الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يفت جلالة الملك سعود حين زار المدينة، أن يمد يده ويساهم في إصلاح العين الزرقاء مساهمة جليلة؛ حيث أصدر أمره، بإنشاء خزانات حديثة بالإسمنت المسلح، لتحفظ فيها المياه من منابعها صافيه نقية، ثم توصل إلى المدينة المنورة في الأنابيب الحديدية الخفية في جوف الأرض وتوزع فيها على محلاتها.
والذي يدلنا على اهتمام جلالة الملك بمشروع خزانات العين الزرقاء، وضعه الحجر الأساسي بيده، وقد دس فيه جملة من النقود الذهبية والفضية، وبعض الوثائق التاريخية والخرائط، وجملة من أعداد جريدة المدينة المنورة. وبالله التوفيق؟
كلمة الختام:
هذه هي خاتمة الجزء الثاني من كتاب "شفاء الغرام"، والملحقات الذي ذيلنا بها الكتاب، وبانتهائه ينتهي هذا الكتاب القيم، والسفر النفيس، وقد وقع الجزء منه في أكثر من 420 صفحة، ووقع الجزء الثاني في أكثر من ذلك، وقد طبع الكتاب طبعة لم تتح لكتاب قديم من قبل، ويعد إخراج الكتاب بهذه الصورة مفخرة جليلة من المفاخر العربية، ويرجع الفضل في ذلك إلى معالي الشيخ محمد سرور الصبان الذي كان له فضل إخراج هذا الكتاب إلى عالم النور، وإلى مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة لأصحابها عبد الحفيظ وعبد الشكور فدا اللذين أسهما بجهود مشكورة في إخراجه ونشره وطبعه، ومما ساعد على إناقة هذه الطبعة أنها محلاة بأروع الصور والخرائط الجديدة المنقحة التي لم يظهر لها من قبل مثيل في صحتها وإناقتها.
والأصول الخطية للكتاب في منتهى الرداءة؛ بحيث يصعب قراءة أية كلمة من كلماته دون مجهود شاق؛ فإخراج الكتاب جملة بهذه الصورة الرائعة من شدة التحري والجهد، ومع صعوبة أصول الكتاب ورداءتها التي ليس لها مثيل في المخطوطات، يعد عملا جليلا1.
وللفاسي عدا "كتاب شفاء الغرام" الذي نتحدث عنه عدة كتب من أهمها:
1-
تاريخه الكبير المسمى "العقد الثمين في أخبار البلد الأمين" وهو مخطوط في أربعة أجزاء ضخام، ومنه عدة نسخ خطية بدار الكتاب المصرية، وقد ترجم فيه لولاة مكة وأعيانها وعلمائها وأدبائها، منذ ظهور الإسلام حتى عصره، وبدأ بالمحمدين والأحمدين، وفي صدره مقدمة لطيفة تحتوي على مقاصد الكتاب.
1 راجع الضوء اللامع ج7 ص18.
2-
تحفة الكرام بأخبار البلد الحرام وهو مختصر لكتابه "شفاء الغرام"، ويسمى أيضا "تحصيل المرام من تاريخ البلد الحرام"، وقد اختصر هذا الكتاب وهو "تحفة الكرام" في كتاب عنوانه "هادي ذوي الأفهام إلى تاريخ البلد الحرام"، واختصر هذا الكتاب الأخير في كتابه له بعنوان "الزهور المقتطفة في تاريخ مكة المشرفة".
3-
عجالة القرى للراغب في تاريخ أم القرى.
4-
الجواهر السنية في السيرة النبوية.
5-
منتخب المختار المذيل به على تاريخ ابن النجار1.
وقد توفي الفاسي ليلة الأربعاء الثالث والعشرين من شهر شوال المكرم عام 832هـ بمكة المشرفة بعد أن اعتمر في السابع والعشرين من رمضان من العام المذكور.
وكتاب شفاء الغرام هذا من أروع ما أبدعه مؤرخ عربي من حيث الدقة والأمانة العلمية والروعة في البحث والتحليل والاستقصاء والاستنتاج، ولا يعرض الفاسي لموضوع من موضوعات بحثه في الكتاب إلا ويذكر الآراء فيه وينقدها ويرجح بينها؛ مؤيدا كلامه بالدليل تلو الدليل، وقد دون فيه الفاسي أخبار مكة بتفصيل كثير، وإحاطة شاملة، ويعد من المصادر الأصيلة في هذا الموضوع بعد كتاب الأزرقي المتوفى نحو عام 250هـ، والفاكهي المتوفى نحو عام 280هـ، وقد رتبه الفاسي على أربعين بابا، تحدث فيها رحمه الله عن مكة وألم بالطائف وجدة، ولم يعرض للمدينة المنورة؛ لذلك رأينا إضافة كتاب ابن النجار في تاريخ المدينة كملحق لهذا الكتاب إتماما للفائدة واستكمالا للنفع.
وترجع أهيمة الغرام إلى استقصائه واستيعابه وجمعه لشتى الأخبار التي تتعلق بمكة وحرمها، مما لم يجمعه مدون بعد كتابي الأزرقي والفاكهي، وإلى نقله عن مصادر تاريخية تعد اليوم مفقودة.
والكتاب كما يقول المرحوم الأستاذ محمد مبروك نافع في تصويره له: "ليس كتابا لتاريخ مكة السياسي فحسب؛ بل هو بفصوله الأربعين يعتبر دائرة معارف شاملة لهذا البلد الحرام وما يتصل به من النواحي العمرانية والدينية والثقافية والاجتماعية، وفيه من هذه النواحي ما لا يوجد في كتاب آخر من كتب التاريخ المعروفة".
والباب الخاص بولاة مكة في الإسلام يعد كتابا ضخما مستقلا بذاته، وهو من أمتع ما كتبه الفاسي.
1 منه نسخة مخطوطة سنة 830هـ، في مكة المكرمة.
وبعد، فإن كتاب الفاسي بحق دائرة معارف رفيعة في تاريخ الإسلام والبلد الحرام والبيت والكعبة، وفي التاريخ العربي بوجه عام.
ونحن على ثقة من أن مجهود الفاسي في هذا الكتاب يكاد لا يضارعه مجهود مؤلف آخر، وشفاء الغرام أول كتاب كامل يطبع للفاسي، وقد سبق الأوروبيون فطبعوا في أوروبا منتخبات منه منذ نحو ثمانين عاما.
وإن الثقافة العربية لتستبشر اليوم بظهور هذا الكتاب كاملا في ثوب أنيق، وطباعة جميلة.
ونحب أن نشير هنا إلى أن في الكتاب كثيرا من الشعر المهلهل النسج، المضطرب الوزن، وفي بعضه ما لا يظهر معناه. ولولا المحافظة على الأمانة والدقة لألغينا الكثير منه، خاصة، وأن مراجعه معدومة؛ إذ لا يوجد في كتاب آخر وقع في يدنا غير "شفاء الغرام". ويبدو أن نسخ الكتاب كلها قام بنسخها أعاجم فحرفوا كثيرا من الشعر الوارد في الكتاب الذي يصعب فهمه على غير العناصر العربية، فأبدلوا كلمة بأخرى؛ مما جعل الشعر يضطرب.
ويوجد في "شفاء الغرام" نسخة في برلين برقم 9753، ونسخة ثانية في غوطا بألمانيا برقم 1706، ونسخة أخرى في باريس برقم 1633، وأخرى في الآستانة برقم 816، وأخرى في مدينة فاس برقم 1282.
وقد ساعدنا الحظ في العثور على نسخة خطية جديدة من الكتاب أثناء طبع الجزء الثاني، وهي برقم 2067 تاريخ، وكانت في مكتبة طلعة بالقلعة، ولم تبح دار الكتب المصرية الاطلاع على مخطوطات هذه المكتبة إلا منذ أمد قريب مما سهل علينا العثور على هذه النسخة، وقد صورناها تصويرا "فوتوغرافيا" وراجعنا عليها أصول الجزء الثاني؛ وذلك من بدء الملزمة الثالثة والعشرين، وهذا هو السر في تأخر صدور الجزء الثاني قليلا عن موعده الذي كنا عازمين على إخراجه فيه، وتقع هذه النسخة في 654 صفحة، وهي أوضح قليلا من النسختين الخطيتين الأخريين للكتاب، وإن كانت لا تختلف في قليل ولا في كثير عن نسخة دار الكتب المصرية الخطية الأخرى.
وقد نشرت مجلة المنهل الحجازية الغراء كلمة في عددها الأخير الذي ظهر أثناء طبع هذه الخاتمة للأستاذ إبراهيم الدروبي ببغداد أشار فيها إلى أن بالمكتبة القادرية ببغداد نسخة خطية من "شفاء الغرام" رقم 663، وقياسها 28 سم 20 سم، وعدد أسطر صفحتها 25 سطرا، ومجموع صحائفها 682 صفحة، وهي ناقصة الصحيفة الأولى والورقة الثالثة كلها ويظن أن ثلثي الكتاب من أوله من خطوط أهل القرن العاشر للهجرة، والباقي من خطوط القرن الثاني عشر للهجرة.
وللأستاذ الأجلاء: الشيخ العلامة حمد الجاسر والسيد المحقق محمد سعيد العامودي والأستاذ عبد القدوس الأنصاري، والأستاذ عبد الله عبد الجبار الشكر على توجيهاتهم الصائبة لنا أثناء طبع الكتاب.
ونحن هنا نعتذر للقارئ عن بعض الأخطاء المطبعية التي حاولنا جهدنا التخلص منها؛ ولكن دائما الكمال لله وحده.
كما نرجو أن يوفقنا الله في القريب العاجل لإخراج دراسة تفصيلية عن الكتاب ومخطوطاته التي وصلت إلينا، مع فهارس الأعلام والأماكن التي تفضل الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم مدير الشؤون المكتبية بدار الكتاب المصرية بالقيام بعملها.
ولا يفوتنا في هذا المقام تقديم خالص الشكر لمدير دار إحياء الكتب العربية وعمالها جميعا، ونخص بالشكر الأستاذ سليم الحلبي مدير المطبعة، والسيد إبراهيم كامل رئيسها لما قاما به من جهد مشكور في معاونتنا في إخراج وطبع هذا الكتاب القيم بهذه الصورة اللائقة.
ونحن نحمد الله أخيرا على فضله وتوفيقه، وعلى أن سدد خطانا إلى الصواب، ونسأله مزيد السداد، وأن يلهمنا الحق، ويعرفنا إياه أنه أكرم مأمول، وأفضل مسؤول، وما توفيقنا إلا بالله عليه نتوكل وإليه ننيب.