المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في ذكر من ولي الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة ومنى من العرب في ولاية جرهم وفي ولاية خزاعة وقريش على مكة: - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام - جـ ٢

[التقي الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب السادس والعشرون: في ذكر شيء من خبر إسماعيل عليه السلام وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام

- ‌الباب السابع والعشرون:

- ‌في ذكر شيء من خبر هاجر أم إسماعيل عليه السلام:

- ‌ذكر أسماء أولاد إسماعيل وفوائد تتعلق بذلك:

- ‌ذكر شيء من خبر بني إسماعيل عليه الصلاة والسلام:

- ‌ذكر ولاية نابت بن إسماعيل للبيت الحرام:

- ‌الباب الثامن والعشرون:

- ‌ذكر ولاية إياد بن نزار بن معد بن عدنان للكعبة:

- ‌ذكر ولاية بني إياد بن نزار الكعبة وشيء من خبرهم وخبر مضر ومن ولي الكعبة من مضر قبل قريش:

- ‌الباب التاسع والعشرون:

- ‌في ذكر من ولي الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة ومنى من العرب في ولاية جرهم وفي ولاية خزاعة وقريش على مكة:

- ‌الباب الثلاثون

- ‌في ذكر من ولي إنساء الشهور من العرب بمكة

- ‌ذكر صفة الإنساء

- ‌ذكر الحمس والحلة

- ‌ذكر الطلس:

- ‌الباب الحادي والثلاثون:

- ‌ذكر نسبهم:

- ‌ذكر سبب ولاية خزاعة لمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر مدة ولاية خزاعة لمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر أول من ولي البيت من خزاعة وغير ذلك من خبر جزهم

- ‌ذكر شيء من خبر عمرو بن عامر الذي تنسب إليه خزاعة وشيء من خبر بنيه:

- ‌الباب الثاني والثلاثون:

- ‌الباب الثالث والثلاثون:

- ‌في ذكر شيء من خبر بني قصي بن كلاب:

- ‌الباب الرابع والثلاثون

- ‌في ذكر شيء من خبر الفجار والأحابيش

- ‌ذكر يوم العبلاء:

- ‌ذكر يوم شرب:

- ‌ذكر يوم الحريرة:

- ‌ذكر الفجار الأول وما كان فيه بين قريش وقيس عيلان وسبب ذلك:

- ‌ذكر شيء من خبر الأحابيش ومحالفتهم لقريش:

- ‌الباب الخامس والثلاثون:

- ‌ذكر شيء من خبر حلف الفضول:

- ‌ذكر شيء من خبر ابن جدعان الذي كان في داره حلف الفضول:

- ‌ذكر شيء من خبر أجواد قريش في الجاهلية:

- ‌ذكر الحكام من قريش بمكة في الجاهلية:

- ‌ذكر تملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن كلاب القرشي الأسدي على قريش بمكة وشيء من خبره:

- ‌الباب السادس والثلاثون:

- ‌ذكر شيء من خبر فتح مكة:

- ‌ذكر فوائد تتعلق بخبر فتح مكة:

- ‌الباب السابع والثلاثون:

- ‌في ذكر شيء من ولاة مكة المشرفة في الإسلام:

- ‌الدولة العباسية:

- ‌الباب الثامن والثلاثون

- ‌في ذكر شيء من الحوادث المتعلقة بمكة في الإسلام

- ‌الباب التاسع والثلاثون:

- ‌سيول مكة في الجاهلية:

- ‌سيول مكة في الإسلام:

- ‌ذكر شيء من أخبار الغلاء والرخص والوباء بمكة المشرفة على ترتيب ذلك في السنين:

- ‌الباب الأربعون:

- ‌في ذكر الأصنام التي كانت بمكة وحولها وشيء من خبرها:

- ‌ذكر أسواق مكة في الجاهلية والإسلام:

- ‌ذكر شيء مما قيل من الشعر في التشوق إلى مكة الشريفة وذكر معالمها المنيفة:

- ‌خاتمة المؤلف للكتاب:

- ‌الملحق الأول:‌‌ ولاة مكة بعد الفاسي مؤلف "شفاء الغرام

- ‌ ولاة مكة بعد الفاسي مؤلف "شفاء الغرام

- ‌الملحق الثاني في الدرة الثمينة في تاريخ المدينة

- ‌مقدمة بقلم اللجنة التي أشرف على تحقيق الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول- في ذكر أسماء المدينة وأول من سكنها

- ‌الباب الثاني: في ذكر فتح المدينة

- ‌الباب الثالث: في ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

- ‌الباب الرابع: في ذكر فضائلها وما جاء في ترابها

- ‌الباب الخامس: في ذكر تحريم النبي للمدينة وحدود حرمها

- ‌الباب السادس: في ذكر وادي العقيق وفضله

- ‌الباب السابع: في ذكر آبار المدينة وفضلها

- ‌الباب الثامن: في ذكر جبل أحد وفضله وفضل الشهداء به

- ‌الباب التاسع: في ذكر إجلاء النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير من المدينة

- ‌الباب العاشر: حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة

- ‌الباب الحادي عشر: في ذكر قتل بني قريظة بالمدينة

- ‌الباب الثاني عشر: في ذكر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفضله

- ‌الباب الثالث عشر: في ذكر المساجد التي بالمدينة وفضلها

- ‌الباب الرابع عشر: في ذكر مسجد الضرار وهده

- ‌الباب الخامس عشر: في ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما

- ‌الباب السادس عشر: في ذكر فضل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السابع عشر: في ذكر البقيع وفضله

- ‌الباب الثامن عشر: في ذكر أعيان من سكن المدينة من الصحابة ومن بعدهم

- ‌الملحق الثالث في‌‌ العمارة التي أدخلت على المسجد النبوي الشريفمنذ إنشائه حتى اليوم وفوائد أخرى عن المدينة

- ‌ العمارة التي أدخلت على المسجد النبوي الشريف

- ‌ المسجد النبوي الشريف قبل التوسعة السعودية:

- ‌ سير العمل في العمارة الجديدة:

- ‌ المباني التي هدمت:

- ‌ وصف المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة

- ‌ أبواب الحرم النبوي الشريف:

- ‌ حول عمارة المسجد النبوي الشريف:أسئلة موجهة من الحاج عبد الشكور فدا إلى سعادة الشيخ صالح القزاز وإجابة فضيلته عليها:

- ‌الملحق الرابع: بعض آثار المدينة والمزارات وغيرها

- ‌مساجد المدينة المنورة

- ‌ القصور التاريخية بالمدينة:

- ‌ خزانات ماء الشرب

- ‌كلمة الختام:

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌في ذكر من ولي الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة ومنى من العرب في ولاية جرهم وفي ولاية خزاعة وقريش على مكة:

‌الباب التاسع والعشرون:

‌في ذكر من ولي الإجازة بالناس من عرفة ومزدلفة ومنى من العرب في ولاية جرهم وفي ولاية خزاعة وقريش على مكة:

قال ابن إسحاق: وكان الغوث بن مر بن عباد بن طابخة بن إلياس بن مضر يلي الإجازة للناس بالحج من عرفة، وولده من بعده، وكان يقال له ولولده: صوفة؛ وإنما ولي الغوث بن مر: أن أمه كانت امرأة من جرهم، كانت لا تلد؛ فنذرت لله تعالى إن هي ولدت رجلا أن تصدق به على الكعبة عبدا لها يخدمها ويقوم عليها؛ فولدت الغوث، وكان يقوم على الكعبة في الدهر الأول مع أخواله من جرهم، فولي الإجازة بالناس من عرفة، لمكانه الذي كان به من الكعبة، وولده من بعده، حتى انقرضوا، فقال مر بن أد لوفاء نذر أمه1:

إني جعلت رب من بنيه

ربيطة بمكة العلية

فباركن لي بها إليه

واجعله لي من صالح البرية

وكان الغوث من مر -زعموا- إذ دفع بالناس يقول:

لاهم إني تابع تباعه

إن كان إثم فعلى قضاعة

قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، قال: كانت صوفة تدفع بالناس من عرفة، وتجيز لهم إذا نفروا من منى؛ إذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار، ورجل من صوفة يرمي للناس، لا يرمون حتى يرمي؛ فكان ذوو الحاجات المستعجلون يأتونه، فيقولون له: قم فارم حتى نرمي معك؛ فيقول: لا والله حتى تميل الشمس، فيظل ذوو الحاجات الذين يحبون التعجيل يرمونه بالحجارة

1 هكذا ورد، ولعلها:"لوفاء نذر زوجه"، لأن امرأة مر هي:"أم الغوث"، وهي التي نذرت ووفت كما أشارت إلى ذلك رواية ابن إسحاق.

ص: 38

ويستعجلونه بذلك ويقولون له: ويلك قم فارم، فيأبى عليهم، حتى إذا مالت الشمس قام فرمي، ورمى الناس معه.

قال ابن إسحاق، فإذا فارغوا من رمي الجمار، وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانب العقبة، فحبسوا الناس وقالوا: أجيزي صوفة؛ فلم يجز أحد من الناس حتى يرموا فإذا نفرت صوفة ومضت خلي سبيل الناس، فانطلقوا بعدهم؛ فكانوا كذلك حتى انقرضوا، فورثهم من بعدهم بالعقد: بنو سعد بن زيد مناة بن تميم، وكانت من بني سعد في آل صفوان بن الحارث بن شحنة.

قال ابن هشام: صفوان هو ابن جناب بن شحنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.

قال ابن إسحاق: فكان صفوان هو الذي يجيز للناس بالحج من عرفة، ثم بنوه من بعده، حتى كان آخرهم هو الذي قام عليه الإسلام: كرب بن صفوان؛ فقال ابن مغراء السعدي:

لا تبرح الناس ما حجوا معرفهم

حتى يقال: أجيزوا آل صفوانا

قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة لأوس بن مغراء، وأما قول ذي الإصبع العدواني واسمه حرثان بن عمرو:

وعذير الحي من عدوا

ن كانوا حية الأرض

بغى بعضهم ظلما

فلمك يرع على ببعض

ومنهم كانت السادا

ت والموفون بالقرض

ومنهم من يجيز النا

س بالسنة والفرض

ومنهم حكم يقضي

فلا ينقض ما يقضي

وهذه الأبيات في قصيدة له؛ لأن الإفاضة من المزدلفة كانت في عدوان، فيما حدثني زياد بن عبد الله، عن محمد بن إسحاق، يتوارثون ذلك كابرًا عن كابر، حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام: أبو سيارة، عملية بن الأعزل، فقيه يقول شاعر العرب:

نحن دفعنا عن أبي سيارة

وعن مواليه بني فزارة

حتى أجاز سالما حماره

مستقبل القبلة يدعو جارة

وكان أبو سيارة يدفع بالناس على أتان؛ فلذلك يقول: سالما حماره

انتهى.

وذكر الزبير بن بكار خبر الإجازة من المزدلفة، وأفاد في ذلك ما لم يفده ابن إسحاق فاقتضى ذلك ذكرنا له. قال بعد أن ذكر خبر الإجازة من عرفة: قال أبو عبيدة: والثانية الإفاضة من جمع غداة النحر إلى منى؛ فكان ذلك إلى بين زيد بن عدوان بن

ص: 39

عمرو بن قيس بن غيلان؛ فكان آخر من ولي ذلك منهم: أبو سيارة عميلة بن الأعزل بن خالد بن سعد الحارث، فكان إذا أراد أن يفيض بالناس غداة جمع قال: الجلعد، يا صاحب الحمار الأسود، على ما تحسد، مهلا صاحب الأتون الجلعد، اللهم أكف أبا سيارة الحسد، ثم يفيض بالناس، فقال قائل:

نحن دفعنا عن أبي سيارة

وعن مواليه بني فزارة

حتى أفاض محرما حماره

مستقبل القبلة يدعو جاره

وكان يقال: أصح من حمار أبي سياره.

قال أبو الحسن الأثرم: قال أبو عبيد: أظنه كان سمينا.

وقال: قال محمد بن الحسن: عاش حمار أبي سيارة أربعين سنة، لا يصيبه فيها مرض؛ فيقال: أصح من غير أبي سيارة

انتهى.

وذكر الزبير بن بكار فيما نقل عنه الفاكهي ما يستغرب في نسب أبي سيارة، وفي انتقال الإجازة من صوفة إلى عدوان؛ لأنه قال: فأما الزبير بن أبي بكر قال: فلم تزل الإجازة إلى عقب صوفة حتى أخذتها عدوان؛ فلم تزل في عدوان حتى أخذتها قريش، ثم كان الحج مختلفا؛ فكانت قريش تدفع بمن معها من المزدلفة، وكان أبو سيارة يدفع بقيس من عرفة، وأبو سيارة من بني عبد بن معيص بن عامر بن لؤي، وقيس أخواله

انتهى.

وإنما كان هذا مستغربا لأنه يقتضي أن أبا سيارة من قريش، والمعروف أنه من عدوان كما ذكر الزبير -فيما سبق- وغيره من أهل الأخبار، ولأنه يفهم أن الإجازة صارت من صوفة إلى عدوان، والمعروف أن صوفة لم يزالوا يجيزون بالناس من عرفة حتى جاء الإسلام، وأن آخر من أجاز منهم: كرب بن صفوان، على ما ذكر ابن إسحاق وغيره.

وأما ما في هذا الخبر من أن قريشا أخذت من عدوان الإجازة؛ فكأنه أشار بذلك إلى ما وقع لقضي من أخذ ذلك من عدوان وصوفة، ثم ترك ذلك قصي لأنه كان يراه دنيئا.

وذكر الفاكهي من خبر أبي سيارة، وخبر الإفاضة من عرفة ومزدلفة غير ما سبق، فاقتضي ذلك ذكره؛ لأنه قال: وحدثني أحمد بن سليمان، قال: حدثنا زيد بن مبارك، قال: حدثني أبو ثور، عن ابن جريج، قال: قال مولى ابن عباس رضي الله عنهما: وكانت الحمس من عدوان، قال: وكانوا يقومون بالمزدلفة حتى يدفعوا هم، ومن يعرف

ص: 40

بعرفة من المزدلفة غداة جمع، وكان يدفع بهم أبو سيارة على حمار له عري، وكان يقول: أشرق ثبير لكي نغير وإذا أراد أن يدفع قال:

يا رب البعير الأسود

على ما يحسد فهل أنت تحسد

على دمول جعلد

ورثها أبي وجدي

ففي ذلك أنزل: {أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} [الأعراف: 26] .

وقال أيضا: وحدثنا حسن بن الحسين الأزدي، عن أبي عبد الله بن الأعرابي، عن هشام بن الكلبي، عن أبيه نحوا من الأحاديث الأولى، وزاد فيه: فكان كرب بن صفوان بن شحنة بن عطارد يأخذ بالطريق؛ فلا يفيض أحد من عرفات حتى تغيب الشمس، وكان يلي ذلك منهم -يعني الإجازة- كرب بن صفوان، وكانوا يقفون ولا يعرفون الوقوف بها؛ فيقيمون يفتخرون بآبائهم وبأفعالهم، ويسألون لدنياهم، فأنزل الله عز وجل:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة: 200] ؛ فإذا غربت الشمس سارع نحو جمع، ويسيرون خلفه، لكل حي مجيز سوى ذلك، حتى يأتوا الحمس في جوف الليل، فيقضوا معهم، وقد أخذ الطريق، لا يخرج أحد قبل طلوع الشمس؛ فإذا أصبحوا قام أبو سيارة عميلة بن الأعزل بن خالد بن الحرث العدواني فقال: أشرق ثبير كيما نغير، اللهم إني سالك طريقة قريش فبين لنا يا رب حقنا، ثم يقول: اللهم أصلح بين نسائنا، وبض بين رعائنا، واجعل أموالنا عند سمحائنا. ثم يفيض من مزدلفة إلى منى على فرس له، وإن حمير عرضت لأبي سيارة ذات عام فقالوا: نحن أولى بهذا منك؛ فقال: كذبتم، أنتم في بلدي ونسكي وديني، هذا أمر نحن شرعناه أولا، وبنا اقتدت العرب فيه، وهذا ميراث لنا عن آبائنا، والحرمة حرمتنا؛ فأبوا عليه، وتعلقوا بلجامه؛ فقال: يا آل قيس؛ فلم يكن بها كثيرا أحد من قيس يقيم، فقال: يا آل مضر، فطار إليه بنو أسد بن خزيمة وبنو كنانة واستنقذوه. ثم قالوا: والله لا يجيز بهم إلا على حمار؛ فإنهم قد استنبطوا من الخيل، فحملوه على حمار، ثم زفرا حوله قليلا قليلا، وهم يقولون:

نحن دفعنا عن أبي سيارة

وعن مواليه بني فزرة

حتى أجاز سالما حماره

مستقبل الكعبة يدعو جاره

وقد قال ذو الأصبع العدواني: ومنهم من يجيز الحج بالسنة والفرض.

فإذا أتى الناس منى، قام فيهم رجل يقال له: صوفة كان على صدقة الكعبة، وكان الذي يجيز بهم من صوفة: ثور بن أصفر؛ فإذا أجاز الناس في الأبطح اجتمعت كندة إلى بكر بن وائل، فأجازوا بهم حتى يبلغوا البيت، وقد قال الشاعر:

وكندة إذ ترمي الجمار عشية

يجيز بها حجاج بكر بن وائل

ص: 41

قال: فلم يزل أبو سيارة يجيز بالناس حتى أتاهم قصي بن كلاب1

انتهى.

قوله في هذا الخبر: "فإذا أجاز الناس في الأبطخ اجتمعت كندة إلى بكر بن وائل؛ فأجازوا بهم حتى يبلغوا البيت" فهذه الإجازة لم أرها مذكورة في غير هذا الخبر، وكذلك ما فيه من أن أنسا العدواني، كان يقول مع أبي سيارة: أشرق ثبير كيما نغير، وكذلك قصة أبي سيارة مع حمير، وغير ذلك من الأمور التي لم أرها في غيره من الأمور التي لا يبعد أن تكون وقعت.

وأما قوله فيه: "فلم يزل أبو سيارة يجيز بالناس حتى أتاهم قضي"؛ ففي صحته نظر؛ لأن أبا سيارة قام الإسلام وهو يجيز بالناس من المزدلفة، على ما ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل الأخبار: وبين قيام الإسلام وعهد قصي دهر طويل.

وقد ذكر الفاكهي -أيضا- خبرا يخالف ذلك؛ لأنه قال: حدثنا الحسن بن عثمان، عن الواقدي، قال: وحدثني عمران بن أبي أنس، عن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، عن حويطب بن عبد العزي قال: رأيت أبا سيارة يدفع بالناس من جمع على أتان له عقوق1

انتهى.

وجمع هي المزدلفة، ووجه مخالفة ذلك لما سبق: أن حويطب بن عبد العزي من مسلمة الفتح، ويبلغ عمره مائة وعشرين سنة؛ ستون في الإسلام، وستون في الجاهلية، ورؤيته له كانت قبل إسلامه؛ وذلك يقتضي تأخر أبي سيارة إلى قرب الإسلام.

وقد ذكر السهيلي فيما يتعلق بأبي سيارة ما لم أره لغيره؛ لأنه قال بعد أن ذكر ما ذكره ابن إسحاق في اسم أبي سيارة، وقال غيره: اسمه العاصي، قاله الخطابي، واسم الأعزل: خالد، ذكره الأصبهاني، قال: فكانت له أتان عوراء، خطامها ليف. ثم قال وهو أول من جعل الدية مائة من الإبل، فيما ذكر أبو اليقظان، حكاه عنه حمزة بن الحسن الأصبهاني، قال: وهو الذي يقول:

لاهم إني تابع تباعة2

وفيما ذكره السهيلي من أن أبا سيارة هو القائل:

لاهم إني تابع تباعه

نظر لمخالفته ما ذكره ابن إسحاق؛ فإنه ذكر أن قائل ذلك هو الغوث بن مر، وقد سبق ذلك.

1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 202.

2 الروض الأنف 1/ 146.

ص: 42

ومن الغريب أن السهيلي ذكر ما يقتضي أن القائل ذلك هو الغوث بن مر؛ لأنه قال: "فصل" وذكر قصة الغوث بن مر، ودفعه بالناس من عرفة، وقال بعض نقلة الأخبار: إن ولاية الغوث بن مر كانت من قبل ملوك كندة.

وقوله: إن كان إنما فعلى فضاعة؛ إنما خص قضاعة بهذا؛ لأن منهم محلين يستحلون الأشهر الحرم، كما كانت خثعم وطيء تفعل، وكذلك كانت النسأة1 ذا حرمت صفرا أو غيره من الأشهر، بدلا من الشهر الحرام، يقول قائلهم: قد حرمت عليكم الدماء إلا ماء المحلين2

انتهى.

فاستفدنا من ذلك فوائد: منها: موافقة السهيلي على أن القائل:

لاهم إني تابع تباعه

هو الغوث؛ لأن البيت الذي أفاد فيه السهيلي معنى تخصيص قضاعة بالذكر، قائله هو القائل:

لاهم إني تابع تباعة

ومنها: كون ولاية الغوث بن مر للإجازة بالناس كانت من قبل ملوك كندة

انتهى.

قال السهيلي: قوله:

عن مواليه بني فزارة

يعني بمواليه بني عمه؛ لأنه من عدوان، وعدوان وفزارة من قيس عيلان، وقوله:

مستقبل القبلة يدعو جاره

أي يدعو الله عز وجل يقول: اللهم كن لنا جارا ممن نخافه.

وذكر السهيلي أيضا فيما يتعلق بما ذكره ابن إسحاق من خبر عدوان وصوفة فوائد حسن ذكرها.

فمما ذكره فيما يتعلق بعدوان قوله: وأما ذو الإصبع -يعني الذي ذكره ابن إسحاق- فهو حرثان بن عمرو، ويقال: حرثان بن الحارث بن محرث بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب، وظرب: هو والد عامر بن الظرب الذي كان حكم العرب، ثم قال: وكذلك كان ذو الإصبع؛ حكما في زمانه، وعمره ثلاثمائة سنة، وسمي ذو الإصبع لأن حية نهسته في إصبعه، وجدهم ظرب: هو ابن عمرو بن عياد بن يشكر بن بكر بن

1 النسأة: هم الذين يؤخرون شهر إلى شهر آخر، وسيأتي تفصيل ذلك.

2 الروض الأنف 1/ 143.

ص: 43

عدوان، واسم عدوان: تيم، وأمه: جديلة بنت أد بن طابخة، وكانوا أهل الطائف، فكثر عددهم فيها، حتى بلغوا بها سبعين ألفا، ثم هلكوا، بغى بعضهم على بعض.

وكان ثقيف، وقيل: هي أخت عامر.

ثم قال: فلما هلكت عدوان وأخرجت بقيتهم ثقيف من الطائف، صارت الطائف بأثرها لثقيف إلى الآن.

وقوله: "حية الأرض؛ يقال: فلان حية الأرض، وحية الوادي، إذا كان مهيبا يذعر1 منه ثم قال: وقوله:

عذير الحي من عدوان

نصب عذيرا على الفعل المتروك إظهاره؛ كأنه يقول: هاتوا عذيره أي من يعذره؛ فيكون العذير بمعنى العاذر، ويكون أيضا بمعنى العذر مصدرا كالحديث ونحوه2.

وقال السهيلي فيما يتعلق بصوفان قال: -يعني الزبير بن بكار-: قال أبو عبيدة: وصوفة وصوفان يقال لكل من ولي البيت من غير أهله، أو قام بشيء من خدمة البيت، أو بشيء من أمر المناسك يقال لهم: صوفة وصوفان.

قال أبو عبيدة: لأنهم بمنزلة الصوف، فيهم القصير والطويل، والأسود والأحرم، ليسوا من قبيلة، واحدة.

وذكر أبو عبد الله -يعني الزبير- أنه حدثه أبو الحسن الأثرم، عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال: إنما سمي الغوث بن مر: صوفة؛ لأنه كان لا يعيش لأمه ولد؛ فنذرت لئن عاش لتعلقن برأسه صوفة؛ ولتجعلنه ربيطا للكعبة، ففعلت، فقيل له: صوفة، ولولده من بعده؛ وهو الربيط.

وحدث إبراهيم بن المنذر، عن عبد العزيز بن عمران قال: أخبرني عقال بن شبة قال: قالت أم تميم بن مر: وولدت نسوة، فقالت: لله علي نذر، لئن ولدت غلاما لأعبدنه للبيت، وذوي واسترخى؛ فقالت: ما صار ابني إلا صوفة، فسمي صوفة2

انتهى.

ورأيت فيما نقله الفاكهي عن الزبير بن بكار ما ذكره الزبير في تسميته صوفة عن أبي عبيدة، وعن إبراهيم بن المنذر.

1 يذعر منه: أي يخاف منه.

2 الروض الأنف 1/ 145، 146.

ص: 44

وذكر الأزرقي في خبر صوفة ما يستغرب؛ لأنه قال في باب حج الجاهلية وإنساء الشهور بعد أن ذكر خبرا طويلا، رواه عن جده، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، عن محمد بن إسحاق، عن الكلبي قال: قال -يعني الكلبي: وكانت الإفاضة في الجاهلية إلى صوفة؛ وصوفة رجل يقال له: أحزم بن العاص بن عمرو بن مازن بن الأسد، وكان أحزم قد تصدق بابن له على الكعبة يخدعها، فجعل عمرو بن مازن بن الأسد، وكان أحزم قد تصدق بابن له على الكعبة يخدمها؛ فجعل إليه حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر الخزاعي الإفاضة بالناس على الموقف، وحبشية يومئذ يلي حجابة الكعبة وأمر مكة، يصرف الناس على الموقف، فيقول حبشية: أجيزي صوفة، فيقول الصوفي: أجيزوا أيها الناس، فيجوزوه.

ويقال إن امرأة أحزم بن العاص بن عمرو بن مازن بن الأزد1 كانت عاقرا فنذرت إن ولدت غلاما أن تتصدق به على الكعبة عبدا لها يخدمها، ويقوم عليها؛ فولدت ابن2 أخزم الغوث، فتصدقت به عليها، فكان يخدمها في الدهر الأول مع أخواله من جرهم، فولي الإجازة بالناس لمكانه من الكعبة، وقالت أمه حين أتمت نذرها، وخدم الغوث بن أخزم الكعبة:

إني جعلت من بنيه

ربيطة بمكة العلية

فاقبل اللهم لا تباعه

إن كان إثم فعلى قضاعة3

فولي الغوث بن أخزم الإجازة من عرفة وولده من بعده في زمن جرهم وخزاعة حتى انقرضوا، ثم صارت الإفاضة في عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر في زمن قريش في عهد قصي، وكانت من عدوان في آل زيد بن عدوان يتوارثونه، حتى كان الذي قام عليه الإسلام: أبو سيارة العدواني، وهو عمير الأعزل بن خالد بن سعيد بن الحارث بن زيد بن عدوان4

انتهى.

1 في أخبار مكة للأزرقي 1/ 106: "الأسد" وسيوضح المؤلف الصيغتين بعد قليل.

2 في أخبار مكة للأزرقي: 1/ 186 "من" بدل "ابن".

3 بنيه: أي ابني، ولحق الكلمة هاء السكت، وربيطة مفعول ثان لربيطة العلية: الشريفة. تباعه: أي أتباعه أو تبعة وهو الأصح، ويروي الشطر الأول من البيت الثاني هكذا.

اللهم إني تابع تباعه

وفي أخبار مكة للأزرقي 1/ 187 اختلاف في البيتين فهما:

إني جعلت رب من بنية

ربيطة بمكة العلية

فباركن لي بها إليه

واجعله لي من صالح البرية

وراجع سيرة ابن هشام 1/ 19.

4 أخبار مكة للأزرقي 1/ 186، 187.

ص: 45

والمستغرب في هذا الخبر أمور: منها ما يقتضي أن صوفة من قحطان؛ لأن مازن المذكور في نسب أخزم المشار إليه، هو جماع غسان الأزد، ويقال فيه الأسد بالسين مهملة، كما وقع في الخبر أيضا.

واسم الأسد: دارن، ويقال: داغر بن الغوي بن نبت بن مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان؛ هكذا نسبه الحازمي في "العجالة"، ورأيته هكذا منسوبا في السيرة لابن إسحاق؛ تهذيب ابن هشام1، إلا أني لم أر فيها ذكر أدد بن مالك، وزيد بن كهلان.

والمعروف في صوفة أنه من مضر، كما ذكر ابن إسحاق وغيره، وذكر الفاكهي في ذلك حديثا رواه بسنده إلى عائشة رضي الله عنها لأنه قال: وحدثني عبد الله بن أبي سلمة، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمر الفهري، عن عبد الرحمن بن عبد العزيز الإيامي، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنه قالت: وقد كان في بعض ولد مضر بن نزار من ولد إسماعيل، خلال أربع لا ينكرها العرب، ولا يدفعونهم عنها، يعدون فيها في ولاية جرهم، الإجازة للناس بالحج مضر بن نزار وولده من بعده.

ويقال للغوث وولده من بعده: إن لهم صوفا؛ فقالت: أجيزوا صوفة ليجيز بإرادتها

انتهى.

وقال الفاكهي: حدثنا الحسن بن عثمان، عن الواقدي، قال: حدثني ربيعة بن عثمان قال: سألت الزهري: هل كان الإجازة من عرفة أو من جمع عند جمرة العقبة في أحد من اليمن في الجاهلية؟ فقال: لا، هذا لا يعرف، إن الصبيان ليعلمون أنه إنما كان في مضر.

قال الواقدي: وسألت عبد الله بن جعفر الزهري، هل سمعت أن الإجازة في شيء من المشاعر في الجاهلية كانت في كنانة؟ فقال: لا2

انتهى.

ومنها: أنه يفهم أن ابتداء أمر إجازة صوفة بالناس كانت في زمن ولاية خزانة خبر صوفة3، وهو مقتضى ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل الأخبار.

1 تهذيب سيرة ابن هشام "ص: 18".

2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 204.

3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 186.

ص: 46

ومنها: أنه يفهم أن القائل:

لاهم إني تابع تباعه

إن كان إثم فعلى قضاعه

أم الغوث، والمعروف أن قائل ذلك الغوث، كما سبق بيانه.

ومنها: أنه يفهم أن الإجازة انتقلت من صوفة بعد انقراضهم إلى عدوان، وفي ذلك نظر سبق بيانه؛ ومما يدل لعدم صحة ذلك ما ذكره الفاكهي عن الواقدي.

قال الواقدي: وسألت ربيعة بن عثمان التيمي، وعبد الله بن جعفر، عن آخر المشركين دفع بالناس من عرفة والمزدلفة، وأنسا بمنى؛ فقال ربيعة: آخرهم كرب، وقال عبد الله بن جعفر: دفع بهم سنة ثمان، وأنسا أبو ثماثمة بمنى

انتهى.

وكرب المشار إليه هو: كرب بن صفوان، على ما ذكر ابن إسحاق في السيرة، وهو من آل صفوان بن الحارث، ويقال: ابن الحباب بن شحنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، الذين ورثوا الإجازة بالناس من عرفة من بني الغوث بن مر، بالعقد على ما ذكر ابن إسحاق، وقد بين السهيلي وجه ذلك؛ لأنه قال: وذلك أن سعدا هو ابن زيد مناة بن تميم بن مر، وكان سعد أقعد بالغوث بن مر من غيره من العرب1

انتهى.

1 الروض الأنف 1/ 144.

ص: 47