الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ولاية بني إياد بن نزار الكعبة وشيء من خبرهم وخبر مضر ومن ولي الكعبة من مضر قبل قريش:
قال الفاكهي: ذكر ولاية إياد بن نزار البيت وحجابتهم إياه وتفسير ذلك: حدثنا حسن بن حسين الأزدي، قال: حدثنا محمد بن حبيب قال: قال عيسى بن بكر الكناني: ثم وليت حجابة البيت إياد؛ فكان أمر البيت إلى رجل منهم يقال له: وكيع بن سلمة بن زهير بن إياد؛ فبنى صرحا بأسفل مكة -عند سوق الحناطين اليوم- وجعل فيه أمة يقال لها: الحزورة -فبها سميت خزورة مكة- وجعل فيها سلما، وكان يرقاه، ويقول -بزعمه- إنه يناجي الله تبارك وتعالى، وكان ينطق بكثير من الخبر يقوله، وقد أكثر فيه علماء العرب؛ فكان أكثر من قال فيه أن قال: إنه كان صديقا من الصديقين، وكان يتكهن، ويقول: مرضعة وفاطمة، ووادعة وقاطعة، والقطيعة، والفجيعة، وصلة الرحم، وحسن الكلم، يقول ربكم:"ليجزين بالخير ثوبا، وبالشر عقابا"،
وكان يقول: من في الأرض عبيد لمن في السماء، هلكت جرهم، وأزيلت إياد، وكذلك الصلاح والفساد.
حتى إذا حضرته الوفاة جمع إيادا؛ فقالوا: اسمعوا وصيتي: الكلام كلمتان، والأمر بعد البيان، من رشد فاتبعوه، ومن غوى فارفضوه، وكل شاة معلقة برجليها؛ فكان أول من قالها؛ فأرسلها مثلا. فمات وكيع، فنعي على رؤوس الجبال، فقال بشر بن الحجر:
ونحن إياد عباد الإله
…
ورهط مناجية في سلم
ونحن ولاة حجاب العتيق
…
مآل النخاع على جرهم
ثم قال: وقامت نائحة وكيع على أبي قبيس فقالت:
ألا هلك الوكيع أخو إياد
…
سلام المرسلين على وكيع
مناجي الله مات فلا خلود
…
وكل شريف قوم في وضيع1
ثم إن مضر أديلت بعد إياد، وكان أول من ديل منها: عدوان وفهم، وأن رجلا من إياد ورجلا من مضر خرجا يصيدان؛ فمرت بهما أرنب، فاعتنقا بها يرميانها؛ فرماها الإيادي، فنزل سهم فنظم قلب المضري فقتله؛ فبلغ الخبر مضر، فاستغاثت بفهم وعدوان يطلبون لهم قود صاحبهم؛ فقالوا: إنما أخطأه، فأبت فهم وعدوان إلا قتله،
1 في منتخف شفاء الغرام طبع أروبا "ص: 137": "وضوع".
فتناوش الناس بينهم بالمدور1 -وهو مكان- قشمت مضر من إياد ظفرا؛ فقالت لهم إياد: أجلونا ثلاثا فلن نساكنكم أرضكم؛ فأجلوهم ثلاثا، فظعنوا قبل المشرق؛ فلما ساروا يوما اتبعتهم فهم وعدوان حتى أدركوهم، فقالوا: ردوا علينا نساء مضر المتزوجات فيكم؛ فقالوا: لا تقطعوا قرابتنا، اعرضوا على النساء، فأية امرأة اختارت قومها رددتموها، وإن أحبت الذهاب مع زوجها أعرضتم لنا عنها، قالوا: نعم، فكان أول من اختار أهله امرأة من خزاعة.
فحدثنا الزبير بن أبي بكر قال: لما هلك وكيع الإيادي واتضعت إياد، وهي إذ ذاك تلي أمر بيت الله الحرام، وقاتلوهم وأخرجوهم وأجلوهم ثلاثا يخرجون عنهم؛ فلما كانت الليلة الثانية حسدوا مضر أن تلي الركن الأسود؛ فحملوه على بعير، فبرك فلم يقم، فغيروه، فلم يحلموه على شيء إلا زرح وسقط، فلما رأوا ذلك فحنوا له تحت شجرة فدفنوه.
ثم ارتحلوا من ليلتهم؛ فلما كان بعد يومين افتقدت مضر الركن، فعظم من أنفسها، وقد كانت شرطت على إياد كل متزوجة فيهم؛ فكانت امرأة من خزاعة -فيما يقولون- يقال لها: قدامة متزوجة في إياد، وخزاعة إذ ذاك -فيما يزعمون، والله أعلم -ينتسبون لبني عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس بن مضر، فأبصرت إياد حين دفنت الركن.
اجتمع الزبير والكلبي، وحديثهما كل واحد منهم بنحو من حديث صاحبه، فقالت لقومها حين رأت مشقة ذهاب الركن على مضر: خذوا عليهم أن يولوكم حجابة البيت، وأدلكم على الركن، فأخذوا بذلك عليهم، فوليتها خزاعة على العهد والميثاق الذي كان؛ فهذا سبب ولايتهم البيت.
وقال الكلبي في حديثه: فقالوا لهم: إن دللناكم على الركن، أتجعلونا ولاته؟ قالوا: نعم، وقالت مضر جميعا: نعم، فدلتهم عليه. فأعادوه في مكانه، وولوه، فلم يبرح في أيدي خزاعة، حتى قدم قصي؛ فكان من أمره الذي كان2
…
انتهى.
وقال الفاكهي -أيضا- بعد أن ذكر خبر بني نزار السابق متصلا به: وكان العدد والشرف من بني نزار السابق متصلا به: وكان العدد والشرف من بني نزار بن معد في إياد، قال: فلم يزالوا كذلك حتى بغوا على مضر وربيعة؛ فأهلكهم الله تبارك وتعالى؛ فكانوا من أهلكهم البغي بعد ابن آدم، سلط الله
1 لم أجد في معجم البلدان "المدور" إنما الموجود "مدري": جبل بنعمان قرب مكة، ولعله المقصود لقربه من مكة.
2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 145-147 والعقد الثمين 1/ 137-138.
-عز وجل النخاع، وجعل الشرف والعدد والملك والنبوة في مضر؛ فدخلوا إلى أرض العراق1
…
انتهى.
وذكر المسعودي ما يقتضي أن ولاية البيت بعد جرهم صارت إلى ولد إياد بن نزار؛ لأنه قال: بعد أن ذكر خبر جرهم متصلا به: ثم صارت ولاية البيت في ولد إياد بن نزار، بعد، ثم كان حروب كثيرة بين ولد مضر إياد؛ فكانت لمضر على إياد، فانجلفوا عن مكة إلى العراق2
…
انتهى.
وممن ولي الكعبة من مضر -على ما ذكر الفاكهي- أسد بن خزيمة؛ لأنه قال فلما مات، صار البيت في أسد بن خزيمة، فكان سادن الكعبة؛ فحدثني عبد الله بن أبي سلمة قال: حدثنا الوليد بن عطاء المكي، عن أبي صفوان، عن عبد الملك بن عبد العزيز، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أسد بن خزيمة خازن الكعبة في الزمن الأول.
وحدثني هارون بن محمد بن عبد الملك، قال: حدثني موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة قال: حدثني أبي قال: قال لي أبو جعفر المنصور: يا شيخ أين قبر جدك؟ قال: قلت بخرمان3. قال: فقال لي: لا، هو على أبي قبيس، إنه كالن من الفريقين عظيما؛ يعني أسد بن خزيمة
…
انتهى.
ذكر ذلك الإمام الفاكهي في ترجمة ترجم عليها بقوله: "ذكر من ولي مكة من مضر بن نزار قديما وتفسير أمورهم".
ولم أر فيما ذكر في هذه الترجمة شيئا يفهم منه ولاية أحد ممن ذكر فيها لما ذكر غير أسد بن خزيمة ونفر قليل غيره، على ما يأتي بيانه -إن شاء الله تعالى- بل في كلامه ما يشعر بخلاف ما ترجم له، ونذكر كلامه بنصه، قال بعد الترجمة التي سبق ذكرها: حدثنا أحمد بن حميد الأنصاري، قال: حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا العباس بن بكار قال: حدثنا الفضيل بن محمد، قال: كان محلم بن سويد الرئيس الأول -ظننا أول من رأس معدا- وكان معقد قبل ذلك تسترضي رأيه جماعة، رجل رجل؛ فكان أول من قتاد معه ميمنة وميسرة ولواء، وفي ذلك يقول الفرزدق:
زيد الفوارس وابن زيد منهم
…
وأبو قبيصة والرئيس الأول
أمأ قوله: ابن زيد؛ فهو حصين بن زيد بن صباح الضبي، وهو الذي قال:
أوصى أبونا ضبة الملقى
…
سيف سليمان الذي يبقى
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 147.
2 مروج الذهب 2/ 51.
3 خرمان: بستان بمكة.
إن على كل رئيس حقا
…
أن يخضب القناة أو تندقا
قال: وكان ضبة ينزل مكة، وكان قد ولي الحجاز واليمن لسليمان بن داود عليهما السلام، وفي ذلك يقول الشاعر:
ضبة رب خراج الحجاز
…
تجبى إليه إتاواتها
من كل ذي إبل ناقة
…
ومن كل ذي غنم شاتها
وكان البيت في ضبة عمن مضر؛ فلما أن مات صار البيت من مضر في بن ضبة؛ فلما مات صار البيت في أسد بن خزيمة، فكان سادن الكعبة.
ثم قال بعد أن ذكر ما نقلناه عنه آنفا في شأن أسد بن خزيمة، ثم رجعنا إلى حديث الأنصاري، قال: فلما مات، صار البيت في تميم؛ فلما مات، صارت الرياسة إلى ابنه عمرو بن تميم، ثم صار البيت في أسيد بن عمرو؛ فلما مات أسيد صارت مضر لا رأس لها، حتى نشأ أبو الخفاد الأسدي، وكان من المعمرين، عاش دهرا طويلا، وفيه يقوله ربيعة أبو لبيد الجعفري:
أبو الخفاد إقبال الكبر فالدهر
…
صرفان فخذ ومضر
في الدهر إن تجني لك الثمر
…
من قيس عيلان وأحياء أخر
وكان الذي يسعى لأبي الخفاد في جيمع صدقاته: الحارث بن عمرو بن تميم؛ فكان إذا نزل بقوم لم يبرح حتى يأكل من طعامهم؛ فأكثر يوما من ذلك، فعظم بطنه، فسموه الحارث الحنط -وهو أو الحنطات- فلما مات أبو الخفاد صار البيت في بني جماد من بني سعد، ثم تحول البيت بعد الجمانيين إلى الأضبط بن قريع، ثم تحول البيت إلى بني حنظلة بن دارم بن حنظلة، وضرب عليهم القبة الحمراء، وهي قبة مضر الحمراء، وبها سميت مضر الحمراء؛ فلما صارت إلى عبد الله بن دارم؛ فلما مات صارت إلى ابنه يزيد بن عبد الله؛ فلما مات، صارت إلى ابنه حدس، فلما مات صارت إلى ابنه زرارة، فلما مات صارت إلى ابنه حاجب بن زرارة.
وكان حاجب والنباش ابنا زرارة من أشراف بني تميم وذوي القدر بمكة.
حدثنا عبد الله بن عمران المخزومي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ثور بن يزيد قال: تزوج رجل امرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلأمه أخ له، فذكر منها صلاحا؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما عليك إلا أن تكون تزوجت ابنه حاجب بن زرارة، إن الله عز وجل جاء بالإسلام؛ فسوى بين الناس، ولا لوم على مسلم"1.
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 151، 152.
وحدثنا الزبير بن أي بكر قال: حدثني حماد بن نافع قال: سمعت سليمان المكي يقول: كان يقول في الجاهلية: والله لأنت أعز من النباش، وأشار بيده إلى دور حول المسجد، فقال: كانت هذه رباعهم.
ثم رجعنا إلى حديث الفضيل قال: ثم صارت إلى ابنه عطارد بن حاجب؛ فلما مات صارت الرياسة في بني تميم في عمير بن عطارد؛ فلما مات صابرت إلى ابنه بجيد بن عمير، وكان أحد الأجواد، وكان صاحب ربع بني تميم وهمدان بالكوفة، وكان على أذربيجان في ولاية معاوية رضي الله عنه فمر به ألف رجل من بني بكر بن وائل، كانوا وجهوا في بعث؛ فحملهم على ألف فرس، وكان البيت من ضبة في الكبر: من بني ثعلبة بن بكر، وهم الفرسان، والعدد من بني صباح: في الحصين بن يزيد، ثم تحول البيت -يعني الشرف والرياسة- يوم الفرس أو القريتين -شك أبو العباس- في ضرار بن عمرو؛ فلما مات المنذر، صارت إلى عيلان بن حرشة بن عمرو بن ضرار؛ فلما مات صارت إلى ابنه مكحول بن عيلان1
…
انتهى.
فقوله في هذا الخبر: ثم تحول البيت -يعني الشرف والرياسة- يفهم أن ما في هذا الخبر من قوله: فلما مات؛ صار إلى زيد الفوارس؛ فلما قتل، صار إلى قبيصة بن ضرار، وكان قبيصة على أصحابه يوم الكلاب؛ فلما مات، صارت إلى المنذر بن حسان بن ضرار -وكان المنذر بن حسان هو الذي قتل مهران الملك يوم القادسية -فلما مات المنذر، صارت إلى عيلان بن حرشة بن عهمرو بن ضرار. فلما مات صارت إلى ابنه مكحول بن عيلان1
…
انتهى.
فقوله في الخبر: ثم تحول البيت -يعني الشرف والرياسة- يفهم أن ما في هذا الخبر من قوله: فلما مات؛ صار البيت من هذا المعنى. وذلك يخالف المعنى المقصود بهذه الترجمة، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 153، والإصابة 3/ 378 في ترجمة "المنذر بن حسان بن ضرار".