الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوما المؤقّتة، فالسّلم باقية وحكمها ثابت، وإلا فالسّلم مفسوخة ولا حكم لها إن عجز عن الوفاء له، بحصول ما بقي من الشّروط في استصحاب الحكم واتّصال العمل، إن شاء الله تعالى.
وعلى ما تضمّنه هذا الكتاب أمضى فلان- أعزّه الله- بحكم النيابة، عن الأمر العالي- أسماه الله- هذا العقد الصّلحيّ، وأشهد بما فيه على نفسه وحضره (المعسل طور)«1» المذكور، فترجم له الكتاب وبيّنت له معانيه، وقرّر على مضامينه، فالتزم ذلك كلّه عن مرسله ملك قشتالة حسب ما فوّض إليه فيه، وأشهد بذلك على نفسه، في صحّته وجواز أمره في كذا؛ والله الموفّق لما يرضاه، ومقدّم الخير والخيرة فيما قضاه، بمنّه والسّلام.
المذهب الثاني (أن تفتتح المهادنة قبل لفظ «هذا» ببعديّة)
وهذه نسخة هدنة بين ملكين متكافئين دون تقرير شيء من الجانبين، كتب بها الفقيه المحدّث أبو الرّبيع بن سالم «2» من كتّاب الأندلس، في عقد صلح على بلنسية وغيرها من شرق الأندلس؛ وهي:
وبعد، فهذا كتاب موادعة أمضى عقدها والتزمه، وأبرم عهدها وتممه، فلان لملك أرغون، وقومط برجلونة «3» ، (ويرنسب مقت بشلى، حافظة)«4» بن
بطرة «1» ، بن أدفونش «2» ، بن ريموند، أدام الله كرامته بتقواه له خاتما وعنوانا، المعهود صدوره في أمثالها من المراوضات الصّلحيّة تضرّعا وإعلانا، متضمّنا من الإحالة في عقد المسالمة عليه، والتّفويض في إبرام أسبابها والتزام فصولها وأبوابها إليه، ما أوجب صحيح النّظر، وصريح الرّأي المعتبر، مقاربة فيه، وموافقة منه على ما يحفظ حقّ المسلمين ويوفّيه، جنوحا منه إلى ما جنح إليه من ذلك متقاضيه، وتحرّيا للعمل على شاكلة الصّواب والإيثار لما يقتضيه، بعد محاولات بلغ منها النّظر غايته من الاجتهاد، وإراغات قرن بها من استخارة الله تعالى واستنجاده ما رضي فيه من فضله العميم معهود التّسديد والإنجاد، فأجلى ذلك عن إمضاء عهد السّلم لملك ارغون «3» على بلنسية وكافّة جهاتها أطرافا ومواسط، وثغورا وبسائط، وكذلك شاطبة ودانية، وما ينتظم معهما من أحوازهما ويرجع إلى حكم بلنسية، وحالها من الجهة النّائية والدانية، لمدّة عامين اثنين، ويحقّق عدده، أن نفتتحه، بيوم الأحد الرابع والعشرين لشهر نوبر «4» ، الموافق لعاشر ذي القعدة المؤرّخ به
هذا الكتاب، الذي هو من عام أحد وعشرين وستّمائة بتاريخ الهجرة- مسالمة تضع بها الحرب بين الجانبين أوزارها، وتمهّد للهدنة بين الطائفتين آثارها، وترفع (اللبنة)«1» عمن ذكر من الملّتين أذيّتها وأضرارها، البرّ والبحر في ذلك سيّان، والمساترة فيها بالأذى والمجاهرة ممنوعان، وحقيقة اللّازم من ذلك غنيّ ببيانه ووضوحه عن الإيضاح والتّبيان؛ لا التباس ولا إشكال، ولا غائلة ولا احتيال؛ ليس إلّا الأمن الكافل لكافّة من تشتمل عليه كافّة المواضع المذكورة من المسلمين، ومن تحويه بلاد ملك أرغون من الطّوائف أجمعين. وكلّ منتم إلى خدمة هذه المملكة الأرغونيّة بما كان من وجوه الانتماء، أو ناظر في جزء منها كائنا ما كان من الأجزاء، فهو في هذا الحكم داخل، وتحت هذا الرّبط الصّلحيّ واصل، ولا حجّة لمن كان له منهم حصن ينفرد به عن هذه المملكة، على ما لهم في ذلك من العوائد المتعارفة.
فإن نقض بجزء منه وذهب إلى أن يكون في حصنه منفردا فهو وما اختار، إذا تنكّب الإضرار؛ فإن رام التّطرّق بشيء إلى أحد الجانبين كان على المسلمين وعلى أهل أرغون التظافر على استنزاله، والتظاهر على قتاله، حتّى يكفّوا ضرره، ويعفّوا أثره.
والحدود الفاصلة بين الجزأين هي أوساط المسافات، على ما عرف من متقدّم المسالمات، ويد كلّ فريق منهم مطلقة فيما وراء حدّه بما شاء، من انتشاء برسم الإصلاح والإنشاء؛ وكلّ من قصد المسلمين من رجال المملكة الأرغونيّة بريئا من تبعة الفساد فقبول قصده مباح، وليس في استخدامه والإحسان إليه جناح؛ والطريق للتّجّار المعهود وصولهم من بلاد أرغون إلى بلنسية في البرّ والبحر مباحة الانتياب، محفوفة بالأمنة التامّة في الجيئة والذّهاب؛ على تجّار البحر منهم أن يتجنّبوا ركوب الأجفان «2» الحربيّة التي
يمكن بها الإضرار، ويستغني عن [ركوبها]«1» التّجّار؛ والاسترهاب مرفوع عن هؤلاء الواصلين برسم التّجارة على اختلافهم، وتباين أصنافهم، فيما لم تجنه أيديهم، ولا كان منسوبا إلى تعدّيهم، وكلّ معتقل من الطائفتين بأدنى شيء يطرّق إلى حكم هذه السّلم خلافا، أو يلحق بعهدها إخلافا، فعلى أهل موضعه الإنصاف ممن جناه، وصرف ما سلبته يداه، وإحضاره مع ذلك ليعاقب بما أتاه. وليس لأحد من الطائفتين أن يتسبّب باسترسال، إلى الإنصاف من جناية حال، بل يقوم بدفع ذلك حيث يحبّ، ويطلبه في الموضع الذي ينبغي فيه الطّلب، حتّى يخاطب الناظر على المملكة التي نسبت إليها هذه الإذاية، وصدرت عن أهلها [تلك]«2» الجناية، بطلب الإنصاف من عدوانها، وتعاد عليه الأعذار في شانها، وعليه- ولا بدّ- التّخليص منها عملا بالوفاء الذي يجب العمل به، وقياما بحقّ العهد الذي أكّد الاعتلاق بسببه، ومتى غادر مغادر من أحد الملّتين حصنا من حصون الأخرى فله الأمن على الكمال، والرّعي الحافظ للنّفس والمال، حتى يلحق بمأمنه، ويعود سالما إلى وطنه.
فعلى هذه الشروط المحقّقة، والرّبوط الموثّقة، انعقد هذا السّلم، وعلى من ذكر من المسلمين وأهل أرغون الحكم؛ وهذا الكتاب ينطق في ذلك بالحقّ اللازم للطائفتين، ويعرب عن حقيقة ما انعقد بين من سمّي من أهل الملّتين، والتزم كلّة عن ملك أرغون النائب عنه بتفويضه إليه، واستنابته إيّاه عليه، الزعيم بطره ابن (فدانف بكدريش)«3» على أتم وجوه الالتزام، وأبرم ذلك ملك أرغون بأوثق علائق الإبرام، وكلّ ذلك بعد أن بيّنت له الفصول المتقدّمة غاية التّبيين وأفهمها حقّ الإفهام، وألزم نفسه مع ذلك وصول كتاب هذا الملك الذي تولّى النّيابة عنه في هذا العقد، مصرّحا