المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس (في العمرات التي تكتب للحاج) - صبح الأعشى في صناعة الإنشا - ط العلمية - جـ ١٤

[القلقشندي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع عشر]

- ‌[تتمة المقالة التاسعة]

- ‌الباب الرابع من المقالة التاسعة (في الهدن الواقعة بين ملوك الإسلام وملوك الكفر؛ وفيه فصلان)

- ‌الفصل الأوّل في أصول تتعيّن على الكاتب معرفتها؛ وفيه ثلاثة أطراف

- ‌الطرف الأوّل (في بيان رتبتها ومعناها، وذكر ما يرادفها من الألفاظ)

- ‌الطرف الثاني (في أصل وضعها)

- ‌الطرف الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة الهدن)

- ‌النوع الأوّل (ما يختص بكتابة الهدنة بين أهل الإسلام وأهل الكفر)

- ‌النوع الثاني (ما تشترك فيه الهدن الواقعة بين أهل الكفر والإسلام، وعقود الصّلح الجارية بين زعماء المسلمين؛ وهي ضربان)

- ‌الضرب الأوّل (الشروط العادية التي جرت العادة أن يقع الاتّفاق عليها بين الملوك في كتابة الهدن خلا ما تقدّم)

- ‌الضرب الثاني (مما يلزم الكاتب في كتابة الهدنة- تحرير أوضاعها، وترتيب قوانينها، وإحكام معاقدها)

- ‌الطرف الأوّل (فيما يستبدّ ملوك الإسلام فيه بالكتابة عنهم- وتخلّد منه نسخ بالأبواب السلطانية، وتدفع منه نسخ إلى ملوك الكفر)

- ‌النّمط الأوّل (ما يكتب في طرّة الهدنة من أعلى الدّرج)

- ‌النّمط الثاني (ما يكتب في متن الهدنة، وهو على نوعين)

- ‌النوع الأوّل (ما تكون الهدنة فيه من جانب واحد)

- ‌المذهب الأوّل (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «هذا ما هادن عليه»

- ‌المذهب الثاني (أن تفتتح المهادنة قبل لفظ «هذا» ببعديّة)

- ‌النوع الثاني (من الهدن الواقعة بين ملك مسلم وملك كافر- أن تكون الهدنة من الجانبين جميعا)

- ‌المذهب الأوّل (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «هذه هدنة» ونحو ذلك)

- ‌المذهب الثاني (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «استقرّت الهدنة بين فلان وفلان» ويقدّم فيه ذكر الملك المسلم)

- ‌المذهب الثالث (أن تفتتح المهادنة بخطبة مبتدأة ب «الحمد لله» )

- ‌الطرف الثاني (فيما يشارك فيه ملوك الكفر ملوك الإسلام في كتابة نسخ من دواوينهم)

- ‌الباب الخامس من المقالة التاسعة (في عقود الصّلح الواقعة بين ملكين مسلمين؛ وفيه فصلان)

- ‌الفصل الأوّل (في أصول تعتمد في ذلك)

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس من المقالة التاسعة (فيما جرت العادة بكتابته بين الخلفاء وملوك المسلمين على تعاقب الدول؛ ممّا يكتب في الطّرّة والمتن)

- ‌النوع الأوّل (ما يكون العقد فيه من الجانبين)

- ‌النوع الثاني (ممّا يجري عقد الصّلح فيه بين ملكين مسلمين- ما يكون العقد فيه من جانب واحد)

- ‌المذهب الأوّل (أن يفتتح عقد الصّلح بلفظ: «هذا» كما في النوع السابق)

- ‌المذهب الثاني (أن يفتتح عقد الصّلح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» وربّما كرّر فيها التحميد إعلاما بعظيم موقع النّعمة)

- ‌الباب السادس من المقالة التاسعة (في الفسوخ الواردة على العقود السابقة؛ وفيه فصلان)

- ‌الفصل الأوّل (الفسخ؛ وهو ما وقع من أحد الجانبين دون الآخر)

- ‌الفصل الثاني المفاسخة؛ وهي ما يكون من الجانبين جميعا

- ‌المقالة العاشرة في فنون من الكتابة يتداولها الكتّاب وتتنافس في عملها، ليس لها تعلّق بكتابة الدّواوين السلطانية ولا غيرها؛ وفيها بابان

- ‌الفصل الأوّل في المقامات

- ‌الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (في الرّسائل)

- ‌الصنف الأوّل (منها الرّسائل الملوكيّة؛ وهي على ضربين)

- ‌الضرب الأوّل (رسائل الغزو؛ وهي أعظمها وأجلّها)

- ‌الضرب الثاني (من الرسائل الملوكية رسائل الصّيد)

- ‌الصنف الثاني (من الرسائل ما يرد منها مورد المدح والتّقريض)

- ‌[الخصلة الاولى] أوّلها: العلم بموقع النّعمة من المنعم عليه

- ‌والخصلة الثانية: الحرّيّة الباعثة على حبّ المكافأة

- ‌والخصلة الثالثة: الدّيانة بالشّكر

- ‌والخصلة الرابعة: وصف ذلك الإحسان باللّسان البيّن

- ‌الصنف الثالث (من الرسائل المفاخرات؛ وهي على أنواع)

- ‌الصّنف الرابع

- ‌[الصّنف الخامس]

- ‌الفصل الثالث من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (في قدمات البندق)

- ‌الفصل الرابع من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (في الصّدقات؛ وفيه طرفان)

- ‌الطرف الأوّل (في الصّدقات الملوكيّة وما في معناها)

- ‌الطرف الثاني (في صدقات الرّؤساء والأعيان وأولادهم)

- ‌الفصل الخامس من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب مما جرت العادة بمراعاة النّثر المسجوع فيه، ومحاولة الفصاحة والبلاغة؛ وفيه طرفان)

- ‌الطرف الأوّل (فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب؛ ثم هو على صنفين)

- ‌الصنف الأوّل (الإجازات بالفتيا والتّدريس والرّواية وعراضات الكتب ونحوها)

- ‌الصنف الثاني (التّقريضات التي تكتب على المصنّفات المصنّفة والقصائد المنظومة)

- ‌الطرف الثاني (فيما يكتب عن القضاة؛ وهو على أربعة أصناف)

- ‌الصنف الأوّل (التقاليد الحكميّة؛ وهي على مرتبتين)

- ‌المرتبة الأولى (أن تفتتح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» )

- ‌[المرتبة الثانية]

- ‌الصنف الثاني (إسجالات العدالة)

- ‌الصنف الثالث (الكتب إلى النّوّاب وما في معناها)

- ‌الصنف الرابع (ما يكتب في افتتاحات الكتب)

- ‌الفصل السادس (في العمرات التي تكتب للحاجّ)

- ‌الباب الثاني من المقالة العاشرة في الهزليّات

- ‌الخاتمة في ذكر أمور تتعلق بديوان الإنشاء غير أمور الكتابة وفيها أربعة أبواب

- ‌الباب الأوّل في الكلام على البريد؛ وفيه فصلان

- ‌الفصل الأوّل في مقدمات يحتاج الكاتب إلى معرفتها؛ ويتعلّق الغرض من ذلك بثلاثة أمور

- ‌الأمر الأوّل (معرفة معنى لفظ البريد لغة واصطلاحا)

- ‌الأمر الثاني (أوّل من وضع البريد وما آل إليه أمره إلى الآن)

- ‌الأمر الثالث (بيان معالم البريد)

- ‌الفصل الثاني من الباب الأوّل من الخاتمة في ذكر مراكز البريد

- ‌المقصد الأوّل (في مركز قلعة الجبل المحروسة بالديار المصرية التي هي قاعدة الملك، وما يتفرّع عنه من المراكز، وما تنتهي إليه مراكز كلّ جهة)

- ‌المقصد الثاني (في مراكز غزّة وما يتفرّع عنه من البلاد الشامية)

- ‌المقصد الثالث (في ذكر دمشق وما يتفرّع عنه من المراكز الموصّلة إلى حمص وحماة وحلب، وإلى الرّحبة، وإلى طرابلس، وإلى جعبر، ومصياف وبيروت وصيدا وبعلبكّ والكرك وأذرعات)

- ‌المقصد الرابع (من مركز حلب وما يتفرّع عنه من المراكز الواصلة إلى البيرة وبهسنى وما يليهما، وقلعة المسلمين المعروفة بقلعة الرّوم، وآياس، مدينة الفتوحات الجاهانية، وجعبر)

- ‌المقصد الخامس (في مركز طرابلس وما يتفرّع عنه من المراكز الموصّلة إلى جهاتها)

- ‌المقصد السادس (في معرفة مراحل الحجاز الموصّلة إلى مكّة المشرّفة والمدينة النّبويّة، على ساكنها سيدنا محمد أفضل الصلاة والسّلام والتحية والإكرام، إذ كانت من تتمّة الطّرق الموصّلة إلى بعض أقطار المملكة)

- ‌الطريق إلى المدينة النّبويّة (على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام)

- ‌الباب الثاني من الخاتمة في مطارات الحمام الرّسائليّ، وذكر أبراجها المقرّرة بطرق الديار المصرية والبلاد الشّاميّة، وفيه فصلان

- ‌الفصل الأوّل في مطاراته

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني من الخاتمة في أبراج الحمام المقرّرة لإطارتها بالديار المصرية والبلاد الشّاميّة

- ‌الأبراج الاخذة من قلعة الجبل المحروسة إلى جهات الديار المصرية

- ‌الأبراج الآخذة من قلعة الجبل إلى غزّة

- ‌الأبراج الآخذة من غزّة وما يتفرّع عنها

- ‌الأبراج الآخذة من دمشق وما يتفرّع عنها

- ‌الأبراج الاخذة من حلب وما يتفرّع عنها

- ‌الباب الثالث من الخاتمة في ذكر هجن الثّلج والمراكب المعدّة لحمل الثّلج الذي يحمل من الشام إلى الأبواب السلطانية بالديار المصريّة؛ وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأوّل (في نقل الثّلج)

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث من الخاتمة في المراكب المعدّة لنقل الثّلج من الشام

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث من الخاتمة في الهجن المعدّة لنقل ذلك

- ‌الباب الرابع من الخاتمة في المناور والمحرقات؛ وفيه فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المناور

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع من الخاتمة: في المحرقات

- ‌المصادر والمراجع المستعملة في الحواشي

- ‌[فهرس]

الفصل: ‌الفصل السادس (في العمرات التي تكتب للحاج)

‌الفصل السادس (في العمرات التي تكتب للحاجّ)

وهذه نسخة عمرة اعتمرها أبو بكر بن محمد الأنصاريّ الخزرجيّ، عند مجاورته بمكّة المشرفة في سنة سبع، وسنة ثمان، وسنة تسع، وسنة عشر وسبعمائة، للسلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» ؛ وهي:

الحمد لله الذي جعل البيت مثابة للناس وأمنا، وأمّن من فيه بالقائم بأمر الله ومن هو للإسلام والمسلمين خير ناصر، وجعله ببكّة «1» مباركا، ووضع الإصر بمن كثرت منه ومن سلفه الكريم على الطّائفين والعاكفين الأواصر، وعقد لواء الملك بخير ملك وهو واحد في الجود ألف في الوغى:

ففي حالتيه تعقد عليه الخناصر، وأطاب المقام في حرم الله تعالى وحرم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن يستحقّ السّلطنة بذاته الشريفة وشرف العناصر، وسهل الطّريق، إلى حجّ بيته العتيق، من المشارق والمغارب في دولة من أجمعت القلوب على محبّته وورث الملك كابرا عن كابر، وأنطق الألسنة

ص: 398

بالدعاء له من كلّ وافد إلى بيته الحرام على اختلاف لغاتهم واهتزّت لوصف مناقبه المنابر.

أحمده على ما بلّغ من جزيل إنعامه، وأشكره شكرا أستزيد به من فضله ونواله وإكرامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم الذّخيرة لصاحبها يوم لقائه وعند قيامه، وأقولها خالصا مخلصا ويا فوز من كانت آخر كلامه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف مبعوث إلى الحقّ دعي فجاء بأشرف ملّة، فقال صلى الله عليه وسلم:«عمرة في رمضان تعدل حجّة» صلّى الله عليه وعلى جميع آله وأصحابه خصوصا على خليفته في أمّته المخصوص بالسّبق والمؤازرة والتّصديق، مولانا أبي بكر الصّدّيق، وعلى مظهر الأذان ومصدّق الخطاب، مولانا أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، وعلى من جمع على الأمّة آيات القرآن، مولانا أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، وعلي ابن عمّه، وارث علمه، الجامع لجميع المآثر والمناقب، مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وعلى بقيّة الأنصار والمهاجرة، سادات الدّنيا وملوك الآخرة، وسلّم تسليما كثيرا.

وبعد، فإن الله تعالى مالك الملك يؤتيه من يشاء من عباده، والخير بيده يفيضه على خلقه في أرضه وبلاده؛ فإذا أراد الله تعالى بعباده خيرا نصر ناصرهم ورفع عنهم الغلا، ودفع عنهم العدا، وولّى عليهم خيارهم، فيقيمه من خير أمّة أخرجت للناس، ليذهب عنهم الضّرر ويزيل عنهم الباس، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصف المظلوم من الظّالم ويقيم منار الشّرع المطهّر.

ولما كان مولانا السلطان الأعظم، والشّاهنشاه «1» المعظّم، الملك

ص: 399

النّاصر- خلّد الله سلطانه- قد جمع في المحتد بين طارف وتالد، وورث الملك عن أشرف أخ وأعظم والد، وقامت على استحقاقه للسّلطنة الدلائل، وألفه سرير الملك وعرف فيه من والده ومن أخيه- رحمهما الله تعالى- الشّمائل؛ فهو المالك الذي لم يزل الملك به آهلا ولم يزل له أهلا، والسّيّد الذي لبس حلّة الفخار فلم نجد له في السّؤدد والفخار مثلا، والملك الذي ما بدا لرائيه إلا قيل: بحر طمى أو بدر تجلّى، والمؤيّد الذي خصّه الله تعالى بعلوّ شأنه وارتقائه، ولم يرض مراقد الفراقد لعليائه، والكريم الذي ساد الأوائل والأواخر، وأضفيت عليه حلل المفاخر، والمنصور الذي أعطي على الأعداء قوّة ونصرا، والنّاصر الذي اتّسع مجال نصره فأخذ الكفّار حصرا، وحكمت سيوفه القواضب فوضعت عن الأولياء إصرا، قد خصّه الله تعالى بالعزّ والنّصر كرّة بعد كرّة، وفضّله على سائر ملوك الإسلام بالحجّ وزيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم مرّة بعد مرّة، ومرّة أخرى إن شاء الله تعالى ومرّة ومرّة!!! كم سلك سنن والده وأخيه- رحمهما الله تعالى- بالغزاة فكان له كلّ مشهد مذكور، وعرف تقدّمه وإقدامه فكان أعظم ناصر وأشرف منصور؛ يحمده الله تعالى والناس عن جميل ذبّه عن الإسلام وحميد فعله، واستقلّ الجزيل فينيل الجميل لمن أمّ أبوابه الشريفة فلا يستكثر هذا من مثله؛ ما حملت راياته الشّريفة كتيبة إلا نصرت، ولا وقف بوجهه الكريم في دفع طائفة الكفر إلا كسرت، ولا جهّز عساكره المنصورة إلى قلعة إلا نزل أهلها من صياصيهم، ولا حاصروا ثغرا للكفّار إلا أخذوا بنواصيهم، ولا سيّر سريّة لمواجهة محارب إلا ذلّ على رغمه، ولا نطق لسان الحمد للمجاهد أو سار الشاهد إلّا وقف الحمد على قوله واسمه، فاختاره الله تعالى على علم على العالمين، واجتباه

ص: 400

للذّبّ عن الإسلام والمسلمين، وجعله لسلطانه وارثا، وفي الملك ماكثا، وللقمرين ثالثا، ولأموره سدادا، ولثغور بلاد الإسلام سدّادا، وفوّض إليه القيام بمصالح الإسلام، والنّظر في مصالح الخاصّ والعامّ، وعدق به أمور الممالك والأملاك، وأطلع بسعادته أيمن البروج في أثبت الأفلاك، وحمى الإسلام والمسلمين من كلّ جانب شرقا وغربا، وملأ بمهابته البلاد والعباد رعبا وحبّا، وبسط في البسيطة حكمه وعدله، ونشر على الخلائق حلمه وفضله، وفرض طاعته على جميع الأمم، وجعله سيّدا لملوك العرب والعجم، وأمّن بمهابته كلّ حاضر وباد، ونوّم سكّان الحرمين الشريفين من كنفه في أوطإ مهاد، وسكّن خواطر المجاورين من جميع المخاوف، وصان بالمقام في مكّة الطّائف والعاكف؛ قد حسن مع الله تعالى سيرة وسيرا، ودلّت أيامه الشريفة أنه خير ملك أراد الله تعالى برعيّته خيرا، وراعى الله فيما رعى، وسعى في مصالح الإسلام عالما أن ليس للإنسان إلّا ما سعى.

قد ملأ أعين الرعايا بالطّمأنينة والهجوع، وأمّنهم في أيّامه الشريفة بالرّخاء من الخوف والجوع، وجمع لهم بين سعادة الدّنيا والأخرى، وسهّل لهم الدّخول إلى بيته الحرام برّا وبحرا، وفتح الله تعالى على يديه- خلّد الله تعالى سلطانه- جميع الأمصار، وملأ من مهابته جميع الأقطار:

فسارت مسير الشّمس في كلّ بلدة

وهبّت هبوب الرّيح في القرب والبعد

فوجب على العالمين أن يدعوا لدولته الشريفة المباركة بطول البقاء، و [دوام]«1» العلوّ والارتقاء، ووجب على كلّ من الواصلين إلى بيته الحرام وحضرة قدسه، أن يبتهل بالدعاء له قبل أن يدعو لنفسه، فكيف من هو مملوكه وابن مملوكه ووارث عبوديّته، ومن لم يزل هو ووالده «2» وإخوته في

ص: 401

صدقات والده الشهيد- رحمه الله تعالى- وعميم نعمته، العبد الفقير إلى الله تعالى أبو بكر بن محمد بن المكرّم الأنصاريّ الخزرجيّ، فإنه لم يزل مدّة أيّامه مبتهلا بصالح دعواته، متوسّلا إلى الله تعالى بدوام نصره وطول حياته، طائفا عند مقامه الشريف حول بيته الحرام، والمشاعر العظام.

وأحبّ أن يتحفه بأشرف العبادة فلم يجد أجلّ مقدارا ولا أعظم أجرا، من عمرة يعتمرها عنه ويهدي ثوابها لصحائفه الشريفة ويزيد بذلك فخرا، فقام عنه بعمرتين شريفتين اعتمرهما عنه في رمضان، مكملتين بإحرامهما وتلبيتهما، وطوافهما وسعيهما، يتقرّب بذلك إلى أبوابه الشريفة، ويسأل الله تعالى ويسأل صدقاته الشريفة أن ينعم عليه بنصف معلوم صدقة عليه، وبنصفه لأولاده: ليقضي بقيّة عمره في الثلاثة المساجد، ويخصّه بجزيل الدعاء من كلّ راكع وساجد، وأن يكون ذلك مستمرّا عليه مدّة حياته، وعلى ذرّيّته ونسله وعقبه بعد وفاته، لتشمل صدقات مولانا السلطان- خلّد الله تعالى ملكه- الأحياء والأموات، ويطيب لغلمانه في أيامه الشريفة الممات؛ جعل الله تعالى مولانا السلطان وارث الأعمار، وأجرى بدوام أيّامه الشريفة المقدار، وجعل كلمة الملك باقية في عقبه، وبلّغه من النّصر والظّفر والأجر غاية أربه، وجعل أيّامه كلّها مسارّ وبشائر، ودولته تسرّ النّواظر، وسعادته ليس لها آخر، ويهنّئه بما قد أتمّه الله له من ملك والده الشّهيد رحمه الله تعالى:

[أهنّيك]«1» بالملك يا خير من

أجار البرايا ومن مارها

ومن ليس للأرض ملك سواه

تميل له الخلق أبصارها!

وأنت الذي تملك الخافقين

[ «2» ] وإعصارها

وتملك سيّب تكفورها «3»

وتركب بالجيش أوعارها

ص: 402

وتحكم في المرء حكم الملوك

وتنشد في التّخت أشعارها

وتفتح بغداد دار السّلام

وتنفي بملكك أكدارها

وتأخذ بالعسكر النّاصريّ

قصور الخلافة أوتارها

ويأمن في ذلك العالمون

وتحمي الأسود وأوكارها

وتبقى إلى أن تعمّ البلاد

بنعمى تتابع إدرارها

ويبلغ ملكك أقصى البلاد

وتجري العباد وأوطارها

وينظم سيرتك النّاظمون

وتعيي مغازيك سمّارها

[والله يبقيه]«1» بعدها دائما ناصر الدنيا والإسلام والمسلمين، كما سماه والده ناصر الدّنيا والدّين، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ص: 403