الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى إخوانه وآله ..
أيها المسلمون .. وللاستغفار فوائد جليلة، وآثار حسنة كثيرة .. ومن آثار الاستغفار وفوائده .. قوة التعلق بالله جل جلاله، فإن الغافلين اللاهين أبعد الخلق عن الله .. وكلما كثر استغفار العبد لخالقه كان دليلاً على قربه منه وحضوره في قلبه.
وللاستغفار أثر في تفريج الهموم وإزالة الكروب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب» (1).
والذي يلازم الاستغفار لا يعد من المصرين على الذنوب، ولا شك أن الإصرار على الذنب آفة عظمى وسبب حائل دون مغفرة الله، وقد جاء في الحديث:«ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة» (2).
والاستغفار سبب لمغفرة كبار الذنوب فضلاً عن صغائرها، ولابد من التنبيه للصيغة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى سبيل المثال يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفرت ذنوبه، وإن كان قد فر من الزحف» (3).
(1) الحديث رواه أبو داود وابن ماجه، وأحمد، بسند لا بأس به، الأذكار/ 348، جامع الأصول 4/ 389.
(2)
حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، تفسير ابن كثير 2/ 106.
(3)
رواه الحاكم قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، الأذكار للنووي/ 349، جامع الأصول 4/ 389.
ومن صيغ الاستغفار التي ينبغي معرفتها والعمل بها «سيد الاستغفار» فافقهوا سيد الاستغفار، وتأملوا ما فيه من الأجر والمغنم وهو أثر من آثار الاستغفار، يقول صلى الله عليه وسلم «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة» (1).
والاستغفار- معاشر المسلمين- طريق الجنة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:«طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا» (2).
والاستغفار جلاء للقلوب، وقد قيل «إن للقلوب صدأً كصدأ النحاس، وجلاؤها الاستغفار» (3) وروى البيهقي بإسناد لا بأس به «من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار» (4).
وعليك أخي المسلم ألا تستعظم ذنوبك مهما بلغت أمام مغفرة الله وعفوه، وما أجمل كلمة قالها أعرابي شوهد متعلقًا بأستار الكعبة ويقول «اللهم إن استغفاري مع إصراري لؤم، وإن تركي الاستغفار مع علمي بسعة عفوك لعجز، فكم تتحبب إلي بالنعم مع غناك عني وأتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك،
(1) الحديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، جامع الأصول 4/ 388.
(2)
رواه ابن ماجه بسند جيد، الأذكار للنووي/ 348.
(3)
المتجر الرابح/ 496.
(4)
المتجر الرابح/ 497.
يا من إذا وعد وفى، وإذا توعد تجاوز وعفا، أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الراحمين (1).
وعليك أخي المسلم ألا تتألى على أحد، وتنصب من نفسك حكمًا عليه، وتظن أن الله لا يغفر لفلان لكثرة ذنوبه، أو لا يهدي فلانًا لكثرة أخطائه ومعاصيه، فالقلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيف يشاء، وباب التوبة مفتوح.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان: وأن الله تعالى قال: «من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان، فإني قد غفرت له وأحبطت عملك» (2).
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا ..
(1) الأذكار للنووي/ 349.
(2)
أخرجه مسلم، جامع الأصول 8/ 40.