الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَحْرِ "، فَقَالَا: إنْ أَبْلَغَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْبَعْضِ هَلْ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَائِبِينَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَشْبَهَهُمَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمَّا بَلَغَهُمْ نَسْخُ الْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارُوا وَبَنَوْا، وَلَمْ يَسْتَأْنِفُوا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " التَّبْصِرَةِ ": إذَا نَزَلَ النَّسْخُ عَلَى الرَّسُولِ ثَبَتَ النَّسْخُ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّهِمْ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَمِنْ قَائِلٍ: لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ ذَلِكَ بِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ. ثُمَّ نَصَرَ الشَّيْخُ الْأَوَّلَ، وَأَجَابَ عَنْ قِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ، بِأَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا بِالْأَعْذَارِ، وَلِهَذَا تُتْرَكُ مَعَ الْعِلْمِ بِهَا فِي نَوَافِلِ السَّفَرِ، فَلِهَذَا لَمْ يُؤَمَّرُوا بِالْإِعَادَةِ.
وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَذْهَبًا ثَالِثًا بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ وَخِطَابِ الْوَضْعِ. فَمَنَعَهُ فِي الْأَوَّلِ وَجَوَّزَهُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالْغَافِلِ وَنَحْوِهِ. .
[الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَعْلَمَ الْمُكَلَّفُ بِوُجُوبِ النَّسْخْ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ]
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْلَمَ الْمُكَلَّفُ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَسَّعًا كَمَا لَوْ قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ غَدًا، ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ يَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ، ثُمَّ يُنْسَخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ، أَوْ يُؤْمَرَ بِالْعِبَادَةِ مُطْلَقًا، ثُمَّ يُنْسَخَ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهَا. فَهَاهُنَا اخْتَلَفُوا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ إلَى الْجَوَازِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَسُلَيْمٌ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. وَنَقَلَهُ غَيْرُهُمْ عَنْ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ، قَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ": وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَقِّ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِمُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ، إلَى الْمَنْعِ. وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: إنَّهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ، وَلِهَذَا حَدَّ النَّسْخَ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى زَوَالِ مِثْلِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَالَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ الْأَشَاعِرَةُ. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَهُوَ قَوْلُ شُيُوخِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ. قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الصَّيْرَفِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَعَامَّةُ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ ": إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَهَكَذَا حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ الْمَنْعَ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ. وَنَقَلَ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " عَنْ الصَّيْرَفِيِّ الْجَوَازَ، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي كِتَابِهِ. قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي نَسْخِهَا، وَإِنَّمَا الْمَشْرُوطُ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَزْمِ. وَقَالَ صَاحِبُ " اللُّبَابِ ": اخْتَلَفُوا فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ، هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِجَوَازِ النَّسْخِ؟ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِثْلُ: أَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ، وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَعَامَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ: إنَّهُ شَرْطٌ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخنَا، وَعَامَّةُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَمْرُ مُعَلِّقًا بِوَقْتٍ جَازَ نَسْخُهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِامْتِثَالِ بِهِ فِيهِ وَقَعَ الْخِلَافُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الِاعْتِقَادِ شَرْطٌ. اهـ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: شَرْطُ جَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَنَا التَّمَكُّنُ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ، وَأَمَّا الْفِعْلُ وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفِعْلِ شَرْطٌ. قَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ": قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ: لَا نَسْخَ عَلَى