الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْمُبَيَّنِ]
ِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْخِطَابِ الْمُحْتَاجِ إلَى الْبَيَانِ، وَوَرَدَ بَيَانُهُ، وَعَلَى الْخِطَابِ الْمُبْتَدَأِ الْمُسْتَغْنِي عَنْ الْبَيَانِ، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَدُلَّ بِحَسَبِ الْوَضْعِ، وَهُوَ النَّصُّ وَالظَّاهِرُ، أَوْ بِحَسَبِ الْمَعْنَى كَالْمَفْهُومِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ بِطَرِيقِ التَّعْلِيلِ، نَحْوُ:«إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ» أَوْ بِوَاسِطَةِ الْعَقْلِ، نَحْوُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِمَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ. وَيُسَمَّى الدَّلِيلُ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْبَيَانُ مُثْبِتًا " بِكَسْرِ الْبَاء ". وَفِيهِ مَسَائِلُ:.
[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْبَيَانَ يَجُوزُ بِالْقَوْلِ وَالْخِلَافُ فِي وُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ]
[الْمَسْأَلَةُ] الْأُولَى لَا خِلَافَ أَنَّ الْبَيَانَ يَجُوزُ بِالْقَوْلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ. وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَقَع بَيَانًا خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنَّا، وَالْكَرْخِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " التَّبْصِرَةِ " وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يُوهِمُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ تَقَدُّمِهِ، لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَيَانَ الشَّرْعِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا صِيغَةَ لَهُ، لَكِنْ أَوَّلَهُ الْهِنْدِيُّ. وَقَالَ: قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّ الْبَيَانَ مَخْصُوصٌ بِالدَّلِيلِ الْقَوْلِيِّ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّسْمِيَةُ اصْطِلَاحًا، كَمَا فِي الْعُمُومِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ مِنْ كَوْنِ الْبَيَانِ قَوْلًا، لَا فِي حَقِيقَةِ مَا يَقَعُ بِهِ الْبَيَانُ، وَلَا فِي جَوَازِهِ.
وَشَرَطَ الْمَازِرِيُّ الْإِشْعَارَ بِهِ مِنْ مَقَالٍ أَوْ قَرِينَةِ حَالٍ، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لِلْمُكَلَّفِ الْبَيَانُ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ.
قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مَعْنَوِيًّا، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُتَصَوَّرُ فِعْلٌ يُنْبِئُ بِمُجَرَّدِهِ عَنْ الْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ إسْنَادِ ذَلِكَ إلَى قَرِينَةٍ أَمْ لَا؟ قُلْتُ: وَجَعَلَهُ السَّرَخْسِيُّ مَبْنِيًّا عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ بَيَانَ الْمُجْمَلِ هَلْ يَكُونُ الْمُجْمَلُ مُتَّصِلًا بِهِ. فَمَنْ شَرَطَ الِاتِّصَالَ قَالَ: لَا يَكُونُ الْبَيَانُ إلَّا بِالْقَوْلِ إذْ الْفِعْلُ لَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْقَوْلِ. وَفِي " الْمَحْصُولِ ": لَا يُعْلَمُ كَوْنُ الْفِعْلِ بَيَانًا. إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ، أَوْ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ قَصْدِهِ، أَوْ بِالدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ، كَقَوْلِهِ: هَذَا الْفِعْلُ بَيَانٌ لِهَذَا الْمُجْمَلِ، أَوْ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ، بِأَنْ يُذْكَرَ الْمُجْمَلُ وَقْتَ الْحَاجَةِ، أَيْ الْعَمَلِ بِهِ. ثُمَّ يُفْعَلُ فِعْلًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا. وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ سَبْعَ طُرُقٍ.
وَقَالَ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ": الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْفِعْلَ يَصْلُحُ بَيَانًا، لَكِنْ بِشَرْطِ انْضِمَامِ بَيَانٍ قَوْلِيٍّ إلَيْهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ صَلَّى ثُمَّ قَالَ:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَصَارَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] . وَكَمَا رُوِيَ أَنَّهُ اشْتَغَلَ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ، ثُمَّ قَالَ:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . أَمَّا الْفِعْلُ السَّاذَجُ فَلَا، لِأَنَّهُ بِذَاتِهِ سَاكِتٌ عَنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ. فَلَا تَتَعَيَّنُ وَاحِدَةٌ إلَّا بِدَلِيلٍ. قَالَ: اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ الْفِعْلُ عِنْدَهُ، يَحْصُلُ الْبَيَانُ. قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْفِعْلِ بَيَانًا: إحْدَاهَا: وُرُودُهُ عِنْدَ وَقْتِ إيجَابِهِ، لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ الْبَيَانُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يُنْقَلَ إلَيْنَا فِعْلٌ غَيْرُ مُتَّصِلِ، كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ الْمَاءِ، ثُمَّ يُنْقَلَ إلَيْنَا مَعَ تَجْدِيدِهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ بَيَانًا لِلْفَضِيلَةِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتْرُكَ مَا يَلْزَمُ فَيَكُونَ نَسْخًا.
الرَّابِعَةُ: أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي شَيْءٍ لِيُعْلَمَ نَحْوُ: تَخْصِيصِ آيَةِ السَّرِقَةِ.