الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) طرق العلاج وقنوات الإصلاح في إصلاح الشباب
(1)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه
…
إخوة الإيمان حين يتحدث المتحدث عن ظاهرة سلوكية سيئة- كاللواط مثلاً- فلا يعني ذلك إغفال غيرها من الظواهر السلوكية المنحرفة الأخرى لدى الشباب، كالتهاون بالصلاة أو تعاطي المخدرات، أو عقوق الوالدين، أو ضياع الأوقات والتسكع في الطرقات، وإيذاء الناس وتكدير صفو عيشهم أو غير ذلك من مظاهر تحتاج كل واحدة منها إلى وقفة وتأمل وعلاج.
ومن هنا فعلينا ونحن نرغب في علاج ظاهرة أن نربطها بغيرها، وأن نتأمل في جملة الأسباب والعوامل المؤدية للانحراف لتلافيها، وأن نبحث في جملة العناصر والمؤسسات القادرة على العلاج والإصلاح لنشملها ونذكر بواجبها ومسؤوليتها ولا يمنع بعد ذلك أن نعالج كل ظاهرة بحسبها، لكن التنبه أساسًا لعوامل البناء والتربية يعفي المجتمع كثيرًا من هذه الأمراض، ويقلل ابتداءً من أعداد المنحرفين والشواذ، ومن هنا فسأعود في هذه الخطبة إلى التذكير بعدد من الجهات والأشخاص الذين يجب أن يكون لهم دورهم في استصلاح المجتمع بعامة، ومجتمع الشباب خاصة، ولست متعجلاً في الحكم إن قلت: إن قيام هذه الجهات بمسؤوليتها كفيل بقطع دابر الفساد والرذيلة، بل وسبب- بإذن الله- في رفع همم الشباب، ونقلة كبرى في أساليب تفكيرهم يدعوهم إلى عدم
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 7/ 2/ 1415 هـ.
النظر والتفكير في هده السواقط والرذائل من الأخلاق فضلاً عن مقارفتها أو الوقوع في حبائلها.
هذه الجهات والمؤسسات أكتفي بذكر أربع منها:
1 -
البيت .. وليس البيت- إخوة الإيمان- مطعمًا ومقهى يتناول فيه الشاب ما لذ وطاب من المطعم والمشرب وكفى بذلك بناء للجسد على حساب الروح، وذلك تورم في الأطراف على حساب بناء العقول وتنوير الفكر، وقولوا لي بربكم: كم هي البيوت التي تعنى ببناء عقل الشباب، وتعنى بتربية فكره، وتجتهد في سبيل تهذيب سلوكه، وتعطيه مع جرعة الطعام جرعات أخرى في الإيمان والأخلاق والآداب؟
وليست البيوت معرضًا للأزياء يجد فيها الشاب والشابة ما جد في عالم اللباس والزينة بكافة أنواعها، فتكون هذه وتلك شغله الشاغل وهمه الأوحد، ينتهي فكره عن حدودها، وتنقطع آماله حين لا يجد عناءً في سبيل الحصول عليها، وقولوا لي بربكم: أيهما أعلى نسبة في البيوت الاهتمام إلى حد الإسراف في هذه الزينة الظاهرة، أم الاهتمام بلباس التقوى الذي قال الله عنه {ولباس التقوى ذلك خير} (1).
وليست البيوت مهاجع يوفر فيها للشاب والشابة ما رق وارتفع من الفرش الوثيرة ووسائل الراحة الكاملة، فينام فيها الأبناء والبنات معظم الليل وسحابة النهار يتقلبون على ظهورهم وجنوبهم، والصلاة تجمع إلى الصلاة، والأشكال لطول النوم متغيرة، والقدرة عند هؤلاء لتحمل المسؤوليات ضعيفة .. صحيح أن على البيوت مسؤولية توفير المطعم والمشرب والملبس، وجميل أن تكون
(1) سورة الأعراف، الآية:26.
البيوت المقر لراحة الأبناء ونومهم .. ولكن ذلك بقدر لا يصل حد السرف وثمة مسؤولية تغيب عن عدد من البيوت، وعلى أرباب البيوت أن يدركوا أن البيت ينبغي أن يكون مدرسة يتعلم فيها الأبناء الأخلاق الفاضلة، ويزرع في نفوسهم الإيمان والحياء، وأن يذكروا فيه بقضايا البعث والجزاء، ويصور لهم بالقدر الذي يعوه نعيم الجنة وعذاب النار، وأن يؤكد البيت على أهمية الوقت واستثماره بما ينفع من أمور الدين والدنيا.
وليس عيبًا أيها الأب أن تحطم كبرياءك وتنزل من برجك العاجي لتخاطب الأبناء والبنات، وتشعرهم أنك صديق محب لهم فضلاً عن الأبوة والعاطفة تجاههم وسيسهل ذلك عليك تعليمهم الخير وتحذيرهم من الشر، وجميل أن تروح عن قلوبهم أحيانًا بالنكتة اللطيفة، أو اللعبة المسلية، أو الرحلة الهادفة، وأن تستصحبهم معك إلى مجتمعات الخير، ودوريات الأقارب والجيران والأحباب والأصحاب الخيرين، وأجمل من ذلك أن تنشئ لهم في البيت مكتبة طيبة تحوي من الكتب المفيدة والأشرطة النافعة ما يوسع مداركهم ويعينك على تربيتهم، وأن تجعل فيها أو في أي ناحية من البيت جلسة معهم تحفظهم شيئًا من كتاب الله أو تقص عليهم ما فيه عبرة لهم، أو تقرأ عليهم من سير الصالحين وأحاديث النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. أيتها الأم فإذا كان الأب أكثر هيبة عند الأولاد منك فلا تنسي أنك أكثر قربًا للأولاد منه، فساهمي في نصحهم وتوجيههم وتعرفي على أحوالهم وما لا يبدونه لأبيهم، وكوني خير معين للأب على تربيتهم، فالنفع لكما، والمستفيد الأول كلاكما، وما أجمل أسرة يفهم كل واحد من الزوجين دوره فيؤديه.
أعتقد أن بيوتنا حين تبلغ هذه المنزلة وحين تفكر بهذه العقلية قادرة- بإذن الله- على إخراج أجيال صالحة وعناصر فاعلة ومؤثرة سينفع الله بها الآخرين،
بدل أن تكون مشكلة يتأذى منها الأهل والجيران وينال قسط من قدرها الآخرين.
2 -
المؤسسات التربوية وأهمها المدارس والجامعات، ودور المدرسة يتمثل في التوجيه والتربية والدعوة لمكارم الأخلاق والتحذير من سيئها، وتنظيم اللقاءات الطلابية والرحلات الهادفة المفيدة كل ذلك- ولا شك- يسهم إسهامًا جيدًا في استصلاح الشباب وتوجيههم واستثمار وقت فراغهم، وقبل ذلك سلوك المعلم وشخصيته وحديثه فهي منارة يهتدي بها الدارسون ويحاول الطلاب والطالبات محاكاة معلميهم ومعلماتهم، وعلى قدر همم وأخلاق الكبار يدرج الصغر، وحري بالإدارات المعنية أن يشجعوا الجادين المخلصين، وأن يلفتوا نظر من يقصرون في واجبهم أو لا يكون على مستوى المسؤولية في التربية والمتابعة.
أما الجامعات فهي مستودع للعقول ومركز للمعلومات يؤهلها ذلك لعقد الدورات، وتنظيم المحاضرات والندوات، ومن ضمن واجباتها التعرف على المشكلات واقتراح الحلول الناسبة لها، والنظر بين الفينة والأخرى في المناهج الدراسية واستصلاحها وتطويرها بما يخدم أهداف الأمة ويعمق أصالتها، ويحفظ عليها كرامتها ويؤهلها لقيادة العالم من حولها.
وليست وظيفة المدرسة والجامعة أن تحفظ الطلبة والطالبات مجموعة من النصوص وتلقنهم كمًّا من المعلومات لا يستفيدون منها في حياتهم العملية، ولا ينبغي أن يكون الهدف من الدراسة مجرد نقل الطالب من مرحلة إلى أخرى، ومنحه في النهاية شهادة تؤهله للعمل وتصله بأسباب الرزق ليس إلا، بل أساس التعليم العمل، والتربية والتهذيب ونصاعة الفكر وارتفاع الذوق والشعور بالمسؤولية والتضحية في سبيل خدمة الآخرين وقيادة المجتمع إلى الخير كل
ذلك أهداف سامية للتعليم ليس العمل والوظيفة إلا واحدًا منها. وكم هو خطاب واع ذلك التعميم الذي عممت به وزارة المعارف برقم 32/ 7/ 1/ 46/ 376 في 18/ 12/ 1414 هـ مشكورة على جميع المناطق التعليمية (مؤخرًا) بشأن دور المدرسة في تحقيق أهداف الإرشاد الوقائي وحماية أبنائنا الطلاب، وتضمن التعميم ثمان نقاط جديرة بتعاون المدراء والمدرسين والمرشدين والأولياء مع تحقيقها ولولا خشية الإطالة لقرأته عليكم.
هذه المؤسسات ينبغي ألا تتوقف رسالتها في الشتاء والصيف، فليست الإجازة الصيفية بأقل شأنًا في حياة الطلاب من أيام الدراسة، لكن ينبغي أن يروح عن الطلاب وألا يتصل كد الأذهان عليهم فيملوا، بل تكون الإجازة فرصة للإكثار من المراكز الصيفية التي تعنى بتنشيط الشباب وملء وقت فراغهم بوسائل الترفيه المفيدة واقتراح البرامج المناسبة.
ونجدها فرصة مناسبة لنزجي الشكر الجميل للجامعات وإدارات التعليم وهي تعنى بهذه المراكز الصيفية وتشجعها وتدعو الشباب للمشاركة فيها. وعلى الأولياء أن يقدروا أهميتها ويساهموا في تشجيع أبنائهم على التسجيل فيها إذ هي من أفضل الوسائل لحفظ أوقات الشباب وحمايتهم من الانحراف بإذن الله إذا توفر لها المربون المخلصون وتولى مسؤوليتها العارفون المجربون.
اللهم ارحمنا برحمتك يا رحيم، وأصلحنا شيبًا وشبابًا ذكرانًا وإناثًا يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.