الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين يستحق الحمد والثناء، أشكره تعالى على نعمه وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى إخوانه وآله.
إخوة الإسلام لا تقف منافع الحج وآثاره عند هذا الحد، إذ أن الحج معبر وسبب لكثير من العبادات، ففيه ذكر الله دائمًا وأبدًا {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم} {واذكروا الله في أيام معدودات .. } وفيه الاستغفار {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله} .
وفيه يلهج الحجيج بالتهليل والتكبير، كلما طافوا أو سعوا، وكلما رموا الجمار أو ذبحوا، بل وكلما أقاموا في مكان أو ارتحلوا، أو هبطوا ثنية أو صعدوا.
ويكفي الحجيج أن يتلبسوا بالتوحيد، ويجعلوه شعارهم، وألسنتهم تردد «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» ويا لها من كلمات عظمى لو عقلها والتزم بها المسلمون في حلهم وإحرامهم، وفي كل لحظة من لحظات حياتهم.
والحج فرصة لنحر الهدي والتقرب إلى الله بسفك الدماء، قال الله تعالى {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} قال مجاهد- رحمه الله يريد استعظام البدن واستسمانها (1).
والحج فرصة كذلك لإطعام الطعام وإفشاء السلام وطيب الكلام. وقد جاء
(1) المتجر الرابح صلى الله عليه وعلى آله وسلم 315.
في الحديث: «الحج المرور ليس له جزاءه إلا الجنة» ، قيل: وما بره؟ قال: «إطعام الطعام، وطيب الكلام» (1).
فأنت مدعو أخي الحاج لإطعام الطعام وإفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف، والكلمة الطيبة تشيع المحبة بين المسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة للخير، كل ذلك من سمات المسلمين في كل زمان ومكان، ولاسيما في هذه الأزمان والأماكن الفاضلة، وحيث يجتمع المسلمون من كل حدب وصوب.
وأنت مدعو أخي الحاج لحفظ لسانك وسمعك وبصرك، وجميع جوارحك عن الحرام في كل منزل من منازل الحج، ولاسيما في المواطن التي ينبغي الاشتغال فيها بذكر الله كيوم عرفة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان فلان ردف النبي صلى الله عليه وسلم (وفي رواية كان الفضل بن عباس) يوم عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أي أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له» (2).
فهل يقدر المسلمون عامة والحجاج خاصة هذا اليوم حق قدره، فيشتغلوا بذكر الله ودعائه، أم تراهم يجتمعون للأحاديث العابرة، والحكايات النادرة التي تستجيب لها النفوس .. وكان يومًا كسائر الأيام؟ !
والحج وسيلة للكسب الحلال لمن هو محتاج إلى ذلك، قال الله تعالى {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} (3).
(1) رواه أحمد والطبراني بإسناد حسن، وابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وفي رواية لأحمد قال: «إطعام الطعام، وإفشاء السلام، المتجر الرابح / 287.
(2)
رواه أحمد إسناد صحيح، وابن خزيمة، المتجر الرابح ص 313.
(3)
سورة البقرة، الآية:198.
روى البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواق الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في الموسم فنزلت هذه الآية.
وروى أبو داود وغيره عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج، يقولون: أيام ذكر. فأنزل الله: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} (1).
وبالجملة فالحج معدود في فضائل الأعمال بعد الإيمان والجهاد، ففي الحديث المتفق على صحته «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور» (2).
حجاج بيت الله الحرام أوصيكم ونفسي بتقوى الله ومراقبته فيما تعملون أو تدعون، وأنصحكم ونفسي بالإخلاص لله في العمل، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو القائل:«خذه عني مناسككم» وليس يسوغ لك أخي الحاج أن تذهب إلى المشاعر وأنت لا تدري ما تصنع وترى أنه يكفيك أن تذهب مع الناس حيث ذهبوا، وتتحرك معهم حيث تحركوا، بل عليك أن تعرف أحكام الحج، وأركانه وواجباته وسننه، فإن كنت قارئًا فاقرأ مناسك الحج لأصحاب الفضيلة العلماء، وإن كنت لا تستطيع القراءة فاستمع إلى هذه الأحكام مسجلة على أشرطة الكاسيت، وهي منتشرة والحمد لله.
وإن لم يتيسر لك هذا ولا ذاك فاسأل عن الأحكام الهامة وصفة الحج والعمرة قبل السفر، فليس يسوغ لك الجهل في هذا الزمان .. ولا تعذر
(1) تفسير ابن كثير 1/ 349.
(2)
رواه البخاري ومسلم، المتحجر الرابح/ 284، الفتح 3/ 381.
بالتقصير بكل حال- حتى عند الشاعر يتوفر علماء ودعاة يستقبلون السائلين ويوجهون الغرباء، واحرص على الرفقة الصالحة فهم خير معين لك على معرفة ما تجهل، أو تذكيرك حين تغفل، وسأتعرض في الخطبة القادمة إن شاء الله لبعض أحكام الحج التي تدعو الحاجة لبيانها، وبعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج، هدانا الله وإياهم للحق وثبتنا عليه، ورزقنا البصيرة في ديننا والفقه في عبادتنا.
أيها المسلمون من غير الحجاج أمامكم فرصة هذه الأيام لا تعوض ألا وهي عشر ذي الحجة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء» (1).
فاجتهدوا بكل طاعة من صيام وصدقة وذكر وصلاة ونحوها .. واعلموا أن على من أراد الأضحية منكم ألا يأخذ من شعره ولا ظفره شيء حتى يضحي.
(1) رواه البخاري وغيره.