المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر شيء من خبر فتح مكة: - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام - جـ ٢

[التقي الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب السادس والعشرون: في ذكر شيء من خبر إسماعيل عليه السلام وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام

- ‌الباب السابع والعشرون:

- ‌في ذكر شيء من خبر هاجر أم إسماعيل عليه السلام:

- ‌ذكر أسماء أولاد إسماعيل وفوائد تتعلق بذلك:

- ‌ذكر شيء من خبر بني إسماعيل عليه الصلاة والسلام:

- ‌ذكر ولاية نابت بن إسماعيل للبيت الحرام:

- ‌الباب الثامن والعشرون:

- ‌ذكر ولاية إياد بن نزار بن معد بن عدنان للكعبة:

- ‌ذكر ولاية بني إياد بن نزار الكعبة وشيء من خبرهم وخبر مضر ومن ولي الكعبة من مضر قبل قريش:

- ‌الباب التاسع والعشرون:

- ‌في ذكر من ولي الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة ومنى من العرب في ولاية جرهم وفي ولاية خزاعة وقريش على مكة:

- ‌الباب الثلاثون

- ‌في ذكر من ولي إنساء الشهور من العرب بمكة

- ‌ذكر صفة الإنساء

- ‌ذكر الحمس والحلة

- ‌ذكر الطلس:

- ‌الباب الحادي والثلاثون:

- ‌ذكر نسبهم:

- ‌ذكر سبب ولاية خزاعة لمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر مدة ولاية خزاعة لمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر أول من ولي البيت من خزاعة وغير ذلك من خبر جزهم

- ‌ذكر شيء من خبر عمرو بن عامر الذي تنسب إليه خزاعة وشيء من خبر بنيه:

- ‌الباب الثاني والثلاثون:

- ‌الباب الثالث والثلاثون:

- ‌في ذكر شيء من خبر بني قصي بن كلاب:

- ‌الباب الرابع والثلاثون

- ‌في ذكر شيء من خبر الفجار والأحابيش

- ‌ذكر يوم العبلاء:

- ‌ذكر يوم شرب:

- ‌ذكر يوم الحريرة:

- ‌ذكر الفجار الأول وما كان فيه بين قريش وقيس عيلان وسبب ذلك:

- ‌ذكر شيء من خبر الأحابيش ومحالفتهم لقريش:

- ‌الباب الخامس والثلاثون:

- ‌ذكر شيء من خبر حلف الفضول:

- ‌ذكر شيء من خبر ابن جدعان الذي كان في داره حلف الفضول:

- ‌ذكر شيء من خبر أجواد قريش في الجاهلية:

- ‌ذكر الحكام من قريش بمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر تملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن كلاب القرشي الأسدي على قريش بمكة وشيء من خبره:

- ‌الباب السادس والثلاثون:

- ‌ذكر شيء من خبر فتح مكة:

- ‌ذكر فوائد تتعلق بخبر فتح مكة:

- ‌الباب السابع والثلاثون:

- ‌في ذكر شيء من ولاة مكة المشرفة في الإسلام:

- ‌الدولة العباسية:

- ‌الباب الثامن والثلاثون

- ‌في ذكر شيء من الحوادث المتعلقة بمكة في الإسلام

- ‌الباب التاسع والثلاثون:

- ‌سيول مكة في الجاهلية:

- ‌سيول مكة في الإسلام:

- ‌ذكر شيء من أخبار الغلاء والرخص والوباء بمكة المشرفة على ترتيب ذلك في السنين:

- ‌الباب الأربعون:

- ‌في ذكر الأصنام التي كانت بمكة وحولها وشيء من خبرها:

- ‌ذكر أسواق مكة في الجاهلية والإسلام:

- ‌ذكر شيء مما قيل من الشعر في التشوق إلى مكة الشريفة وذكر معالمها المنيفة:

- ‌خاتمة المؤلف للكتاب:

- ‌الملحق الأول:‌‌ ولاة مكة بعد الفاسي مؤلف "شفاء الغرام

- ‌ ولاة مكة بعد الفاسي مؤلف "شفاء الغرام

- ‌الملحق الثاني في الدرة الثمينة في تاريخ المدينة

- ‌مقدمة بقلم اللجنة التي أشرف على تحقيق الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول- في ذكر أسماء المدينة وأول من سكنها

- ‌الباب الثاني: في ذكر فتح المدينة

- ‌الباب الثالث: في ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

- ‌الباب الرابع: في ذكر فضائلها وما جاء في ترابها

- ‌الباب الخامس: في ذكر تحريم النبي للمدينة وحدود حرمها

- ‌الباب السادس: في ذكر وادي العقيق وفضله

- ‌الباب السابع: في ذكر آبار المدينة وفضلها

- ‌الباب الثامن: في ذكر جبل أحد وفضله وفضل الشهداء به

- ‌الباب التاسع: في ذكر إجلاء النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير من المدينة

- ‌الباب العاشر: حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة

- ‌الباب الحادي عشر: في ذكر قتل بني قريظة بالمدينة

- ‌الباب الثاني عشر: في ذكر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفضله

- ‌الباب الثالث عشر: في ذكر المساجد التي بالمدينة وفضلها

- ‌الباب الرابع عشر: في ذكر مسجد الضرار وهده

- ‌الباب الخامس عشر: في ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما

- ‌الباب السادس عشر: في ذكر فضل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السابع عشر: في ذكر البقيع وفضله

- ‌الباب الثامن عشر: في ذكر أعيان من سكن المدينة من الصحابة ومن بعدهم

- ‌الملحق الثالث في‌‌ العمارة التي أدخلت على المسجد النبوي الشريفمنذ إنشائه حتى اليوم وفوائد أخرى عن المدينة

- ‌ العمارة التي أدخلت على المسجد النبوي الشريف

- ‌ المسجد النبوي الشريف قبل التوسعة السعودية:

- ‌ سير العمل في العمارة الجديدة:

- ‌ المباني التي هدمت:

- ‌ وصف المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة

- ‌ أبواب الحرم النبوي الشريف:

- ‌ حول عمارة المسجد النبوي الشريف:أسئلة موجهة من الحاج عبد الشكور فدا إلى سعادة الشيخ صالح القزاز وإجابة فضيلته عليها:

- ‌الملحق الرابع: بعض آثار المدينة والمزارات وغيرها

- ‌مساجد المدينة المنورة

- ‌ القصور التاريخية بالمدينة:

- ‌ خزانات ماء الشرب

- ‌كلمة الختام:

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌ذكر شيء من خبر فتح مكة:

‌الباب السادس والثلاثون:

‌ذكر شيء من خبر فتح مكة:

قال ابن إسحاق في سيرته "تهذيب ابن هشام": ورأيته عن زياد البكائي عنه في أخبار سنة ثمان من الهجرة قال: "ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثة إلى مؤتة جمادى الآخر ورجبا، ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدث على خزاعة، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له: الوتير1، وكان الذي هاج ما بين بني بكر وخزاعة، أن رجلا من بني الحضرمي واسمه مالك بن عباد، وحلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن- خرج تاجرا؛ فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه، وأخذوا ماله، فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه؛ فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزن الديلي -وهم منخر بن كنانة- وأشرافهم: سلمى، وكلثوم، وذؤيب، فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم.

قال ابن إسحاق: وحدثني رجل من بني الديل، قال: كان بنو الأسود بن رزن يودون في الجاهلية ديتين ديتين ونودي دية لفضلهم فينا2.

قال ابن إسحاق: فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام، وتشاغل الناس به؛ فلما كان صلح الحدييبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثني الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم وغيرهم من علمائنا: أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده

1 الوتير ماء بأسفل مكة لخزاعة.

2 معجم البلدان 5/ 360، ومعجم ما استعجم 4/ 1368.

ص: 131

فليدخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش، وعهدها فليدخل فيه، فدخلت بنو بكر في عقد قريش، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم1.

قال ابن إسحاق: فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خزاعة، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأرا بأولئك النفر الذين أصابوا منهم من بني الأسود بن رزن؛ فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل، وهو يومئذ قائدهم، وليس كل بني بكر تابعه حتى أتى خزاعة وهم على الوتير -ماء لهم- فأصابوا رجلا منهم، وتحاوزوا واقتتلوا، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم؛ فلما انتهوا إلى الحرم، فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر: يا نوفل، إنا قد دخلنا الحرم؛ إلهك، فقال كلمة عظيمة: لا إله له اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم؛ فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه؟ وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلا يقال له منبه، وكان منبه رجلا معوزا2 خرج هو ورجل من قومه يقال له تميم بن أسد؛ فقال منبه: يا تميم انج بنفسك، فأما أنا هوالله إني لميت، قتلوني أو تركوني. لقد أنبت فؤادي3. فانطلق تميم فأفلت، وأدركوا منبها فقتلوه، فلما دخلت خزاعة مكة لجئوا إلى بديل بن ورقاء، ودار مولى لهم يقال له: رافع، فقال تميم بن أسد يعتذر من فراره عن منبه، فذكر أبياتا له أولها:

لما رأيت بني نقاثة أقبلوا

يغشون كل وتيرة وحجاب

الأبيات.

وذكر أيضا أبياتا للأخزر بن لعط الديلي، وأبياتا لبديل بن عباد، ويقال له: بديل بن حزم، وبيتين لحسان بن ثابت.

ثم قال ابن إسحاق: فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة، وأصابوا منهم ما أصابوا، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة، وكانوا في عقده وعهده، خرج عمرو بن سالم الخزاعي، ثم أحد بني كعب، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان في ذلك مما هاج فتح مكة؛ فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس، فقال:

يا رب إني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

قد كنتم ولدا وكما والدا

ثم أسلمنا فلم ننزع يدا

1 السيرة لابن هشام 4/ 24، وتاريخ الطبري 4/ 152.

2 كذا في الأصل، وفي السيرة هشام 4/ 25:"مفؤودا" أي ضعيف الفؤاد.

3 "أنبت فؤادي" أي انقطع. والبيت: القطع.

ص: 132

وانصر -هداك الله- نصرا أعتدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول قد تجردا

إن كان شر وجهه تربدا1

في فيلق كالبحر يجري سرمدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصدا

وزعموا أن لست أدعو أحدا

وهم أذل وأقل عددا

هم بيتونا بالوتير هجدا

وقتلونا ركعا وسجدا

يقول: قتلنا وقد أسلمنا

قال ابن هشام: ويروى:

فانصر هداك الله نصرا أبدا

قال ابن هشام ويروي:

نحن ولدناك فكنت ولدا

قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت يا عمرو بن سالم"، ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان في السماء فقال:"إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب".

ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ فأخبروه بما أصيب منهم، ومظاهرة قريش بني بكر عليهم، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كأنكم بأبي سفيان وقد جاءكم ليشد العقد، ويزيد في المدة"، ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه، حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان، وقد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشد العقد ويزيد في المدة، وقد رهبوا الذي صنعوا، فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء قال:"من أين أقبلت يا بديل؟ "، وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: سرت في خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي، قال:"أو ما جئت محمدا؟ " قال: لا؛ فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى؛ فأتى مبرك راحلته فأخذ من بعرها قفته؛ فرأى فيه النوى فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا،

ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه. فقال: يا بنية ما أرى؟ يا بنية أرغبت في هذا الفراش، أم رغبت به عني؟

1 تربدا: تعيرا.

ص: 133

قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس؛ فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: والله يا بنية لقد أصابك بعدي شر. ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئا. ثم ذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه فكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكلمه؛ فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به. ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندها حسن بن علي رضي الله عنه، غلام يدب بين يديها؛ فقال: يا علي إنك أمس القوم بي رحما، وإني قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا، فاشفع لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ويحك يا أبا سفيان، والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه. فالتفت إلى فاطمة رضي الله عنها فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تأمري بنيك هذا أن يجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟. قالت: والله ما بلغ بني ذلك وأن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي بين الناس، ثم الحق بأرضك. قال: أو ترى ذلك مغنيا على شيئا؟ قال: لا، والله ما أظنه؛ ولكني لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد، وقال: أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره، فانطلق؛ فلما قدم على قريش قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدا فكلمته فوالله ما رد على شيئا، ثم جئت ابن أبي قحافة رضي الله عنه فلم أجد فيه حدا، ثم جئت أبن الخطاب رضي الله عنه فوجدته أدنى العدو.

ثم قال ابن هشام: أعدى العدو.

قال ابن إسحاق: قال: ثم أتيت عليا رضي الله عنه فوجدته ألين القوم، وقد أشار علي بشيء صنعته، فوالله ما أدري هل يغني شيئا، أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت. قالوا: فهل أجاز ذلك لك محمد؟ قال: لا، قالوا: يلك، والله أن زاد الرجل على أن لعب بك، فما يغني عنك ما قلت: قال: لا والله لا وجدت غير ذلك.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز، فأمر أهله أن يجهزوه، فدخل أبو بكر رضي الله عنه على ابنته عائشة رضي الله عنها وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي بنية أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجهز. قال رضي الله عنه: فأين ترينه يريد؟ قالت رضي الله عنها: لا والله ما أدري. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالتهيؤ والجد: وقال: "اللهم خذ العيون

ص: 134

والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها"، فتجهز الناس، فقال حسان بن ثابت رضي الله عنه بحرض الناس ويذكر مصاب رجال خزاعة:

عناني ولم أشهد ببطحاء مكة

رجال بين كعب تحز رقابها

بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم

وقتلى كثير لم تجن ثيابها

ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي

سهيل بن عمرو حرها1 وعقابها

وصفوان عودا خر من شعر إسته

فهذا أوان الحرب شد عصانها

ولا ناسيا يا ابن أم مجالد

إذا اختلفت صرفا وأعضل نابها

ولا تجزعوا منا فإن سيوفنا

لها وقعة بالموت يفتح بابها

قال ابن هشام: قول حسان:

بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم

يعين قريشا، وابن أم مجالد عكرمة بن أبي جهل2.

قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا قال: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم، ثم أعطاه امرأة -يزعم محمد بن جعفر أنها من مزينة، وزعم لي غيره: أنها سارة، مولاة لبني عبد المطلب- وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا؛ فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما فقال: أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم، فخرجا حتى أدركاها بالخليفة -خليفة بني أحمد فاستنزلاها بالخليفة، فالتمساه في رحلها؛ فلم يجدا شيئا، فقال لها علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك. فلما رأت الجد منه قالت: أعرض عني، فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال:"يا حاطب ما حملك علي هذا؟ " فقال: يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ماغيرت ولا بدلت، ولكني كنت أمرا ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد أهل، فصانعتهم عليهم. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله دعني فلأضربن عنقه، فإن الرجل قد نافق. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع

1 في السيرة لابن هشام 4/ 87: "وخزها".

2 السيرة لابن هشام 4/ 84-88.

ص: 135

إلى أصحاب بدر يوم بدر؛ فقال: "اعلموا ما شئتم، فقد غفرت لكم"؛ فأنزل الله تعالى في حاطب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 1-4] إلى آخر القصة1.

قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره، واستخلف علي المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري رضي الله عنه. وخرج لعشر مضين من شهر رمضان، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصام الناس معه؛ حتى إذا كانوا بالكديد -بين عسفان وأمج- أفطر. ثم مضى حتى نزل مر الظهران، في عشرة آلاف من المسلمي؛ فصحت معهم، وبعضهم يقول: ألفت سليم وألفت مزينة، وفي كل القبائل عدد وإسلام، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار؛ فلم يتخلف عنه صلى الله عليه وسلم، منهم أحد؛ فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقد عميت الأخبار عن قريش، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدرون ما هو فاعل؟ وخرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يتجسسون الأخبار، وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به، وقد كان العباس بنعبد المطلب رضي الله عنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق- قال ابن هشام: لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله، وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض، فيما ذكره ابن شهاب الزهري.

ثم قال ابن إسحاق بعد أن ذكر خبر إسلام أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أمية بن المغيرة المخزومي، وشعرا لأبي سفيان في إسلامه: ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فقلت: واصباح قريش، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قبل أن يأتوه فيستأمنوه، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر، قال: فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، فخرجت عليها، حتى جئت الأراك فقلت لعلي أجد بعض الحطابة، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتي مكة فخرجهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه، قبل أن يدخلها عليهم عنوة. قال: فوالله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له؛ إذ سمعت كلام أبي سفيان، وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان. وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا. قال: يقول بديل: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، قال: يقول أبو سفيان

1 أخرجه البخاري "4274".

ص: 136

-رضي الله عنه: خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، قال: فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمي؟ قال: قلت: ويحك أبا سفيان! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش والله! قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك؛ فركب خلفي ورجع صاحباه. فقال: فجئت به، كلما مررت بنار من نيران المسلمين، قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها قالوا: من هذا؟ وقام إلي، فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة، قال: أبو سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركضت البغلة، فسبقته بما تبسق الدابة البطيئة الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل عليه عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال: فقلت يا رسول الله إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه، فقلت: والله لا يناجيه الليلة رجل دوني. قال: فلما أكثر عمر رضي الله عنه في شأنه قلت: مهلا يا عمر، فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت له هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال: مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب وأسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب به يا عباس إلى رحلك؛ فإذا أصبحت فأتني به" فذهبت به إلى رحلي، فبات عندي. فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟ " قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد، قال صلى الله عليه وسلم:"ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن أن تعلم أني رسول الله؟ " قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئا. فقال له العباس رضي الله عنه: ويحك أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قبل أن تضرب عنقك، قال: فشهد شهادة الحق وأسلم.

قال العباس رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئا. قال صلى الله عليه وسلم:"نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن"؛ فلما ذهب لينصرف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله تعالى،

ص: 137

فيراها"، قال: فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي؛ حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه، قال: ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة، قال: يا عباس من هذه؟ فأقول: سليم. فيقول: ما لي ولسليم؟ ثم ترم القبيلة، فيقول: يا عباس من هؤلاء؟ فأقول: مزينة فيقول: ما لي ولمزينة، حتى نفذت القبائل، ما ترم قبيلة إلا سألني عنها؛ فإذا أخبرته بهم قال: ما لي ولبني فلان، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء.

قال ابن هشام: وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها، قال ابن إسحاق: فيها المهاجرون والأنصار. لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد. قال: سبحان الله يا عباس، من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما. قل: قلت: يا أبا سفيان إنها النبوة. قال: فنعم إذا. قال: قلت: النجاء إلى قومك، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه، فقالت: اقتلوا الحميت الدسم الأحمس1، قبح من طليعة قوم! قال: ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم؛ فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله؛ وما يغني عنا دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى ذي طوي2 وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حبرة3 حمراء، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعا لله عز وجل بحين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرجل.

ثم قال بعد أن ذكر شيئا من خبر أبي قحافة رضي الله عنه وإسلامه: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير شيبة، ومناشدة أبي بكر رضي الله عنه الناس في طوق أخته.

وحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى أمر الزبير بن العوام رضي الله عنه أن يدخل بفي الناس من كذا، وكان الزبير -رضي الله

1 في الأصل: "زق السمن"، والدسم: الكثير والودك. والأحمس: الذي لا خير عنده: من قولهم: عام أحمس إذا لم يكن منه مطرا.

2 ذي طوى بئر بأسفل مكة من ناحية الشمال، وهو بمحلة جرول معروف إلى الآن يغسل عنده حاج المغرب، وبعض الحجاج الذين على مذهب مالك عند دخولهم مكة.

3 الاعتجاز: التعميم بغير ذؤابة. والحبرة: ضرب من ثياب اليمن.

ص: 138

عنه -على المجنبة اليسرى. وأمر سعد بن عبادة رضي الله عنه أن يدخل في بعض الناس من كذا.

قال ابن إسحاق: فزعم بعض أهل المعلم أن سعدا رضي الله عنه حين وجه داخلا، قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، فسمعها رجل من المهاجرين، قال ابن هشام: هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال: يا رسول الله، اسمع ما قال لسعد بن عبادة، ما نأمن أن تكون له في قريش صولة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:"أدركه، فخذ الراية، فكن أنت الذي تدخل بها".

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح في حديثه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالد بن الوليد رضي الله عنه فدخل من الليط أسفل مكة في بعض الناس، وكان خالد على المجنبة اليمنى، وفيها أسلم، وسليم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وقبائل من العرب. وأقبل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه بالصف من المسلمين، ينصب وضربت له هناك قبة.

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح وعبد الله بن أبي بكر: أن صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، كانوا قد جمعوا ناسا بالخندقة2 ليقاتلوا؛ وقد كان حماس بن قيس بن خالد أخو بني بكر يعد سلاحا قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصلح منه؛ فقالت له امرأته: لماذا تعد ما أرى؟ قال: بمحمد وأصحابه. قالت: والله ما أراه يقوم بمحمد وأصحابه شيء. قال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، ثم قال:

إن يقبلون اليوم فما لي عله

هذا سلاح كامل وآلة3

وذو غرارين سريع السلة

ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل وعكرمة؛ فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد رضي الله عنه ناوشوهم شيئا من قتال، فقتل كرز بن جابر -أحد بني محارب بن فهر- وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم حليف بن منقذ، وكانا في خيل خلاد بن الوليد رضي الله عنه، فشذا عنه، فسلكا طريقا غير طريقه، فقتلا جميعا، قتل خنيس بن خالد قبل كرز بن جابر، فجعله كرز بن جابر بين رجليه، ثم قاتل

1 جبل أذاخر: هو الجبل المشرف على المعابدة من ناحية الشمال.

2 جبل الخندمة: هو الجبل المشرف على سوق الليل، والمتصل بجبل أبي قبيس.

3 الآلة: جمع أداة الحرب.

ص: 139

عنه حتى قتل، وهو يرتجز ويقول:

لقد علمت صفراء من بني فهر

نقية الوجه نقية الصدر

لأضربن اليوم عن أبي صخر

قال ابن هشام: وكان خنيس بن خالد من خزاعة.

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح، وعبد الله بن أبي بكر قالا: وكان خنيس يكنى بأبي صخر.

وأصيب من جهينة، سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد، وأصيب من المشركين ناس قريب من اثنى عشر، أو ثلاثة عشر رجلا، ثم انهزموا، فخرج حماس منهزما، حتى دخل بيته، ثم قال لامرأته، أغلقي علي بابي قالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال:

إنك لو شهدت يوم الخندمة

إذ فر صفوان وفر عكرمة

وأبو يزيد قائم كالمؤتمة1

واستقبلتهم بالسيوف المسلمة

يقطعن كل ساعد وجمجمة

ضربا فلا يسمع إلا غمغمة

لهم نهيت2 حولنا وهمهمه

لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه

قال ابن هشام: أنشدني بعض أهل العلم بالشعر قوله: كالمؤتمة: وتروي للرعاش الهذلي هذه الأبيات.

وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وحنين، والطائف شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله.

قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى امرأته من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم؛ إلا أنه قد عهد في نفر سماهم، أمر بقتلهم، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، منهم ابن سعد أخو بني عامر بن لؤي: وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان أسلم، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فارتد مشركا راجعا إلى قريش، ففر إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان أخاه من الرضاعة، فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة، فاستأمن له؛ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صمت طويلا، ثم قال:"نعم" فلما انصرف عنه عثمان رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حول من أصحابه: "لقد صمت ليقوم بعضكم

1 "المؤتمة": الثكلى.

2 النهيت: زئير الأسد.

ص: 140

فيضرب عنقه"؛ فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لا، إن النبي، لا يقتل بالإشارة".

قال ابن هشام: ثم أسلم بعد؛ فولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض أعماله، ثم ولاه عثمان رضي الله عنه بعد عمر رضي الله عنهم.

قال ابن إسحاق: وعبد الله بن خطل من بني تيم بن غالب؛ وإنما أمر بقتله إنه كان مسلما، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا، وبعص معه رجلا من الأنصار، وكان معه مولى له يخدمه، وكان مسلما، فنزل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا فيصنع له طعاما، فنام فاستيقظ، ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله. ثم ارتد مشركا، وكانت له قينتان: فرتني وصاحبتها، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهما معه.

والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد قصي، وكان ممن يؤذيه بمكة.

قال ابن هشام: وكان العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه حمل فاطمة، وأم كلثوم، بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد بهما المدينة؛ فنخس بهما الحويرث بن نقيذ، فرمي بهما إلى الأرض.

قال ابن إسحاق: ومقيس بن صبابة؛ وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لقتله الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ، ورجوعه إلى قريش مشركا.

وسارة مولاة لبني عبد المطلب، وعكرمة بن أبي جهل، وكانت سارة ممن يؤذيه بمكة.

وأما عكرمة؛ فهرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فاستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه، فخرجت في طلبه، حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي، وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه.

وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبد الله -رجل من قومه- فقالت ابنه مقيس في قتله:

لعمري قد أخزي نميله رهطه

وفجع أضياف الشقا بمقيس

فلله عينا من رأى مثل مقيس

إذا النفساء أصبحت لم تخرس

وأما قينتا ابن خطل، فقتلت إحداهما، وهربت الأخرى حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد، فأمنها. وأما سارة فاستؤمن لها فأمنها. ثم بقيت حتى أوطأها رجل من

ص: 141

الناس فرسا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالأبطح، فقتلها. وأما الحويرث بن نقيذ فقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قال ابن إسحاق: وحدثني سعيد بن أبي هند عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، فر إلي رجلان من أحمائي من بني مخزوم -وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي- قالت: فدخل علي علي بن أبي طالب أخي، فقال: والله لأقتلنهما، فأغلقت عليهما باب بيتي، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة، فوجدته يغتسل من جفنة، وإن فيها لأثرا لعجن، وفاطمة ابنته تستره بثوبه؛ فلما اغتسل صلى الله عليه وسلم أخذ ثوبه فتوشح به. ثم صلى ثمان ركعات في الضحى، ثم انصرف إلي، فقال:"مرحبا وأهلا بأم هانئ، ما جاء بك؟ " فأخبرته خبر الرجلين، وخبر علي رضي الله عنه فقال صلى الله عليه وسلم:"قد أجزنا من أجرت، وأمنا من أمنت، فلا يقتلهما".

قال ابن هشام: هما الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة.

قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة، واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به وسعى على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده؛ فلما قضي طوافة، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له فدخلها، فوجد فيها حمامة من عيدان، فكسرها بيده، ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة، وقد استكف له الناس في المسجد.

قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على باب الكعبة، فقال:"لاإله إلا الله وحده، لا شريك له، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة، أو دم، أو مال، يدعى به؛ فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت، وسقاية الحاج، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد السوط والعصا؛ ففيه الدية مغلظة مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها، يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب". ثم تلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] الآية كلها. ثم قال صلى الله عليه وسلم "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟ " قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم. قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ فقام إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومفتاح الكعبة في يده، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجمع لنا الحجابة مع السقاية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أين عثمان بن أبي طلحة؟ " فدعي له، فقال صلى الله عليه وسلم "هاك مفتاحك يا عثمان، إن اليوم يوم بر ووفاء".

ص: 142

قال ابن هشام: وذكر سفيان بن عيينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه فلا أعطيكم ما ترزون، لا ما تزرون.

قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح، فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم، فرأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام مصورا في يده الأزلام يستقسم بها، فقال:"قاتلهم الله قد جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام، ما شأن إبراهيم، بالأزلام؟ "{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران] .

ثم أمر صلى الله عليه وسلم بتلك الصورة كلها فطمست، قال ابن هشام: وحدثني أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ومعه بلال رضي الله عنه ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلف بلال؛ فدخل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما على بلال فسأله: أين صلى الله عليه وسلم ولم يسأله كم صلى.

فكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا دخل البيت مشي قبل وجهه وجعل الباب قبل ظهره حتى يكون بينه وبين الجدار ثلاث أذرع، ثم يصلي بنواحي الموضع الذي قال له بلال رضي الله عنه.

وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال رضي الله عنه فأمره أن يؤذن وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد بن الحارث بن هشام رضي الله عنهم جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب بن أسيد: لقدج أكرم أسيد ألا يكون سمع هذا فسمع منه مايغيظه. وقال الحارث بن هشام: أما والله لو علم أنه محق لاتبعته. فقال أبو سفيان: لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصاة.

فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قد علمت الذي قلتم"، ثم ذكر ذلك لهم. فقال الحارث وعتاب رضي الله عنهما: نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك.

قال ابن إسحاق: وحدثني سعيد بن أبي سندر الأسلمي عن رجل من قومه قال: كان معنا رجل يقال له أحمرا، وكان رجلا شجاعا، وكان إذا نام غط غطيطا منكرا لا يخفي مكانه، وكان إذا بات في جبة بات معتبرا؛ فإذا بيت الحي صرخوا يا أحمر، فيثور مثل الأسد لا يقوم لسبيله شيء، فأقبل أعرابي من هذيل يريدون حاضره، حتى إذا دنوا من الحاضر قال ابن الأثوع الهذلي: لا تعجلوا حتى انظر، فإن كان في الحاضر أحمر فلا سبيل إليهم فإن له غطيطا لا يخفي. قال: فاسمع؛ فلما كان عام الفتح وكان العد من يوم الفتح أتى ابن الأثوع الهذلي حتى ندخل مكة ينظر ويسأل عن أمر الناس، وهو على شركه، فرأته خزاعة

ص: 143

فعرفوه، فأحاطوا به، وهو إلى جنب جدار من جدر مكة، يقولون: أنت قاتل. قال: نعم، أنا قاتل أحمر. فعندئذ أقبل خراش بن أمية مشتملا على السيف؛ فقال هكذا عن الرجل، والله ما نظنه إلا أنه يريد أن يفرج الناس عنه فلما تفرجنا عنه حمل عليه فطنه بالسيف في بطنه؛ فوالله لكأني أنظر إليه وحوشته تسيل من بطنه، وإن عيينه ليريقان في رأسه وهو يقول: قد فعلتموها يا معشر خزاعة حتى أفجعت فوقع؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر القتل إن نفع قتلتم قتيلا لأدينه".

قال ابن إسحاق: وحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح الخزاعي قال: لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير، جئته فقلت له: يا هذا، إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة؛ فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رج لمن هذيل فقتلوه وهو مشرك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فقال:"أيها الناس إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض؛ فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرا. لم تحلل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحل لي إلا هذه الساعة، غصبا على أهلها، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس؛ فليبلغ الشاهد منكم الغائب؛ فمن قال لكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل فيها، فقولوا: إن الله قد أحلها لرسوله، ولم يحلها لكم، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل، قد كثر إن نفع، لقد قتلتم قتيلا لأدينه؛ فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين: إن شاؤوا فدم قاتله، وإن شاؤوا فعقله"1.

ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتله خزاعة؛ فقال عمرو لأبي شريح: انصرف أيها الشيخ، فنحن أعلم بحرمتها منك، إنها لا تمنع سافك دم، ولا خالع طاعة، ولا مانع جزية، قال أبو شريح: إني كنت شاهدا، وكنت غائبا، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا، وقد أبلغتك، فأنت وشأنك.

قال ابن هشام: وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: جندب بن الأكوع، قتلته بنو كعب، فواده مائة ناقة.

قال ابن هشام: وبلغني عن يحيى بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة ودخلها، قام على الصفا يدعو، وقد أحدقت به الأنصار؛ فقالوا فيما بينهم: أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه ولده يقيم بها؟ فلما فرغ من دعائه قال: "ماذا قلتم؟ قالوا: لا شيء يا رسول الله. فلم يزل صلى الله عليه وسلم بهم حتى أخبروه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله، المحيا محياكم، والممات مماتكم".

1 أخرجه البخاري "4295".

ص: 144

وحدثني من أثق به من أهل الرواية في إسناد له عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته؛ فطاف عليها، وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب في يده إلى الأصنام، ويقول:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء: 81] . فما أشار صلى الله عليه وسلم إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع. فقال تميم بن أسد الخزاعي:

وفي الأصنام معتبر وعلم

لمن يرجو الثواب أو العقابا

قال ابن هشام: وحدثني أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يطوف بالبيت عام الفتح؛ فلما دنى منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضالة؟ " قال: نعم، فضالة يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم:"ماذا كنت تحدث به نفسك؟ " قال: لا شيء، أذكر الله. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"استغفر الله" ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده من صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه.

قال فضالة رضي الله عنه: فرجعت إلى أهلي، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها؛ فقالت: هلم إلى الحديث، فقلت: لا. وانبعث فضالة يقول:

قالت هلم إلى الحديث فقلت لا

يأبى علي الله والإسلام

كوما رأيت محمدا وقبيله

بالفتح يوم تكسر الإصنام

لرأيت دين الله أصبح بينا

والشرك يغشى وجهه الإظلام

ثم قال ابن إسحاق: وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف، من بني سليم سبعمائة. ويقول بعضهم: آلأف، ومن بني غفار أربعمائة. ومن أسلم أربعمائة، ومن مزينة ألف وثلاثة نفر، وسائرهم من قريش والأنصار، وحلفائهم، وطوائف العرب، من بني تميم، وقيس، وأسد1.

ثم قال ابن إسحاق: وحدثني ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة.

قال ابن إسحاق: وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان بسنة ثمان

انتهى2، باختصار المواضع من إنباء خبر فتح مكة المشار إليه، ومن شعر تميم بن أسد، في اعتذاره، من فراره عن منبه، وشعر الأخرز بن لعيط الديلي، وما كان بين كنانة

1 سيرة ابن هشام 4/ 95-106.

2 السيرة 4/ 13.

ص: 145