الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين فطر الخلق على الحنيفية السمحة لا فساد في المعتقد ولا شذوذ في الأخلاق ولا انحراف في السلوك، فاجتالتهم الشياطين، فحسنت لهم القبيح وزينت لهم المكروه، فوقع في حبائلهم من وقع، ونجا من وساوسهم من أراد الله له الخير والفلاح، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر عباده بالعدل والإحسان والتقى، ونهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغي لعلهم يتذكرون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ما فتئ يقص على الأمة من أخبار الماضين ما فيه عظة وعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحابته والتابعين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
إخوة الإيمان .. إن جريمة اللواط فساد في الفطرة، ونقص في الشهامة والرجولة، وهي خدش لقيمة الحياء، واعتداء صارخ على الفضيلة، كما أن اللواط بداية للضياع والانحراف والعزلة .. إذ يحس صاحب الفاحشة أنه دون مستوى الآخرين في فكره وسلوكه فيجد صعوبة في العيش معهم، ويضطر للانزواء والعيش مع نظرائه وأشباهه، بعكس من تربى منذ صغره على الشهامة والرجولة ورفض كل أنواع الإغراء والفتنة، فهو جاد في دراسته، مطيع لوالديه محترم بين أهله وعشيرته، كاره أشد الكره لمن يسمع عنه أخلاقًا سيئة أو يقترف مثل هذه السلوكيات المشينة.
إخوة الإسلام ولما لهذه الجريمة من أضرار وآثار فقد عظم الشرع المطهر حكمها وغلظ في عقوبتها أتدرون ما الحكم الشرعي في هذه الفاحشة المستنكرة؟
لقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع الحجارة كما فعل بقوم لوط.
وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم، سواء كان محصنًا أو غير محصن، وحجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (1). وقد رجح الشوكاني مذهب القائلين بالقتل، وهو الذي عليه الصحابة (2).
وقال آخرون: هو كالزاني فإن كان محصنًا رجم، وإن لم يكن محصنًا جلد مائة جلدة (3).
ماذا تدل عليه هذه العقوبات في فاحشة اللواط؟ إنها دليل على عظمه عند الله، وعلى شناعة فاعله، فهو مستحق للرجم أو للقتل أو للجلد في أقل الأحوال، وتغليظ العقوبة دليل على عظم الجريمة وبشاعتها، وقاني الله وإياكم وأبناء المسلمين منها ومن كل فتنة ومكروه سواها.
إخوة الإسلام وحتى تعلموا شيئًا من حكم التشريع الإسلامي في محاربة هذه العادة المفسدة للخلق والفطرة والدين والدنيا أسوق لكم بعض ما ذكره العلماء من أضرار طبية واجتماعية للواط فمنها:
1 -
التأثير في الأعصاب تأثيرًا خاصًا، أحد نتائجه الإصابة بالانعكاس النفسي في خلق الفرد فيشعر في صميم فؤاده بأنه ما خلق ليكون رجلاً، وينقلب الشعور إلى شذوذ به ينعكس شعور اللائط انعكاسًا غريبًا، ومن هذا تستطيع أن
(1) حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره (زاد المعارج 5/ 40)(صحيح الجامع 5/ 366، 367).
(2)
فقه السنة 2/ 434، 432، (زاد المعارج 5/ 40 - 41).
(3)
تفسير ابن كثير 3/ 442.
تتبين العلة في إسراف بعض الشباب الساقطين في التزين وتقليد النساء في مساحيقهن وصف شعورهن والتمايل في مشيتهن .. وهذه المشاعر كلها تحدث في النهاية أمراضًا عصبية ونفسية لدى مقترفي هذه الجريمة، ومن هذه الأمراض السادية، والماسوشية، والفيتشزم وغيرها.
2 -
التأثير على المخ، واللواط بجانب ذلك يسبب اختلالاً كبيرًا في توازن عقل المرء وارتباكًا عامًا في تفكيره، وبلاهة واضحةً في عقله، وضعفًا شديدًا في إرادته، وذلك راجع إلى قلة الإفرازات الداخلية التي تفرزها الغدة الدرقية والغدد فوق الكلى وغيرها مما يتأثر باللواط تأثرًا مباشرًا ويقول المختصون إن هناك علاقة وثيقة بين (النيورستانيا) واللواط، فيصاب اللائط بالبله والعبط وشرود الفكر وضياع العقل والرشاد.
3 -
مرض السويداء فاللواط إما أن يكون سببًا في ظهور هذا المرض أو يغدو عاملاً قويًا على ظهوره، وذلك بسبب الشذوذ الوظيفي لهذه الفاحشة المنكرة وسوء تأثيرها على أعصاب الجسم.
4 -
ويمكن القول إن اللواط لسبب في انتقال العدوى بحمى التيفود، والدوسنطاريا وغيرها مما ينتقل بطريق التلوث بالمواد البرازية ونحوها المزودة بمختلف الجراثيم، فضلاً عن إمكانية إصابته بأمراض الزنا كالزهري والسيلان.
5 -
ويضعف اللواط مراكز الإنزال الرئيسة في الجسم ويعمل على القضاء على الحيوية المنوية، وينتهي الأمر إلى الضعف ثم إلى العقم.
6 -
ومن شأن اللواط أن يصرف الرجل عن زوجته بعد حين وقد يبلغ به الأمر إلى العجز عن مباشرتها، وقد تكون زوجة اللوطي ضحية لجريمته الشنعاء، فلا تظفر منه بمودة، ولا يستطيع لها معاشرة، فتنشأ المشاكل أو يكون الفراق هو الخيار.
7 -
وفوق ما ذكر فاللواط يصيب مقترفيه بضيق الصدر، ويرزؤهم بخفقان القلب، ويتركهم بحال من الضعف العام، يعرضهم للإصابة بشتى الأمراض، ويجعلهم نهبة لمختلف العلل والأعصاب (1).
تلك معاشر المسلمين عقوبات معجلة في الدنيا، والعقوبة في الآخرة أشد وأنكى .. وهنا يرد السؤال ما هي أسباب الوقوع في هذه الفاحشة، وما هي أسباب الوقاية منها؟ وما دور الأسرة والمدرسة والمجتمع فيها؟ كل هذه وتلك موضعها في الخطبة القادمة بإذن الله.
(1) فقه السنة 2/ 429، 432.