الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أيقظ بصائر المؤمنين لما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وأعمى آخرين، فزين لهم الشيطان سوء أعمالهم، وصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين.
أيها المسلمون ..
أما المدرسة فهي البيت الثاني للأبناء، يخرجون منها إلى مجتمع جديد، وتنشأ منها علاقات وصداقات، وهي كالبيت مكان للإصلاح والتربية إذا أحس القائمون عليها بواجبهم، وتنشأ المشكلة على حين غفلة من المدرسين والمسؤولين في المدارس إذا فتحت العلاقات دون رقيب بين الصغار والكبار، ولم ترقب سلوكيات الطلاب باستمرار، وأتيحت الفرصة لخروج بعض الطلاب من المدرسة دون حاجة ملحة، أو تسرب إلى المدرسة شباب من خارجها قصدهم الاتصال بشباب المدرسة وعقد صلات معهم، أو وجد في المدرسة نماذج من المدرسين ليسوا على مستوى المسؤولية في أخلاقهم وسلوكياتهم أو فرض على الطلاب في التربية البدنية ملابس تكشف عوراتهم، أو تصف بشكل مثير للفتنة ملامح أجسادهم.
وبشكل عام فقلة التوعية في المدارس عن هذه السلوكيات، والغفلة عن متابعة حركات الطلاب في حال تجمعهم أو حال خلوتهم كل ذلك يسهم في خلق سلوكيات غير مهذبة عند الشباب، وقد يكون اللواط واحدًا منها.
وكذا الغفلة عن مساءلة ومتابعة من يتأخرون صباحًا للمدرسة فيكونون خارج البيت وليسوا في المدرسة، أو من يتأخرون أو يتأخر عنهم آباؤهم بعد خروجهم من المدرسة فلا يصلون إلى بيوتهم إلا في نحر الظهيرة، فهذه كذلك تتيح لهم
فرصة الاختلاط وتتيح للمتسكعين في الشوارع فرصة اصطيادهم وعلى المدرسة والآباء أن ينتبهوا لهذا جيدًا.
أما المجتمع فنعنى به أماكن التجمع الأخرى خارج إطار البيت والمدرسة، فالشارع مثلاً بيت لعدد من الشباب يقضون به كل أوقاتهم بعيدًا عن رقابة الأهل ومتابعتهم، وإني لأعجب من أناس يتركون أبناءهم معظم الوقت يسرحون ويمرحون كيف شاؤوا في الشوارع والمقاهي والمطاعم ولا يسأل الأب أين ذهبوا ولا من خالطوا، وهل تربي الشوارع الأبناء، بل وهل يأمن الأب على ابنه من فتن الأحياء؟ إن هناك صنفًا من الشباب المراهقين الشغال التجول الدائم بسياراتهم داخل الأحياء، فهل ترضى أيها الأب أن يكون ابنك فريسة لهؤلاء؟ - ونوادي الحواري وتجمع الشباب بها لا تسهم في إصلاح الشباب بحال، بل هي موطن للريبة وسوء الخلق والنزاع والمشاجرة في أقل الأحوال فاحذروها معاشر الآباء وامنعوا أبناءكم عن المشاركة فيها.
والنوادي الكبرى التي تخلو من المربين المخلصين وتجمع أشتات الشباب الضائعين هم أعظم خطرًا وأولى بالمنع والمراقبة من قبل المسؤولين.
ومناسبات الزواج في قصور الأفراح مكان بهجة وفرحة للأسرة الواحدة، ولكن ينبغي الحذر من مجيء شباب خارج إطار الأسرة لأغراض سيئة، وينبغي كذلك التنبه لعدم خلوة الشباب الكبار مع الصغار حتى ولو كانوا من أسرة واحدة، وتلك مواطن ينسى فيها الآباء أبناءهم.
وأماكن البيع والشراء للأحداث حري بمراقبة الأولياء والجهات المسؤولة، ويشير العارفون أن سوق الحمام- مثلاً- مكان للاختلاط والاحتكاك بين صغار الشباب وكبارهم جدير باليقظة والاهتمام والمتابعة.
إخوة الإيمان أيها الآباء، أيها المسؤولون- أما وسائل التأثير الأخرى فنعنى بها تلك الوسائل التي تلعب دورًا في صناعة أفكار الشباب وتخاطب عقولهم وغرائزهم، فوسائل الإعلام المختلفة قادرة على الإسهام بشكل فاعل وجيد في صياغة عقول الشباب وتهذيب غرائزهم إذا وسد الأمر فيها إلى أهله من النصحة والغيورين والمفكرين العقلاء وهي أداة هدم ووسيلة فساد إذا قام عليها من لا يحسنون اختيار موادها، واصطفاء برامجها فتثير الصورة الفاضحة غريزة الشباب- ذكرانًا وإناثًا- وتدعو المسلسلات الهابطة إلى احتراف الجريمة ومحاكاة الممثلين الساقطين، وتنشئ الدعايات والإعلانات الإعلامية الرخيصة حبًّا في الشباب للذي هو أدنى وينسون الذي هو خير، فجنبوا معاشر الأولياء أبناءكم كل وسيلة تهدم الخلق والدين وتثير الغرائز وتعلم الشباب ما يضرهم.
والجمعيات المشبوهة- سواء كانت للرجال أو للنساء- والتي تعنى بتربية الشباب على الموسيقى والغناء وتجمع صغار الشباب إلى المراهقين في أعمارهم أو عقولهم أو تلك التي تدرب الفتيات على الرقص وأنواع القص للشعور، والجديد من المكيجة ونحوها- كل هذه وتلك لا تسهم في استصلاح الفتيان والفتيات في وقت غدت الأمة فيه أحوج ما تكون إلى التربية الجادة والاستفادة من كل طاقة.
إخوة الإسلام هذه أبرز المحاور التي حضرتني ولا يعني ذلك الحصر بقدر ما يعني الإشارة .. وربما تساءل البعض- وما هي طرق العلاج؟
طرق العلاج
ولهؤلاء أقول: إن من أهم وسائل العلاج معرفة أسباب المشكلة والوعي بها والعمل على سد كل المنافذ المؤدية إليها.
وتبقى بعد ذلك وسائل أخرى للعلاج لا تخص هذه الظاهرة الخلقية فحسب، بل هي أساس لعلاج أي ظاهرة شاذة توجد عند الشباب أتعرض لها في الخطبة القادمة بإذن الله.
وأختتم الحديث بتنبيه مهم وهو أن حديثي في هذه الخطبة عن البيت أو المدرسة أو أمثالها لا يعفي التقييم لها، وليس حديثًا عن رسالتها التربوية وإلا لقلت غير هذا من الآثار الإيجابية لهذه المحاضن من محاضن التربية، لكنه حديث عن نقاط ضعف قليلة في بحر حسنات كثيرة أردت بها أن تكتمل جوانب التربية وأن تسد الثغرات المهمة حتى تكتمل لهذه المحاض أداتها في التربية ولئلا تؤتي الأبناء من ثغراتها السلبية ولست بمبالغ إذا قلت إن بعض البيوت قلعة من قلاع العلم والتربية والأدب، وعددًا من المدارس قمة شامخة في التربية والمتابعة والمتابعة والتعليم والتوجيه. ذلك من التحدث بنعمة الله {وأما بنعمة ربك فحدث} لكن الملاحظة الناصحة، والاستمرار في المتابعة لا تزيد البنيان إلا شموخًا .. وعساها أن تكون موقظة لمواقع يكاد السوس أن ينخر فيها .. ولبنيان يكاد أن تتصدع جدرانه .. والله الهادي والموفق.