الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطرف الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة الهدن)
قال في «موادّ البيان» : وهذا الفنّ من المكاتبات له من الدّولة محلّ خطير، ومن المملكة موضع كبير؛ ويتعين على الكاتب أن يخلّى له فكره، ويعمل فيه نظره، ويتوفّر عليه توفّرا يحكم مبانيه، ويهذّب معانيه.
والذي يلزم الكاتب في ذلك نوعان:
النوع الأوّل (ما يختص بكتابة الهدنة بين أهل الإسلام وأهل الكفر)
وهي الشروط الشرعية المعتبرة في صحّة العقد بحيث لا يصحّ عقد الهدنة مع إهمال شيء منها. وهي أربعة شروط:
الأوّل- في العاقد. ويختلف الحال فيه باختلاف المعقود عليه: فإن كان المعقود عليه إقليما: كالهند والرّوم ونحوهما، أو مهادنة الكفّار مطلقا، فلا يصحّ العقد فيه إلا من الإمام الأعظم أو من نائبه العامّ المفوّض إليه التّحدّث في جميع أمور المملكة. وإن كان على بعض القرى والأطراف، فلآحاد الولاة المجاورين لهم عقد الصّلح معهم.
الثاني- أن يكون في ذلك مصلحة للمسلمين: بأن يكون في المسلمين ضعف أو في المال قلّة، أو توقّع إسلامهم بسبب اختلاطهم بالمسلمين، أو طمع في قبولهم الجزية من غير قتال وإنفاق مال. فإن لم تكن مصلحة فلا يهادنون بل يقاتلون حتّى يسلموا أو يؤدّوا الجزية إن كانوا من أهلها.
الثالث- أن لا يكون في العقد شرط يأباه الإسلام: كما لو شرط أن يترك بأيديهم مال مسلم، أو أن يردّ عليهم أسير مسلم انفلت منهم، أو شرط لهم على المسلمين مال من غير خوف على المسلمين، أو شرط ردّ مسلمة إليهم، فلا يصحّ العقد مع شيء من ذلك، بخلاف ما لو شرط ردّ الرجل المسلم أو
المرأة الكافرة فإنه لا يمنع الصّحّة. قال الغزالي: وقد جرت العادة أن يقول:
[نهادنكم]«1» على أنّ من جاءكم من المسلمين رددتموه، ومن جاءنا مسلما رددناه. فإن كان في المسلمين ضعف وخيف عليهم، جاز التزام المال لهم دفعا للشّرّ، كما يجوز فكّ الأسير المسلم إذا عجزنا عن انتزاعه.
الرابع- أن لا تزيد مدّة الهدنة عن أربعة أشهر عند قوّة المسلمين وأمنهم، ولا يجوز أن تبلغ سنة بحال؛ وفيما دون سنة وفوق أربعة أشهر قولان للشافعيّ رضي الله عنه، أصحّهما أنه لا يجوز، أما إذا كان في المسلمين ضعف وهناك خوف، فإنه تجوز المهادنة إلى عشر سنين؛ فقد هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكّة عشر سنين كما رواه أبو داود في سننه. ولا تجوز الزيادة عليها على الصحيح؛ وفي وجه تجوز الزيادة على ذلك للمصلحة.
فلو أطلق المدّة فالصحيح من مذهب الشافعيّ أنّها فاسدة؛ وقيل: إن كانت في حال ضعف المسلمين حملت على عشر سنين، وإن كانت في حال القدرة: فقد قيل تحمل على الأقل: وهو أربعة أشهر، وقيل على الأكثر: وهو ما يقارب السنّة. ولو صرّح بالزيادة على ما يجوز عقد الهدنة عليه: فإن زاد على أربعة أشهر في حال القوّة أو على عشر سنين في حال الضّعف صح في المدّة المعتبرة وبطل في الزائد؛ فإن احتيج إلى الزيادة على العشر، عقد على عشر ثم عشر ثم عشر قبل تقضّي الأولى؛ قاله الفورانيّ «2» وغيره من أصحابنا الشافعية. وذهب أصحاب مالك رحمهم الله إلى أن مدّتها غير محدودة، بل يكون موكولا إلى اجتهاد الإمام ورأيه.