الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصنف الثاني (إسجالات العدالة)
قد جرت العادة أن أبناء العلماء والرّؤساء تثبت عدالتهم على الحكّام، ويسجّل لهم بذلك، ويحكم الحاكم بعدالة من تثبت عدالته لديه، ويشهد عليه بذلك، ويكتب له بذلك في درج عريض، إمّا في قطع فرخة الشاميّ الكاملة، وإما في نحو ذلك من الورق البلديّ، وتكون كتابته بقلم الرّقاع وأسطره متوالية، وبين كلّ سطرين تقدير عرض أصبع أو نحو ذلك.
قلت: وهذه نسخة سجلّ أنشأته، كتب به لولدي نجم الدّين أبي الفتح محمد، وكتب له بها عند ثبوت عدالته، على الشّيخ العلّامة وليّ الدّين أحمد، ابن الشّيخ الإمام الحافظ زين الدّين عبد الرّحيم العراقيّ، خليفة الحكم العزيز بمصر والقاهرة المحروستين، في شهور سنة ثلاث عشرة وثمانمائة؛ وهي:
الحمد لله الذي أطلع نجم العدالة من سماء الفضائل في أفق معاليها، وأنار بدراريّ العلماء من حنادس الجهالة مدلهمّ لياليها، وكمّل عقود النّجابة من نجباء الأبناء بأغلى جواهرها وأنفس لآليها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترقّي قائلها إلى أرفع الذّرا، ويمتطي منتحلها صهوة الثّريّا: وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بمحاسن الشّيم، والموصوف بكرم المآثر ومآثر الكرم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسّكوا من عرا الدّين بالسّبب الأقوى، وسلكوا جادّة الهداية فحصلوا من أقصى مغيّاها على الغاية القصوى، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فلمّا كانت العدالة هي أسّ الشريعة وعمادها، وركنها الأعظم في الاستناد إلى الصّواب وسنادها، لا تقبل دونها شهادة ولا رواية، ولا يصحّ مع عدمها إسناد أمر ولا ولاية- فقد بنيت الشريعة المطهّرة على أركانها،
واعتمد الرّواة في صحّة الأخبار على أصولها وتعلقت الحكّام في قبول الشهادة بأحضانها، إذ هي الملكة الحاملة على ملازمة التّقوى، والحفيظة المانعة من الوقوع في هوّة البدع المتمسّك بسببها الأقوى، والحكمة الثّانية عن الجماح إلى ارتكاب الكبائر، والعنان الصّارف عن الجنوح إلى الإصرار على الصغائر، والزّمام القائد إلى صلاح أعمال الظواهر وسلامة عقائد الضّمائر.
ولما كان مجلس القاضي الأجلّ، الفقيه، الفاضل، المشتغل، المحصّل، الأصيل، نجم الدّين، سليل العلماء، أبو الفتح محمد بن فلان القلقشنديّ الفزاريّ، الشّافعيّ، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة المحروسة والده، والحاكم بالعمل الفلانيّ وما معهما: أيّد الله تعالى أحكامه، وأقرّ عينه بولده- هو الذي ولد على فراش الدّيانة، وظهرت عليه في الطّفولية آثارها، ونشأ في أحياء الصّيانة، فرويت عنه بالسّند الصحيح أخبارها، وارتضع ثدي العلم حين بزوغ نجمه، وغذيه مع لبان أمّه فامتزج بدمه ولحمه وعظمه، وأعلن منادي نشأته بجميل الذّكر فأغنى فيه عن الاستخبار، ولاحت عليه لوائح النّجابة فقضى له بالكمال قبل أن يبلغ قمر عمره زمن الإبدار: فلم يرد منهل التكليف إلا وقد تزيّن من محاسن الفضائل بأكمل زين، ولم يبلغ مبلغ العلم حتّى صار لوالده- ولله الحمد- قرّة عين- رفعت قصّة مخبرة عن حاله فيها من مضمون السؤال طلب الإذن الكريم بسماع بيّنة المذكور، وكتابة إسجال بعدالته، فشملها الخطّ الكريم العاليّ، المولويّ، القاضويّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الشّيخيّ، المحدّثيّ، الحافظيّ، الحبريّ، المجتهديّ، المحقّقيّ، المدقّقيّ، الوحيديّ، الفريديّ، الحجّيّ، الحججيّ، الخطيبيّ، البليغيّ، الحاكميّ، الجلاليّ، الكنانيّ، البلقينيّ، الشافعيّ، شيخ الإسلام، الناظر في الأحكام الشرعية بالديار المصرية، والممالك الشريفة الإسلامية: أدام الله تعالى أيّامه، وأعزّ أحكامه، وأحسن إليه، وأسبغ نعمه في الدّارين عليه- لسيّدنا العبد الفقير
إلى الله تعالى، الشّيخ الإمام العالم، الحافظ، وليّ الدّين، شرف العلماء، أوحد الفضلاء، مفتي المسلمين، أبي زرعة أحمد ابن سيّدنا العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدّين، شيخ الإسلام، قاضي المسلمين، أبي الفضل عبد الرّحيم، ابن سيّدنا العبد الفقير إلى الله تعالى بدر الدين، شرف العلماء، أوحد الفضلاء، مفتي المسلمين، أبي عبد الله الحسين العراقيّ الشافعيّ، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة ومصر المحروستين، والحاكم بالأعمال المنوفيّة، ومفتي دار العدل الشريف بالديار المصرية: أيّد الله تعالى أحكامه، وأحسن إليه بالنظر في ذلك على الوجه الشّرعيّ.
فحينئذ سمع سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام، العالم، الحافظ، وليّ الدّين، الحاكم المشار إليه: أحسن الله تعالى إليه- البيّنة بتزكيته، وصرّحت له بالشّهادة بعدالته، وقبلها القبول الشرعيّ السائغ في مثله.
ثم أشهد على نفسه الكريمة من حضر مجلس حكمه وقضائه، وهو نافذ القضاء والحكم ماضيهما، وذلك في اليوم المبارك يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شهر رجب الفرد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة- أنّه ثبت عنده وصحّ لديه: أحسن الله إليه- على الوضع المعتبر الشرعيّ، والقانون المحرّر المرعيّ، بالبينة العادلة المرضيّة، التي تثبت بمثلها الحقوق الشّرعيّة- عدالة القاضي الأجلّ، العدل، الرّضيّ، نجم الدين محمد المسمى أعلاه: زاده الله تعالى توفيقا، وسهّل له إلى الخير طريقا، وما اشتمل عليه من صفاتها، وتحلّى به من أدواتها، ثبوتا صحيحا معتبرا، مستوفى الشرائط محرّرا.
وأنه- أيّد الله تعالى أحكامه، وسدّد نقضه وإبرامه- حكم بعدالته، وقبول شهادته، حكما تامّا وجزمه، وقضى فيه قضاء أبرمه، وأذن له- أيّد الله تعالى أحكامه- في تحمّل الشهادة وأدائها، وبسط قلمه في سائر أنديتها