الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى المنثور والمنظوم من أقواله، والتّعجّب من حسن بداهته وسرعة ارتجاله.
وليحتفل كلّ يوم بخدمته غاية الاحتفال، ويعتن بأمره اعتناء لا يشاركه تقصير ولا إهمال، ويرع له حقّ الضّيف الجليل، والقادم الذي إذا رحل عن بلده أبقى له بها الذّكر الجميل، ويساعد على ما توجّه بصدده كلّ ساعة يعود نفعها عليه، وينفق مما آتاه الله ويحسن كما أحسن الله إليه.
ونحن نؤكّد على الجماعة- أيّدهم الله- في ذلك كلّ التأكيد، ونبالغ فيه مبالغة ما عليها من مزيد، ونحذّرهم من الإهمال والتّسويف والتّقصير، ومن مقابلة جنابه الكريم بالنّزر الحقير والقدر اليسير؛ فإكرام هذا الرجل ليس كإكرام من لم يسر بسيره، وما هو إلا لعلمه وفضله وخيره، وقد قال الإمام الشافعيّ رضي الله عنه:«وليس من يكرم لنفسه كالذي يكرم لغيره» .
فلتعظّموه كلّ التعظيم وتنزلوه منزلة تليق بأهل الفضل والإفضال، وترفعوا له المقام وتحفظوا له المقال، ليعود محقّق الآمال مبلّغ المقاصد، ناشرا ألوية الثّناء والمحامد، مشمولا بجميل الصّلة والعائد؛ ونحن منتظرون ما يرد عنه من مكاتباته الكريمة بما وصل إليه من [المنازل]«1» الحسنة.
وفي هممهم العليّة، ومكارمهم السّنيّة، ما يغني عن التأكيد بسببه والوصيّة؛ والله تعالى يديم عليهم سابغ الإفضال والإنعام، ويجمّل بوجودهم وجودهم الأحكام والحكّام، بمنّه وكرمه.
الصنف الرابع (ما يكتب في افتتاحات الكتب)
فمن ذلك ما يكتب في أوائل كتب الأوقاف.
وهذه نسخة خطبة في ابتداء كتاب وقف على مسجد؛ وهي:
الحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه إنه لا يخلف الميعاد، وناصر الدّين المحمّديّ بنبيّنا صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام الأمجاد، ومشرّف هذه الأمّة بالأئمّة والجمعة والجماعات من أهل الرّشاد، وجاعل من ارتضاه من أرباب سنّة نبيّه المختار من عباده العبّاد، وميسّر القربات إليه لأهل السّداد، ومريد الأعمال الصالحات ممّن أخلصه بالطاعات ومزيد الإرفاد، ومفضّل الأوقاف على أفضل وجوه البرّ من جعله للخير أهلا بالنّفع المتعدّي وكثرة الأمداد، ومعظّم الأجر لمن بنى بيتا لله بنيّة خليّة من الرّياء والعناد؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من بنى مسجدا لله ولو كمفحص «1» قطاة بنى الله تعالى له به قصرا في الجنّة» ونرجو من كرم الله الازدياد.
أحمده على موادّ نعمه التي جلّت عن التّعداد، وأشكره شكرا وافيا وافرا نجعله ذخيرة ليوم التّناد، وأستمدّ من اللّطف لوازم الفضل الخفيّ وهو الكريم الجواد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله الخاتم الحائم على حوضه الورّاد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما أصغي إلى الذّكر وأجيب كلّ داع من حاضر أو باد.
وبعد، فلمّا كانت المثوبات مضمونة الأجر عند الكريم، والأعمال متعدّدة في التّقديم، وكان بنيان المساجد وافرا أجرا، لمن أقام بواجب تبيان الظّنّ الجميل وسدّد إلى الخيرات سيرا؛ وقد قال تعالى:«أنا عند حسن ظنّ عبدي بي فليظنّ بي خيرا» «2» ، ورأى العقلاء أنّ الأوقاف على المساجد والجوامع من أنفس قواعد الدّين وأعلى- فلذلك قيل في هذا الإسجال المبارك:
هذا ما وقفه وحبّسه، وسبّله وأبّده فلان. وقف وحبّس رغبة في مزيد الثّواب، ورجاء في تهوّن تهويل يوم الحساب، واغتناما للأجر الجزيل من
الكريم الوهّاب، لقول الله تعالى في الآيات المبرورة: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً
«1» . وقف بنيّة خالصة، وعزيمة صالحة، ونيّة صادقة، ما هو له وفي ملكه، وحوزه ويده وتصرّفه، من غير مناظر له في ذلك ولا شريك، (ثم يذكر الوقف) .