الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرض الحج ومنافعه
(1)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ..
إخوة الإسلام، في هذه الأيام تتوق نفوس المؤمنين إلى زيارة البلد الحرام، وتتطلع الأفئدة لأداء مناسك الحج أحد فرائض الإسلام .. وهناك من يقدر له ذلك ويشاء الله أن يبلغه إتمام المناسك وقضاء النسك، وهناك آخرون تقعد بهم الحاجة، أو تنعدم لديهم الوسيلة، أو يشغلهم ما هم فيه من فتن ومحن عن مجرد التفكير في الحج، فضلاً عن الاستعداد له أو بلوغه.
وعلى الذين يعيشون حالة الأمن والرخاء أن يشكروا الله على هذه النعمة وأن يستثمروا أعمارهم وصحتهم في المسارعة للخيرات، وعدم التسويف في عمل الصالحات وعليهم أن يشاركوا إخوانهم محنتهم بالدعاء والدعم والمساندة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وفي مواطن الحج ومواقفه فرصة للدعاء، وهي حرية بالإجابة والقبول، فلا تحرموا أنفسكم وإخوانكم المسلمين من الدعاء فهو سلاح نافذ، وهو طريق لتفريج الكربات بإذن الله.
أيها المسلمون لقد أنزل الله فيما أنزل في كتابه الكريم على رسوله الأمين قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (2).
(1) ألقيت هده الخطبة يوم الجمعة الموافق، 30/ 11/ 1413 هـ.
(2)
سورة آل عمران، الآية:97.
قال أهل التفسير: هذه آية وجوب الحج عند الجمهور. وقيل: بل هي قوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} والقول الأول أظهر (1).
وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعًا ضروريًا وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده، والإمام مسلم في صحيحه بسندهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس: قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم. ثم قال: ذروني ما تركتم، فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» (2).
وقد اختلفت عبارات السلف في المقصود بمعنى قوله تعالى {من استطاع إليه سبيلاً} ويجمعها: الزاد، والراحلة، والصحة، ويؤكدها قول الرسول صلى الله عليه وسلم وقد سئل: من الحاج يا رسول الله؟ قال: «الشعث التفل» ، فقام آخر فقال: أي الحج أفضل يا رسول الله؟ قال: «العجَ والثجّ» ، فقام آخر (وهنا موضع الشاهد) فقال: ما السبيل يا رسول الله؟ قال: الزاد والراحلة (3).
والمقصود بالشعث التفل: الذي لم يحلق رأسه، وقد اغبر من عدم الغسل، وتفرق من عدم المشط: أي تارك الزينة، والتفل الذي ترك استعمال الطيب.
(1) تفسير ابن كثير 2/ 67.
(2)
مسند أحمد 2/ 508، ومسلم كتاب الحج 4/ 102، تفسير ابن كثير 2/ 67.
(3)
الحديث رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وغيرهم بإسناد حسن، مشكاة المصابيح 2/ 776، انظر كلام ابن كثير في تصحيحه 2/ 68 التفسير.
أما العجّ فالمقصود به: رفع الصوت بالتلبية، والثجّ سيلان دم الهدي والأضاحي (المصادر السابقة).
إخوة الإسلام ويا من قدرتم على الحج وتيسرت لكم سبله ولم تحجوا بعد، الله الله بالمبادرة تأدية لفرض الله، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو يحثكم على الاستعجال في ذلك ويقول:«تعجلوا إلى الحج- يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له» (1).
وفي الحديث الآخر يؤكد صلى الله عليه وسلم على الاستعجال في أداء الفريضة، ويبين العوارض التي قد تصد الإنسان، فيقول صلى الله عليه وسلم:«من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة وتعرض الحاجة» (2).
واحذر- أخي المسلم- من التفريط في أداء الواجبات بشكل عام، وتأمل عقوبة من أطاق الحج فلم يحج- بشكل خاص- يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:«من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه يهوديًا مات أو نصرانيًا قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إلى عمر (3)، وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة- أي مالاً وقادرًا على الحج- فلم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين» (4).
أيها المسلمون .. وفضلاً عن كون الحج أحد أركان الإسلام التي لا قيام له بدونه، وقد قال الله تعالى في نهاية آية الحج السابقة {ومن كفر فإن الله غني عن
(1) الحديث رواه أحمد بسند حسن، صحيح الجامع 3/ 43، تفسير ابن كثير 2/ 69.
(2)
الحديث رواه أحمد وابن ماجه بسند حسن، صحيح الجامع 5/ 237.
(3)
تفسير ابن كثير 2/ 70.
(4)
تفسير ابن كثير 2/ 70، سورة آل عمران، الآية:97.
العاملين} قال ابن عباس وغيره رضي الله عنهما في تأويلها: أي ومن جحد فريضة الحج فقد كفر والله غني عنه (1).
فضلاً عن وجوبه وعظم جريرة من جحده وأنكره .. فإن للحج سواء كان فريضة أو نفلاً منافع جمة، وفضائل كثيرة، جمعها الله تعالى في قوله {وليشهدوا منافع لهم} وجاء بيانها في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فمن منافع الحج وثماره: أنه وسيلة لمغفرة الذنوب، وهل يوجد شخص خلوًا من الذنوب والمعاصي. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (2).
ويروى عن أبي هريرة أنه قال: «حجة مبرورة تكفر خطايا سنة» (3).
وقد ثبت أن الحج يهدم ما قبله من الذنوب، كما ورد في قصة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبسط يمينك لأبايعك، فبسط الرسول صلى الله عليه وسلم يده، فقبضها عمرو، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مالك يا عمرو؟ قال: أردت أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قال: أن يغفر لي، قال:«أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله» (4) ويا له من فضل عظيم لمن وفقه الله.
ومن منافع الحج أن المتابعة فيه والاستمرار على العمرة معه سببان مانعان
(1) تفسير ابن كثير 2/ 69.
(2)
الحديث رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة، صحيح الجامع 5/ 281 قال الحافظ ابن حجر: أي بغير ذنب، وظاهره غفران لصغار والكبائر والتبعات، وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك (الفتح 3/ 382، 383).
(3)
رواه ابن حبان، المتجر الرابح ص 286.
(4)
رواه ابن خزيمة، وهر مسلم أطول من هذا، المتجر الرابح ص 285.
بإذن الله دون الفقر والذنوب، يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:«تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة» (1).
والحج المبرور طريق إلى الجنة .. وهي مبتغى كل مسلم- وقد قاله صلى الله عليه وسلم «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (2).
وفي الحديث الآخر «وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة» (3)«والحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم» (4). وفي لفظ: «الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم» (5).
ومن منافع الحج أنه جهاد لكل ضعيف، وفي الحديث أتقول الرسول عملي الله عليه وسلم:«الحج جهاد كل ضعيف» (6).
هذا فضلاً عن كونه يعفي النساء عن الجهاد، ففي الحديث المتفق على صحته تقول عائشة رضي الله عنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقالت:«جهادكن الحج» (7).
وفي الحديث الآخر: قالت عائشة رضي الله عنها: قلت يا رسول الله على النساء جهاد؟ قال: «نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة» (8).
(1) رواه الترمذي والنسائي بإسناد حسن، مشكاة المصابيح 2/ 775.
(2)
رواه أحمد وغيره بإسناد حسن، صحيح الجامع 3/ 97.
(3)
تكملة السابق.
(4)
حديث صحيح رواه البزار بسند حسن، صحيح الجامع 3/.
(5)
رواه ابن ماجه والمشكاة 2/ 877.
(6)
رواه ابن ماجه بسند حسن، صحيح الجامع 3/ 97.
(7)
مشكاة المصابيح 2/ 773.
(8)
رواه ابن ماجه بسند صحيح، المشكاة 2/ 777.
والحج معاشر المسلمين- وسيلة بر للأرحام والأقربين، فحن حج عن أبيه أو عن أمه أو عن أحد أقاربه فهو من البر الذي تصدق لهم، لكن لابد أن يكون قد أدى الفريضة عن نفسه، ففي الحديث الصحيح عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال:«حج عن أبيك واعتمر» (1).
ويا لها من فرصة يبر فيها الأحياء للأموات أو لمن لا يستطيعون الحج وإن كانوا أحياء، وخاصة إذا كانت فريضة الإسلام، فانفعوا أنفسكم معاشر المسلمين، وبروا غيركم، واستبقوا الخيرات، وبادروا بالطاعات، واعلموا أن ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا، واستغفر الله إن الله غفور رحيم.
(1) الحديث رواه الترمذي، وأبو داود والنسائي، وقال الترمذي حسن صحيح، صحيح الجامع 3/ 88، المشكاة 2/ 776.