الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأرجائها، وأجراه- أجرى الله تعالى الخيرات على يديه- مجرى أمثاله من العدول، ونظمه في سلك الشّهداء أهل القبول، ونصبه بين الناس شاهدا عدلا، إذ كان صالحا لذلك وأهلا.
فليبسط بالشهادة قلمه، وليؤلّف على شروط أدائها كلمه، وليحمد الله تعالى على ما منحه من ملابسها الجميلة، وأناله من التّرقّي لرتبتها الجليلة، وليتّق الله تعالى في موارده ومصادره، وليسلك مسالك التقوى في أوّل أمره وآخره، وليعلم أن من سلك الحقّ نجا، ومن يتّق الله يجعل له مخرجا.
أوزعه الله تعالى شكر هذه الرتبة العلية، والمنزلة السّنيّة.
وتقدّم أمر سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام، العالم، الحافظ، وليّ الدين، الحاكم المذكور، وقاه الله تعالى كلّ محذور، بكتابة هذا الإسجال، فكتب عن إذنه الكريم، متضمّنا لذلك مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية، وأشهد على نفسه الكريمة بذلك في التاريخ المقدّم ذكره بأعاليه، المكتوب بخطّه الكريم- شرفه الله تعالى؛ حسبنا الله ونعم الوكيل.
قلت: والعادة أن يعلّم فيه الحاكم علامة تلو البسملة، ويكتب التاريخ في الوسط، والحسبلة في الآخر، كل ذلك بخطّه، ويشهد عليه فيه من يشهد عليه من كتّاب الحكم وغيرهم، كما في سائر الإسجالات الحكميّة.
الصنف الثالث (الكتب إلى النّوّاب وما في معناها)
واعلم أنّ الكتب التي تكتب عن القضاة ألفاظها مرسلة، لا جنوح فيها إلى فنّ البلاغة والسّجع إلا في القليل النّادر.
وهذه نسخة كتاب كتب به عن قاضي القضاة فخر الدّين الشافعيّ، إلى الحكّام بالمملكة؛ وهو:
أدام الله فضائل الجنابات العالية والمجالس العالية، وجعلهم قادة
يقتدى بهم في القول والعمل، و [ «1» ] الاحتفال من يعتنى بأمره ويحتفل، ولا سيّما من سارت طريقة فضله المثلى في الآفاق سير المثل؛ ولا زال عرف معروفهم على ذوي الفضائل يفوح، وجياد جودهم تغدو في ميدان الإحسان وتروح، ونيل نيلهم يسري إلى القصّاد فيحمد سراه عند الغبوق كما يحمد سراه عند الصّبوح.
هذه المكاتبة إليهم تقريهم سلاما ألطف من النّسيم، وتهدي إليهم ثناء مزاج كاتبه من تسنيم «2» ، وتبدي لعلومهم الكريمة أن الجناب الكريم، العاليّ، الشّيخيّ، الإماميّ، الفاضليّ، البارعيّ، الأوحديّ، الأكمليّ، البليغيّ، المقدّميّ، الخطيبيّ، البهائيّ، أوحد الفضلاء، فخر العلماء، زين الخطباء، قبلة الأدباء، قدوة البلغاء، صفوة الملوك والسلاطين، خطيب الموصل- أدام الله المسرّة به، ووصل الخير بسببه، ونفع بفوائد فضله وأدبه- ورد علينا بطرابلس المحروسة، فحصلت المسرّة بذلك الورود، وتجدّد بخدمته ما تقدم من وثيق العهود، وأبدى لنا من نظره الفائق الرّقيق، وإنشائه المغني عن نشوة الرّحيق، وكتابته التي هي السّحر الحلال على التّحقيق، ما نزّه الأبصار وشنّف الأسماع، وقطع من فرسان الأدب أسباب الأطماع، فأزال عن القلب الكئيب فكرا، وأخجل من الرّوض الأنيق زهرا، وأخمل من المسك السّحيق عطرا؛ وكيف لا؟ وهو النّفيس الذي جمع فيه قديم الأدب وحديثه، والجليس الذي لا يسأم كلامه ولا يملّ حديثه؛ يا له أديبا ليس فيما يبديه من الأدب تحريف ولا غلط، وفاضلا لو لم يكن بحرا لما كان الدّرّ من فيه يلتقط؛ يمينه وفطنته الكريمتان ذواتا أفنان: فهذه إن رقمت طرسا فروح وريحان، أو بذلت برّا فعينان تجريان، وهذه إن نظمت شعرا
فياقوت ومرجان، أو نثرت تبرا فثمين الدّرّ ألوان؛ ما برح الفضلاء إلى لقائه يسارعون، وحقّ لهم أن يسارعوا ومن أبواب معروفه يقتبسون؛ وكيف لا؟
وهو الشّهاب السّاطع، والجليل الذي لم نزل نشير إليه بالأصابع، والنّيل الذي تجري لفراقه من عيون اللّبيب المدامع، والنّزيل الذي ينشده العارف عند وداعه:
بعيشك خبّرني متى أنت راجع
يعرف المحسن إحسانه فينشر له من الثّناء لواء، ويجمل في مدح صفاته ونعوته الإنشاء إن شاء، ويجزل في ذمّ مستحقّ الذّمّ منه الهجاء، فأكرم به مدّاحا وأعظم به هجّاء: العلماء لحضوره يترقّبون، وإليه يتقرّبون، والفضلاء بفضله يعترفون، ومن بحره يغترفون، والأدباء إليه يستبقون، ومنه يقتبسون، والطّلبة بأذيال فضله يتمسّكون، وبنشر أثنيته يتمسّكون، وإخوانه في الله بوجوده يفتخرون، وإلى جوده يفتقرون؛ كلّما عرضت لهم حاجة تمسكوا بإيثاره، وكلّما عاندهم الدّهر سألوه الإمداد بأنصاره، فيجوّد في خدمتهم بيان بنانه، ويجرّد في نصرتهم سيف لسانه.
ثم من قبل أن نبلغ منه الوطر، ومن دون أن يكتفي منه السّمع والبصر، عرفنا أنه قصد التّوجّه إلى البلاد الساحليّة، والأعمال الطّرابلسيّة؛ ليملي على أهلها من فضائله الباهرة الباسقة، وألفاظه التي هي كالدّرر المتناسقة، ويجليهم عرائس الأفكار من أفكاره، ويجنيهم غرائس الأثمار من أشجار علمه، ويريهم البديهة البديعة، والقوافي المجيبة المطيعة.
فليتقدّم الجماعة- أيدهم الله تعالى- بإكرامه إكرام الأهل والأصحاب، وتلقّيه بالبشر والطّلاقة والتّرحاب، وإحلاله من الإحسان محلّا ساميا، وإنزاله من الإفضال منزلا عاليا، والاعتناء الوافر بأمره، واستجلاب بثّ حمده وشكره، والتقاط درر فوائده، واكتساب غرر فرائده، والإصغاء