الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث عشر: في ذكر المساجد التي بالمدينة وفضلها
اعلم أن المساجد والمواضع التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة كثيرة وأساميها في الكتب مذكورة إلا أن أكثرها لا يعرف في يومنا هذا، فذكره لا فائدة فيه هنا، فأما المساجد التي هي اليوم معروفة فهي:
مسجد قباء:
روى البخاري في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه وخرج إلى المدينة.
أنبأنا عبد الرحمن بن علي قال: أنبأنا محمد بن أبي منصور، أخبرنا محمد بن أحمد المقري، أنبأنا عبد الملك بن محمد الواعظ، حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا ابن خزيمة، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا إسماعيل بن أبي أوس، حدثني أبي عن شرحبيل بن سعد عن عويمر بن ساعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء:"إن الله تعالى قد أحسن الثناء عليكم في الطهور قال: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] إلى آخر الآية، ما هذا الطهور؟ " فقالوا: ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا.
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور قباء راكبا وماشيا، وفي صحيح مسلم أن عبد الله بن عمر كان يأتي قباء في كل سبت ويقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه كل سبت، وروى أبو عروبة قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأتي قباء كل يوم الاثنين ويوم الخميس فجاء يوما فلم يجد أحدا من أهله فقال: والذي نفسي بيده لقد رأيتنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في أصحابه ننقل حجارته على بطوننا ويؤسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام، وروى البخاري في الصحيح قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد قباء فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين. وروى أبو أمامة ابن سهل بن حنيف عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من توضأ فأسبغ الوضوء وجاء مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان له أجر عمرة"، وروت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها قال: والله لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلي من أن آتي إلى بيت القدس مرتين ولو
يعلمون ما فيه لضربوا إليه أكباد الإبل، وروى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى الأساطين الثلاث في مسجد قباء التي في الرحبة، قلت: لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقباء في منزل كلثوم بن الهرم، وأخذ مربده1 فأسسه مسجدا، وصلى فيه، ولم يزل ذلك المسجد يزوره رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته ويصلي فيه أهل قباء فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تزل الصحابة تزوره وتعظمه، ولما بنى عمر بن عبد العزيز مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بنى مسجد قباء ووسعه وبناه بالحجارة والجص، وأقام فيه الأساطين من الحجارة داخلها عواميد الحديد والرصاص ونقشه بالفسيفساء وعمل له منارة وسقفه بالساج وجعله أروقة وفي وسطه رحبة وتهدم حتى جدد عمارته جمال الدين الأصبهاني وزير بني زنكي الملوك ببلاد الموصل2.
وذرعت مسجد قباء فكان طوله ثمانية وستين ذراعا تشف قليلا وعرضه كذلك، وارتفاعه في السماء عشرون ذراعا وطول منارته من سطحه إلى رأسها اثنان وعشرون ذراعا، وعلى رأسها قبة طولها نحو العشرة أذرع وعرض المنارة من جهة القبلة عشرة أذرع شافة، ومن المغرب ثمانية أذرع، وفي المسجد تسعة وثلاثون أسطوانا بين كل أسطوانين سبعة أذرع شافة، وفي جدارنه طاقات نافذة إلى خارج في كل جانب ثمان طاقات إلى الجانب الذي يلي الشام، والثامنة فيها المنارة فهي مسدودة والمنارة عن يمين المصلى وهي مربعة.
مسجد الفتح:
أنبأنا حنبل بن عبد الله الرصافي قال: أخبرنا أبو القاسم بن الخضر أخبرنا أبو علي بن المهذب أنبأنا أبو بكر القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا أبو عامر كثير يعني ابن زيد، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: حدثني جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بعد الصلاتين، فعرف البشر في وجهه، أنبأنا القاسم بن علي أخبرنا هبة الله بن أحمد أخبرنا أبو منصور بن شكرويه أخبرنا إبراهيم بن عبد الله حدثنا أبو عبد الله المحاملي حدثنا علي بن سالم حدثنا إسماعيل بن أبي فديك عن معاذ بن سعيد السلمي عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمسجد الفتح الذي على الجبل وقد حضرت صلاة العصر فرقي فصلى فيه صلاة العصر، وروى هارون بن كثير عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق دعا على الأحزاب في موضع
1 المربد: موضع يجفف فيه التمر "وهو الجرن والجرين والمسطح".
2 وذلك عام 555هـ، وقد جدد أيضا عام 671هـ، وعام 733هـ في عهد الناصر بن قلاوون، وعام 840هـ، وعام 881هـ، وفي عهد السلطان عبد المجيد.
الأسطوانة الوسطى من مسجد الفتح الذي على الجبل؛ قلت: وهذا المسجد على رأس جبل يصعد إليه بدرج، وقد عمر عمارة جديدة وعن يمينه في الوادي نخل كثير، ويعرف ذلك الموضع بالسيح ومساجد حوله وهي ثلاثة قبلة الأول منها خراب قد هدم وأخذت حجارته، والآخران معموران بالحجارة والجص، وهما في الوادي عند النخل، وروى معاذ بن سعد أن رسول الله عليه السلام صلى في مسجد الفتح في الجبل وفي المساجد التي حوله1.
مسجد القبلتين:
روى عثمان بن محمد الأحبشي قال: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني سلمة يقال لها: أم بشير في بني سلمة، فصنعت له طعاما، فجاء الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مسجد القبلتين الظهر فلما صلى ركعتين أمر أن يتوجه إلى الكعبة، فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين، وكانت يومئذ أربع ركعات منها ثنتان إلى بيت المقدس وثنتان إلى الكعبة، وقال سعيد بن المسيب2: صرفت القبلة قبل بدر بشهرين، والثابت عندنا أنها صرفت في الظهر في المسجد، قلت: وهذا المسجد بعيد من المدينة قريب من بئر رومة وقد انهدم وأخذت حجارته وبقيت آثاره وموضعه يعرف بالقاع3.
مسجد الفضيخ 4:
روي عن هشام بن عروة والحارث بن فضيل أنهما قالا: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الفضيخ5، قلت: وهذا المسجد قريب من قباء ويعرف بمسجد الشمس وهو حجارة مبنية على نشز من الأرض.
مسجد بني قريظة 6:
روى علي بن رفاعة عن أشياخ من قومه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيت امرأة فأدخل ذلك البيت في مسجد بني قريظة وهو المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ببني قريظة،
1 يقع مسجد الفتح في شمال المدينة الغربي في جبل يقال له سلع، ويسمى أيضا: مسجد الأحزاب، والمسجد الأعلى، وهو في المكان الذي قام فيه الرسول يدعو على الأحزاب في غزوة الخندق، فاستجاب الله دعاءه، وهزم الأحزاب، وقد عمره عمر بن عبد العزيز، ثم جدد عام 575هـ بأمر أمير مصر.
2 من كبار التابعين بالمدينة توفي عام 110هـ.
3 جدد بناؤه عام 893هـ في عهد المماليك، وعام 950هـ في عهد السلطان سليمان العثماني.
4 هو شرقي مسجد قباء.
5 وذلك في مدة حصاره لبني النضير.
6 يقع شرقي مسجد الفضيخ، وقد جدده الشجاعي شاهين الجمالي شيخ المسجد النبوي سنة 893هـ.