الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأشهد ألا إله إلا الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله، وارض اللهم عن أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين.
أيها المسلمون لفضل هذا اليوم يبعث الله ملائكته على أبواب المسجد بكرة ليستقبلوا المبكرين المحتسبين، ويسجلوا أعمال الراغبين، ويوزعوا الهدايا على المستحقين، ويا ويحك أخي المسلم إن فاز الناس بالشاه والبعير، وكان نصيبك الخسران المبين .. يقول صلى الله عليه وسلم:«إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على قدر منازلهم الأول فالأول، فإذا جلس الأمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجر (يعني المبكر) «كمثل الذي يهدي بدنه ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة» (1).
أيها الإخوة المسلمون التأخر في المجيء لصلاة الجمعة داء ابتليت به الأمة المسلمة، وهو في ظني يعود إلى أمرين غالبًا، الأمر الأول: القصور في معرفة منزلة هذا اليوم معرفة حقيقية، تجعل المرء يضحي في سبيل هذا اليوم وفي سبيل التبكير لصلاة الجمعة بالغالي والنفيس، وهو يستشعر عظمة الله وعظمة هذا اليوم.
أما الأمر الآخر فهو العجز والتكاسل والرغبة في الإخلاد إلى الراحة وإعطاء النفس حقوقها من المنام والمآكل والمشارب، وتلك وربي آفة صارفة عن كل
(1) حديث صحيح عن أبى هريرة، صحيح الجامع 1/ 273.
خير، ولا يزالا العجز والكسل بالمرء حتى يورده المهالك .. والنفس كما قيل كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.
ويوم أن يتوافر لك أخي المسلم علم حقيقي لا نظري بمنزلة يوم الجمعة عند الله .. ومجاهدة للنفس عن بعض شهواتها فستصل إلى منزلة تسمو بك عن الآخرين وتجد أثرها يوم العرض على رب العالمين.
إخوة الإيمان ما ظنكم لو أن السلطان أمر جنودًا يقفون على الأبواب ويوافونه بالمتقدم، ويعدونهم بالعطايا والهدايا الحسان، ويسجلون المتخلف ويعدونه بالخسارة على رؤوس الأشهاد؟ فكيف الحال إذا كان الباعث هو الجبار جل جلاله، والجنود هم الملائكة الأطهار.
إنه حري بك أخي المسلم أن تستحي من ملائكة الرحمن أن يروك متأخرًا إن تصورك لهذا الأمر في كل جمعة سيدعوك للتبكير مستقبلاً بإذن الله إن كنت ممن يعي ويتعظ ويقدر الخير ويفرق بين البدنة والبيضة، وأرجو ألا يكتبك الله مع الغافلين .. وأرجو أن يعينك الله على مواصلة السير مع الصالحين .. وألا يحشرك مع الغافلين المتكبرين.
أخا الإسلام افتح قلبك وسمعك لهذا الحديث النبوي المرغب في التبكير، واحرص على أن يكون لك منه أوفر الحظ والنصيب.
يقول صلى الله عليه وسلم: «من غسَّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع وأنصت، ولم يلغ كان له بكل خطوة يخطوها هن بيته إلى المسجد عمل سنة أجر صيامها وقيامها .. وذلك على الله يسير» (1).
(1) الحديث رواه أحمد وغيره بسند صحيح، صحيح الجامع 5/ 325.
قال الإمام أحمد: وغسَّل بالتشديد جامع أهله، وكذلك فسره وكيع (1). أين الراغبون في الحسنات .. وأين المسارعون إلى الخيرات .. إن ذلك جزء من فضائل يوم الجمعة.
إخوة الإسلام ويكفي من فضائل يوم الجمعة أن ما بين الجمعتين كفارة لما بينهما إذا ما اجتنبت الكبائر، وهنا يغلط بعض الناس فتراه يحافظ على الجمعة، ويتهاون فيما سواها من الصلوات ظنًّا خاطئًا منه أن الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، وإيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذكر أن الجمعة تكفر الذنوب الصغائر دون الكبائر، حيث قال:«الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» ولا شك أن ترك الصلوات الخمسة أو التهاون بآدائها من الكبائر .. فلا تصح الجمعة ممن هذه حاله حتى يؤدي الصلوات الخمس.
أما من يتهاون أو يترك صلاة الجمعة دون عذر فهذا جرمه كبير .. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من ترك صلاة الجمعة تهاونًا بها طبع الله على قلبه (2).
وفي الحديث الآخر: «من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين» (3) نسأل الله السلامة والعصمة من الزلل.
أيها المسلمون هناك خصائص وفضائل وأحكام أخرى للجمعة نرجئ الحديث عنها في خطبة لاحقة بإذن الله .. هذا وصلوا.
(1) زاد المعاد 1/ 385.
(2)
صحيح صالح الفوزان خطبة الجمعة / 61.
(3)
صحيح الجامع 5/ 268.