الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله تعالى على كل حالة، وأشكره وهو الغفور لمن شاب وأناب، وأشهد ألا إله إلا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أزكى الخليقة وأكثرها ذكرًا واستغفارًا اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله، وارض اللهم عن أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ..
أما بعد أيها المسلمون فاعلموا- رحمني الله وإياكم- أن هناك موانع لمغفرة الذنوب لابد من معرفتها والعلم بها والحذر منها.
وأول هذه الموانع الشرك بالله قال الله تعالى {إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان) وقال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء) وقال تعالى {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} (1).
وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب (أي ملؤها أو ما يقارب ذلك) الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» (2).
والشرك المقصود هنا- معاشر المسلمين- لا يقتصر على عبادة الأصنام التي كان أهل الجاهلية يعبدونها كاللات والعزى ونحوها .. كما قد يفهم بعض
(1) سورة المائدة، الآية:72.
(2)
رواه الترمذي بسند صحيح، صحيح الترمذي 3/ 176.
الناس وإنما يشمل كذلك عبادة القبور والاستغاثة بالأموات، ودعاءهم من دون الله وطلب المدد منهم، وهل يغيب عن البال أن أول شرك وقع في الأرض هو هذا الذي قد يظنه بعض الناس ليس شركًا فقد كان الشرك الذي وقع في قوم نوح الغلو في الصالحين، والتوسل بالأموات {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وذًا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا} (1) روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن هذه أسماء رجال صالحين في قوم نوح ماتوا فعبدوهم من دون الله .. » نسأل الله السلامة من الفتن وأن يرزقنا البصيرة في ديننا لنعبد الله على هدي المرسلين.
أيها المسلمون أما المانع الآخر من حصول المغفرة فهو قتل المؤمن عمدًا، فقد روت أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «كل ذنب عسى أن يغفره الله أو قال عسى الله أن يغفره، إلا من مات مشركًا، أو مؤمن قتل مؤمنًا متعمدًا» (2).
ولابد من العلم بأن الإصرار على الذنب- آفة ينبغي للمسلم أن يعالج نفسه منها، قال الله تعالى {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنبوهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} (3) ومن هنا فلا ينبغي أن يتحول الاستغفار إلى كلمات باللسان فقط مع البقاء والاستمرار على المعاصي، وهذا أمر نقع فيه كثيرًا .. نسأل الله أن يعيننا على تجاوزه .. وما أجمل كلمة قالها أحد السلف وكأنه يحكي واقع الكثير منا، ولابد من إدراك معناها والعمل على إزالة آثارها، فقد قال الفضيل
(1) سورة نوح، الآية:23.
(2)
الحديث أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما وإسناده حسن، انظر: جامع الأصول 8/ 46.
(3)
سورة آل عمران، الآية:135.
بن عياض- رحمه الله «الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين» ، ويقارب ذلك المقولة الأخرى «استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير» (1).
إخوة الإيمان .. من أقوى عوامل حصول المغفرة قوة الرجاء بالله وعدم القنوط من رحمته أو اليأس من روحه- قال الله تعالى {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (2).
وفي الحديث السابق (يا ابن آد م إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي) فلابد من الدعاء والرجاء .. الدعاء بصدق وضراعة .. والرجاء بخشوع وإنابة وأن تتصور أن خزائن الله ملأى لا يضيره ما أنفق وأعطى .. وما بالله بخل أو شح إذا أحسَّ من عبده التوجه الصادق والتوبة النصوح ..
واقرأ بقلب خاشع قول الحق تبارك وتعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون .. } (3).
أسأل الله أن يغفر لي ولكم وأن يرزقنا التوبة النصوح، وأن يلهمنا رشدنا، ويعيننا على أنفسنا .. هذا وصلوا ..
(1) الأذكار للنووي/ 349.
(2)
سورة يوسف، الآية:87.
(3)
سورة الزمر، الآية: 53، 54.