المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السادس والعشرون: في ذكر شيء من خبر إسماعيل عليه السلام وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام - جـ ٢

[التقي الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب السادس والعشرون: في ذكر شيء من خبر إسماعيل عليه السلام وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام

- ‌الباب السابع والعشرون:

- ‌في ذكر شيء من خبر هاجر أم إسماعيل عليه السلام:

- ‌ذكر أسماء أولاد إسماعيل وفوائد تتعلق بذلك:

- ‌ذكر شيء من خبر بني إسماعيل عليه الصلاة والسلام:

- ‌ذكر ولاية نابت بن إسماعيل للبيت الحرام:

- ‌الباب الثامن والعشرون:

- ‌ذكر ولاية إياد بن نزار بن معد بن عدنان للكعبة:

- ‌ذكر ولاية بني إياد بن نزار الكعبة وشيء من خبرهم وخبر مضر ومن ولي الكعبة من مضر قبل قريش:

- ‌الباب التاسع والعشرون:

- ‌في ذكر من ولي الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة ومنى من العرب في ولاية جرهم وفي ولاية خزاعة وقريش على مكة:

- ‌الباب الثلاثون

- ‌في ذكر من ولي إنساء الشهور من العرب بمكة

- ‌ذكر صفة الإنساء

- ‌ذكر الحمس والحلة

- ‌ذكر الطلس:

- ‌الباب الحادي والثلاثون:

- ‌ذكر نسبهم:

- ‌ذكر سبب ولاية خزاعة لمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر مدة ولاية خزاعة لمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر أول من ولي البيت من خزاعة وغير ذلك من خبر جزهم

- ‌ذكر شيء من خبر عمرو بن عامر الذي تنسب إليه خزاعة وشيء من خبر بنيه:

- ‌الباب الثاني والثلاثون:

- ‌الباب الثالث والثلاثون:

- ‌في ذكر شيء من خبر بني قصي بن كلاب:

- ‌الباب الرابع والثلاثون

- ‌في ذكر شيء من خبر الفجار والأحابيش

- ‌ذكر يوم العبلاء:

- ‌ذكر يوم شرب:

- ‌ذكر يوم الحريرة:

- ‌ذكر الفجار الأول وما كان فيه بين قريش وقيس عيلان وسبب ذلك:

- ‌ذكر شيء من خبر الأحابيش ومحالفتهم لقريش:

- ‌الباب الخامس والثلاثون:

- ‌ذكر شيء من خبر حلف الفضول:

- ‌ذكر شيء من خبر ابن جدعان الذي كان في داره حلف الفضول:

- ‌ذكر شيء من خبر أجواد قريش في الجاهلية:

- ‌ذكر الحكام من قريش بمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر تملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن كلاب القرشي الأسدي على قريش بمكة وشيء من خبره:

- ‌الباب السادس والثلاثون:

- ‌ذكر شيء من خبر فتح مكة:

- ‌ذكر فوائد تتعلق بخبر فتح مكة:

- ‌الباب السابع والثلاثون:

- ‌في ذكر شيء من ولاة مكة المشرفة في الإسلام:

- ‌الدولة العباسية:

- ‌الباب الثامن والثلاثون

- ‌في ذكر شيء من الحوادث المتعلقة بمكة في الإسلام

- ‌الباب التاسع والثلاثون:

- ‌سيول مكة في الجاهلية:

- ‌سيول مكة في الإسلام:

- ‌ذكر شيء من أخبار الغلاء والرخص والوباء بمكة المشرفة على ترتيب ذلك في السنين:

- ‌الباب الأربعون:

- ‌في ذكر الأصنام التي كانت بمكة وحولها وشيء من خبرها:

- ‌ذكر أسواق مكة في الجاهلية والإسلام:

- ‌ذكر شيء مما قيل من الشعر في التشوق إلى مكة الشريفة وذكر معالمها المنيفة:

- ‌خاتمة المؤلف للكتاب:

- ‌الملحق الأول:‌‌ ولاة مكة بعد الفاسي مؤلف "شفاء الغرام

- ‌ ولاة مكة بعد الفاسي مؤلف "شفاء الغرام

- ‌الملحق الثاني في الدرة الثمينة في تاريخ المدينة

- ‌مقدمة بقلم اللجنة التي أشرف على تحقيق الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول- في ذكر أسماء المدينة وأول من سكنها

- ‌الباب الثاني: في ذكر فتح المدينة

- ‌الباب الثالث: في ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

- ‌الباب الرابع: في ذكر فضائلها وما جاء في ترابها

- ‌الباب الخامس: في ذكر تحريم النبي للمدينة وحدود حرمها

- ‌الباب السادس: في ذكر وادي العقيق وفضله

- ‌الباب السابع: في ذكر آبار المدينة وفضلها

- ‌الباب الثامن: في ذكر جبل أحد وفضله وفضل الشهداء به

- ‌الباب التاسع: في ذكر إجلاء النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير من المدينة

- ‌الباب العاشر: حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة

- ‌الباب الحادي عشر: في ذكر قتل بني قريظة بالمدينة

- ‌الباب الثاني عشر: في ذكر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفضله

- ‌الباب الثالث عشر: في ذكر المساجد التي بالمدينة وفضلها

- ‌الباب الرابع عشر: في ذكر مسجد الضرار وهده

- ‌الباب الخامس عشر: في ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما

- ‌الباب السادس عشر: في ذكر فضل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السابع عشر: في ذكر البقيع وفضله

- ‌الباب الثامن عشر: في ذكر أعيان من سكن المدينة من الصحابة ومن بعدهم

- ‌الملحق الثالث في‌‌ العمارة التي أدخلت على المسجد النبوي الشريفمنذ إنشائه حتى اليوم وفوائد أخرى عن المدينة

- ‌ العمارة التي أدخلت على المسجد النبوي الشريف

- ‌ المسجد النبوي الشريف قبل التوسعة السعودية:

- ‌ سير العمل في العمارة الجديدة:

- ‌ المباني التي هدمت:

- ‌ وصف المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة

- ‌ أبواب الحرم النبوي الشريف:

- ‌ حول عمارة المسجد النبوي الشريف:أسئلة موجهة من الحاج عبد الشكور فدا إلى سعادة الشيخ صالح القزاز وإجابة فضيلته عليها:

- ‌الملحق الرابع: بعض آثار المدينة والمزارات وغيرها

- ‌مساجد المدينة المنورة

- ‌ القصور التاريخية بالمدينة:

- ‌ خزانات ماء الشرب

- ‌كلمة الختام:

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌الباب السادس والعشرون: في ذكر شيء من خبر إسماعيل عليه السلام وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام

‌المجلد الثاني

‌الباب السادس والعشرون: في ذكر شيء من خبر إسماعيل عليه السلام وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الباب السادس والعشرون: في ذكر شيء من خبر إسماعيل عليه السلام وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام

روينا عن البخاري في صحيحه قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن أيوب السختياني وكثير بن المطلب بن أبي وداعة -يزيد أحدهما على الآخر- عن سعد قال ابن عباس رضي الله عنهما: أول ما اتخذ النساء المنطق1 من قبل أم إسماعيل عليهما السلام اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم عليه السلام وبابنها إسماعيل -وهي ترضعه- حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء؛ فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، وذهب إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ وقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها؛ فقالت: "الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: فإذا لا يضيعنا، ثم رجعت؛ فانطلق إبراهيم عليه السلام حتى إذا كان عند الثنية؛ حيث لا يرونيه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه؛ فقال:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} حتى بلغ قوله: {يَشْكُرُون} [إبراهيم: 37] .

وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل عليهما السلام وتشرب من ذلك الماء؛ حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يلتوي -أو قال: يتلبط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه؛ فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا؛ فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى

1 هي النطاق الذي تشد به المرأة وسطها.

ص: 3

جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليه؛ فنظرت هل ترى أحدا؟ ففعلت ذلك سبع مرات.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فذلك سعي الناس بينهما".

فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه -تريد نفسها- ثم سمعت؛ فسمعت -أيضا- فقالت: قد سمعت؛ إن كان عندك غوث؛ فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه -أو قال: بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعدما تغرف.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عينا معينا".

قال: فشربت وأرضعت ولدها؛ فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة؛ فإن هذا بيت الله الحرام يبينه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله.

وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله؛ فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقه من جرهم، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كدي؛ فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرا عائفا فقالوا: إن هذا الطير ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأسلوا جريّا أو جريّين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا في الحال -وأم إسماعيل عند الماء- فقالوا: أتأذنين لنا ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقال النبي صلى الله عليه وسلم "فألفى ذلك أم إسماعيل عليهما السلام"، وهي تحب الأنس - فنزلوا فأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم؛ حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب؛ فلما أدرك زوجوه على امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل عليهما السلام فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل عليه السلام يطالع تركته فلم يجد إسماعيل؛ فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، قالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه؛ فلما جاء إسماعيل عليه السلام وكأنه أنس شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول غير عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم إبراهيم عليه السلام ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده، ودخل على امرأته، فسألها عنه؛ فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ -وسألها عن عيشهم وهيئتهم- فقالت: نحن

ص: 4

بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل. قال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء -قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه" قال: فما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه -قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه؛ فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت بشيء؟ قالت: نعم، وهو يقرئ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، وأمرني أن أمسكك.

ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل عليه السلام يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم؛ فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل: إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني عليه؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا -وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها؛ فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل عليه السلام يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني؛ حتى إذا ارتفع البناء جاء إبراهيم بهذا الحجر فوضعه له؛ فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل عليه السلام يناوله الحجارة، وهما يقولان:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران: 72] حتى رفع البناء1 وضع الشيخ عن نقل الحجارة، فوقف على حجر المقام، فجعل يناوله الحجارة وهو يقول:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

انتهى.

ورأيت في الأخبار الواردة في هذا المعنى أمورا بعضها يخالف ما في هذا الخبر، وبعضها يوضح منافيه من أمر مبهم؛ فحسن يبالي ذكر ذلك لما يحصل به من الفائدة.

فمن الأمور المخالفة لهذا الخبر: أن الفاكهي روى بسنده من طريق الواقدي، عن أبي جهنم بن حذيفة خبرا في قدوم إبراهيم بإسماعيل عليهما السلام قال فيه: فعمد إبراهيم إلى موضع الحجر، فأنزل فيه هاجر وإسماعيل، وأمر هاجر أن تتخذ فيه عريشا2.. انتهى.

وذكر الأزرقي ذلك فيما رواه بسنده عن ابن إسحق؛ لأنه قال في خبر رواه من هذا المعنى: فعمد بهم إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه، وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشا3.. انتهى.

1 أخرجه: البخاري 6/ 282-288 في "الأنبياء: باب قوله: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}

2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 120.

3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 54.

ص: 5

فهذا يخالف ما في خبر ابن عباس رضي الله عنهما السابق؛ لأن فيه: ثم جاء إبراهيم بهاجر وابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد. ووجه المخالفة بين ظاهر؛ لأن موضع الحجر غير موضع زمزم.

وذكر الإمام المسعودي ما يخالف ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما وما ذكره أبو جهم بن حذيفة وابن إسحاق في موضع إنزال إبراهيم لابنه إسماعيل وأمه هاجر واستودعهما خالقه على حسب ما أخبر الله سبحانه وتعالى، وأنه أسكنهما بواد غير ذي زرع1. وكان موضع البيت ربوة حمراء، أمر إبراهيم هاجر أن تتخذ عليه عريشا يكون لها سكنا وكنا

انتهى.

فتحصل من هذا الموضع الذي أنزل إبراهيم ابنه إسماعيل وأمه ثلاثة أقوال: هل هو في موضع الحجر على ما ذكر أبو جهم وابن إسحق؟ أو فوق زمزم على ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما؟ أو في موضع البيت على ما ذكر المسعودي؟ والله أعلم.

ومنها: أن الفاكهي روى بسنده من طريق الواقدي عن أبي جهم بن حذيفة خبرا ذكر فيها نفاذ الماء الذي كان مع أم إسماعيل عليهما السلام وتطلبها للماء حين عطش ابنها إسماعيل، وسقي الله لها، وأخرج جبريل عليه السلام لهما الماء في موضع زمزم، وغير ذلك، وفيه قال: قال: ويقبل غلامان من العماليق يريدان بعيرين لهما قد أخطآه وقد عطشا، وأهلهما بعرفة، فنظرا إلى طير يهوي قبل الكعبة فاستنكرا ذلك، وقالا: أنى يكون هذا الطير على غير ماء؟. قال أحدهما لصاحبه: كما ترى هذا الطير يذهب إلى غير ماء؟ قال الآخر: فأمهل حتى نبرد ثم نسلك في مهوى أو مهد قبيس؛ فنظرا إلى الماء وإلى العريش، فنزلا وكلما هاجر سألاها متى نزلت؟ فأخبرتهما، وقالا: لمن هذا الماء؟ فقالت لي، ولابني؛ فقالا: ومن حفره؟ فقالت: سقيا الله عز وجل، فعرفا أن أحدا لا يقدر على أن يحفر هنالك ماء، وعهدها بما هنالك قريب وليس به ماء؛ فرجعا إلى أهلهما من ليلتهما وأخبراهم، فتحولوا حتى نزلوا معها على الماء وأنست بهم ومعهم الذرية؛ نشأ إسماعيل عليه السلام مع ولدانهم، وكان إبراهيم عليه السلام يزور هاجر كل شهر على البراق، يغدو غدوة فيأتي مكة، ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام. يزور هاجر كل شهر على البراق، يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقبل في منزله بالشام، ونظر من هنالك من العماليق وإلى كثرتهم وعمارة الماء فسر بذلك

انتهى.

1 مروج الذهب 2/ 46.

ص: 6

وهذا يقتضي أن الذين نزلوا على هاجر حين أخرج الله لها الماء العماليق، وهو يخالف خبر ابن عباس رضي الله عنهما السابق؛ فإنه يقتضي أن الذين نزلوا على هاجر حين أخرج الله لها الماء قوم من جرهم قدموا من طريق كدي بعد أن أنكروا الماء لكونهم لم يعهدونه، وبعد أن استأذنوا هاجر في النزول معها فأذنت لهم في ذلك لحبها في الأنس بهم، وفي حبها لذلك إشعار بفقدها لأحد تأنس به غيرهم1، والله أعلم.

وذكر الجندي في "فضائل مكة"، عن ابن عباس رضي الله عنهما خبرا في وضع إبراهيم لإسماعيل وأمه عليهم السلام بمكة، وفيه ما يقتضي أن جرهما الذين نزلوا على إسماعيل وأمه عليهما السلام قدموا من اليمن بعد أن سار إسماعيل يصطاد؛ لأنه فيه: فمكثت هي وإسماعيل -يصطاد عليها من الحل- حتى جاء ناس من اليمن من جرهم؛ فرأوا الطير يطوف على الماء وهم ذاهبون إلى الشام؛ فلما رأوا الماء وجدوا عنده المرأة وابنها

، وذكر بقية الخبر، وهذا غريب جدا؛ أعني كون إسماعيل-عليه السلام يصطاد حين نزل جرهم على أمه؛ والمعروف أنه كان إذ ذاك رضيعا.

ومنها: أن الفاكهي روى بسنده عن طريق الواقدي عن أبي جهم بن حذيفة قال: لما بلغ إسماعيل عليه السلام تزوج امرأة من العماليق ابنه صدى، قال: فجاء إبراهيم زائرا لإسماعيل، عليه السلام في ماشيته يرعاها ويخرج متنكبا قوسه فيرمي الصيد مع رعيته، وكان يرعى بأعلى مكة -في ماشيته يرعاها ويخرج متنكبا قوسه فيرمي الصيد مع رعيته، وكان يرعى بأعلى مكة -السدرة وما والاها- فجاء إبراهيم- عليه السلام -إلى منزله فقال: السلام عليكم يا أهل البيت؛ فسكتت فلم ترد عليه -إلا أن تكون ردت عليه في نفسها- فقال: هل فذكرت جهدا؛ فقالت: لاها الله2 إذن. قال: كيف طعامكم ولبنكم وماشيتكم؟ قال: فذكرت جهدا؛ فقالت: أما الطعام فلا طعام، وأما الشاة فلا تحلب الشاة بعد الشتاء المضير -قال الواقدي: المضير: السحب- وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ. قال: فأين رب البيت؟ قالت: في حاجته. قال: فإذا جاء فاقرئيه السلام وقولي غير عتبة بيتك3

انتهى.

وهذا يقتضي أن امرأة إسماعيل التي أمره أبوه بفراقها من العماليق، وهو يخالف ما في خبر ابن عباس- رضي الله عنهما السابق، فإن فيه ما يقتضي أنها من جرهم.

وذكر المسعودي أنها من العماليق4، وذكر كلاما يقتضي أنها من العماليق الذين قدموا من اليمن وملكهم السميدع؛ وذلك يخالف ما في خبر أبي جهم بن

1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 120، 121.

2 لعل هذا من العبارات التي كانت ذات معنى في اللهجات القديمة.

3 أخبار مكة الفاكهي 5/ 128.

4 مروج الذهب 2/ 46.

ص: 7

حذيفة؛ فإنه يقتضي أنها من العماليق الذين كانوا حول مكة حين قدم إبراهيم بإسماعيل إلى مكة.

وذكر المسعودي أن المرأة التي تزوجها إسماعيل عليه السلام من العمالقة هي صدا1 بنت سعد؛ وذلك يخالف ما ذكره أبو جهم بن حذيفة في اسم أبي المرأة التي تزوجها إسماعيل عليه السلام من العمالقة. والله أعلم بالصواب.

وقال السهيلي بعد ذكر أم أولاد إسماعيل: وقد كان له امرأة سواها من كدي2- وهي التي أمره أبوه بتطليقها حين قال لها إبراهيم: قولي لزوجك فليغير عتبته -يقال السهيلي أن المسعودي ذكر ذلك أيضا.

ومنها: أن الفاكهي روى بسنده من طريق الواقدي عن أبي جهم بن حذيفة قال: وفيه نظر إسماعيل عليه السلام إلى بنت مضاض بن عمرو فأعجبته؛ فخبطها إلى أبيها فتزوجها. فجاء إبراهيم عليه السلام زائرا لإسماعيل؛ فجاء إلى بيت إسماعيل عليه السلام فسلم عليه، فقال: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله، فقامت إليه المرأة الله، ونحن في لبن كثير، ولحم كثير، وماء وإبل وصيب، قال: هل من حب؟ قالت: يكون إن شاء الله، ونحن في نعم، قال: بارك الله لكم -قال أبو جهم: فكان أبي يقول: ليس أحد يخلو على اللخم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه ولعمري لو وجد عندها حبًا لدعى فيه بالبركة، وكانت أرض زرع- قال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم واللبن. قال: فما شرابكم؟ قالت: اللبن والماء، قال: بارك الله لكم في طعامكم، قال: فمن طعام وشراب، قالت: انزل رحمك الله فاطعم واشرب، قال: إني لا أستطيع النزول

انتهى باختصار.

ثم قال بعد غسلها لرأسه وهو راكب: فلما فرغت قال لها: إذا جاء إسماعيل قولي له: أثبت عتبة بيتك، فإنها صلاح المنزل3

انتهى.

وهذا لم نورده لمخالفة بينه وبين خبر ابن عباس رضي الله عنهما السابق، وإنما أوردناه لما فيه من الفائدة ببيان أن زوجه إسماعيل عليه السلام التي أمره أبوه بإمساكها لشكرها النعمة هي بنت مضاض بن عمرو الجرهمي؛ فإن خبر ابن عباس رضي الله عنهما السابق لا يفهم ذلك، ولكن يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي.

1 في مروج الذهب 2/ 47: "الجداء".

2 في الروض الأنف "من جرهم".

3 أخبار مكة للفاكهي 5/ 129.

ص: 8

وذكر المسعودي أن امرأة إسماعيل التي أمره أبوه بإمساكها هي شامة1 بنت مهلهل الجرهمي. وذكر ذلك السهيلي؛ لأنه قال: ثم تزوج أخرى وهي التي قال لها إبراهيم عليه السلام في الزورة الثانية: قولي لزوجك ليثبت عتبة بيته2، الحديث. وهو مشهور في الصحيح أيضا.

ويقال اسم هذه المرأة الأخيرة شامة بنت مهلهل، وذكر السهيلي أن الواقدي ذكر ذلك في كتاب:"انتقال النور"، وأن المسعودي ذكر ذلك أيضا. قال السهيلي: وقد قيل في الثانية: عاتكة

انتهى.

وما ذكره السهيلي عاتكة التي قيل إنها امرأة إسماعيل، وقد بين ذلك ابن هشام في كتابه "التيجان" لأنه قال: إنها عاتكة بنت عمرو الجرهمي، وأنها قالت لإبراهيم عليه السلام: إن هاجر وإسماعيل يرعيان الغنم، فانزل أو سر معي إلى زمزم أغسل رأسك وأنت راكب2

انتهى.

وليس في خبر ابن عباس رضي الله عنهما السابق بيان أن امرأة إسماعيل عليه السلام الأولى منه جرهم. وقد بين ذلك الأزرقي؛ لأنه قال بعد أن ذكر نزول جرهم على إسماعيل وأمه: فلما بلغ أنكحوه جارية منهم، قال: وفي كتاب "المبتدأ" عن عباد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق أن اسم امرأة إسماعيل: عمارة بنت سعيد بن أسامة3

انتهى.

وليس في خبر ابن عباس رضي الله عنهما السابق بيان سن إسماعيل عليه السلام حين بنى مع أبيه الخليل إبراهيم البيت الحرام، وقد بين ذلك الفاكهي؛ لأنه روى بسنده من طريق الواقدي عن أبي بن جهم حذيفة قال: فلما بلغ إسماعيل عليه السلام ثلاثين سنة -وإبراهيم الخليل يومئذ ابن مائة سنة- أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا، وذكر بناء البيت، وذكر ذلك أيضا المسعودي4، وذكر الأزرقي ما يخالف ذلك؛ لأنه روى بسنده عن ابن إسحاق أن إبراهيم عليه السلام لما قدم مكة لبناء البيت كان إسماعيل عليه السلام ابن إبراهيم سنة5، وفي هذا بعد؛ لأن إسماعيل تزوج بعد أن بلغ، وزاره إبراهيم -عليه

1 في مروج الذهب 2/ 47: "سامة" بالسين المهملة.

2 الروض الأنف 1/ 17.

3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 57.

4 مروج الذهب 2/ 48.

5 أخبار مكة للأزرقي 2/ 64.

ص: 9

السلام- بعد أن تزوج فلم يجده، ثم لبث إبراهيم عليه السلام ما شاء الله، ثم زاد إسماعيل عليه السلام ثانية فلم يجده، ثم لبث إبراهيم عليه السلام ما شاء الله تعالى، ثم جاء لبناء البيت. وهذا يقتضي أن يكون من بلوغ إسماعيل عليه السلام إلى بناء البيت مدة طويلة، فيكون سنة حين البناء أكثر من عشرين سنة1، والله أعلم. وقد بان بما ذكرناه بعد ذكرنا لخبر ابن عباس رضي الله عنهما سابق فوائد كثيرة تتعلق به، والله أعلم.

ذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام:

قال الفاكهي: وكان من حديث ذبح إسماعيل عليه السلام وقصته في ذلك ما أذكره الآن: حدثني عبد الملك بن محمد، عن زياد بن عبد الله، عن ابن إسحاق قال: حدثت -وعند الله العلم- أن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ابنه، قال: أي بني خذ يذكر له ما أمر به -فلما توجه به اعترضه إبليس عدو الله ليصده عن أمر الله عز وجل في صورة رجل، فقال: أين تريد أيها الشيخ؟ قال: أريد هذا الشعب لحاجة لي. فقال: والله إني لأرى الشيطان قد أتاك في منامك فأمرك أن تذبح ابنك هذا فأنت تريد أن تذبحه؛ فعرفه إبراهيم عليه السلام اعترض لإسماعيل عليه السلام وهو وراء أبيه يحمل الحبل والمدية، فقال: أيها الغلام، هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال: نحتطب قال: فليفعل ما أمره به ربه سمعا وطاعة؛ فلما امتنع منه الغلام ذهب إلى هاجر أم إسماعيل عليه السلام وهي في منزلها. فقال: يا أم إسماعيل، أتدرين أين ذهب إبراهيم بإسماعيل؟ قالت: ذهبا يحتطبان. فقال: ما ذهب إلا ليذبحه؛ فقالت: كلا إنه سلمنا لأمر الله؛ فرجع عدو الله بغيظه لم يصب منهم شيئا مما أراد، وقد منع الله منه إبراهيم وآل إبراهيم، وأجمعوا لأمر الله بالسمع والطاعة؛ فلما خلا إبراهيم عليه السلام في الشعب -ويقال ذلك إلى ثبير- قال له: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك. قال: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. قال: فحدثت أن

1 في رواية سابقة ذكرها الفاكهي: أن إبراهيم عليه السلام كان يزور هاجر وولدها إسماعيل كل شهر على البراق، يغدو غدوة فيأتي مكة، ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام؛ فإذا أصحت هذه الرواية، فلا وجه لاستبعاد أن سن إسماعيل حين بناء الكعبة كانت لا تزيد على العشرين، ولعل هذا الخبر من الأساطير.

ص: 10

إسماعيل قال له عند ذلك: يا أبتاه إذا أردت ذبحي فاشدد رباطي لا يصيبك من دمي فينقص أجري؛ فإن الموت شديد ولا آمن أن أضطرب عنده إذا وجدت مسه، واشحذ شفرتك حتى تجهز علي فتذبحني، فإذا أنت أضجعتني فاكببني على جنبي، ولا تضجعني لشقي؛ فإني أخشى إن أنت نظرت إلى وجهي أن تدركك الرقة فتحول بينك وبين أمر ربك في، وإن رأيت أن ترد قميصي إلى أمي فإنه عسى أن يكون أسلى لها فافعل؛ فقال إبراهيم: نعم العون أنت يا بني على أمر الله، ويقال إنه ربطه كما أمره بالحبل فأوثقه، ثم شحذ شفرته، ثم تله للجبين واتقي النظر إلى وجهه، ثم أدخل الشفرة حلقه، فقلبها جبريل عليه السلام لقفاها في يده، ثم اجتذبها إليه، ونودي: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فهذه ذبيحتك فداء لابنك فاذبحها دونه1.

قال ابن إسحاق: وحدثني الحكم بن عيينة، عن مجاهد، عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أخرجه الله إليه من الجنة، قيل: رعى قبل ذلك أربعين خريفا.

ثم قال الفاكهي: قال ابن إسحاق فحدثني من لا أتهم من أهل البصرة، عن الحسن أنه كان يقول: ما فدي إلا بتيس هبط عليه من الأروى هبط عليه من ثبير.

ثم قال الفاكهي: ويزعم أهل الكتاب وكثير من العلماء أن ذبيحة إبراهيم عليه السلام التي فدت بها إسماعيل عليه السلام كبش أملح أقرن أعين.

ثم قال الفاكهي: وحدثنا محمد بن سليمان قال: حدثنا قبيصة بن عقبة قال: حدثنا سفيان، عن عبد الله بن عثمان بن هشيم، عن سعيد بن جبير، من ابن عباس رضي الله عنهما قال: الكبش الذي ذبحه إبراهيم عليه السلام هو الكبش الذي قربه ابن آدم.

ثم روى الفاكهي بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الكبش الذي فدى به إسماعيل عليه السلام هو القربان المتقبل من أحد ابني آدم، ثم قال في هذا الخبر: فلم يزل ذلك الكبش محبوسا عند الله عز وجل حتى أخرجه في فداء إسماعيل عليه السلام فذبحه على هذه الصفة في ثبير عند منزل سمرة الصراف وهو على يمينك متى ترمي الجمار.

وذكر الفاكهي خبرا فيه ما يقتضي أن الذبح إبراهيم عليه السلام لفداء إسماعيل كان بين الجمرتين بمنى، وأن ذلك كان في زمن الحج؛ لأنه قال: وحدثنا عبد الله بن أبي سلمة قال: حدثنا ابن أبي الوزير والفضل بن خالد قالا: حدثنا محمد بن جابر قال:

1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 122-124.

ص: 11

حدثنا أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي رضي الله عنه: فذكر خبرا يأتي ذكره، ثم قال: وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ثم أوحى الله تعالى إليه ناد بالحج، فنادى عند كل ركن: حجوا يا عباد الله، فلبى كل شيء حتى النحلة؛ فكانت أول التلبية: لبيك اللهم لبيك، ثم أتاه، جبريل عليه السلام قبل يوم عرفة، فذهب به إلى منى فنزل بها وبات حتى أصبح غاديا إلى عرفات، ثم راح إلى الجبل الذي يفيض منه الناس فوقف به، ثم أراه الموقف، ثم خرج إلى "جمع"1 فبات بها ليلة جمع، ثم المواقف بعرفات؟ قال: لا فذهب به مرة أخرى فقال: اعرف؛ فمن ثم سميت عرفات العقبة فرماها بسبع حصيات، ثم قيل له: اذبح ما أمرت به، فدعا إسماعيل عليه السلام فقال: إني أمرت بذبحك؛ فقال له إسماعيل عليه السلام: على ما أمرت به فإني سوف أطيعك. ولا أحسب إلا أنه قال: أخاف أن أجزع؛ فإن خفت فشد يدي وراء ظهري فإنه أجدر أن لا أضطرب، فوضعه لجنبه فجعل ينظر ويعرض، فقال له: أعرض وضع السكين، فوضعها فانقلبت، وناداه مناد من السماء أن قد وفيت بنذرك، وأرضيت ربك، اذبح الذي أنزل عليك، فنزل عليه كبش من ثبير فاضطرب الجبل، ثم جاء به يجري حتى نحوه بين الجمرتين

انتهى.

وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الذبيح إسماعيل عليه السلام.

وروى عنه مرفوعا ما يقتضي أن الذبيح إسحاق، ولفظ هذه الرواية بعد ذكر قصة تتعلق بإبراهيم عليه السلام في رمية الجمار: فلما أراد إبراهيم أن يذبح ولده إسحاق قال لأبيه: يا أبت أوثقني لا أضطرب فينضح عليك دمي إذا ذبحتني، فشده؛ فلما أخذ الشفرة فأراد أن يذبحه نودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. نقل هاتين الروايتين، عن ابن عباس المحب الطبري وقال: أخرجهما الإمام أحمد.

وقال المحب: وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: الذي أمر إبراهيم عليه السلام بذبحه إسحاق، وهكذا قالوا: كانت القصة بالشام. أخرجه مسعود، وكعب، ومقاتل، وقتادة، وعكرمة، والسدي، وقال آخرون: الذي أمر بذبحه إسماعيل عليه السلام وهو قول سعيد بن المسيب، والشعبي، والحسن، ومجاهد، وابن عباس رضي الله عنهما وفي رواية: عطاء، ثم قال المحب: وسياق الآية يدل على أنه إسحاق لأنه جل وعلا قال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] . ولا

1 "جمع" هي مزدلفة.

ص: 12

خلاف أن هذا إسحاق، ثم قال:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102] ؛ فعطف بقصة الذبيح على ذكر إسحاق فدل على أنه هو

انتهى. وذكر النووي ما يخالف ما نقله المحب الطبر عن الأكثرين في الذبيح؛ لأنه قال في "التهذيب": واختلف العلماء في الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق، والأكثرون على أنه إسماعيل1

انتهى.

وممن رجح أن الذبيح إسماعيل "الفاكهي" في كتاب "أخبار مكة" لأنه قال: وقد قال الناس في الذبيح ما قالوا. فقالت العرب هو إسماعيل. وقالت طائفة من المسلمين وأهل الكتاب جميعا: إنه إسحاق؛ فإن أقوال العرب في ذلك أثبت. واستدل الفاكهي على ذلك بما معناه أن الله تعالى عبر عن قصة إسماعيل بقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] إلى قوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِين} [الصافات: 11] وأخبر عن قصة إسحاق عليه السلام بقوله {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 111، 112] . وإن ذكر قصة إسحاق بعد التي قبلها دليل على أن إسحاق عليه السلام غير الذبيح، وأن ذلك يتأيد بكون سارة بشرت بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، ويعقوب هو ابن إسحاق والبشارة بيعقوب تقتضي حياة أبيه لتصح البشرى، فكيف يؤمر بذبح ابنه2؟

ونقل أن الذبيح إسماعيل عليه السلام عن ابن عباس رضي الله عنهما من رواية مجاهد عنه، ومن رواية عكرمة عنه، وعن مجاهد نفسه وعن سعيد بن المسيب، وعن سعيد بن جبير، وعن أبي الخلد، وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه ولفظ ما نقل عنه، قال: كنا نقرأ في كتاب اليهود أنه إسماعيل، وعن محمد بن كعب القرظي، وعن سعيد بن جبير، وعن الحسن، وذكر في ذلك شعر لأمية بن أبي الصلت الثقفي حيث يقول:

ولإبراهيم الموفي بالنذر

احتسابا وحامل الأجزال3

بكره لم يكن ليبصر عنه

لو رآه معشر إقبال

بينما يخلع السراويل عنه

فكه ربه بكبش حلال

ثم قال الفاكهي: قال ابن إسحاق عليه السلام في حديثه: فحقق قول أمية بن أبي الصلت في شعره أن الذي أمر بذبحه إبراهيم من ولده بكره، وبكره إسماعيل، وهو أكبر من إسحاق في علم الناس كلهم! العرب من بني إسماعيل وأهل الكتاب4

انتهى.

1 تهذيب الأسماء واللغات 2/ 1: 116.

2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 126.

3 الأجزال جمع جزل؛ أي الأحمال.

4 أخبار مكة للفاكهي 5/ 127.

ص: 13

وممن رجح كون الذبيح إسماعيل عليه السلام الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير؛ لأنه قال في ترجمت: وهو الذبيح على الصحيح؛ ومن قال إنه إسحاق فإنه تلقاه مما حرفه النقلة من بني إسرائيل1

انتهى.

وكلام السهيلي يقتضي ترجيح قول من قال: إن الذبيح إسحاق، وأجاب عما يخالف ذلك، ونذكر كلامه لإفادة ذلك وغيره، ونصه: وقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] الآية. يعني بإسحاق ألا تراه يقول في آية أخرى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]، وقال في آية أخرى:{فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} [الذاريات: 29] الآية، وامرأته هي سارة، فإذا كانت البشارة بإسحاق نصا، فالذبيح إذا هو إسحاق لقوله ههنا:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102] الآية. وأيضا فإنه قال: {بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} ولم يكن معه بالشام إلا إسحاق، وأما إسماعيل رضي الله عنه ورواه ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما وروي أيضا عن ابن عباس مرفوعا، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ غير أن الإسناد فيه لين. وبهذا قال كعب الأحبار، وبه قال شيخ التفسير محمد بن جرير. وروي ذلك -أيضا- عن مالك بن أنس.

وقالت طائفة: إن الذبيح إسماعيل، وروي هذا القول بإسناد عن الفزردق الشاعر، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح إسناده عن الفرزذق لكان في الفرزدق نفسه مقال، وروي أيضا من طريق معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رجلا يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن الذبيحي2

في حديث ذكره، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح إسناده هذا الحديث لم يقم به حجة لأن العرب تجعل العم أبا، قال الله تعالى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] وهما أبوه وخاله، ومن حجتهم أيضا أن الله لما فرغ من قصة الذبيح قال:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاق} [الصافات: 111، 112]

إلخ، والجواب عنه من وجهين:

أحدهما: أن البشارة الثانية إنما هي نبوة إسحاق والأولى بولادته؛ ألا تراه يقول: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً} [الصافات: 111، 112] ، ولا تكون النبوة إلا في حال الكبر، عنه من منصوب على الحال.

والجواب الثاني: أن قوله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً} [الصافات: 111، 112] تفسير؛ كأنه قال بعدما فرغ من ذكر البشرى وذكر ذبحه: وبشرناه، وكانت البشارة بإسحاق، كما

1 البداية والنهاية 1/ 159.

2 انظر "القول الفصيح في تعيين الذبيح" للسيوطي في الحاوي للفتاوي.

ص: 14

روت عائشة رضي الله عنها وهذا كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 133] والصلاة الوسطى أي وهي صلاة العصر؛ فعطف الاسم على الاسم والمسمى واحد. ومما احتجوا به -أيضا- أي: ومن بعد إسحاق يعقوب؛ فكيف يبشر بإسحاق وأنه يلد يعقوب ثم يؤمر بذبحه.

والجواب أن الاحتجاج باطل من طريق النحو؛ لأن يعقوب ليس مخفوضًا عطف على إسحاق، ولو كان كذلك لقال: ومن وراء إسحاق بيعقوب؛ لأنك إذا فصلت بين واو العطف وبين المخفوض بجار ومجرور لم يجز أن تقول: مر بزيد وبعده عمرو؛ إلا أن تقول وبعده بعمرو؛ فإذا بطل أن يكون يعقوب مخفوضا ثبت أنه منصوب بفعل مقدر مضمر تقديره وهبنا له يعقوب؛ فبطل ما ادعدوه به، وثبت ما قدمناه، وبالله المستعان

انتهى.

وفي قصة الذبيح دليل واضح على فضل إسماعيل عليه السلام وقد أثنى الله عليه في غير ما آية في كتابه العزيز؛ فقال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ، وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 85، 86] وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم: 54، 55]، وقال عز وجل:{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ} [ص: 48] والآيات والأحاديث في فضله كثيرة، وكان إسماعيل عليه السلام رسولا من الله جرهم والعماليق على ما ذكره السهيلي؛ لأنه قال: وإسماعيل عليه السلام نبي مرسل أرسله الله إلى أخواله وإلى العماليق الذين كانوا بأرض الحجاز؛ فآمن بعضهم وكفر بعض1

انتهى.

وفيما ذكره السهيلي من أن جرهم أخوال إسماعيل عليه السلام نظر؛ لأن أمه هاجر جارية سارة زوجه الخليل عليه السلام ولعل السهيلي أراد أن يقول إن إصهاره من جرهم فسبق زوجه الخليل عليه السلام ولعل السهيلي أراد أن يقول إن أصهاره من جرهم فسبق القلم إلى كتابه أخواله، والله أعلم.

وإسماعيل عليه السلام أول من ذللت له الخيل؛ لأن الفاكهي روي بسنده، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أباكم إسماعيل أول من ذللت له الخيل العراب فاعتقها وأورثكم حبها" 2، وقد سبق هذا الحديث بسنده في خبر جرهم.

1 الروض الأنف 1/ 17.

2 أورده: الفاكهي في أخبار مكة 4/ 189، وابن هشام 1/ 18، ومعجم البلدان 4/ 379.

ص: 15

وإسماعيل عليه السلام أيضا أول من ركب الخيل؛ لأن الزبير بن بكار روى بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت الخيل وحوشا لا تركب؛ فأول من ركبها إسماعيل"؛ فبذلك سمعت العرب قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم.

وإسماعيل -أيضا- أول من تكلم بالعربية؛ لأن الزبير روى بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول من نطق بالعربية؛ فوضع الكتاب على لفظه ومنطقه، ثم جعله كتابا واحدا مثل بسم الله الرحمن الرحيم الموصل حتى فرق بين ولده: إسماعيل بن إبراهيم1.

وروى الفاكهي عن محمد بن الحسين -يعني الباقر- أنه سئل عن أول من تكلم بالعربية؛ فقال: إسماعيل بن إبراهيم النبي عليهما السلام وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة

انتهى.

وقيل: إن الله أنطق إسماعيل عليه السلام بالعربية إنطاقا وهو أربع عشرة سنة، ذكر هذا القول السهيلي2.

وقد روي في أول من تكلم بالعربية غير ما ذكرناه؛ لأن الفاكهي روي بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من الأنبياء خمسة ممن تكلم بالعربية: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسماعيل بن إبراهيم، وشعيب، وصالح، وهود عليهم السلام وسائرهم بالسريانية، ما خلا موسى عليه السلام فإنه تكلم بالعبرانية، والعبرانية هي من السريانية وتكلم بها إبراهيم، ثمن إسحاق ثم يعقوب؛ فورثها ولده من بعده بنو إسرائيل فيه لغتهم، وبها قرأ موسى عليه السلام التوراة عليهم3

انتهى.

وهذا يقتضي الفاكهي بسنده ما يقتضي أن جرهما وقطورا أول من تكلم بالعربية؛ لأنه روي بسنده عن ابن إسحاق من طريق عثمان بن ساج، ومن طريق زياد البكائي عنه خبرا في قدوم جرهم وقطورا إلى مكة، وفيه: وجرهم وقطوار أول من تكلم بالعربية منهم3

انتهى.

وقد قيل: في أول من كتب بالعربية غير ما ذكرناه؛ لأن السهيلي قال: والخلاف كثير من أول من تكلم بالعربية، وفي أول من أدخل الكتاب العربي أرض الحجاز، فقيل:

1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 30.

2 الروض الأنف 1/ 135.

3 أخبار مكة للفاكهي 5/ 130.

ص: 16

حرب بن أمية، قال المسعودي، وقيل: سفيان بن أمية، وقيل: عبد بن قصي، تعلموا بالحيرة1 وتعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار2

انتهى.

وذكر السهيلي ما يقتضي ترجيح ما قيل من إن إسماعيل أول من كتب بالعربية؛ لأنه قال: وعنه عليه السلام أنه قال: "أول من كتب بالعربية إسماعيل". قال أبو عمرو: وهذا أصح من رواية من روي أول من تكلم بالعربية إسماعيل عليه السلام

انتهى.

وأبو عمرو هذا هو ابن عبد البر حافظ المغرب.

واختلف في تسمية إسماعيل بإسماعيل؛ لأن المسعودي قال: وقيل: إنما سمي إسماعيل لأن الله تعالى سمع دعاء هاجر ورحمها حين هربت من سيدتها سارة أم إسحاق، وقيل: إن الله تعالى سمع دعاء إبراهيم3

انتهى.

واختلف أيضًا في مبلغ عمر إسماعيل عليه السلام حين مات، وفي موضع قبره؛ فقال ابن إسحاق: كان عمر إسماعيل عليه السلام فيما يذكرون مائة سنة وثلاثين سنة، ثم مات رحمه الله وبركاته عليه- فدفن في الحجر مع أمه هاجر

انتهى.

وقال المسعودي: وقبض إسماعيل عليه السلام وله مائة وسبع وثلاثون سنة فدفن في المسجد الحرام قبال الموضع الذي كان في الحجر الأسود3

انتهى.

وذكر ابن الأثير في "كامله"4 والشيخ عماد الدين إسماعيل بن كثير في "تاريخه"5، في مبلغ عمر إسماعيل عليه السلام مثل مال ذكره المسعودي، والله أعلم بالصواب.

وفي موضع قبره عليه السلام مقالة أخرى وهي: أنه بالحطيم، وقد سبق ذلك، والله أعلم بالصواب.

وفي إسماعيل لغتان: إسماعيل باللام، والأخرى إسماعين بالنون. ويروى أن هاجر دعت ابنها إسماعيل يا شمويل؛ لأن الفاكهي روي بسنده عن حارثه بن مضرب عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أن هاجر دعت إسماعيل هكذا: يا شمويل يا شمويل ثلاث مرات وعدها

انتهى.

1 الحيرة مدين بالعراق كانت عاصمة لدولة الغساسنة، وظلت عامرة ثم اندثرت ولم يبق إلا آثارها.

2 الأنبار: اسم لمدينتين إحداهما في بلاد فارس، والأخرى في العراق وهي المقصودة هنا.

3 مروج الذهب 2/ 48.

4 الكامل لابن الأثير 1/ 125.

5 البداية والنهاية 1/ 193.

ص: 17

وإسماعيل عليه السلام أول العرب كلها1، وقال ابن هشام: فالعرب كلها من إسماعيل وقحطان، وبعض العرب يقول: قحطان من ولد إسماعيل، ويقول: إسماعيل أبو العرب كلها

انتهى.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إسماعيل أبو العرب إلا أربعة قبائل، وهذا الحديث ذكره الفاكهي؛ لأنه قال: وحدثني عبد الله بن سلمة، حدثنا إبراهيم بن أبي المنذر، عن عبد العزيز بن عمران، عن معاوية بن صالح، عن ثورة بن يزيد، عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العرب بنو إسماعيل إلا أربعة قبائل: السلف، والأوزاع، وحضرموت، وثقيف" 2، وهذا الخبر مرسل، وفيه نظر لكونه يقتضي أن ثقيفا ليسوا من بني إسماعيل وهم منهم؛ لأن ثقيفا تنسب إلى مضر على الصحيح، وقيل: تنسب إلى معد بن عدنان، وهو من بني إسماعيل وكذلك مضر.

وذكر الفاكهي محاورة كانت بين إسماعيل وأخيه إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام لأنه قال: حدثنا عبد الله بن أبي سلمة قال: أخبرنا الهيثم بن عدي، عن مجاهد، عن الشعبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إسماعيل إلى إسحاق عليه السلام فطلب ميراثه من أبيه؛ فقال له إسحاق: أما رضيت أن تركناك وأمك لم نأخذها في الميراث! فأوى جذم حائطا كئيبا يبكي؛ فأوحى الله عز وجل إلى إسماعيل: ما لك؟ قال: ما أنت أعلم به يا رب، قال الله تعالى: لا تبك يا إسماعيل فإني جاعل الملك والنبوة في آخر الزمان في ولدك، واجعل الذل والصغار ولده إلى يوم القيامة3

انتهى.

وفيما ذكرناه من أخبار إسماعيل عليه السلام كفاية إذ القصد الاختصار، والله أعلم.

1 المقصود هنا: أول العرب المستعربة؛ لأن العرب العاربة هم أبناء يعرب بن قحطان وليسوا من ولد إسماعيل، وقبيلة جرهم التي تزوج إسماعيل عليه السلام منهم ينتسبون إلى العرب العاربة.

2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 131، ومنائح الكرم ورقة "1394" ولفظة:"يا إسماويل يا إسماعيل يا إسماويل".

3 أخبار مكة للفاكهي 5/ 132.

ص: 18