الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) أسباب الفاحشة ومحاورها الرئيسة
(1)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ....
إخوة الإسلام سبق لنا بعض الحديث عن جريمة اللواط وحري بنا أن نستكمل الحديث عنها، ونعنى بهذه الظاهرة التي تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من فعلها أشد التخوف فقال:«إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط» (2).
وكيف لا نعنى بهذه الظاهرة وندرس أسبابها ونبحث في أنسب الوسائل لعلاجها، ونجنب الناشئة مخاطرها والمصطفى صلى الله عليه وسلم يحشر اللوطي في قائمة الملعونين (المطرودين من رحمة الله) فيقول عليه الصلاة والسلام:«ملعون من سب أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض، ملعون من كمه أعمى عن الطريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل بعمل قوم لوط» (3).
فما هي أهم الأسباب المؤدية إلى الوقوع في هذه الفاحشة، وكيف يقع الشباب ضحية لها؟
وقبل الحديث عن هذه الأسباب أنبه إلى أمرين هامين:
1 -
إن هذه الأسباب لا يلزم توفرها كلها في الشاب حتى تقوده إلى هذه الجريمة المنكرة، بل وجود أحدها أو بعضها كفيل بجر الشاب من حيث يشعر
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 30/ 1/ 1415 هـ.
(2)
حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه: صحيح سنن الترمذي 2/ 76.
(3)
حديث صحيح رواه الإمام أحمد وصححه الألباني 5/ 212.
أو لا يشعر إلى هذا المزلق الخطر، وهذا يستدعي الانتباه والاحتياط وسد كل منفذ أو وسيلة تقود للخطر، وعدم التهاون فمعظم النار من مستصغر الشرر.
2 -
إن هذا الحديث ليس موجهًا لأحد بعينه، ولا ينبغي لأحد أن يعفي نفسه من مسؤوليته فالوقاية أنسب الوسائل للعلاج، ومقابلة المشكلة بحزم وعزم وجدية وصراحة أولى من تغافلها وإغضاب الطرف عنها، وتجاهل المشكلات لا يعنى عدم وجودها، ولا يسهم بكل حال في حلها.
إخوة الإيمان يمكن حصر الأسباب المؤدية للوقوع في اللواط (حمانا الله وإياكم وذرارينا المسلمين) في أربع محاور رئيسة هي كما يلي:
أولاً: البيت، ثانيًا: المدرسة، ثالثًا: المجتمع، رابعًا: وسائل التأثير الأخرى. وكل واحدة من هذه وتلك تحتاج إلى بيان وتفصيل.
أولاً: أما البيت فهو اللبنة الأساسية والمنطلق الأول لتربية الشاب، وتسهم حالة الغنى المفرط أو الفقر المدقع في انحراف الشاب أحيانًا، أما الغنى- غير المنضبط فيوفر فيه للشاب كل وسائل الراحة واللهو واللعب دون تفريق بين الضار والنافع، فقد يوفر له من وسائل اللهو ما يثير غريزته، ويوفر له من المال ما لا يحسن التحكم فيه، ويوفر له سيارة ليس أهلاً لاستخدامها في أغراضها الصحيحة، فإذا اجتمع إلى الشاب مع ذلك صحة موفورة، وفراغ قاتل، مع حيوية الشباب وقلة تفكيره في العواقب قادته هذه الأمور إلى عمل كل محظور ليس اللواط إلا واحدًا منها.
إن الشباب والفراغ والجدة
…
مفسدة للمرء أي مفسدة
وبعكس ذلك تكون بيوت الفقراء حيث لا يجد فيها الشاب حاجته الأساسية، ولا تتوفر له أموره الضرورية، والمجتمع والجيران في غفلة عن حاجات جيرانهم فيضطر الشاب للخروج بحثًا عما يحتاجه فيجد اللصوص المحترفين
لاصطياده وإطماعه بتوفير كل ما يحتاج إليه فتنشأ العلاقات المشبوهة، ويقع الشاب في جريمة اللواط وغيرها من الفواحش والآثام.
ثانيًا: كما تسهم حالة اليتم (لاسيما يتم الأب) في ضياع الشباب وانحرافهم أحيانًا، إذ تعجز الأم عن متابعة بعض الأبناء، ولا تلتفت بقية البيوت لهذه النوعية من بيوت الأيتام: إما لعدم اهتمامهم أو لانشغالهم، فيهيم هؤلاء الشباب على وجوههم، وتكون المقاهي والطرقات وأماكن التجمعات العامة موطنًا لهم، وتتيح لهم هذه وتلك الاختلاط بغيرهم ممن يحسنون لهم القبيح، ويهونون عليهم العسير، فلا يستقيظ الشاب المسكين إلا وهو في شراك المجرمين، وضمن زمرة الفاسدين، وتكون جريمة اللواط واحدة من سلوكياته المنحرفة، وما خفي أعظم وأكبر.
ثالثًا: وأشد ضراوة وأثرًا على الشباب يتم العلم والأدب كما قيل:
ليس اليتم الذي قد مات والده
…
بل اليتم يتم العلم والأدب
وإذ كنا نشيد ببعض الأمهات اللائي يربين أبناءهن على الخير ويحرصن على سلوكياتهم من كل عفن، حتى وإن كان الآباء تحت الثرى، ونقدم التحية معطرة لأولئك الآباء الذين يعنون بأبنائهم ويهتمون بتربيتهم. فإننا نرثي لحال أولئك الآباء الأموات وإن كانوا في عداد الأحياء، هذه النوعية من الآباء التي لا تهتم بالأبناء، ولا تعيرهم من الاهتمام ما يستحقون فهم إما مشغولون بتجارتهم أو غارقون في لهوهم، أو على الأقل لا يهتمون كثيرًا بأبنائهم ولا يسألون عن مدخل أبنائهم أو مخرجهم ولا يعرفون من يرافقون ولا فيمن يتصلون، هؤلاء يسرح أبناؤهم ويمرحون كيف شاؤوا، وإذا كان الصنف السابق يمكن أن يعطف عليهم المجتمع ليتمهم، فهؤلاء يتكل الناس على تربية واهتمام آبائهم فلا يعيرونهم كبير اهتمام، فينضمون إلى قائمة الضائعين، ولا يفيق الأب إلا حين
يستدعى للغرامة أو للكفالة أو لأخذ التعهد، أو لإشعاره أن ابنه من نزلاء السجن لا قدر الله.
رابعًا: تساهل البيوت بشكل عام في تربية الأبناء وتوجيههم وتعليمهم ما ينفعهم، وتحذيرهم من آثار صحبة الأشرار وعدم تشجيعهم على مصاحبة الأخيار، كل ذلك يجعل الأبناء مرتعًا خصبًا لكل دعوة مهما كان سوءها، ولكل داع مهما كان مساره وخطره.
خامسًا: وتسهم الخلافات الحادة بين الزوجين في ضياع الأبناء أحيانًا، إذ ينشغلون في خلافاتهم عن تربية أبنائهم فينشأ الأبناء بعيدًا عن رقابة الوالدين، ويفضلون العيش بعيدًا عن أجواء البيت، وتكون هذه بداية الانحراف- «لا سمح الله.
سادسًا: وهناك أسلوبان مختلفان في التربية، وعلى طرفي نقيض، وربما أسهما في ضياع الشباب، الأول أسلوب التعنيف والتقريع والتوبيخ دائمًا وربما الضرب لأدنى سبب، وهذا يخلق شابًا كارهًا للبيت يبحث عن البديل ولو كان سيئًا ويبحث عن الأصدقاء ولو كانوا غير أسوياء، وتبدأ حينها المشكلة.
والثاني أسلوب الثقة المفرط الذي يجعل البيت واثقًا بكل تصرفات الابن، محسنًا الظن دائمًا بكل حركاته، حتى وإن كان الشاب في مرحلة المراهقة وإن كان لديه بعض الملاحظات الجديرة بالاهتمام والمتابعة، بل وإن كان الشاب في هذه المرحلة محتاجًا إلى التوجيه والعناية، والكلمة الناصحة.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها
كفي المرء نبلاً أن تعد معايبه
فهذه الثقة الطلقة، وتفسير بعض سلوكيات الأبناء المثيرة على حسن الظن ربما قادت الشاب هي الأخرى إلى الانحراف، والبيت غافل عن هذا في البداية عاجز عن حلها في النهاية.
أيها الإخوة إنما أطلت الحديث عن البيت لأهمية دوره، ولأنه قلعة التحصين الأولى إذا قدر الأبوان موقعهما، ولأن تأثيره في العملية التربوية مهم سلبًا كان أو إيجابًا، وبقدر ما نشكر الله على اهتمام ويقظة البيوت لدورهم في استصلاح أبنائهم، فإنما أردنا بذلك التنبيه على بيوت لا زال أصحابها في غفلتهم سادرين وعن أبنائهم غافلين، نسأل أن يصبح شأننا وأن يهدي ضالنا، وأن يثبت هداتنا.