ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا: إذَا كَانَ الْقِيَاسُ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ جَازَ نَسْخُهُ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْقِيَاسِ، فَإِذَا قَالَ: لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ، وَنَبَّهَ عَلَى عِلَّتِهِ فَعَدَّيْنَاهَا إلَى الْأُرْزِ، ثُمَّ وُجِدَ نَصٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ بَيْعِ الْأُرْزِ بِالْأُرْزِ مُتَفَاضِلًا، فَإِنَّهُ نَسْخٌ لِحُكْمِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ، أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهُ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ بَعْدَ الْوَفَاةِ تَجَدُّدُ شَرْعٍ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ فِي الْقِيَاسِ إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً، فَهِيَ فِي مَعْنَى النَّصِّ، وَيُمْكِنُ نَسْخُهُ بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ فِي مَعْنَاهُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ ذَاهِبٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى نَاسِخِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ مَا ظَنَّهُ، فَرُفِعَ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى النَّاسِخِ لَا يَكُونُ