الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الكلبي: وكان اللات والعزى ومناة في كل واحدة منهن شيطانة تكلمهم، وتراءا للسدنة، وهم الحجبة؛ وذلك من صنيع إبليس وأمره، ثم قال: وكان هدمها لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان1.
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 126، 127.
ذكر أسواق مكة في الجاهلية والإسلام:
روينا في "تاريخ الأزرقي خبرا فيه حج الجاهلية ومواسمهم وأسماء الشهور، رواه بسنده إلى الكلبي، قال فيه: فإذا كان الحج في الشهر الذي يسمونه ذي الحجة، خرج الناس إلى مواسمهم، فيصبحون بعكاظ يوم هلال ذي القعدة فيقيمون به عشرين ليلة، ويقوم فيها أسواقهم بعكاظ، والناس على مراعيهم ورايتهم منحازين في المنازل، يضبط كل قبيلة أشرافها وقادتها، ويدخل بعضهم في بعض للبيع والشراء، ويجتمعون في بطن السوق، فإذا مضت العشرون انصرفوا إلى مجنة؛ فأقاموا بها عشرا، وأسواقهم قائمة، فيقيمون بها إلى يوم التروية، ويخرجون يوم التروية من ذي المجاز إلى عرفة فيترون ذلك اليوم من الماء بذي المجاز؛ وإنما سمي يوم التروية لترويهم من في الماء بذي المجاز ينادي بعضهم بعضا: ترووا من الماء؛ لأنه لا ماء بعرفة ولا بالمزدلفة -يومئذ- وكان يوم التروية آخر أسواقهم؛ وإنما كان يحضر هذه المواسم بعكاظ، ومجنة وذي المجاز التجار ومن كان يريد التجارة، ومن لم يكن له تجارة ولا بيع فإنه يخرج من أهله متى أراد، ومن كان من أهل مكة ممن لا يريد التجارة خرج من مكة يوم التروية، فيتروى من الماء، فينزل الحمس أطراف المسجد الحرام من غرة يوم عرفة، وينزل الحلة عرفة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في سنينه التي دعا فيها بمكة قبل الهجرة لا يقف مع قريش والحمس في طرف الحرم، وكان يقف مع الناس بعرفة.
ثم قال: وكانوا لا يتبايعون في يوم عرفة، ولا أيام مني؛ فلما أن جاء الله تعالى بالإسلام أحل الله عز وجل ذلك لهم، فأنزل الله عز وجل في كتابه {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] وفي قراءة أبي بن كعب: في مواسم الحج، يعني: منى، وعرفة، وعكاظ، ومجنة، وذي المجاز، فهذه مواسم الحج2.
ثم قال الكلبي: وكانت هذه الأسواق: عكاظ، ومجنة، وذي المجاز، قائمة في الإسلام، حتى كان حينا من الدهر.
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 126، 127.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 188، 189، وإتحاف الورى 2/ 589.
فأما عكاظ: فإنما تركت عام خرج الحرورية1 بمكة مع أبي حمزة المختار بن عوف الأزدي الإباضي في سنة تسع وعشرين ومائة، خاف الناس أن ينتهبوا، وخافوا الفتنة، فتركت حتى الآن.
ثم تركت المجنة وذو المجاز بعد ذلك واستغنوا بالأسواق بمكة وبمنى وعرفة2.
قال أبو الوليد الأزرقي: وعكاظ: وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء في عمل الطائف على بريد منها، وهي سوق لقيس عيلان وثقيف، وأرضها لنضر.
ومجنة: سوق بأسفل مكة على بريد منها، وهي سوق لكنانة، وأرضه من أرضها كنانة، وهي التي يقول فيها بلال رضي الله عنه:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
…
بفخ3 وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة
…
وهل تبدون لي شامة وطفيل
وشامة وطفيل: جبلان مشرفان على مجنة.
وذو المجاز: سوق لهذيل عن يمين الموقف من عرفة قريب من كبكب4 على فرسخ من عرفة.
وحباشة5 سوق الأزد، وهي في ديار الأوصام6 من بارق7 من صدر قنونا8.
وحلي بناحية اليمن، وهي من مكة على ست ليال، وهي آخر سوق خربت من أسواق الجاهلية، وكان والي مكة يستعمل عليها رجلا يخرج معه بجند، فيقيمون بها ثلاثة أيام من أول شهر رجب متوالية، حتى قتلت الأزد واليا كان عليها بعثه داود بن
1 الحرورية طائفة من الخوارج تنسب إلى "حروراء" قرب الكوفة؛ لأنه كان بها أول اجتماع لهم حين خالفوا علينا رضي الله عنه.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 190.
3 فخ: هو واد معروف بمكة واقع في مدخلها بين طريق جدة وبين طريق التنعيم ووادي فاطمة، ويسمى أيضا وادي الزاهر؛ لكثرة الأشجار والأزهار التي كانت فيه قديما، أما اليوم فيعرف باسم الشهداء، إشارة إلى واقعة يوم التروية عام 169هـ بين الحسين بن علي بن الحسين، وجيوش بني العباس التي قتل فيها الحسين، وقد أسس في هذا الوادي قصر المنصور الذي بناه الملك عبد العزيز آل سعود عام 1347هـ.
4 كبكب: بالفتح والتكرير اسم جبل خلف عرفات مشرف عليها "معجم البلدان 4/ 434".
5 حباشة: بالضم؛ سوق من أسواق العرب في الجاهلية في تهامة "معجم البلدان 2/ 210".
6 الأوصام: قرية باليمن.
7 بارق: جبل بتهامة "معجم البلدان 1/ 319".
8 وادي من أودية السراة يصب إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة قرب حلي، "معجم البلدان 4/ 409".
عيسى بن موسى في سنة سبع وتسعين ومائة؛ فأشار فقهاء أهل مكة على داود بن عيسى بتخريبها، فخربها، وترك إلى اليوم.
وإنما ترك ذكر حباشة مع هذه الأسواق؛ لأنها لم تكن في مواسم الحج، ولا في أشهره؛ وإنما كانت في رجب
…
انتهى باختصار1.
وقد خولف الأزرقي فيما ذكره في مجنة، وشامة، وطفيل، من وجوه:
منها: أن الفاكهي ذكر ما يقتضي أن مجنة في غير المحل الذي سبق ذكره؛ لأنه قال: حدثني عبد الملك بن محمد بن زياد بن عبد الله، عن ابن إسحاق قال: كانت عكاظ، ومجنة، وذو المجاز، الأسواق التي يجتمع بها العرب للتجارة كل عام إذا حضر الموسم، يحج العرب فيها، ويأمن بعضهم بعضا حتى تنقضي أيامها، وكانت مجنة بمر الظهران إلى جبل يقال له: الأصفر، وكانت عكاظ فيما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال له العنق، وكانت ذو المجاز ناحية عرفة إلى جانبها، قال عبد الملك: الأيسر؛ وإنما هو الأيمن إذا وقفت على الموقف
…
انتهى.
ومنها أن كلام الأزرقي يقضي أن مجنة عن بريد من مكة.
وذكر القاضي عياض في "المشارق" ما يخالف؛ ذلك لأنه قال: طفيل وشامة جبلان على نحو من ثلاثين ميلا من مكة2
…
انتهى.
ووجه مخالفة هذا لما ذكره الأزرقي: أن شامة، وطفيل، جبلان مشرفان على مجنة على ما ذكره الأزرقي، وإذا كانا كذلك وكانا من مكة على المقدار الذي ذكره القاضي عياض، وكانا مشرفين على مجنة كما ذكر الأزرقي؛ فتكون مجنة من مكة على المقدار الذي ذكره القاضي عياض وهو نحو ثلاثين ميلا؛ وذلك بريدان أو أزيد، فإن البريد اثنا عشر ميلا، والعيان يشهد لصحة ما ذكره القاضي عياض في شامة، وطفيل؛ لكون الجبلين المعروفين عند الناس: شامة، وطفيل: من مكة على بريدين على مقتضى ما ذكر الأزرقي من أن شامة وطفيل مشرفان على مجنة، ولعل الأزرقي أراد أن يكتب أن مجنة على بريدين من مكة فسها عن الياء والنون فكتب بريد، والله أعلم.
وذكر المحب الطبري ما يوافق ما ذكره القاضي عياض في مقدار ما بين مكة، وشامة، وطفيل، وسيأتي كلامه -إن شاء الله تعالى.
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 190-192، وإتحاف الورى 2/ 260.
2 المشارق 1/ 327، وعزاه للفاكهي، وذكر أقوالا أخرى.