الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شيء مما قيل من الشعر في التشوق إلى مكة الشريفة وذكر معالمها المنيفة:
أنشدني المعمر بن محمد بن داود الصالحي إذنا مكاتبة، والأصيلة أم الحسن فاطمة بنت مفتي مكة شهاب الدين أحمد بن قاسم العمري إذنا مشافهة، أن الإمام المحدث فخر الدين عثمان بن محمد بن عثمان المالكي أنشدهما إذنا مشافهة، قال: أنشدنا الأديب أبو بكر محمد بن محمد بن عبد الله بن رشيد البغدادي قصيدة نفيسة سماها "الذهبية في الحجة الملكية والزورة المحمدية"، جاء فيها:
فيا أين أيام تولت على الحما
…
وليل مع العشاق فيه سهرناه
ونحن لجيران المحصب جيرة
…
نوفي لهم حسن الوداد ونرعاه
ومنها قوله:
فهاتيك أيام الحياة وغيرها
…
ممات فيا ليت النوى ما شهدناه
ويا ليت عنا أغمض الدهر طرفه
…
ويا ليت وقتا للفراق فقدناه
وترجع أيام المحصب من منى
…
ويبدو ثراه للعيوب وحصباه
وتسرح فيه العيس بين ثمامة
…
وتستنشق الأرواح طيب خزاماه
ومنها قوله:
فشدوا مطايانا إلى الربع ثانيا
…
فإن الهوى عن ربعهم ما ثنيناه
ففي ربعهم لله بيت مبارك
…
إليه قلوب الناس تهوى وتهواه
يطوف به الجاني فيغفر ذنبه
…
ويسقط عنه إثمه وخطاياه
وكم لذة كم فرحة لطوافه
…
فلله ما أحلى الطواف وأهناه
نطوف كأنا بالجنان نطوفها
…
ولا هم لا غم جميعا نفيناه
فيا شوقنا نحو الطواف وطيبة
…
فذلك طيب لا يعبر معناه
فمن لم يذقه لم يذق قط لذة
…
فذقه تذق يا صاح ما نحن ذقناه
ترى رجعة أو عودة لطوافنا
…
وذاك الحمى قبل المنية نغشاه
فوالله لا ننسى الحمى فقلوبنا
…
هناك تركناها فيا كيف ننساه
ووالله لا ننسى زمان مسيرنا
…
إليه وكل الركب يلتذ مسراه
وقد نسيت أولادنا ونساؤنا
…
وإخوننا والقلب عنهم شغلناه
تراءت لنا أعلام وصل على اللوى
…
فمن ثم أمسى القلب عنهم لويناه
جعلنا إله العرش نضب عيوننا
…
ومن دونه خلف الظهور نبذناه
وسرنا نشق البيد للبلد الذي
…
بجهد وشق للنفوس بلغناه
رجالا وركبانا على كل ضامر
…
ومن كل فج مقفر قد أتيناه
نخوض إليه البحر والبر والدجا
…
ولا مفظع إلا إليه قطعناه
ونطوي الفلا من شدة الشوق للقا
…
فنمشي الفلا نحكي السجل طويناه
ولا صدنا عن قصدنا فقد أهلنا
…
ولا هجر جار أو حبيب ألفناه
وأموالنا مبذولة ونفوسنا
…
ولا نبغ شيئا منعناه
ومنها قوله:
عرفنا الذي نبغي ونطلب فضله
…
فهان علينا كل شيء بذلناه
ولو قيل إن النار دون مزاركم
…
دفعنا إليها والعذول دفعناه
ومنها قوله:
ترادفت الأشواق واضطرم الحشا
…
فمن ذا له ضرم وتضرم أحشاه
وأسرى بنا الحادي وأمعن في السرا
…
وولي الكرى نوم الجفون نفيناه
ومنها قوله:
نحج لبيت حجه الرسل قبلنا
…
لنشهد نفعا في الكتاب وعدناه
دعانا إليه الله عند بنائه
…
فقلنا له لبيك داع أجبناه
وما زال وفد الله يقصد مكة
…
إلى أن بدا البيت العتيق وركناه
فضجت ضيوف الله بالذكر والدعا
…
وكبرت الحجاج حين رأيناه
وقد كادت الأرواح تزهق فرحة
…
لما نحن من عظم السرور وجدناه
وطفنا به سبعا رملنا ثلاثة
…
وأربعة مشيا كما قد أمرناه
كذلك طاف الهاشمي محمد
…
طواف قدوم مثل ما طاف طفناه
وسالت دموع من غمام جفوننا
…
على ما مضى من إثم ذنب كسبناه
ونحن ضيوف الله جئنا لبيته
…
نريد القرى نبغي من الله حسناه
فنادى بنا أهلا ضيوفي تباشروا
…
وقروا عيونا فالحجيج أضفناه
فأي قرى يعلو قرانا لضيفنا
…
وأي ثواب فوق ما قد أثبناه
ومنها قوله:
فطيبوا وسيروا وافرحوا وتباشروا
…
تهنوا وهموا بابها قد فتحناه
ولا ذنب إلا وقد غفرناه منكم
…
وما كان من عيب عليكم سترناه
ومنها قوله:
ويوم منى سرنا إلى الجبل الذي
…
من البعد قد حيانا كما قد عهدناه
فلا حج إلا أن يكون بأرضه
…
وقوف وهذا في الصحاح رويناه
إليه فؤاده المرء يشعر بالهنا
…
ولولا ما كان الحجار سلكناه
وبتنا بأقطار المحصب من منى
…
فيا طيب ليل بالمحصب بتناه
وسرنا إليه طالبين وقوفنا
…
عليه ومن كل الوجوه أممناه
على علميه للوقوف جلالة
…
فلا زالتا تحمي وتحرس أرجاه
وبينهما حزنا إليه برحمة
…
فيا طيبها ليت الزحام رجعناه
ولما رأيناه تعالى عجيجنا
…
نلبي وبالتهليل منا ملأناه
وفيه نزلنا بكرة بذنوبنا
…
وما هو من ثقل المعاصي حملناه
وبعد زوال الشمس كان وقوفنا
…
إلى الليل نبكي والدعاء قد أطلناه
ومنها قوله:
على عرفات قد وقفنا بموقف
…
به الذنب مغفور وفيه محوناه
وقد أقبل الباري علينا بوجهه
…
وقال: ابشروا فالعفو فيكم نشرناه
وعنكم ضمنا كل تابعة جرت
…
عليكم وأما حقنا قد وهبناه
أقلناكم من كل ما قد جنيتم
…
ومن كان ذا عذر إلينا عذرناه
ومنها قوله:
وطوبى لمن ذاك المقام مقامه
…
وبشراه في يوم التغابن بشراه
نرى موقفا فيه الخزائن فتحت
…
ووالى علينا الله منه عطاياه
ومنها قوله:
ودارت علينا الكأس بالوصل والرضا
…
سقينا شرابا مثله ما سقيناه
فإن شئت تسقي ما سقينا على الحمى
…
فخلِ التواني واقصد محلا حللناه
ومنها قوله:
فظل حجيج الله لليل واقفا
…
فقيل انفروا فالكل منكم قبلناه
أفيضوا وأنتم حامدون إلهكم
…
إلى مشعر جاء الكتاب بذكراه
وسيروا إليه واذكروا الله عنده
…
فسرنا ومن بعد العشاء نزلناه
وفيه جمعنا مغربا لعشائنا
…
ترى عابد جمع بجمع جمعناه
وبتنا به منه التقطنا جمارنا
…
وربا ذكرناه على ما هداناه
ومنه أفضنا حيث ما الناس قبلنا
…
أفاضوا وغفران الإله طلبناه
ونحو منى ملنا بها كان عيدنا
…
ونلنا بها ما القلب كان تمناه
فمن منكم بالله عيد عيدنا
…
فعيد منى رب البرية أعلاه
وفيها رمينا للعقاب جمارنا
…
ولا جرم إلا مع جمار رميناه
ومنها قوله:
وبالخفيف أعطانا الإله أماننا
…
وأذهب عنا كل ما نحن خفناه
وردت إلى البيت الحرام وفودنا
…
رجعنا لها كالطير حن لمأواه
وطفنا طوافا للإفاضة حوله
…
ولذنا به بعد الجمار وزرناه
ومن بعد ما زرنا دخلناه دخلة
…
كأنا دخلنا الخلد حين دخلناه
ونلنا أمان الله عند دخوله
…
كما أخبر القرآن فيما قرأناه
فيا منزلا قد كان أبرك منزل
…
نزلناه في الدنيا وبيت وطئناه
ترى حجة أخرى إليك ورحلة
…
وذاك على رب العلا تمناه
فإخواننا ما كان أحلى دخولنا
…
إليه لبثا في حماه لبثناه
فإخواننا أوحشتمونا هنا لكم
…
فيا ليتكم معنا وأنا حففناه
ومنها قوله:
وبالحجر الميمون لذنا فإنه
…
لرب السما في أرضه يمناه
نقبله من حبنا لإلهنا
…
فكم أشعث كم اغبر قد رحمناه
وذاك لنا يوم القيامة شاهد
…
وفيه لنا عهد قديم عهدناه
ونستلم الركن اليماني طاعة
…
نستغفر المولى إذا ما لمسناه
وملتزم فيه التزمنا لذنبنا
…
عهود وعفو الله فيه لزمناه
وكم موقف فيه مجاب لنا الدعا
…
دعونا به القصد فيه نويناه
وصلى بأركان المقام حجيجنا
…
وفي زمزم ماء طهور وردناه
وفيه الشفا فيه بلوغ مرادنا
…
لما نحن ننويه إذا ما شربناه
وبين الصفا والمروة الحاج قد سعى
…
فإن تمام الحج تكميل مسعاه
ومنها قوله:
وبينا حجيج الله بالبيت محدق
…
ورحمة رب العرش تدنو وتغشاه
تداعت رفاق بالرحيل فما ترى
…
سوى دمع عين بالدماء مزجناه
لفرقة بيت الله والحجر الذي
…
لأجلهما شاق الأمور شققناه
وودعت الحجاج بيت إلهها
…
وكلهم تجري من الحزن عيناه
فلله كم باك وصاحب حسرة
…
يود بأن الله كان توفاه
ولا يشهد التوديع يوما لبيته
…
وإن فراق البيت مرد وجدناه
فما فرقه إلا والله إنه
…
أمر وأدهى ذاك شيء خبرناه
ومنها قوله:
ووالله لولا أن نؤمل عودة
…
لذقنا طعام الموت حين فجعناه
ومن بعد ما طفنا طواف وداعنا
…
رحلنا إلى قبر الحبيب ومعناه
وأنشدني محمد بن محمد بن داود الصالحي مكاتبة منه، وفاطمة بنت أحمد الفقيه مشافهة بطيبة، أن أبا عمرو الإفريقي أنشدهما إذنا قال: أنشدنا أبو اليمن ابن عساكر1 نزيل مكة لنفسه، بقراءتي عليه بمسجد الخيف بمنى:
يا جبرتي بين الحجون إلى الصفا
…
شوقي إليكم مجمل ومفصل
أهوى دياركم ولي يربوعها
…
وجد يؤرقني وعهد أول
ويزيدني فيها العذول صبابة
…
فيظل يغريني إذا ما يعدل
ويقول لي لو قد تبدلت الهوى
…
فأقول: قد عز الغداة تبدل
بالله قل لي: كيف تحسن سلوتي
…
عنها وحسن تصبري هل يجمل؟
هل في البلاد محلة معروفة
…
مثل المعرف أو محل بحلل؟
أم في الزمان كليلة النفر التي
…
فيها من الله العوارف تجزل
أم مثل أيام تقضت في منى
…
عمر الزمان بها أغر محجل
في جنب مجتمع الرفاق ومنزع الأ
…
شواق حياها السحاب المسبل
وأنشدتني أم الحسن فاطمة بنت مفتي مكة شهاب الدين أحمد بن قاسم الحرازي إذنا مشافهة بطيبة -إن لم يكن سماعا- قالت: أنشدني جدي الإمام رضي الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري2 سماعا قال: أنشدنا الإمام الحافظ أبو بكر بن محمد بن يوسف بن مسدي لنفسه من قصيدة له:
سقى تهامة ما تهمي السحاب به
…
سحا يسح وتهتانا بتهتان
حيث الحجيج إن حجيجي تخذت بها
…
ربعا بربع وأخذانا بأخدان
ومنها قوله:
أنكرت سلمى وأياما بذي سلم
…
لوقفة بين تعريف وعرفان
حيث الأراك والنسيم صبا
…
بقنا في شيخ أفنان بأفنان
والدار آهلة من كان مغترب
…
يعرو إليها بتهليل وقرآن
1 هو عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الحسن. توفي سنة "686هـ"، لحظ الألحاظ "ص: 81".
2 ترجمته في لحظ الألحاظ "ص: 100، 101".
واسم الحبيب شعار العاشقين بها
…
تيك المشاعر من شيب وشيبان
لبيك لبيك توحيدا يؤكده
…
توابع الشوق في سر وإعلان
وللإجابة سمع ليس يشغله
…
شأن كثير من القول عن شان
وينفرون إلى الزلفى بمزدلف
…
جمعا بجمع ووجدانا بوجدان
من كل مستغفر مستقبل ثقة
…
من الحبيب بإقبال وغفران
من لم يقف برسوم الموقفين فما
…
مشت به قط للأحباب رجلان
وفي منى للمنى ذاك المنال فلا
…
تبعد بك الدار عن قرب وقربان
ومنها قوله:
وفي الإفاضة فيض الجود من ملك
…
يلقى المسيء إذا استعفى بإحسان
ومنها قوله:
يا طائفين بنا إنا نطوف بكم
…
باعا يباع ووجدانا بوجدان
ورب ماش تبادرناه هرولة
…
إليه تلقاه بشرى قبل تلقاني
أما الغريب وإن عز المكان فلا
…
يبعدنك الوهم في تقرير إمكان
من فاوض الركن قد فاوضته بيدي
…
هذا يميني فحيوها بأيمان
من يستجر فإن بالمستجار له
…
نعم المجير إذا يلجأ لي الجاني
وعند ملتزم منا لملتزم
…
لو شاء ما شاء منا غير منان
ومنها قوله:
ولي مقام أمين بالمقام فما
…
نوفي فيه إلا كل أمان
ولي بزمزم سر فيه زمزمة
…
عنوانها عند أزمات وأزمان
ومنها قوله:
هذي الأماني لا أيام ذي سلم
…
دار الأمان فما دار بغمدان
كفاني الله تبديلا بمظهرها
…
حتى أغيب في لحدي وأكفاني
وأنشدني خالي قاضي الحرمين محب الدين النويري -تغمده الله برحمته- سماعا بالمسجد الحرام، أن القاضي عز الدين عبد العزيز ابن القاضي بدر الدين بن جماعة الشافعي أنشده سماعا، قال: أنشدني والدي لنفسه، وأنشدني عاليا الإمامان: أبو أحمد إبراهيم بن محمد اللهمي وأبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد المصري إذنا عن القاضي بدر الدين بن جماعة1 قال:
ما بال قلبي لا يقر قراره
…
حتى يقضي من منى أوطاره
1 هو محمد بن إبراهيم بن سعد الله توفي سنة 733هـ وترجمته في "لحظ الألحاظ".
ما ذاك إلا أنه من شوقه
…
قد شام من وادي الحمى تذكاره
يا سائق الأظعان إن جزت الحمى
…
سلم على من بالمحصب داره
واشرح له ما يلتقي مشتاقه
…
من فرط شوق أحرقته ناره
يصبو إذا ذكر الحطيم وزمزم
…
والركن والبيت المكرم جاره
ويهيم من شوق يفتت كبده
…
إذ عز ملقاه وطال مزاره
وأنشدني الرئيس شهاب الدين أحمد بن الحافظ صلاح الدين خليل بن كيلكلدي1 العلائي بقراءتي عليه في المسجد الأقصى بالرحلة الأولى أن الأستاذ أبا حيان محمد بن يوسف الأندلسي2 النحوي أنشدني لنفسه قصيدة نبوية على وزن بانت سعاد، قال فيها:
وإذا قضيت غزاة فأتنف عملا
…
للحج والحج للإسلام تكميل
ثم قال بعد وصفه للحجاج:
يسوقهم طرب نحو الحجاز فهم
…
ذوو ارتباح على أكوارها ميل
شعث رؤوسهم بلس شفاههم
…
حوص عيونهم غرث مهازيل
حتى إذا لاح من بيت الإله لهم
…
نور إذا هم على الغبرا أراجيل
يعفرون وجوها طال ما سهمت
…
باكين حتى أديم الأرض مبلول
حفوا بكعبة مولاهم فكعبهم
…
عال بها لهم طوف وتقبيل
وبالصفا وقتهم صاف بسعيهم
…
وفي منى لمناهم كان تنويل
تعرفوا عرفات واقفين بها
…
لهم إلى الله تكبير وتهليل
وأنشدني العلامة الأديب المفنن برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن محمد المعروف بالقيراطي لنفسه إجازة من قصيدة، وأنشدنيها سماعا قاضي مكة جمال الدين محمد بن عبد الله بن ظهيرة رحمه الله عليه- عن القيراطي سماعا قال:
ثم أنشأت من جفوني سحبا
…
أي نثر كالدر من إنشاء
كم سكبناه بل سكبناه تبرا
…
فاز منه ثرى الحما بالثراء
فإذا جئت المحصب فانثر
…
من يواقيته على الحصباء
أتمنى عيشا مضى وتقضى
…
وتولى على الصفا بالصفاء
ميت أحيا يناديك حيا
…
إنما الميت ميت الأحياء
لا يمل الثاوي هناك مقاما
…
رب ثاو يمل طول الثواء
1 ترجمته في "الضوء اللامح" 1/ 296.
2 ترجمته في "الدر الكامنة" 4/ 302-310 رقم 833، ذيل تذكرة الحفاظ "ص: 23-27".
حسبه هواه الرطب فينا
…
فذكرناه مجامع الأهواء
بك داء فارحل وجز بكداء
…
وهو داء من الذنوب كداء
ومنها قوله:
ما حنينا للمنحني الجيد إلا
…
واستقمنا بذلك الإنحناء
ومنها قوله:
أنا ما لي عن مكة من براح
…
وبها أشتفي من البرحاء
حبذا الكعبة التي قد تبدت
…
وهي تزهو في حلة سوداء
فصفا سترها مساء صباح
…
وبياض الثنا صباح مساء
قبل الخال لا أبا لك عشرا
…
يا أخا حيها بغير إباء
واملأ الحجر باللآلئ من الـ
…
ـدمع ونزهه عن عقيق الدماء
واشربن من شراب زمزم كاسا
…
دب منه السرور في الأعضاء
فهي حقا طعام طعم لجوع
…
وبها للسقيم أي شفاء
فسقى المسجد الحرام غمام
…
ورعى عشنا على البطحاء
كم حطمنا لدى الحطيم ذنوبا
…
كثر عدها عن الإحصاء
صاح قم طف للإله سبعا
…
بيت رمى الفيل فيه بالدهماء
مر بالمروين وارق لترقى
…
بجنان مراقي السعداء
واكحل العين عند مسعاك
…
بالميل ففيه شفاء ذاك العماء
ثم قف خاضعا على عرفات
…
عل تعطى عوارف الإعطاء
وارمها في منى إلى جمرات
…
اللظى بها في انطفاء
وأنشدنا الإمام بدر الدين أحمد بن محمد المعروف بابن الصاحب رحمه الله، إجازة لنفسه، وأنشدني ذلك قاضي القضاة جمال الدين بن ظهيرة من لفظه عن ابن الصاحب هذا سماعا، قال من قصيدة نبوية:
على الأبطح المكي طيب سلامي
…
وأزكى تحيات كمسك ختام
وسقيا له من أدمع بهوامع
…
تجود بحفظ الود جود كرام
فذاك هو الحي الذي طاير المنى
…
له فيه بالإطراب سجع حمام
إذا ذكروا في الحي طيب حديثه
…
خلعت على السماء ثوب منام
وإن ظفرت نفسي بلثم ترابه
…
لبست بذاك اللثم خير لثام
منازل أفراحي وأنسي ولذتي
…
وموسم أعيادي ودار هيام
إذا مر بي من نحوها نسمة الصبا
…
وجدت لها بردا لحر أوامي
فتبعث في الروح حتى أكاد أن
…
أطير وقد قص الجناح سقامي
فلله عهد من معاهد أنسه
…
جديد ولو أبلى الممات عظامي
فهل لي إلى تلك المواطن عودة
…
على رغم حسادي وأهل ملامي
وأكحل بالميل الأخيضر ناظري
…
بإثمد ركن البيت قبل حمام
وأنشد في عيدي بقرب أحبتي
…
ألا إن هذا اليوم فطر صيامي
أديروا أديروا ماء زمزم خالصا
…
فذا خيرا كأس في ألذ مقام
ونادوا على رأسي بأبواب شاربي
…
عبيد ذليل مثقل بآثام
عسى عطفه منكم عليه فإنه
…
تعلق من إحسانكم بزمام
وفي قوله أيضا:
في مكة الوقت قد صفا لي
…
بطيب جار لها ودار
وخفض عيش جوار ربي
…
فذاك خفضي على الجوار
وقوله أيضا:
ليل الحمى كله من طيبه سحر
…
أحلى من النوم فيه عندنا السهر
يستلقط البرد من أنفاسه خلسا
…
يطفي بها نار أحشاء لها شرور
وتجتلي الكعبة الغراء في خلع
…
من الجمال على من فوقها الخفر
دار الهوى برح أطيار القلوب
…
بداء أكبادنا روض الربا العطر
مستودع السر حضن الأمر منتقح
…
إلام لا كنز لديه تحقر البدر
فغنني واسقني من ماء زمزمها
…
هذا هو العيش لا خمر ولا وتر
وقوله أيضا:
وليل ببطحاء الحمى قد قطعته
…
وطائر أنسي في الهوى قد ترنما
وطاف بكاسات الأماني سرورنا
…
فطيب عيش في المقام وزمزما
وقوله أيضا:
بمكة قد طابت مجاورتي فيا
…
إلهي فاجعلها مدى العمر سرمدا
فأنت الذي أحللتني ساحة الهوى
…
وعودت قلبي عادة فتعودا
وقوله أيضا:
بمكة نلت الخير من كل جانب
…
ودست على أمنية النفس بالنعل
فعن حرم الرحمن إن سرت قاصدا
…
فلا كنت من نفسي الكريمة في حل
وقوله مضمنا:
مجاورتي بمكة نلت فيها
…
أجل مناي من أقصى مرام
وما ظفر الفتى في الدهر يوما
…
بأطيب من مجاورة الكرام
والأشعار في التشوق إلى هذه المشاعر الشريفة كثيرة، ونسأل الله تعالى أن يجعل أعيننا بدوام مشاهدتها قريرة.
وقد انتهى الغرض الذي أردنا جمعه في هذا الكتاب، ونسأل الله تعالى أن يجزل لنا فيه الثواب، وصلى الله عليه سيدنا محمد سيد المرسلين، وآله وصحبه الأكرمين.