الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تَنْبِيهٌ هَلْ الْمَفْهُومُ مُسْتَفَادٌ مِنْ دَلَالَةِ الْعَقْلِ أَوْ مِنْ اللَّفْظِ]
وَهَلْ الْمَفْهُومُ مُسْتَفَادٌ مِنْ دَلَالَةِ الْعَقْلِ مِنْ جِهَةِ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ، أَوْ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللَّفْظِ؟ قَوْلَانِ، وَبِالثَّانِي قَطَعَ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ. وَرَدَّهُ الْكَرْخِيّ فِي نُكَتِهِ " بِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا دَلَالَتُهُ بِالْوَضْعِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ اللَّفْظَ دَالًّا عَلَى شَيْءٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ، فَإِنَّ اللَّفْظَ إمَّا أَنْ يُشْعِرَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ، وَلَيْسَ الْمَفْهُومُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَبَنَى عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِكَوْنِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ صَارُوا إلَى الْمَفْهُومِ، فَإِنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْعَقْلِ، وَقَدْ يُخْطِئُونَ، فَيَكُونُ إذْنُ نِسْبَتِهِمْ كَنِسْبَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُخَالِفِينَ.
[الْمَفْهُومُ إمَّا أَنْ يَلْزَمَ عَنْ مُفْرَدٍ أَوْ مُرَكَّبٍ]
تَقْسِيمٌ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَلْزَمَ عَنْ مُفْرَدٍ أَوْ مُرَكَّبٍ، وَاللَّازِمُ عَنْ الْمُفْرَدِ إمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ الصِّدْقُ أَوْ الصِّحَّةُ الْعَقْلِيَّةُ أَوْ الشَّرْعِيَّةُ عَلَيْهِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَقْتَرِنَ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ اقْتِرَانُهُ بِهِ لِتَعْلِيلِهِ كَانَ اللَّفْظُ بِهِ قَصْدًا مِنْ الشَّارِعِ فَيُبَيِّنُهُ إيمَاءً كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْقِيَاسِ.
وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى: دَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ يَتَوَقَّفَ تَحَقُّقُ دَلَالَةِ ذَلِكَ الْمُفْرَدِ عَلَيْهِ، إمَّا لِوُجُوبِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ كَقَوْلِهِ:«رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» أَيْ حُكْمُ ذَلِكَ أَوْ الْمُؤَاخَذَةُ، لِأَنَّ عَيْنَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ مَوْجُودٌ. وَإِمَّا لِاسْتِحَالَةِ الْمَنْطُوقِ بِهِ عَقْلًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] . فَإِنَّ الْعَقْلَ يُحِيلُ سُؤَالَ الْجُدَرَانِ، فَالتَّقْدِيرُ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ؛ وَإِمَّا لِلصِّحَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كَقَوْلِهِ: اعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، لِاسْتِدْعَائِهِ تَقْدِيرَ الْمِلْكِ، إذْ الْعِتْقُ لَا يَحْصُلُ إلَّا فِي مِلْكٍ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَعْلِ الِاقْتِضَاءِ بِأَقْسَامِهِ مِنْ فَنِّ الْمَفْهُومِ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى "، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَجَعَلَاهُ مِنْ فَنِّ الْمَنْطُوقِ، وَكَذَا الْإِيمَاءُ وَالْإِشَارَةُ مَعَ تَفْسِيرِهِمَا الْمَنْطُوقَ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَالْمَفْهُومَ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ التَّوْجِيهِ، مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: سُمِّيَ الْمَفْهُومُ مَفْهُومًا، لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ غَيْرِ التَّصْرِيحِ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى شَامِلٌ لِلِاقْتِضَاءِ وَالْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ أَيْضًا، فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَقْسَامُ مِنْ قَبِيلِ الْمَفْهُومِ، لَا الْمَنْطُوقِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ وَاسِطَةً بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَالْمَنْطُوقِ، وَلِهَذَا اعْتَرَفَ بِهَا مَنْ أَنْكَرَ الْمَفْهُومَ، وَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ. هُنَا بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ عَلَاءِ الدِّينِ الْقُونَوِيِّ وَشَمْسِ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَكَتَبَا فِيهَا رِسَالَتَيْنِ، وَانْتَصَرَ الْأَصْفَهَانِيُّ لِابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنْ فَسَّرَ الْمَنْطُوقَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، فَلَزِمَ مِنْهُ جَعْلُ الثَّلَاثَةِ مَنْطُوقًا، لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَإِنْ لَمْ يُوَضِّحْ اللَّفْظُ لَهَا، بِخِلَافِ الْمَفْهُومِ، فَلْيُرَاجَعْ كَلَامُهُمَا. وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ دَلَالَةَ الْإِشَارَةِ أَنْ لَا يَقْصِدَ وَهُوَ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَمَثَّلَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] الْآيَةَ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالِاسْتِيلَاءِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ، أَيْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى بَيَانِهِ، إذْ الْآيَةُ