الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المذهب الثالث (أن تفتتح المهادنة بخطبة مبتدأة ب «الحمد لله» )
وعلى هذا بنى صاحب «موادّ البيان» «1» أمره في كتابة الهدنة، حيث قال: والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على الهداية إلى دين الإسلام الذي أذلّ كلّ دين وأعزّه، وخذل كلّ شرع ونصره، وأخفى كلّ مذهب وأظهره، والتّوغّل في توحيده، وتقديسه وتمجيده، والثّناء عليه بآلائه، والصلاة على خير أنبيائه، محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت: ولم يأت بصورة هدنة منتظمة على هذا الترتيب، بل أشار إلى كيفيّة عملها. ثم قال: والبليغ يكتفي بقريحته في ترتيب هذه المعاني إذا دفع إلى الإنشاء فيها، إن شاء الله تعالى. ولم أقف لغيره على صورة هدنة مفتتحة بالتحميد، ولا يخفى أن الابتداء به في كلّ مهمّ من العهود وجلائل الولايات ونحو ذلك هو المعمول عليه في زماننا.
الطرف الثاني (فيما يشارك فيه ملوك الكفر ملوك الإسلام في كتابة نسخ من دواوينهم)
اعلم أنّ الغالب في الهدن الواقعة بين ملوك الديار المصرية وبين ملوك الكفر أن تكتب نسخة تخلّد بديوان الإنشاء بالدّيار المصرية، ونسخة تجهّز إلى الملك المهادن. وربّما كتبت نسخة من ديوانه مفتتحة بيمين.
وهذه نسخة هدنة «2» وردت من جهة الأشكري، صاحب القسطنطينيّة في شهر رمضان سنة ثمانين وستمائة؛ مؤرّخة بتاريخ موافق لأواخر المحرّم من السّنة المذكورة، فعرّبت فكانت نسختها على ما ذكره ابن مكرّم في «تذكرته» :
إذ قد أراد السلطان العظيم، النّسيب، العالي، العزيز، الكبير الجنس، الملك، المنصور، سيف الدّين «قلاوون» صاحب الديار المصرية ودمشق وحلب، أن يكون بينه وبين مملكتي محبّة- فمملكتي تؤثر ذلك، وتختار أن يكون بينها وبين عزّ سلطانه محبّة. ولهذا وجب أن يتوسّط هذا الأمر يمين واتّفاق: لتدوم المحبّة التي بهذه الصّورة فيما بين مملكتي وعزّ سلطانه ثابتة بلا تشويش. فمملكتي [من]«1» هذا اليوم، وهو يوم الخميس الثامن من شهر أيار من التاريخ [الرومي] التابع «2» لسنة ستة آلاف وسبعمائة وتسع وثمانين لآدم- تحلف بأناجيل الله المقدّسة، والصّليب المكرّم المحيّى، أنّ مملكتي تكون حافظة للسّلطان العظيم، النّسيب، العالي، العزيز، الكبير الجنس، سيف الدّين «قلاوون» صاحب الدّيار المصرية ودمشق وحلب، ولولده «3» ولوارث ملك عزّ سلطانه: محبّة مستقيمة، وصداقة كاملة نقيّة، ولا يحرّك ملكي أبدا على عزّ سلطانه حربا، ولا على بلاده ولا على قلاعها، ولا على عساكره، ولا يتحرّك ملكي أبدا على حربه «4» ، بحيث إنّ هذا السّلطان العظيم، النّسيب، العالي، العزيز، الكبير الجنس، الملك المنصور سيف الدّين «قلاوون» صاحب الدّيار المصرية ودمشق وحلب، يحفظ مثل ذلك لمملكتي ولولد مملكتي الحبيب (الكمينوس، الانجالوس، الدوقس، البالا ولوغس، الملك ايرلنك)«5» ، ولا يحرّك عزّ سلطانه على مملكتنا حربا قطّ، ولا على بلادنا، ولا على قلاعنا، ولا على عساكرنا، ولا يحرّك أحدا آخر أيضا على حرب مملكتنا، وأن تكون الرّسل
المتردّدون عن عزّ سلطانه أيضا مطلقا [آمنين، لهم]«1» أن يعبروا في بلاد مملكتي بلا مانع ولا عائق، ويتوجّهوا إلى حيث يسيرون من عزّ سلطانه، وكذلك يعودون إلى عزّ سلطانه، وأن لا يحصل للتّجّار الواردين من بلاد عزّ سلطانه [ضرر]«2» من بلاد مملكتي، ولا يحذرون من أحد جورا ولا ظلما، بل يكون لهم مباحا أن يعملوا متاجرهم. (ونظير هذا- التّجّار الواردون إلى بلاد عزّ سلطانه من أهل بلاد ملكي، يقومون بالحقّ الواجب على بضائعهم، وليقم)«3» كذلك التّجّار الواردون من بلاد عزّ سلطانه إلى بلاد ملكي بالحقّ الواجب على بضائعهم. وإن حضر من بلاد «سوداق» تجّار وأرادوا السّفر إلى بلاد عزّ سلطانه، فلا ينال هؤلاء تعويق في بلاد ملكي، بل في عبورهم وعودهم يكونون بلا مانع ولا عائق بعد القيام بالحقّ الواجب. وهؤلاء التّجّار الذين من بلاد عزّ سلطانه والذين من أهل سوداق إن حضر صحبتهم مماليك وتجّار «4» ، فليعودوا بهم إلى بلاد عزّ سلطانه بلا عائق ولا مانع، ما خلا إن كانوا نصارى، لأنّ شرعنا وترتيب مذهبنا «5» لا يسمح لنا في أمر النّصارى بهذا.
وأمّا إن كان في بلاد عزّ سلطانه مماليك نصارى: روم وغيرهم من أجناس النّصارى، متمسّكون بدين النصارى، ويحصل لقوم منهم العتق، فليكن للذين معهم عتائق مباح ومطلق من عزّ سلطانه، أن يفدوا في البحر إلى بلاد مملكتي. وكذلك إن أراد أحد من أهل بلاد عزّ سلطانه أن يبيع مملوكا نصرانيّا هذه صورته لأحد من رسل مملكتي، أو لتجّار وأناس بلاد
مملكتي، أن لا يجد في هذا تعويقا، بل يشتروا المذكور ويفدوا به في البحر إلى بلاد مملكتي بلا عائق. وأيضا إن أراد هذا السلطان العظيم النّسيب، أن يرسل إلى بلاد ملكي بضائع متجرا، وأرادت مملكتي أن ترسل إلى بلاد عزّ سلطانه بضائع متجرا، فليكن هكذا: وهو إن أراد عزّ سلطانه أن تكون بضائع متاجره في بلاد ملكي منجّاة من القيام بكلّ الحقوق، فلتكن أيضا بضائع متاجر مملكتي في بلاد عزّ سلطانه منجّاة مثل ذلك من كلّ الحقوق، وإن أراد أن تقوم متاجر ملكي في بلاده بالحقوق الواجبة [يقوم] بمثل ذلك. وأيضا أن يطلق عزّ سلطانه لملكي أن يرسل أناسا من بلاد مملكتي إلى بلاد عزّ سلطانه، فيشترون «1» لي خيلا جيادا ويحملونها إلى بلاد ملكي. وكذلك إن أراد عزّ سلطانه شيئا من خيرات بلاد ملكي، فمملكتي أيضا تطلق لعزّ سلطانه أن يرسل أناسه ليشتروه ويحملوه إلى عزّ سلطانه.
ولمّا كان في البحر «كرسالية» «2» من بلاد غريبة، وقد يتّفق في بعض الأوقات أن يعملوا خسارة في بلاد ملكي، وكذلك يجدون هؤلاء «الكرسالية» قوما من بلاد عزّ سلطانه فيعملون لهم خسارة، ثم إنّ هؤلاء «الكرسالية» يفعلون هذا في الآفاق في تخوم بلاد ملكي، لأجل هذا صار: إذا حضر قوم من بلاد مملكتي إلى بلاد عزّ سلطانه بمتجر يمسكون من أهل بلاد عزّ سلطانه ويغرّمون. ولهذا فليصر مرسوم من عزّ سلطانه في كلّ بلاده أن أحدا من أهل بلاد مملكتي لا يغرّم بهذا السّبب ولا يمسك، وإن عرض أن يقول أحد من أهل بلاد عزّ سلطانه: إن غرّم أو ظلم من أهل بلاد ملكي فليعرّف ملكي بذلك. وإذا كان الذي وضع الغرامة من أهل بلاد ملكي، فملكي يأمر، وتعاد تلك الخسارة إلى بلاد عزّ سلطانه. وكذلك إن قال أحد من أهل بلاد مملكتي: إنه ظلم أو غرّم من أحد من بلاد عزّ سلطانه، يأمر عزّ سلطانه، وتعاد
الغرامة إلى بلاد ملكي. وأيضا إذ قد أزمعت المحبّة أن نصير بهذه الصّورة، وتكون الصّداقة بين مملكتي وعزّ سلطانه خالصة، حتّى إنه أرسل يقول لملكي على معونة ونجدة ملكي في البحر لمضرّة العدوّ المشترك، فمملكتي تفوّض هذا الأمر إلى اختيار عزّ سلطانه، أن يرتب في نسخة اليمين مع بقيّة الفصول المعيّنة فيه، وتأتي الصورة كيف تعين وتنجد مملكتي في البحر. وإن كان لا يريد نجدة ومعونة مملكتي، فمملكتي تسمح بهذا الفصل أن لا يضعه عزّ سلطانه في نسخة يمينه، وهذه اليمين منا بحفظ ملكي لعزّ سلطانه ثابتة غير متزعزعة إن كان هذا السلطان العظيم يحلف لي يمينا بمثلها، وأنه يحفظ المحبّة لمملكتنا، ثابتة غير متزعزعة، والسّلام.
وهذه نسخة اتّفاق، كتبت من الأبواب السلطانية عن الملك المنصور «قلاوون» عن نظير الهدنة المتقدّمة، الواردة من قبل صاحب القسطنطينيّة، مفتتحة بيمين موافقة لها، وهي:
أقول وأنا فلان: إنه لما رغب حضرة الملك الجليل، كرميخائيل، الدوقس، الأنجالوس، الكمينيوس، البالا ولوغس، ضابط مملكة الرّوم والقسطنطينيّة العظمى، أكبر ملوك المسيحيّة، أبقاء الله- أن يكون بين مملكته وبين عزّ سلطاني، محبة وصداقة ومودّة لا تتغيّر بتغيّر الأيام، ولا تزول بزوال السّنين والأعوام، وأكّد ذلك بيمين حلف عليها، تاريخها يوم الخميس ثامن شهر أيار سنة ستة آلاف وسبعمائة وتسع وثمانين لآدم، صلوات الله عليه، بحضور رسول عزّ سلطاني، الأمير ناصر الدّين بن الجزريّ، والبطرك الجليل «أنباسيوس» بطرك الاسكندرية، وحضر رسولاه فلان وفلان إلى عزّ سلطاني بنسخة اليمين، ملتمسين أن يتوسّط هذا الأمر أيضا يمين واتفاق من عزّ سلطاني، لتدوم المحبّة فيما بين مملكته وعزّ سلطاني، وتكون ثابتة مستمرّة على الدّوام والاستمرار.
فعزّ سلطاني من هذا اليوم، وهو يوم الاثنين مستهلّ رمضان المعظم،
سنة ثمانين وستّمائة للهجرة النّبويّة المحمّديّة، على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام، يحلف بالله العظيم، الرّحمن الرّحيم، عالم الغيب والشّهادة، والسّرّ والعلانية وما تخفي الصّدور، وبالقرآن العظيم، وبمن أنزله، وبمن أنزل عليه، وهو النّبيّ الكريم، محمد صلى الله عليه وسلم على استمرار الصّداقة، واستقرار المودّة النّقيّة، للملك الجليل كريمخائيل، ضابط مملكة الرّوم والقسطنطينيّة العظمى، ولولد مملكته الحبيب الكمينيوس الانجالوس، الدّوقس، البلا ولوغس، الملك إير إندرو بنفوس «1» ولوارثي مملكة ملكه، ولا يحرّك عزّ سلطاني أبدا على مملكته حربا، ولا على بلاده، ولا على قلاعه، ولا على عساكره، في برّ ولا بحر، ولا يحرّك عزّ سلطاني أحدا آخر على حربه، بحيث إن الملك الجليل «كرميخائيل» يحفظ مثل ذلك لعزّ سلطاني، ولملكي، ولبلادي، ولقلاعي، ولعساكري، ولولدي، السّلطان الملك الصالح علاء الدين «عليّ» ولوارثي ملكي من أولادي، ويستمرّ على هذه الصداقة والمودّة النّقيّة، ولا يحرّك ملكه على عزّ سلطاني حربا قطّ، ولا على بلادي، ولا على قلاعي، ولا على عساكري، ولا على مملكتي، ولا يحرّك أحدا آخر على حرب مملكة عزّ سلطاني في البرّ ولا في البحر، ولا يساعد أحدا من أضداد عزّ سلطاني، ولا أعدائي من سائر الأديان والأجناس، ولا يوافقه على ذلك، ولا يفسح لهم في العبور إلى مملكة عزّ سلطاني لمضرّة شيء فيها بجهده وطاقته.
وأن الرسل المسيّرين من مملكة عزّ سلطاني إلى برّ «بركة» وأولاده وبلادهم وتلك الجهات، وبحر «سوداق» وبرّه، يكونون آمنين مطمئنّين مطلقا: لهم أن يعبروا في بلاد مملكة الملك الجليل، كرميخائيل من أوّلها إلى آخرها، بلا مانع ولا عائق: أرسلوا في برّ أو بحر، على ما تقتضيه مصلحة ذلك الوقت لمملكة عزّ سلطاني، آمنين مطمئنّين، غير ممنوعين
بجميع من يصل معهم من رسل تلك الجهات وغيرها، وكلّ من معهم من مماليك وجوار وغير ذلك. وأن لا يحصل للتّجّار الواردين من مملكة الملك الجليل كرميخائيل إلى بلاد عزّ سلطاني جور ولا ظلم، ويترددون آمنين مطمئنّين يعملون متاجرهم، ولهم الرّعاية في الصّدور والورود، والمقام والسّفر، بحيث يكون لتجّار مملكة عزّ سلطاني في بلاد مملكة الملك الجليل كرميخائيل مثل ذلك، ويكونون مرعيّين، لا يجدون من أحد في بلاد مملكة الملك الجليل كرميخائيل جورا ولا ظلما. ومن عليه حقّ واجب في الجهتين على ما استقرّ عليه الحال، يقوم به من غير حيف ولا ظلم.
وأنّ من حضر من التّجّار: من سوداق وغيرها بمماليك وجوار تمكّنهم مملكة الملك الجليل كرميخائيل من الحضور بهم إلى مملكة عزّ سلطاني ولا تمنعهم. وأن الكرسالية متى تعرّضوا إلى أخذ أحد من التّجار المسلمين في البحر، ونسبت الكرسالية إلى رعيّة مملكة الملك الجليل كرميخائيل، يسيّر عزّ سلطاني إليه في طلبهم، ولا يتعرض أحد من نوّاب مملكة عزّ سلطاني إلى هذا الجنس بسببهم، إلا أن يتحقّق أنهم آخذون، أو تظهر عين المال معهم، على ما تضمّنته نسخة يمين الملك الجليل كرميخائيل؛ ولمملكة الملك الجليل كرميخائيل من بلاد عزّ سلطاني مثل ذلك.
وعلى أنّ الرسل المتردّدين من الجهتين: من مملكة عزّ سلطاني، ومن مملكة الملك الجليل كرميخائيل، يكونون آمنين مطمئنّين في سفرهم ومقامهم: برّا وبحرا، وتكون رعيّة بلاد عزّ سلطاني، ورعية بلاد الملك الجليل كرميخائيل، في الجهتين من المسلمين وغيرهم آمنين مطمئنّين، صادرين واردين، محترمين مرعيّين. وهذه اليمين لا تزال محفوظة ملحوظة، مستمرّة مستقرّة، على الدّوام والاستمرار.
قلت: وهذه النّسخة الواردة من صاحب القسطنطينيّة المتقدّمة عليها، وإن عبّر عنهما في خلالهما بلفظ اليمين، فإنهما بعقد الصّلح أشبه، واليمين جزء من أجزاء ذلك، ولذلك أوردتها في عقود الصّلح دون الأيمان.