الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَسْخًا مُتَجَدِّدًا، بَلْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَنْسُوخًا، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً فَحُكْمُهَا فِي حَقِّهِ غَيْرُ ثَابِتٍ بِالْخِطَابِ، فَرَفْعُهُ فِي حَقِّهِ عِنْدَ الظَّفَرِ بِذَلِكَ مُعَارَضَةٌ، وَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ نَسْخًا، لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِخِطَابٍ، لِأَنَّ النَّسْخَ هُوَ الْخِطَابُ. .
[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْقِيَاسِ نَسْخُ أَصْلِهِ يُوجِبُ نَسْخَهُ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْقِيَاسِ نَسْخُ أَصْلِهِ يُوجِبُ نَسْخَهُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. وَصُورَتُهُ مَا لَوْ نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى حُكْمٍ، وَعَلَّلَهُ بِعِلَّةٍ، وَأَلْحَقَ غَيْرَهُ بِهِ، ثُمَّ نُسِخَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ، فَهَلْ يَرْتَفِعُ فِي الْفَرْعِ؟ عِنْدَنَا يَرْتَفِعُ. وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: يَبْقَى، لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ لَكَانَ زَوَالُهُ نَسْخًا بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْفَرْعَ لَا يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ لَا يَكُونُ فَرْعًا. وَفَصَلَ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ بَيْنَ أَنْ يُنْسَخَ الْأَصْلُ لَا إلَى بَدَلٍ. فَلَا يَبْقَى الْفَرْعُ. وَبَيْنَ أَنْ يُنْسَخَ إلَى بَدَلٍ فَيَبْقَى. وَهُوَ غَرِيبٌ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْحَقُّ أَنَّ الْمَعْنَى يَبْقَى اسْتِدْلَالًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ شَرْطَ الِاسْتِدْلَالِ عِنْدَ الْعَامِلِ بِهِ أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَصْلٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ أَلْغَاهُ النَّاسِخُ. وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَحْثُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَكَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً شَرْعًا، هَلْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ تَلَازُمَهُمَا؟ وَالْحَنَفِيَّةُ يَعْتَقِدُونَهُمَا مُنْفَكَّيْنِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ أَحَدِهِمَا بُطْلَانُ الْآخَرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْبِيرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالرَّفْعِ وَقَعَ فِي عِبَارَاتٍ لِسُلَيْمٍ فِي.
التَّقْرِيبِ "، وَابْنِ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ "، وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِمْ كَابْنِ بَرْهَانٍ، وَالْهِنْدِيِّ وَغَيْرُهُمَا بِالنَّسْخِ، لِأَنَّ أَصْحَابَنَا لَا يَقُولُونَ: إنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ يُنْسَخُ بِارْتِفَاعِ حُكْمِ الْأَصْلِ، بَلْ يَزُولُ لِزَوَالِ كَوْنِ الْعِلَّةِ مُعْتَبَرَةً، وَالْحُكْمُ إذَا زَالَ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ، لَا يُقَالُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ. قَالُوا: لَوْ كَانَ نَسْخُ الْأَصْلِ نَسْخَ الْفَرْعِ لَكَانَ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ إذَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ لِلْفَرْعِ، وَأُجِيبَ بِمَنْعِهِ، إذْ لَا جَامِعَ وَهُوَ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ، بَلْ هُوَ لِزَوَالِ حُكْمِ الْأَصْلِ إذْ الْعِلَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ فِي زَوَالِ الْحُكْمِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَسْخٌ حَقِيقَةً، إذْ زَوَالُ الْحُكْمِ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ لَيْسَ نَسْخًا بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَغَيْرُهُمْ: قَدْ بَنَتْ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَصْلِهِمْ فَرَعَيْنَ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِالنَّبِيذِ الْمُسْكِرِ النِّيءِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَطْبُوخًا. وَقَدْ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنِّيءِ، وَأَلْحَقُوا بِهِ الْمَطْبُوخَ قِيَاسًا، ثُمَّ نُسِخَ التَّوَضُّؤُ بِالنِّيءِ، وَبَقِيَ التَّوَضُّؤُ بِالْمَطْبُوخِ.
وَالثَّانِي: ادَّعَوْا أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَانَ يَجِبُ صَوْمُهُ، وَيَجُوزُ إيقَاعُ النِّيَّةِ فِيهِ نَهَارًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إلَى أَهْلِ الْعَوَالِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ، فَلِيَصُمْ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إيقَاعُ النِّيَّةِ مِنْ النَّهَارِ، وَأُلْحِقَ بِهِ
رَمَضَانُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَوْمٌ. ثُمَّ نُسِخَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَبَقِيَ الْقِيَاسُ مُسْتَمِرًّا فِي رَمَضَانَ. وَقَدْ نُوزِعَ فِي هَذَا الْمِثَالِ الثَّانِي، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ حُكْمَ الْقِيَاسِ مُغَايِرٌ لِلْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْقِيَاسِ تَرْكُ التَّبْيِيت، وَالْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ إنَّمَا هُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ، وَلَيْسَتْ مَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَقَالَ إلْكِيَا: ذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى جَوَازِ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ الْمَنْسُوخِ فِي أَمْثِلَةٍ، لَا بُدَّ مِنْ مُسَاعَدَتِهِمْ عَلَى بَعْضِهَا. كَقَوْلِهِمْ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ: كَانَ وَاجِبًا، وَجَوَّزَهُ الرَّسُولُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهُ، فَادَّعَوْا أَنَّ النَّسْخَ يَرْجِعُ إلَى تَبْدِيلِ النِّيَّةِ، وَمَا فَهِمْنَاهُ مِنْ جَوَازِ النِّيَّةِ مِنْ النَّهَارِ بَاقٍ بِحَالِهِ، لَا يَتَأَثَّرُ بِنَسْخِهِ، فَإِذَا عَرَفْنَا تَمَاثُلَ الْحُكْمَيْنِ عِنْدَ وُجُوبِهَا مِنْ النِّيَّةِ، فَالنَّسْخُ رَاجِعٌ إلَى أَحَدِهِمَا فِي الْوُجُوبِ، لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْمَنْقُولُ مِنْهُ. قَالَ إلْكِيَا: وَهَذَا حَسَنٌ لَا رَيْبَ فِيهِ. نَعَمْ، لَوْ نُسِخَ الْأَصْلُ لَا إلَى بَدَلٍ، فَالْفَرْعُ لَا يَبْقَى دُونَ الْأَصْلِ. وَهَاهُنَا نَسْخٌ إلَى بَدَلٍ كَمَا إذَا نُسِخَ تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ فِي الْمَطْعُومَاتِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ فَرْعًا بِلَا أَصْلٍ، وَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ: إنَّ التَّوَضُّؤَ بِالنَّبِيذِ جَائِزٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَإِنْ تَمَّ أَدَاؤُهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ نَقْعُ