المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أول من ولي البيت من خزاعة وغير ذلك من خبر جزهم - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام - جـ ٢

[التقي الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب السادس والعشرون: في ذكر شيء من خبر إسماعيل عليه السلام وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام

- ‌الباب السابع والعشرون:

- ‌في ذكر شيء من خبر هاجر أم إسماعيل عليه السلام:

- ‌ذكر أسماء أولاد إسماعيل وفوائد تتعلق بذلك:

- ‌ذكر شيء من خبر بني إسماعيل عليه الصلاة والسلام:

- ‌ذكر ولاية نابت بن إسماعيل للبيت الحرام:

- ‌الباب الثامن والعشرون:

- ‌ذكر ولاية إياد بن نزار بن معد بن عدنان للكعبة:

- ‌ذكر ولاية بني إياد بن نزار الكعبة وشيء من خبرهم وخبر مضر ومن ولي الكعبة من مضر قبل قريش:

- ‌الباب التاسع والعشرون:

- ‌في ذكر من ولي الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة ومنى من العرب في ولاية جرهم وفي ولاية خزاعة وقريش على مكة:

- ‌الباب الثلاثون

- ‌في ذكر من ولي إنساء الشهور من العرب بمكة

- ‌ذكر صفة الإنساء

- ‌ذكر الحمس والحلة

- ‌ذكر الطلس:

- ‌الباب الحادي والثلاثون:

- ‌ذكر نسبهم:

- ‌ذكر سبب ولاية خزاعة لمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر مدة ولاية خزاعة لمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر أول من ولي البيت من خزاعة وغير ذلك من خبر جزهم

- ‌ذكر شيء من خبر عمرو بن عامر الذي تنسب إليه خزاعة وشيء من خبر بنيه:

- ‌الباب الثاني والثلاثون:

- ‌الباب الثالث والثلاثون:

- ‌في ذكر شيء من خبر بني قصي بن كلاب:

- ‌الباب الرابع والثلاثون

- ‌في ذكر شيء من خبر الفجار والأحابيش

- ‌ذكر يوم العبلاء:

- ‌ذكر يوم شرب:

- ‌ذكر يوم الحريرة:

- ‌ذكر الفجار الأول وما كان فيه بين قريش وقيس عيلان وسبب ذلك:

- ‌ذكر شيء من خبر الأحابيش ومحالفتهم لقريش:

- ‌الباب الخامس والثلاثون:

- ‌ذكر شيء من خبر حلف الفضول:

- ‌ذكر شيء من خبر ابن جدعان الذي كان في داره حلف الفضول:

- ‌ذكر شيء من خبر أجواد قريش في الجاهلية:

- ‌ذكر الحكام من قريش بمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر تملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن كلاب القرشي الأسدي على قريش بمكة وشيء من خبره:

- ‌الباب السادس والثلاثون:

- ‌ذكر شيء من خبر فتح مكة:

- ‌ذكر فوائد تتعلق بخبر فتح مكة:

- ‌الباب السابع والثلاثون:

- ‌في ذكر شيء من ولاة مكة المشرفة في الإسلام:

- ‌الدولة العباسية:

- ‌الباب الثامن والثلاثون

- ‌في ذكر شيء من الحوادث المتعلقة بمكة في الإسلام

- ‌الباب التاسع والثلاثون:

- ‌سيول مكة في الجاهلية:

- ‌سيول مكة في الإسلام:

- ‌ذكر شيء من أخبار الغلاء والرخص والوباء بمكة المشرفة على ترتيب ذلك في السنين:

- ‌الباب الأربعون:

- ‌في ذكر الأصنام التي كانت بمكة وحولها وشيء من خبرها:

- ‌ذكر أسواق مكة في الجاهلية والإسلام:

- ‌ذكر شيء مما قيل من الشعر في التشوق إلى مكة الشريفة وذكر معالمها المنيفة:

- ‌خاتمة المؤلف للكتاب:

- ‌الملحق الأول:‌‌ ولاة مكة بعد الفاسي مؤلف "شفاء الغرام

- ‌ ولاة مكة بعد الفاسي مؤلف "شفاء الغرام

- ‌الملحق الثاني في الدرة الثمينة في تاريخ المدينة

- ‌مقدمة بقلم اللجنة التي أشرف على تحقيق الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول- في ذكر أسماء المدينة وأول من سكنها

- ‌الباب الثاني: في ذكر فتح المدينة

- ‌الباب الثالث: في ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

- ‌الباب الرابع: في ذكر فضائلها وما جاء في ترابها

- ‌الباب الخامس: في ذكر تحريم النبي للمدينة وحدود حرمها

- ‌الباب السادس: في ذكر وادي العقيق وفضله

- ‌الباب السابع: في ذكر آبار المدينة وفضلها

- ‌الباب الثامن: في ذكر جبل أحد وفضله وفضل الشهداء به

- ‌الباب التاسع: في ذكر إجلاء النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير من المدينة

- ‌الباب العاشر: حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة

- ‌الباب الحادي عشر: في ذكر قتل بني قريظة بالمدينة

- ‌الباب الثاني عشر: في ذكر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفضله

- ‌الباب الثالث عشر: في ذكر المساجد التي بالمدينة وفضلها

- ‌الباب الرابع عشر: في ذكر مسجد الضرار وهده

- ‌الباب الخامس عشر: في ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما

- ‌الباب السادس عشر: في ذكر فضل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السابع عشر: في ذكر البقيع وفضله

- ‌الباب الثامن عشر: في ذكر أعيان من سكن المدينة من الصحابة ومن بعدهم

- ‌الملحق الثالث في‌‌ العمارة التي أدخلت على المسجد النبوي الشريفمنذ إنشائه حتى اليوم وفوائد أخرى عن المدينة

- ‌ العمارة التي أدخلت على المسجد النبوي الشريف

- ‌ المسجد النبوي الشريف قبل التوسعة السعودية:

- ‌ سير العمل في العمارة الجديدة:

- ‌ المباني التي هدمت:

- ‌ وصف المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة

- ‌ أبواب الحرم النبوي الشريف:

- ‌ حول عمارة المسجد النبوي الشريف:أسئلة موجهة من الحاج عبد الشكور فدا إلى سعادة الشيخ صالح القزاز وإجابة فضيلته عليها:

- ‌الملحق الرابع: بعض آثار المدينة والمزارات وغيرها

- ‌مساجد المدينة المنورة

- ‌ القصور التاريخية بالمدينة:

- ‌ خزانات ماء الشرب

- ‌كلمة الختام:

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌ذكر أول من ولي البيت من خزاعة وغير ذلك من خبر جزهم

عامر، لم يخرب فيه خراب، ولم تبن خزاعة فيه شيئا بعد جرهم، ولم يسرق منه شيء علمناه ولا سمعنا به، ترادفوا على تعظيمه والذب عنه.

وقال في ذلك عمرو بن الحارث بن عمرو الغبشاني:

نحن وليناه فلم تغشه

وابن مضاض قائم يهشه

يأخذ ما يهدى له بعشه1

نترك مال الله ما نمسه2

انتهى.

1 في أخبار مكة للأزرقي 1/ 102: "بغشه".

2 في أخبار مكة للأزرقي 1/ 102: "نمشه" بالشين المعجمة.

ص: 60

‌ذكر أول من ولي البيت من خزاعة وغير ذلك من خبر جزهم

ذكر أول من ولي البيت من خزاعة وغير ذلك من خبر جرهم:

اختلف في أول ملوك خزاعة بمكة؛ فقيل: عمرو بن لحي، ولحي هو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، على القول بأنهم من قحطان، ويدل لذلك خبر رواه الزبير بن بكار، عن أبي عبيدة، فيه ذكر شيء من خبر جرهم وخزاعة، لأن فيه: فاجتمعت خزاعة ليجعلوا من بقي، ورأس خزاعة عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، وأمه فهيرة بنت عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي -وليس بابن مضاض الأكبر- فاقتلوا.

ثم قال فيه بعد ذكره لخروج من بقي من جرهم إلى جشم من أرض جهينة: وولي البيت عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر

انتهى.

وذكر الفاكهي خبرا يقتضي أن عمرو بن لحي أول ملوك خزاعة، وفيه ذكر شيء منخبره وخبر جرهم؛ لأنه قال: ويقال في روايته أبي عمرو الشيباني: إن حجابة البيت صارت إلى خزاعة، لأن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن تزوج فهيرة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي؛ فولدت له عمرو بن ربيعة؛ فلما شب عمرو، وساد وشرف، طلب حجابه البيت؛ فعند ذلك نشبت الحرب بينهم وبين جرهم.

وذكروا: أن عمرو بن ربيعة عاش ثلاثمائة وخمسا وأربعين سنة، وبلغ ولده في حياته ألف مقاتل، من ولد كعب، وعدي، وسعد ومليح، وعوف بن عمرو، وكانت بينهم حروب طويلة وقتال شديد، ثم إن خزاعة غلبوا جرهما على البيت، وخرجت جرهم حتى نزلت وادي إضم1، فهلكوا فيه.

1 إضم بالكسر في أوله: واد في الشمال من مكة يصب في البحر.

ص: 60

وكان عمرو بن ربيعة أول من غير دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأنه خرج إلى الشام، واستخلف على البيت رجلا من بني عبد بن ضخم، يقال له: آكل المروة1، وعمرو يومئذ وأهل مكة على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

فلما تقدم الشام نزل البلقاء2؛ فوجد قوما يعبدون أوثانا، فقال: ما هذه الأنصاب التي أراكم تبعدون؟ فقالوا: أربابا نتخذها، ونستنصر بها على عدونا فننصر، ونستشفي بها من المرض فنشفي، فوقع قولهم في نفسهم. فقال: هبوا لي منها واحد نتخذه ببلدي؛ فإني صاحب بيت الله الحرام، وإلى وفد العرب من كل صوب، فأعطوه صنما يقال له: هبل؛ فحمله حتى نصبه للناس بمكة، فتابعته العرب على ذلك.

وذكر بقية الخبر، وقد سبق في القول الرابع في سبب خروج جرهم.

وذكر الأزرقي شيئا من خبر عمرو بن لحي، وأبان فيه غير ما سبق؛ لأنه روي خبرا طويلا في ولاية خزاعة بعد جرهم؛ وفي الخبر: فتزوج لحي -وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر- فهيرة بنت عامر بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي ملك جرهم؛ فولدت له عمرا، وهو عمرو بن لحي، وبلغ -بمكة وفي العرب- من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده في الجاهلية، وهو الذي قسم بين العرب في حطمة حطموها عشرة آلاف ناقة، وقد كان أعور عشرين فحلا، وكان الرجل في الجاهلية إذا ملك آلأف ناقة فقا عين فحل إبله؛ فكان قد فقا عشرين فحلا، وكان أول من أطعم الحاج بمكة سدائف الإبل ولحمانها على الثريد، وعم في تلك السنة جميع حاج العرب بثلاثة أثواب من يرود اليمن.

وكان قد ذهب شرفه في العرب كل مذهب، وكان قوله فيهم دينا متبعا لا يخالف، وهو الذي بحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحام، وسيب السوائب، ونصب الأصنام حلو الكعبة، وجاء بهبل من "هيت" من أرض الجزيرة؛ فنصبه في بطن الكعبة، فكانت قريشا والعرب تستقسم عنده بالأزلام، وهو من غير الحنيفية دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكان أمره بمكة في العرب مطاعا لا يعصى.

وكان بمكة رجل3 من جرهم على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وكان شاعرا، فقا لعمرو بن لحي حين غير دينه الحنيفية:

يا عمرو لا تظلم بمكة

إنها بلد حرام

سائل بعاد أين هم

وكذلك تخترم الأنام

1 كذا بالأصل: وصوابها آكل المرار "المحبر 368".

2 البلقاء: هي ما تسمى اليوم بالأردن.

3 هو الحارث بن مضاض.

ص: 61

وبني1 العماليق الذيـ

ـن لهم بها كان السوام

فزعموا أن عمرو بن لحي أخرج ذلك الجرهمي من مكة؛ فنزل بإطم من أعراض مدين النبي صلى الله عليه وسلم نحو الشام؛ فقال الجرهمي وتشوق إلى مكة:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

وأهلي معا بالمأزمين حلول

وهل رأيت العيس2 تنفخ في الثرى

لها بمنى والمأزمين زميل3

منازل كنا أهلها له يحل بنا

زمان بها فيما أراه يحول

مضى أولونا راضيين بشأنهم

جميعا وغالتنا بمكة غول4

انتهى.

وقيل: أن أول ملوك مكة من خزاعة: لحي؛ وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عارم والد عمرو بن لحي السابق ذكره، وهذا القول ذكره الأزرقي؛ لأنه روي بسنده خبرا روي بسنده خبرا طويلا في خروج جرهم من مكة، وولاية خزاعة لها بعدهم، وفيه بعد أن ذكر تفرق أولاد عمرو بن عامر في البلاد: وانخزعت خزاعة بمكة؛ فأقام بها ربيعة من حارثة بن عمرو بن عامر، وهو لحي، فولي أمر مكة وحجابة البيت5

انتهى.

وقيل: إن أول ملوك خزاعة بمكة: عمرو بن الحارث الغبشاني، ويدل بهذا القول ما ذكره الزبير بن بكار عن أبي عبيدة؛ لأن في الخبر الذي ذكره في إخراج خزاعة لجرهم من مكة بعد قوله: وولي البيت عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، وقال بنو قصي: بل وليه عمرو بن الحارث بن عمرو، أحد بني غبشان بن سليم من بني ملكان بن أقصى، وولي البيت، وهو الذي يقول:

ونحن ولينا البيت من بعد جرهم

لنعمره من كل باغ وملحد

وقال أيضا:

واد حرام طيره ووحشه

نحن ولاته فلا نغشه

ويروى:

نحن وليناه فلا نغشه

وزاد غير أبي عبيدة:

وابن مضاض قائم يهشه

1 وفي أخبار مكة للأزرقي 1/ 101: "وبنى". وكذا عند المسعودي 2/ 56.

2 العيس: الإبل.

3 الزميل: صوت الإبل في حدائها.

4 أخبار مكة للأزرقي 1/ 1000-101.

5 أخبار مكة للأزرقي 1/ 95: وفيه "الكعبة" بدل "البيت".

ص: 62

ونقل الفاكهي ما يقتضي: أن عمرو بن الحارث أول من ولي البيت؛ لأنه قال: قال الواقدي: وحدثني حرام بن هشام، عن أبيه قال: أول من وليه من غبشان من خزاعة، وكان الذي وليه منهم: عمرو بن الحارث بن لؤي بن ملكان بن أقصى؛ فنصب هبل صنما بمكة، فقال الحارث بن مضاض، وهو يعظ عمرا:

يا عمرو لا تفجر بمكـ

ـة إنها بلد حرام1

فتحصل من هذه الأخبار ثلاثة أقوال في أول من ولي بمكة من خزاعة، هل هو عمرو بن لحي، كما ذكر أبو عبيدة والفاكهي، أو أبوه لحي، كما ذكر الأزرقي؟ أو ابن الحارث الغبشاني، كما ذكر أبو عبيدة وابن الكلبي؟ والله أعلم.

وتحصل منه فيمن نصب هبل هؤلاء: أحدهما: أنه عمرو بن لحي، وهو القول المشهور.

والآخر: عمرو بن الحارث الغبشاني، كما نقل الواقدي عن ابن الكلبي.

ورأيت في "المورد العذب الهني في شرح سيرة عبد الغني" للحافظ قطب الدين الحلبي في ذلك قولا ثالثا؛ لأنه قال لما ذكره خزيمة جد النبي صلى الله عليه وسلم: وخزيمة هو الذي نصب هبل على الكعبة، وكان يقال: هبل خزيمة، هكذا ذكر ابن الأثير2

انتهى.

وذكر ابن إسحاق ما يقتضي أن غبشان من خزاعة انفردت بالكعبة دون بني بكر بن عبد مناة بن كنانة؛ لأنه بعد أن ذكر إخراج بني بكر وغبشان لجرهم من مكة: ثم إن غبشان من خزاعة، وليت البيت دون بني بكر بن عبد مناة، وكان الذي يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشاني، وقريش إذ ذاك حلول وصرم وبيوتات متفرقون في قومهم من بني كنانة؛ فوليت خزاعة البيت، يتوارثون ذلك كابرا عن كابر، حتى كان آخرهم حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي3

انتهى؟.

وذكر الفاكهي عن ابن إسحاق ما يقتضي أن بني بكر لم تل مع غبشان البيت؛ وإنما كلامه: حدثنا عبد الله بن عمران المخزومي، قال: حدثنا سعيد بن سالم، قال: قال عثمان -يعني ابن ساج: أخبرني محمد بن إسحاق، وحدثني عبد الملك بن محمد، عن زياد بن عبد الله، عن ابن إسحاق -يزيد أحدهما على صاحبه في اللفظ- قال: ثم إن غبشان من خزاعة وليت البيت من بعد جرهم دون بكر بن كنانة؛ فكانت بكر لهم

1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 155.

2 الكامل لابن الأثير 2/ 28.

3 أخبار مكة للفاكهي 5/ 155، 156.

ص: 63

عضدا وناصرا ممن بغي عليهم، وقريش إذ ذاك حلول في أصرام، وهم بيوتات متفرقون في قومهم من بني كنانة، وكان الذي يلي البيت من عبشان عمروبن الحارث بن لؤي بن ملكان بن أقصى، وهو الذي يقول:

نحن وليناه فلم نغشه

وابن مضاض قائم يهشه

يأخذ ما يهدي له يعسه

نترك مال الله لا تمسه

وقال أيضا:

نحن ولينا من بعد جرهم

لنمنعه من كل باغ وظالم

ونمنعه من كل باغ يريده

فيرجع منا عند غير سالم

ونحفظ حق الله فيه وعهدنا

ونمنعه من كل باغ وآثم

ونترك ما يهدي له نمسه

نخاف عقاب الله عند المحارم

وكيف نريد الظلم فيه وربنا

بصير بأمر الظلم من كل غاشم

فوالله لا ينفك بحفظ أمره

ويعمره ما حج هل المواسم

ونحن نفينا جرهما عن بلادها

إلى بلدة فيها صنوف المآثم

قال: فوليت خزاعة البيت زمانا طويلا، وهم أخرجوا إسافا ونائلة من الكعبة، فوضعوها على زمزم1.

وذكر الفاكهي خبرا يقتضي بأن قيس بن عيلان، من مضر، أرادوا إخراج خزاعة من لحي ولي البيت من بعده كبع بن عامر، فاجتمعت قيس على عامر بن الظرب العدواني، فسار بهم إلى مكة ليخرج خزاعة، فقاتلهم خزاعة، فانهزمت قيس ووليت خزاعة البيت، لا ينازعهم أحدا2

انتهى.

واستفدنا من هذا الخبر ولاية كعب بن عمرو بن لحي البيت بعد أبيه عمرو.

وذكر الفاكهي لبعض عدوان شعرا، نال فيه من خزاعة؛ لأن بعض خزاعة قال شعرا، تعرض فيه لعدوان فيما يظهر، والله أعلم.

ونص ما ذكره الفاكهي: وقال حليل:

نحن بنو عمرو ولاة المشعر

نذب بالمعروف أهل المنكر

حمسا ولسنا نهزه للمحصر

1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 1555، 156.

2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 156.

ص: 64

وقال: فأجابه نصر بن الأحت العدواني:

إن الخنا منكم وقول المنكر

جئناكم بالزحف في المسور

بكل ماض في اللقاء مسعر

وذكر الفاكهي: عن حليل بن حبشية -هذا- شعرا آخر؛ لأنه قال: وقال حليل بن حبشية:

واد حرام طيره ووحشه

وابن مضاض قائم يهشه

انتهى.

وقد سبق فيما ذكره الفاكهي عن ابن إسحاق أن عمرو بن الحارث الغبشاني هو الذي يقول:

نحن وليناه فلم نغشه

وابن مضاض قائم يهشه

ولعل حليلا قال ذلك استشهادا؛ فينتفي التعارض، والله أعلم.

وحليل هذا آخر من ولي البيت وأمر مكة من خزاعة، على ما ذكره الفاكهي، فيما رواه بسنده عن عائشة رضي الله عنها وابن إسحاق وغير من أهل الأخبار.

وذكر الفاكهي خبرا يقتضي أن أبا غبشان الخزاعي كان شريك حليل في الكعبة، وأبو غبشان هو على ما ذكره الزبير، عن الأثرم، عن أبي عبيدة: سليم بن عمرو بن لؤي بن ملكان بن أقصى بن حارثة بن عمرو بن عامر، ونص الخبر الذي ذكره الفاكهي: قال الواقدي: وسمعت ابن جريج يقول: كان حليل يفتح البيت؛ فإذا اعتل أعطى ابنته المفتاح حتى تفتحه، فإذا اعتلت أعطت زوجها قصيا يفتحه. وكان قصي يعمل في أخذ البيت وحيازته إليه. وذكر قطع خزاعة منه، وكان شريك حليل فيه: أبو غبشان، وكان حليل يتنزه عن أشياء يفعلها أبو غبشان.

وذكر الفاكهي خبرا يقتضي أن حليلا أوصى بولاية البيت لأبي غبشان؛ لأنه قال: حدثنا حسن بن حسين الأزدي قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال: قال عيسى بن بكر الكناني المدني، قال: قال ابن الكلبي أو غيره. يقال: إن قصيا دعا أبا غبشان الملكاني؛ فقال: هل لك أن تدع الأمر الذي أوصى لك به حليل إلى حبي وعبد المدان فتخلى بينهما وبينه، وتصيب عرضا من الدنيا؟ فطابت نفسي أبي غبشان وأجابهم إلى ذلك؛ فأعطاهم قصي أثوابا وأبعرة. ولم يكن أبو غبشان وارثا لحليل، ولا وليا؛ وإنما كان وصيا فحاز وصيته، وصيرت حبي إلى ابنها حجابة البيت، ودفعت المفاتيح إليه1

انتهى.

1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 157-159.

ص: 65

وذكر الزبير بن بكار خبرا يقتضي أن حليل بن حبشية جعل لأبي غبشان فتح البيت وإغلاقه، وأن قصيا اشترى ولاية البيت من أبي غبشان بزق خمر أو قعود. وسيأتي -إن شاء الله تعالى- هذا الخبر في أخبار قصي، وهذا الخبر نقله الزبير عن الأثرم عن أبي عبيدة.

وقال الزبير: قال محمد بن الضحاك: اشترى قصي مفتاح بيت الله الحرام من أبي غبشان الخزاعي، بكبش وزق خمر. فقال الناس: أخسر من صفقة أبي غبشان، فذهبت مثلا1

انتهى.

فتحصل من هذه الأخبار، فيما اشترى به قصي من أبي غبشان منا كان له في الكعبة ثلاثة أقوال: هل ذلك أثواب وأبعرة؟ أو هو زق خمر وقعود؟ أو هو كبش وزق خمر؟

وفي ذلك قول آخر رابع، وهو: زق خمر فقط، وذكر الزبير في خبر يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى- فيما بعد في أخبار قصي، وفيه: أن أبا غبشان كان يلي البيت.

وأفاد الفاكهي سببا في بيع أبي غبشان ما كان له في البيت؛ لأن في الخبر الذي نقله الفاكهي، عن الواقدي، عن ابن جريج بعد قوله:"وكان حليل يتنزه عن أشياء يفعلها أبو غبشان": وكانت البحائر تنحر عند البيت، عند إساف ونائلة؛ فكان أبو غبشان قد سن له من كل بحيرة رأسها والعنق، ثم إنه استقل ذلك؛ فأبى أن يرضي بذلك؛ فقال: يزيدون الأكتاف، ففعلوا، ثم أدب لهم، فقال: يزيدون العجز، فأبى الناس ذلك عليه، فأتى رجل من بني عقيل يقال له: مرة بن كثير -أو كبير- ببدنه له، وكانت سمينة، فما بقي إذا لمن سيقت إليه؟! قال: الأكارع، قال: فرفضه الناس ومن حضر من قريش وغيرهم، وقالوا: عبث، كنت أولا تقول: الرأس والعنق؛ فكان هذا أخف من غيره، ثم تعديت إل الأكارع، فقال: لا أقيم في هذا البلد أبدا إلا على ذلك؛ فلما أبوا عليه، قال: من يشتري نصيبي من البيت بإدواة تبلغني إلى اليمن، أو بزق من خمر؟ فاشترى نصيبه في ذلك قصي، وارتحل أبو غبشان إلى اليمن؛ فقال الناس: أخسر من صفقة أبي غبشان.

قال الواقدي: وقد رأيت مشيخة خزاعة تنكر هذا2.

ونقل الفاكهي عن الزبير بن بكار ما يقتضي أن قصيا اشترى مفتاح البيت من أبي غبشان بالطائف3، وهذا يخالف ما في الخبر الذي قبله؛ فإنه يقتضي أن شراء قصي

1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 159، 160.

2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 160.

3 السابق

ص: 66

لذلك كان بمكة، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- هذا الخبر في أخبار قصي، ويأتي في أخباره -أيضا- ما كان بينه وبين خزاعة من القتال، وتوليه لما كانت خزاعة يليه من ولاية مكة وحجابة البيت، وسكنى خزاعة معه بمكة في منازلهم التي جاء الإسلام وهم عليها.

وقد ذكر ابن عبد البر في كتاب له في الأنساب شيئا من فضل خزاعة يحسن ذكره هنا؛ وذلك أنه قال بعد أن ذكر نسبهم ونزول حزاعة الحرم ومجاورتهم قريشا: قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزل القرآن بلغة الكعبيين: كعب بن لؤي، وكعب بن عمرو بن لحي؛ وذلك أن دراهم كانت واحدة، ويقال لخزاعة: حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم حلفاء بني حزاعة وبني بكر، فأعان مشركو قريش حلفاءهم بني بكر، ونقضوا بذلك العهد؛ فكان ذلك سبب فتح مكة لنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم خزاعة، حلفاءه1. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال يومئذ لسحابة رآها:"هذه السحابة تستهل بنصر بني كعب"، وأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم منزلة لم يعطها أحد من الناس، أن جعلهم مهاجرين بأرضهم، وكتب لهم بذلك كتابا

انتهى.

ووقع فيما ذكرناه من خبر عمرو بن لحي ذكر البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، من غير بيان ذلك.

وقد بين ذلك ابن إسحاق وابن هشام في السيرة؛ لأن فيها قال ابن إسحاق: أما البحيرة فهي بنت السائبة: الناقة إذا تابعت من بين عشر إناث ليس بينهن ذكر، سيبت؛ فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف، فما أنتجت بعد لك من أنثى شقت أذنها، ثم خلي سبيلها مع أمها، فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف، كما ضيف، كما فعل بأمها، فهي البحيرة بنت السائبة.

والوصيلة: الشاة إذا أنتجت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن، ليس بينهن ذكر، جعلت وصيلة. قالوا: قد وصلت؛ فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون الإناث، إلى أنه منها شيء، فيشركون في أكله، ذكورهم وإناثهم.

قال ابن هشام: ويروي: فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم.

قال ابن إسحاق: والحام: الفحل إذا أنتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر، حمى ظهره؛ فلم يركب، ولم يجز وبره، وخلي في إبله يضرب فيها، لا ينتفع منه بغير ذلك.

1 تهذيب سيرة ابن هشام "ص 243، 244".

ص: 67