الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجبلا، ونائيا ودانيا، ومن فيها: من ملكها المسمّى وبنيه، وأهله وأمواله، وجنده وعساكره وخاصّ من يتعلّق به وسائره، ورعاياه على اختلاف أنواعهم، وعلى انفرادهم واجتماعهم، البادي والحاضر، والمقيم والسّائر، والتّجّار والسّفّارة، وجميع المتردّدين من [سائر] «1» الناس أجمعين. على أن يكون على فلان كذا و [على فلان] «2» كذا [ويعين ما يعين] «3» : من مال، أو بلاد، أو مساعدة في حرب، أو غير ذلك، يقوم بذلك لصاحبه، وينهض من حقّه المقرّر بواجبه، وعليهما الوفاء المؤكّد المواثيق، والمحافظة على العهد والتّمسّك بسببه الوثيق- هدنة صحيحة، نطقا بها، وتصادقا عليها، وعلى ما تضمّنته المواصفة [المستوعبة بينهما فيها، وأشهدا الله عليهما بمضمونها، وتواثقا على ديونها، وشهد من حضر مقام كلّ منهما على هذه الهدنة وما تضمّنته من المواصفة]«4» ، وجرت بينهما على حكم المناصفة، رأيا فيها سكون الجماع، وغضّ طرف الطّماح.
وعلى أنّ على كلّ منهما رعاية ما جاوره من البلاد والرّعيّة، وحملهم في قضاياهم على الوجوه الشّرعيّة؛ ومن نزح من إحدى المملكتين إلى الأخرى أعيد، وما أخذ منها باليد الغاصبة استعيد؛ وبهذا تم الإشهاد، وقريء على المسامع على رؤوس الأشهاد.
المذهب الثاني (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «استقرّت الهدنة بين فلان وفلان» ويقدّم فيه ذكر الملك المسلم)
وعلى ذلك كانت الهدن تكتب بين ملوك الدّيار المصرية، وبين ملوك الفرنج، المتغلّبين على بعض البلاد الشامية.
وهذه نسخة هدنة على هذا النّمط، دون تقرير من الجانبين، كتبت بين الملك الظّاهر «بيبرس البندقداري» صاحب الدّيار المصرية، وبين الاسبتار «1» بحصن الأكراد والمرقب «2» ، في رابع شهر رمضان سنة خمس وستين وستّمائة؛ وهي:
استقرّت الهدنة المباركة الميمونة بين مولانا السلطان الملك الظّاهر ركن الدّين أبي الفتح «بيبرس» الصّالحيّ النّجميّ، وبين المقدّم الكبير الهمام فلان مقدّم بيت الاسبتار الفلانيّ بعكّا، والبلاد السّاحليّة، وبين فلان مقدّم حصن الأكراد، وبين فلان مقدّم حصن المرقب، وجميع الإخوة الاسبتار، لمدّة عشر سنين متوالية وعشرة أشهر وعشرة أيّام وعشر ساعات:
أوّلها يوم الاثنين رابع رمضان سنة خمس وستّين وستّمائة من الهجرة النّبويّة على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام، الموافق لليوم الثّلاثين من أيّام «3» ..... سنة ألف وخمسمائة وتسعة وسبعين للإسكندر «4» بن فيلبّس اليونانيّ- على أن جميع المملكة الحمصيّة والشّيزريّة «5» والحمويّة وبلاد الدّعوة المباركة، واقع عليها الاتفاق المبارك، ومستقرّة لها هذه الهدنة الميمونة بجميع حدود هذه الممالك المعروفة، وبلادها الموصوفة، وقراها وضياعها، وسهلها وجبلها، وعامرها وغامرها، ومزروعها ومعطّلها
وطرقاتها ومياهها، وقلاعها وحصونها- على ما يفصّل في كلّ مملكة، ويشرح في هذه الهدنة المباركة للمدّة المعيّنة إلى آخرها.
وعلى أن المستقرّ بمملكة حمص المحروسة أنّ جميع المواضع والقرى والأراضي التي من نهر العاصي، وتغرّب إلى الحدّ المعروف من الغرب لبلد المناصفات: عامرا وداثرا، وبما فيها من الغلّات صيفيّا وشتويّا، والعداد «1» وغيرها من الفوائد جميعها- تقرّر أن يكون النّصف من ذلك للسّلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدّين أبي الفتح «بيبرس» ، والنّصف لبيت الاسبتار.
وعلى أن كلّا من الجهتين يجتهد ويحرص في عمارة بلد المناصفات المذكورة بجهده وطاقته، ومن دخل إليها من الفلّاحين بدوابّ، أو من التّركمان، أو من العرب، أو من الأكراد، أو من غيرهم، أو الفناة- كان عليهم العداد كجاري العادة، ويكون النّصف للسلطان، والنّصف لبيت الاسبتار.
وعلى أن الملك الظاهر يحمي بلد المناصفات المقدّم ذكرها من جميع عسكره وأتباعه، وممّن هو في حكمه وطاعته، ومن جميع المسلمين الدّاخلين في طاعته كافّة. وكذلك مقدّم بيت الاسبتار وأصحابه يحمون بلاد مولانا السلطان الدّاخلة في هذه الهدنة.
وعلى أنّ جميع من يتعدّى نهر العاصي مغرّبا لرعي دوابّه: سواء أقام أو لم يقم، كان عليه العداد سوى قناة «2» البلد ودوابّه، ومن يخرج من مدينة حمص ويعود إليها، ومن غرّب منهم ومات كان عليه العداد.
وعلى أن يكون أمر فلّاحي بلد المناصفات في الحبس والإطلاق والجباية راجعا إلى نائب مولانا السلطان، باتّفاق من نائب بيت الاسبتار، على أن يحكم فيه بشريعة الإسلام إن كان مسلما، وان كان نصرانيّا يحكم فيه بمقتضى دولة حصن الأكراد. وأن يكون الفلاحون الساكنون في بلاد المناصفات جميعها مطلقين من السّخر من الجانبين.
وعلى أن الملك الظاهر لا يأخذ في بلد المناصفات المذكورة: من تركمان ولا عرب ولا أكراد ولا غيرهم عدادا ولا حقّا من حقوق بلد المناصفات، إلا ويكون النّصف منه للملك الظاهر، والنّصف الآخر لبيت الاسبتار.
وعلى أن الملك الظاهر لا يتقدّم بمنع أحد من الفلّاحين المعروفين بسكنى بلاد المناصفات من الرّجوع إليها، والسّكن فيها إذا اختاروا العود، وكذلك بيت الاسبتار لا يمنعون أحدا من الفلّاحين المعروفين بسكنى بلاد المناصفات من الرّجوع إليها والسّكن فيها إذا اختاروا العود.
وعلى أن الملك الظاهر لا يمنع أحدا من العربان والتّركمان وغيرهم:
ممّن يؤدّي العداد، من الدّخول إلى بلد المناصفات، إلّا أن يكون محاربا لبعض الفرنج الداخلين في هذه الهدنة، فله المنع من ذلك. وأن تكون خشارات الملك الظاهر وخشارات عساكره وغلمانهم وأهل بلده ترعى في بلد المناصفات آمنة من الفرنج والنّصارى كافّة. وكذلك خشارات بيت الاسبتار وخشارات عسكرهم وغلمانهم وأهل بلدهم ترعى آمنة من المسلمين كافّة في بلد المناصفات. وعند خروج الخشارات من المراعي وتسليمها لأصحابها، لا يؤخذ فيها حقّ ولا عداد ولا تعارض من الجهتين.
وعلى أن تكون مصيدة السّمك الرّوميّة مهما تحصّل منها، يكون النّصف منه للملك الظاهر والنّصف لبيت الاسبتار، وكذلك المصايد التي في الشّطّ الغربيّ من العاصي يكون النّصف منه للملك الظاهر والنصف لبيت
الاسبتار، ويكون لبيت الاسبتار في كلّ سنة خمسون دينارا صوريّة عن القشّ، ويكون القشّ جميعه للملك الظاهر يتصرّف نوّابه فيه على حسب اختيارهم، ويكون اللّينوفر مناصفة: النّصف منه للملك الظاهر والنّصف لبيت الاسبتار. وتقرّر أن الطاحون المستجدّ المعروف بإنشاء بيت الاسبتار، الذي كان حصل الحرب فيه، والبستان الذي هناك المعروف بإنشاء بيت الاسبتار أيضا يكون مناصفة، وأن يكون متولّي أمرهما نائب من جهة نوّاب السلطان ونائب من جهة بيت الاسبتار، يتوليان أمرهما والتّصرّف فيهما وقبض متحصّلهما. وتقرّر أنّ مهما يجدّده بيت الاسبتار على الماء الذي تدور به الطاحون ويسقي البستان من الطواحين والأبنية وغير ذلك، يكون مناصفة بين الملك الظاهر وبين بيت الاسبتار.
وأما المستقرّ بمملكة شيزر المحروسة، فهي شيزر، وأبو قبيس وأعماله، وعينتاب وأعمالها، ونصف زاوية بغراس المعروفة بحماية بيت الاسبتار وأعمالها، وجميع أعمال المملكة الكسروية والبلاد المذكورة بحدودها المعروفة بها، وقراها المستقرّة بها، وسهلها وجبلها وعامرها وغامرها.
وما استقرّ بمملكة الملك المنصور، ناصر الدّين «محمد» بن الملك المظفّر أبي الفتح «محمود» بن الملك المنصور «محمد» بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب فهي: حماة المحروسة وقلاعها ومدنها، والمعرّة وقراها وسهلها وجبلها وأنهارها، ومنافعها وثمارها وعامرها وغامرها؛ وبلاد رقيبة وبلاد بارين «1» . بحدودها وتخومها وعامرها وداثرها وجميع من فيها وما فيها- على أن الملك المنصور لا يرخّص للتّركمان ولا للعرب أن ينزلوا بلد رقيبة وبارين سوى
ثلاثين بيتا يحملون الغلّة لقلعة بارين، وإن أرادوا الزيادة يكون بمراجعة الإخوة الاسبتارية والاتفاق معهم على ذلك.
وعلى أنّه إن تعدّى أحد من أصحابه بأذيّة، أو تعدّى أحد من الفرنجة في بلاده بأذيّة، كانت المهلة في ذلك خمسة عشر يوما؛ فإن انكشفت الأخيذة «1» ، أعيدت، وإلا تحلّف الجهة المدّعى عليها أنها ما علمت وما أحسّت، وكما لهم، كذلك عليهم.
والمستقرّ لمملكة الصاحبين: نجم الدّين وجمال الدّين، والأمير صارم الدّين نائبي الدّعوة المباركة، وولد الصاحب رضيّ الدّين، وهي:
مصياف والرّصافة وجميع قلاع الدّعوة «2» وحصونها وسهلها ووعرها وعامرها وداثرها، ومدنها وبلادها، وضياعها وطرقاتها، ومياهها ومنابعها، وجميع بلاد الإسماعيلية بجبلي بهرا واللّكّام، وكلّ ما تشتمل عليه حدود بلاد الدّعوة وتخومها- أن يكون الجميع آمنين من على الرّصيف الذي بشيزر إلى نهاية الأراضي التي بحصون الدّعوة وبلادها. وحماية القرية المعروفة (بعرطمار)«3» يكون له أسوة الإسماعيلية. وإن علم الأصحاب أن أحدا من الإسماعيلية قد عبر إلى بيت الاسبتار لأذيّة، أعلموا بيت الاسبتار قبل أن تجري أذيّة، وما لم يعلموا به عليهم اليمين أنّهم ما علموا به، وإن لم يحلفوا يردّوا الأذيّة التي تجري.
وتقرّر أن يكون فلّاحو بيت الاسبتار رائحين وغادين ومتصرّفين في بيعهم وشرائهم، مطمئنّين لا يتعدّى أحد عليهم. وكذلك جميع فلّاحي بلاد الإسماعيلية لا يتعدّى أحد عليهم، وأن يكونوا آمنين مطمئنّين في جميع بلاد
الاسبتارية؛ وإن تعدّى أحد من الجهتين في سوق أو طريق، في ليل أو نهار، تكون المهلة خمسة عشر يوما؛ فإن ردّت الشّكوى كلّها فما يكون إلا الخير بينهم؛ ومن توجّهت عليه اليمين حلف، ومن لم يفعل يحلّف وإلا يردّ الأذيّة. وتكون الضّيعة التي رهنها عبد المسيح رئيس المرقب الاسبتار، وهي «المشيرقة» تكون آمنة إن كان الحال استقرّ عليها إلى آخر وقت عند كتابة هذه الهدنة المباركة بين الأصحاب وأصحابهم. ويحمل الأمر في الحقوق.
ويبطل ما هو على بلاد الدّعوة المباركة من جميع ما لبيت الاسبتار على حماية مصياف والرّصافة، وهو في كلّ سنة ألف ومائتا دينار قومصيّة، وخمسون مدّا حنطة، وخمسون مدّا شعيرا، ولا تبقى قطيعة على بلاد الدّعوة جميعها، ولا يتعرّض بيت الاسبتار ولا نوّابهم ولا غلمانهم إلى طلب قديم من ذلك ولا جديد، ولا منكسر ولا ماض، ولا حاضر ولا مستقبل على اختلافه.
وتقرّر أن تكون جميع المباحات من الجهتين مطلقة مما يختصّ بالمملكة الحمصيّة، يسترزق بها الصّعاليك، وأنّ نوّاب الملك الظاهر يحمونهم من أذيّة المسلمين من بلاده المذكورة، وأن نوّاب بيت الاسبتار يصونونهم ويحرسونهم ويحمونهم من النّصارى والفرنج من جميع هذه البلاد الداخلة في هذه] «1» الهدنة. ولا يتعرّض أحد من المسلمين كافّة من هذه البلاد الدّاخلة في [هذه]«2» الهدنة [إلى بلاد الاسبتارية]«3» بأذيّة ولا إغارة، ولا يتعرّض أحد من جميع الفرنجة من هذه البلاد الداخلة في هذه الهدنة بحدودها الجارية في يد نوّاب الاسبتار وفي أيديهم، إلى بلاد الملك الظاهر بأذيّة ولا إغارة.
وعلى أنه متى دخل في بلاد المناصفات أحد ممن يجب عليه العداد
وامتنع من ذلك، وكان عداد إحدى الجهتين حاضرا: إمّا عداد ديوان الملك الظاهر، وإمّا عداد بيت الاسبتار، فلنائب العداد الحاضر من إحدى الجهتين أن يأخذ من ذلك الشّخص الممتنع عن العداد أو الخارج من بلد المناصفات رهنا بمقدار ما يجب عليه من العداد، بحضور رئيس من رؤساء بلد المناصفات، ويترك الرّهن عند الرّئيس وديعة إلى أن يحضر النائب الآخر من الجهة الأخرى، ويوصّل إلى كلّ من الجهتين حقّه من العداد.
وإن خرج أحد ممن يجب عليه العداد، وعجز النائب الحاضر عن أخذ رهنه: فإن دخل بلدا من بلاد الملك الظاهر، كان على النوّاب إيصال بيت الاسبتار إلى حقّهم مما يجب على الخارج من العداد، وكذلك إن دخل الخارج المذكور إلى بيت الاسبتار، كان عليهم أن يوصّلوا إلى نوّاب الملك الظاهر حقّهم مما يجب على الخارج من العداد. وكذلك يعتمد ذلك في المملكة الحمويّة وبلاد الدّعوة المحروسة.
وعلى أن التّجّار والسّفّار والمتردّدين من جميع هذه الجهات المذكورة يكونون آمنين من الجهتين: الجهة الإسلامية، والجهة الفرنجية والنّصرانيّة، في البلاد التي وقعت هذه الهدنة عليها- على النّفوس والأموال والدّوابّ وما يتعلق بهم، يحميهم السّلطان ونوّابه، ويتعاهدون البلاد الداخلة في هذه الهدنة المباركة الواقع عليها الصّلح وفي بلد المناصفات- من جميع المسلمين، ويحميهم بيت الاسبتار في بلادهم الواقع عليها الصّلح وفي بلد المناصفات- من الفرنج والنصارى كافّة.
وعلى أن يتردّد التّجّار والمسافرون من جميع المتردّدين على أيّ طريق اختاروه من الطّرق الداخلة في عقد هذه البلاد الداخلة في هذه الهدنة المباركة المختصّة بالملك الظاهر، وبلاد معاهديه، وبلاد المناصفات، وخاصّ بيت الاسبتار والمناصفات، يكون الساكنون والمتردّدون في الجهتين آمنين مطمئنّين على النّفوس والأموال، تحمي كلّ جهة الجهة الأخرى.
وعلى أنّ ما يختص بكلّ جهة من هذه الجهات: الإسلامية، والفرنجية الاسبتارية، لا يكون عداد على مالها في المناصفات: من الدّوابّ والغنم والبقر والجمال وغيرها، على العادة المقرّرة في ذلك.
وعلى أنّ إطلاق الرّؤساء يكون باتفاق من الجهتين: الإسلامية، والفرنجية الاسبتارية. ومتى وقعت دعوى على الجهة الأخرى، وقف أمرها في الكشف عنها أربعين يوما؛ فإن ظهرت أعيدت على صاحبها، وإن لم تظهر حلف ثلاثة نفر ممّن يختارهم صاحب الدّعوى على ما يعلمونه في تلك الدّعوى، وإن ظهرت بعد اليمين أعيدت إلى صاحبها، وإن كان قد تعوّض عنها أعيد العوض.
وعلى أن يكشفوا عن الأخيذة بجهدهم وطاقتهم. ومتى تحققت أعيدت إلى صاحبها، فإن حلفوا يبرؤون من الدعوى، وإن ظهرت بعد اليمين أعيدت على صاحبها، وإن امتنع المدّعى عليه من اليمين حلف المدّعي، ولا يستحق «1» عوض ما عدم من كل شيء مثله. وكذلك يجري الأمر في القتل:
عوض الفارس فارس، وعوض الرّاجل راجل، وعوض البركيل بركيل «2» ، وعوض التّاجر تاجر، وعوض الفلّاح فلّاح. وإذا انقضت الأربعون يوما المذكورة لكشف الدعوى ولم يحلف المدّعى عليه للمدّعي وجب عليه العوض حتّى يردّ، وإن ردّ اليمين على المدّعي ومضى على ذلك عشرة أيّام، ولم يحلف صاحب الدعوى بطلت دعواه وحكمها، وإن حلف أخذ العوض.
ومتى هرب من إحدى الجهتين إلى الأخرى أحد، ومعه مال لغيره أعيد جميع ما معه، وكان الهارب مخيّرا بين المقام والعود. وإن هرب عبد وخرج عن دينه، أعيد ثمنه، وإن كان باقيا على دينه أعيد.
وعلى أن لا يدخل أحد من القاطنين في بلد المناصفات: من الفلّاحين والعرب والتركمان وغيرهم، إلى بلاد الفرنج والنّصارى كافّة لإغارة ولا أذيّة بعلم الملك الظاهر وبلاد معاهديه، [ولا يدخل أحد]«1» بلاد المسلمين لإغارة ولا أذيّة بعلم بيت الاسبتار ولا رضاهم ولا إذنهم.
وعلى أنّ الدعاوى المتقدّمة على هذا الصّلح يحمل أمرها على شرط المواصفة التي بين الملك الظاهر وبين معاهديه وبين بيت الاسبتار.
وعلى أن هذه الهدنة تكون ثابتة مستقرّة، لا تنقض بموت أحد من الجهتين، ولا وفاة ملك ولا مقدّم، إلى آخر المدّة المذكورة، وهي: عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيّام وعشر ساعات، أوّلها يوم تاريخه.
وعلى أن نوّاب الملك الظاهر ومعاهديه لا يتركون أحدا من التّركمان، ولا من العربان، ولا من الأكراد، يدخل بلاد المناصفات بغير اتّفاق من بيت الاسبتار أو رضاه، إلا أن يكفلوه على نفوسهم في هذه الطوائف المذكورة، ويعلموا حاله، لئلّا تبدو منهم أذيّة أو ضرر أو فساد ببلد المناصفات وببلد النصارى. ولنوّاب مولانا السلطان أن تتركهم على شرط أنهم يعلم بهم بيت الاسبتار في غد نزولهم المكان، إن كان المكان قريبا. وإن ظهر منهم فساد كان النوّاب يجاوبون بيت الاسبتار.
وعلى أن المهادنة بحدودها يكون الحكم فيها كما في المناصفات، والحدود في هذه البلاد جميعها تكون على ما تشهد به نسخ الهدن، وما استقرّ الحال عليه إلى آخر وقت.
وعلى أن تخلّى أمور المملكة الحمصيّة على ما كان مستقرّا في الأيام الأشرفيّة، على ما قرّره الأمير علم الدّين «سنجر» .
هذا ما وقع الاتّفاق والتّراضي عليه من الجهتين، وبذلك جرى القلم الشريف السلطانيّ الملكيّ الظاهريّ: حجّة بمقتضاه، وتأكيدا لما شرح أعلاه. كتب في تاريخ كذا وكذا.
وهذه نسخة هدنة من هذا النّمط، عقدت بين السلطان الملك الظاهر «بيبرس» أيضا، وبين ملكة بيروت «1» من البلاد الشامية، في شهور سنة سبع وستين وستمائة حين كانت بيدها، وهي:
استقرّت الهدنة المباركة بين السّلطان الملك الظاهر ركن الدين
«بيبرس» وبين الملكة الجليلة المصونة الفاخرة، فلانة ابنة فلان، مالكة بيروت وجميع جبالها وبلادها التّحتية مدّة عشر سنين متوالية، أوّلها يوم الخميس سادس رمضان سنة سبع وستين وستمائة الموافق لتاسع أيار سنة ألف وخمسمائة وثمانين يونانية- على بيروت وأعمالها المضافة إليها، الجاري عادتهم في التّصرّف فيها في أيام الملك العادل، أبي بكر بن أيّوب، وأيام ولده الملك المعظّم عيسى، وأيّام الملك الناصر صلاح الدّين يوسف بن الملك العزيز، والقاعدة المستقرّة في زمنهم إلى آخر الأيام الظاهرية، بمقتضى الهدنة الظاهريّة، وذلك مدينة بيروت وأماكنها المضافة إليها: من حدّ جبيل إلى حدّ صيدا، وهي المواضع الآتي ذكرها: جونية بحدودها، والعذب «1» بحدودها، والعصفورية بحدودها، والراووق بحدودها، وسنّ الفيل بحدودها، والرح والشّويف «2» بحدودها، وأنطلياس بحدودها، والجديدة «3» بحدودها، وحسوس «4» بحدودها، والبشرية «5» بحدودها، والدكوانة وبرج قراجار بحدودها، وقرينة بحدودها، والنصرانية بحدودها، وجلدا «6» بحدودها، والناعمة بحدودها، ورأس الفيقة، والوطاء المعروف بمدينة بيروت، وجميع ما في هذه الأماكن من الرّعايا والتّجّار، ومن سائر أصناف الناس أجمعين، والصّادرين منها والواردين إليها من جميع أجناس النّاس، والمتردّدين إلى بلاد السلطان فلان، وهي: الحميرة «7»
وأعمالها وقلاعها وبلادها وكلّ ما هو مختصّ بها، والمملكة الأنطاكية وقلاعها وبلادها، وجبلة واللّاذقيّة وقلاعها وبلادها، وحمص المحروسة وقلاعها وبلادها، وما هو مختصّ بها، ومملكة حصن عكّا وما هو منسوب إليه، والمملكة الحمويّة وقلاعها وبلادها وما هو مختصّ بها، والمملكة الرّحبيّة «1» وما هو مختصّ بها: من قلاعها وبلادها، والمملكة البعلبكّيّة وما هو مختصّ بها: من قلاعها وبلادها، والمملكة الدّمشقية وما هو مختصّ بها: من قلاعها وبلادها ورعاياها وممالكها، والمملكة الشّقيفية وما يختصّ بها من قلاعها وبلادها ورعاياها، والمملكة القدسيّة وما يختصّ بها، والمملكة الحلبيّة وما يختصّ بها، والمملكة الكركيّة والشّوبكيّة وما يختص بها من القلاع والبلاد والرّعايا، والمملكة النّابلسيّة، والمملكة الصّرخديّة، ومملكة الدّيار المصريّة جميعها: بثغورها، وحصونها، وممالكها، وبلادها، وسواحلها، وبرّها، وبحرها، ورعاياها، وما يختصّ بها، والسّاكنين في جميع هذه الممالك: المذكورة وما لم يذكر من ممالك السّلطان وبلاده، وما سيفتحه الله تعالى على يده ويد نوّابه وغلمانه يكون داخلا في هذه الهدنة المباركة، ومنتظما في جملة شروطها، ويكون جميع المتردّدين من هذه البلاد وإليها آمنين مطمئنّين على نفوسهم وأموالهم وبضائعهم، من الملكة فلانة وغلمانها، وجميع من هو في حكمها وطاعتها: برّا وبحرا، ليلا ونهارا، ومن مراكبها وشوانيها «2» . وكذلك رعيّة الملكة فلانة وغلمانها يكونون آمنين على أنفسهم وأموالهم وبضائعهم من السّلطان ومن جميع نوّابه وغلمانه ومن هو تحت حكمه وطاعته: برّا وبحرا، ليلا ونهارا: في جبلة، واللّاذقيّة، وجميع بلاد السلطان، ومن مراكبه وشوانيه.
وعلى أن لا يجدّد على أحد من التّجّار المتردّدين رسم لم تجر به عادة، بل يجرون على العوائد المستمرّة، والقواعد المستقرّة من الجهتين. وإن عدم لأحد من الجانبين مال، أو أخذت أخيذة، وصحت في الجهة الأخرى ردّت إن كانت موجودة، أو قيمتها إن كانت مفقودة. وإن خفي أمرها كانت المدّة للكشف أربعين يوما، فإن وجدت ردّت، وإن لم توجد حلّف والي تلك الولاية المدّعى عليه، وحلّف ثلاثة نفر ممّن يختارهم المدّعي، وبرئت جهته من تلك الدّعوى. فإن أبى المدّعى عليه من اليمين حلّف الوالي المدّعي، وأخذ ما يدّعيه. وإن قتل أحد من الجانبين خطأ كان أو عمدا، كان على القاتل في جهته العوض عنه نظيره: فارس بفارس، وبركيل ببركيل، وراجل براجل، وفلّاح بفلّاح. وإن هرب أحد من الجانبين إلى الجانب الآخر بمال لغيره، ردّ من الجهتين هو والمال، ولا يعتذر بعذر.
وعلى أنه إن تاجر فرنجي صدر من بيروت إلى بلاد السّلطان يكون داخلا في هذه الهدنة، وإن عاد إلى غيرها لا يكون داخلا في هذه الهدنة.
وعلى أنه إن تاجر فرنجي صدر من بيروت إلى بلاد السّلطان يكون داخلا في هذه الهدنة، وإن عاد إلى غيرها لا يكون داخلا في هذه الهدنة.
وعلى أنّ الملكة فلانة لا تمكّن أحدا من الفرنج على اختلافهم من قصد بلاد السّلطان من جهة بيروت وبلادها، وتمنع من ذلك وتدفع كلّ متطرّق بسوء، وتكون البلاد من الجهتين محفوظة من المتجرّمين المفسدين.
وبذلك انعقدت الهدنة للسلطان، وتقرّر العمل بهذه الهدنة والالتزام بعهودها والوفاء بها إلى آخر مدّتها من الجهتين: لا ينقضها مرور زمان، ولا يغيّر شروطها حين ولا أوان، ولا تنقض بموت أحد من الجانبين. وعند انقضاء الهدنة تكون التّجّار آمنين من الجهتين مدّة أربعين يوما، ولا يمنع أحد منهم من العود إلى مستقره؛ وبذلك شمل هذه الهدنة المباركة الخطّ الشريف حجّة فيها، والله الموفّق، في تاريخ كذا وكذا.
وهذه نسخة هدنة عقدت بين السلطان الملك الظاهر «بيبرس» وولده
الملك السّعيد، وبين الفرنج الاسبتارية، على قلعة لدّ بالشام، في سنة تسع وستين وستمائة؛ وهي:
استقرّت الهدنة المباركة بين السّلطان الملك الظّاهر ركن الدّين «بيبرس الصّالحيّ» قسيم أمير المؤمنين وولده الملك السّعيد ناصر الدّين «محمد بركه خاقان» «1» خليل أمير المؤمنين، وبين المباشر المقدّم الجليل افريز «2» أولد كال مقدّم جميع بيت اسبتار سرجوان بالبلاد السّاحليّة، وبين جميع الإخوة الاسبتارية، لمدّة عشر سنين كوامل متواليات متتابعات، وعشرة أشهر، أوّلها مستهلّ رمضان سنة تسع وستين وستمائة للهجرة النبويّة المحمّديّة، الموافق للثامن عشر من نيسان سنة ألف وخمسمائة واثنتين وثمانين للإسكندر بن فيلبّس اليونانيّ- على أن تكون قلعة لدّ «3» بكمالها وربضها وأعمالها، وما هو منسوب إليها ومحسوب منها، بحدودها المعروفة بها من تقادم الزمان، وما استقرّ لها الآن، وما يتعلّق بذلك: من المواضع، والمصايد، والملّاحات، والبساتين، والمعاصر، والطّواحين، والجزائر:
سهلها وجبلها، وعامرها، وداثرها، وما يجري بها من أنهار، وينبع بها من عيون، وما هو مبنيّ بها من عمائر، وما استجدّ بها من القراح «4» وغير ذلك،
وكلّ ما عمّر في أراضي المناصفات على دورها وأنهارها، وما بحدود ذلك من نهر «بدرة» «1» إلى جهة الشّمال، وما استقرّ «لبلدة» «2» من هذه الجهات إلى آخر الأيام النّاصريّة من الحدود المعروفة بها والمستقرّة لها، وحصن برغين «3» وما ينسب إلى ذلك من البلاد والضّياع والقرى التي كانت مناصفة- تكون جميع «بلدة» وهذه الجهات خاصّا إلى آخر الزائد للملك الظّاهر، ولا يكون لبيت الاسبتار ولا للمرقب فيها حقّ ولا طلب بوجه ولا سبب إلى حين انقضاء مدّة الهدنة وما بعدها إلى آخر الزائد، ولا لأحد من جميع الفرنجة فيها تعلّق ولا طلب بوجه ولا سبب.
وكذلك مهما كان مناصفة كقلعة «العليقة» «4» في بلادها لبيت الاسبتار، يكون ذلك جميعه للدّيوان المعمور والخاصّ الشريف، ولا يكون للمرقب فيها شيء ولا لبيت الاسبتار.
وكذلك كلّ ما هو في بلاد الدّعوة المباركة جميعها وقلاعها من القرى- لا تكون فيها مناصفة لبيت الاسبتار ولا للمرقب، ولا حقّ، ولا رسم، ولا شرط، ولا طلب في جميع بلاد الدّعوة: مصياف المحروسة، والكهف، والمنيقة، والقدموس، والخوابي، والرّصافة، والعليقة، وكلّ ما هو في هذه
القلاع وفي بلادها من مناصفة، يكون ذلك خاصّا للملك الظاهر، وليس لبيت الاسبتار ولا الفرنجة فيه حديث ولا طلب.
وعلى أن تكون بلاد المرقب وحدودها من نهر لدّ ومقبّلا ومغرّبا إلى حدود بلاد مرقبة المعروفة بها، الدّاخل جميعها في الفتوح الشريف، واستقرارها بحكم ذلك في الخاصّ المبارك الشّريف، وحدّ البيوت المحاذية لسور الرّبض، تستقرّ جميعها مناصفة بين السّلطان وبين بيت الاسبتار نصفين بالسّويّة، وما في جميع هذه البلاد: من بساتين، وطواحين، وعمائر، ومصايد، وملّاحات، ووجوه العين، والمستغلّات الصّيفيّة والشّتويّة، والقطاني، والحقوق المستخرجة، وما هو مزروع من الفدن لأهل الرّبض وبيادرها: يكون ذلك مناصفة بين السلطان وبين بيت الاسبتار سرجوان بالسّويّة نصفين.
وما هو داخل الرّبض وداخل المرقب، فإنه مطلق من الملك الظاهر للمقدّم الكبير «افريز أولد كال» «1» مقدّم بيت الاسبتار سرجوان وخيّالته، ورجاله وحمّالته ورجّالته ورعيّته، برسم إقامتهم وسكناهم من داخل الأسوار، وعن سور الرّبض المحاذية للسّور تكون مناصفة جميعها، بما فيه من حقوق طرقات وأحكار، ومراعي المواشي على اختلاف أصوافها وأوبارها، وجميع السخريات، وكلّ أرض مزروعة أو غير مزروعة مهما أخذ منه من حقّ أو عداد يكون مناصفة.
وكلّ ما هو من المواني والمراسي البحريّة المعروفة جميعها بحصن المرقب: من مينا بلدة إلى مينا القنطرة المجاورة لحدود مرقبة- تكون هي وما يتحصّل منها من الحقوق المستخرجة من الصادرين والواردين والتّجّار، وما ينعقد عليه ارتفاعها، وتشهد به الحسبانات- جميعه مناصفة. وما يدخل في
ذلك من أجناس البضائع على اختلافها يؤخذ الحقّ [منه]«1» مناصفة على العادة الجارية من غير تغيير لقاعدة من حين أخذ بيت الاسبتار المرقب إلى تاريخ هذه الهدنة المباركة مناصفة على العادة الجارية، بل تجري التّجّار في الحقوق على عادتهم في البضائع التي يحضرونها والمتجر كائنا من كان.
يعتمد ذلك في كلّ ما يصل للمتردّدين والمقيمين بالقلعة والرّبض: من عامّة وغير عامّة، وخيّالة وغير خيّالة، على اختلاف أجناسهم، خلا ما يصل للإخوة ولغلمانهم المعروفين بالإخوة الاسبتارية من الحبوب والمؤونة والكسوة والخيل التي هي برسم ركوبهم خاصّة، لا يكون عليها حقّ، بشرط أنه لا يكون فيها للتّجّار شيء من ذلك، وما خلا ذلك جميعه يؤخذ الحقّ منه مناصفة على ما شرحناه.
وعلى أنه لا يحمي أحد من الإخوة الخيّالة، والوزراء، والكتّاب، والنّوّاب، والمستخدمين شيئا على اسم بيت الاسبتار، ليستطلق الحقّ ويمنع من استيدائه، ولو أنّه أقرب أخ إلى المقدّم أو ولد المقدّم، إذا ظهر منه خلاف ما وقع عليه الشّرط، أخذ جميع ماله مستهلكا للجهتين: للدّيوان السّلطانيّ المعمور، ولبيت الاسبتار، إن كان خارجا من البحر أو نازلا إلى البحر، صادرا وواردا، وكذلك في البرّ صادرا وواردا بعد المحاققة على ذلك وصحّته.
وعلى أنّ نوّاب المباشر المقدّم الكبير لبيت الاسبتار، وولاته وكتّابه ومستخدميه وغلمانه، يكونون آمنين مطمئنّين على نفوسهم وأموالهم وجميع ما يتعلّق بهم. وكذلك غلماننا وولاتنا ونوّابنا ومستخدمونا وكتّابنا ورعايا بلادنا يكونون آمنين مطمئنّين على نفوسهم وأموالهم، متّفقين على مصالح البلاد وأخذ الحقوق، وسائر المقاسمات والطّرقات والبساتين والطّواحين،
والحقوق المقرّرة على الفدن على اختلاف أجناسها. وكذلك الرّآسة واستخراج وجوه العين، والحبوب، والتصاريف الجاري بها العادة المقرّرة على الفدن، من جميع ما يتعلّق بها.
وعلى أن جميع الضمانات يكون نوّاب السلطان ونوّاب بيت الاسبتار متّفقين جملة على ذلك، لا ينفرد أحد منهم بشيء إلا باتفاق وتنزيل في دفاتر الديوان المعمور وديوان بيت الاسبتار، ولا يطلق ولا يحبس إلا باتّفاق من الجهتين، ولا ينفرد واحد دون آخر.
وعلى أنّ أيّ مسلم تصدر منه أذيّة يحكم فيه بما يقتضيه الشرع الشريف في تأديبه، يعتمد ذلك فيه نائبنا: من شنق يجب عليه، أو قطع، أو أدّب بحكم الشّرع الشريف: من شنق، وقطع، وكحل أعين، بحيث لا يعمل ذلك إلا بحضور نائب من جهة بيت الاسبتار، حاضر يعاين ذلك بعينه، ويكون قد عرف الذّنب وتحقّقه. وإن كان ذنبه يستوجب جناية أو غرامة دراهم أو ذهب أو مواش أو غير ذلك على اختلاف أجناسه، يكون ما يستأدى مناصفة للدّيوان المعمور ولبيت الاسبتار وصاحب المرقب. فإن كان فيها «1» قماش وبضائع على اختلاف أجناسه، وصاحبه مسلم، يأخذ بضاعته من غير اعتراض من الجهتين بعد أداء الحقّ للدّيوان المعمور ولبيت الاسبتار. وإن لم يعرف صاحب البضاعة وكانت لمسلم، أعيدت للخزانة السّلطانية، ولا يكون لبيت الاسبتار فيها تعلّق. وإن كان صاحب البضاعة نصرانيّا على اختلاف أجناس النّصارى، تؤخذ بضاعته، من غير اعتراض من جهتنا، بعد أداء الحقّ، وإن لم يعرف صاحب البضاعة، وكانت لنصرانيّ، تبقى تحت يد بيت الاسبتار، خلا من كان من بلاد مملكة السّلطان على
اختلاف دينه: إن كان نصرانيّا أو ذميّا، على اختلاف جنس دينه، ليس لبيت الاسبتار عليهم اعتراض، ويحمل ذلك جميعه على اختلاف أجناس البضائع للدّيوان المعمور.
وعلى أنه متى انكسر مركب، وظهر إلى برّ المواني بضاعة، وقصد صاحبه شيله إلى جهة يختارها في البرّ والبحر، ولا يتبع، فيؤخذ الحقّ منه:
إن باع يؤخذ الحقّ، وإن حمل يؤخذ الحقّ، ويكون الحقّ للجهتين: وهو الحقّ المعروف الجاري به العادة.
وعلى أن التّجّار السّفّارة والمتردّدين بالبضائع من بلاد المسلمين والنّصارى متى ما خرجوا من المواني المحدودة أعلاه يتوجّهون بخفارة «1» الجهتين من غير حقّ: لا يتناول من الخفارة شيء منسوب إلى نفوسهم إلى أن يخرجهم ويحضرهم إلى برّ حدود المرقب آمنين مطمئنّين تحت حفظ الجهتين.
ومتى وصل التّجّار من مملكة السّلطان إلى بلاد المرقب وموانيها، فالتّرتيب على الخفارة من الجهتين، مع تدرّك الرّؤساء الحفظ للطرقات صادرا وواردا، بحيث إنّهم يحضرون إلى بلاد المرقب، وإلى المواني بالمرقب المحدودة أعلاه، طيّبين آمنين على أرواحهم وأموالهم بالخفارة من الجهتين، على ما شرحناه.
وعلى أنّ غلمان المباشر المقدّم لبيت الاسبتار والإخوة والخيّالة والرّعيّة المقيمين بقلعة المرقب والرّبض، يكونون آمنين مطمئنّين على أنفسهم وأموالهم ومن يلوذ بهم ويتعلّق، في حال صدورهم وورودهم إلى بلادنا الجارية في مملكتنا في البرّ، منّا ومن نوّابنا بالمملكة والبلاد الجارية في حكمنا، ومن ولدنا الملك السّعيد، ومن أمرائنا وعساكرنا المنصورة. وإن قتل قتيل أو أخذت أخيذة في حدود المناصف ببلاد المرقب، فيقع الكشف
عن ذلك عشرين يوما: فإن وجد فاعل ذلك، يؤخذ الفاعل بذنبه، وإن لم يظهر فاعل ذلك مدّة عشرين يوما فيمسك رؤساء مكان قطع الطّريق وأخذ الأخيذة، وقتل القتيل، إن كان أخذ وقتل- مكان من قتل القتيل أو أخذ الأخيذة- أقرب القرباء إلى الذي قطع عليه الطريق أو قتل قتيلا، فإن خفي الفاعل لذلك، وعجز عن إحضاره بعد عشرين يوما، يلزم أهل نوّاب الجهتين من القرباء الأقرب لذلك المكان بألف دينار صوريّة: للدّيوان السلطانيّ النّصف، ولنقيب الاسبتار النّصف، ولا تتكاسل الولاة في طلب ذلك، ويكون طلبه يدا واحدة، ولا يختص الواحد دون الآخر، ولا يحابي أحد منهم لأخذ الفلّاح في هذا أو غيره في مصلحة عمارة البلاد، واستخراج الحقوق، ومقاسمة الغلال، وطلب المفسدين ليلا ونهارا.
وعلى أن لا تغيّر الهدنة المباركة بأمر من الأمور، لا من جهتنا ولا من جهة ولدنا الملك السّعيد، إلى انقضاء مدّتها المعيّنة أعلاه وفروعها، ولا تتغيّر بتغيّر المقدّم المباشر لبيت الاسبتار الحاكم على المرقب وغيره. وإذا جرت قضيّة في أمر من الأمور يعرّفهم نوّابنا، ويحقّق الكشف إلى مدّة أربعين يوما؛ فمن يكون للبداية يخرج منها على من يثبت «1» ويكون قد عرف دينه الذي بدا من جهة كلّ واحد. وإذا تغيّر النّواب بالمرقب وحضر نائب مستجدّ يعتمد ما تضمّنته هذه الهدنة، ولا يخرج عن هذه المواصفة. وإذا تسحّب من المسلمين أحد على اختلاف أجناسه، إن كان مملوكا أو غير مملوك، أو معتوقا أو غير معتوق، أو كائنا من كان من المسلمين على اختلاف منازلهم، وإن كان غلاما أو غير غلام- يردّ بجميع ما يوجد معه، إن كان قليلا أو كثيرا يردّ. ولو أنّ المتسحّب دخل الكنيسة وجلس فيها يمسك بيده ويخرج ويسلّم لنوّابنا بجميع ما معه؛ وإن كان خيلا أو قماشا أو دراهم أو ذهبا وما يتعامل الناس به، يسلّم بما معه إلى نوّابنا على ما شرحناه. وكذلك إذا تسحّب أحد
من جهتهم من الفرنج أو النّصارى إلى أبوابنا الشريفة، أو وصل إلى جهة نوّابنا يمسك ويسلّم بما يحضر معه: من الخيل والأقمشة والعدّة وجميع ما يصل إن كان قليلا أو كثيرا، يمسكه نوّابنا ويسلّمون ذلك بما معه لنائب المقدّم الماستر «1» المقيم بالمرقب، وأخذوا «2» الخطوط بذلك بتسليمه بما حضر معه.
وعلى أنهم لا يكون لهم حديث مع قلعة العليقة، ولا الرّعيّة الذين فيها، ولا مع نوّاب ابن الرديني المقيمين فيها: لا بكتاب، ولا بمشافهة، ولا برسالة، ولا بقول، ولا يطلع أحد من جهتهم إليهم، ولا يمكّن أحد من الحضور إليهم، [والوصول]«3» إلى جهتهم من القلعة المذكورة، ولا تسيّر إليهم مؤونة ولا تجارة ولا جلب على اختلاف أجناسه، ولا تكون بينهم معاملة. وإن حضر من جهة قلعة العليقة إليهم يمسكون ويسلّمون لنوّابنا ويأخذوا «4» بذلك خطوطهم.
وعلى أنهم لا يجدّدون عمارة قلعة، ولا في القلعة عمارة، ولا في البدنة «5» ولا في أبراجها، ولا [يعتمدون]«6» إصلاح شيء منها إلا إذا عاينه نوّابنا أو أبصروا أنه يحتاج إلى الضّرورة في ترميم يرمّمونه بعد أن يعاينه نوّابنا من هذا التاريخ، ولا يجدّدون عمارة في ربضها «7» ، ولا في سورها، ولا في
أبراجها، ولا يجدّدون حفر خندق، وعمارة خندق، أو تجدّد بناية خندق أو قطع جبل، أو تحصّن عمارة، أو تحصّن بقطع جبل، منسوبا لتحصين يمنع أو يدفع. ولم نأذن لهم بسوى البناية [على] أثر الدّور التي أحرقت عند دخول العساكر صحبة الملك السّعيد. وقد أذنّا لهم في عمارة باطن الرّبض على أثر الأساس القديم.
وعلى أنّ صهيون «1» وأعمالها، وبرومه «2» وأعمالها، والقليعة وأعمالها، وعيدوب «3» وأعمالها، الجارية تحت نظر الأمير سيف الدّين محمد ابن عثمان صاحب صهيون- يجري حكم هذه البلاد المختصة به حكم بلادنا في المهادنة، بحكم أنّ بلاده المذكورة جارية في ممالكنا الشّريفة.
وعلى أنه لا يمكّن بيت الاسبتار من دخول رجل غريبة في البرّ ولا في البحر إلى بلادنا، بأذيّة ولا ضرر يعود على الدّولة، وعلى بلادنا وحصوننا ورعيّتنا، إلا أن يكونوا يدا غالبة، صحبة ملك متوّج.
وعلى أنّ البرج الداخل في المناصفة، وهو برج معاوية الذي عند المحاصّة الداخلة في مناصف المرقب الآن، يخرّب ما يخصّنا منه، وهو النّصف من البرج المذكور أعلاه؛ وأن الجسر المعروف بجسر بلدة لم يكن لبيت الاسبتار فيه شيء من البرّين، وأنه خالص للديوان المعمور دون بيت الاسبتار؛ وأن الدّار المستجدّة عمارتها بقلعة المرقب برسم الماستر المقدّم الكبير، الذي هو عايز «4» تكميل عمارة سقف القبو بالحجارة والكلس، لا
تكمّل عمارتها، ويبقى على حاله، وهو في وسط القلعة الظاهر منه قليل إلى البرّ الشّرقيّ وهو المذكور أعلاه.
وعلى أن نوّاب الاسبتار بالمرقب لا يخفون شيئا من مقاسمات البلاد ولا شيئا من حقوقها الجارية بها العادة أن بيت الاسبتار يستخرجونه ولا يخفون منه شيئا؛ وكلّ ما كان يستأدى من البلاد في أيدي الاسبتار قبل هذه الهدنة يطلعون نوّابنا عليه ولا يخفون منه شيئا قليلا ولا كثيرا من ذلك.
وعلى أنّ السلطان يأمر نوّابه بحفظ مناصفات بلاد المرقب الداخلة في هذه الهدنة، من المفسدين والمتلصّصين والحراميّة ممن هو في حكمه وطاعته. وكذلك الماستر المقدّم افريز أولد كال يلزم ذلك من الجهة الأخرى. ومتى وقع- والعياذ بالله- فسخ بسبب من الأسباب، كان التّجّار والسّفّار آمنين من الجهتين إلى أن يعودوا بأموالهم، ولا يمنعون من السّفر إلى أماكنهم من الجهتين، وتكون النهاية لهم أربعين يوما. وتكون هذه الهدنة منعقدة بشروطها المذكورة، مستقرّة بقواعدها المسطورة للمدّة المعيّنة، وهي: عشر سنين وعشرة أشهر كوامل، أوّلها مستهلّ رمضان سنة تسع وستّين وستمائة إلى آخرها، متتابعة متوالية، لا تفسخ بموت أحد من الجهتين، ولا بعزل وال وقيام غيره موضعه، ولا زوال رجل غريبة، ولا حضور يد غالبة، بل يلزم كلّا من الجهتين حفظها إلى آخرها، ومن تولّى بعد الآخر حفظها إلى آخرها، بالشّروط المشروطة فيها أوّلا وآخرا. والخطّ أعلاه، حجّة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. في تاريخ كذا وكذا.
وهذه نسخة هدنة عقدت بين السلطان الملك المنصور «قلاوون» الصالحيّ صاحب الدّيار المصريّة والبلاد الشاميّة وولده الملك الصالح «عليّ» وليّ عهده، وبين حكّام الفرنج بعكّا وما معها من بلاد سواحل
الشّام، في شهور سنة آثنتين وثمانين وستمائة، وهي يومئذ بأيديهم؛ وصورتها «1» :
استقرّت الهدنة بين مولانا السّلطان الملك المنصور سيف الدّين أبي الفتح «قلاوون» الملكيّ الصّالحيّ وولده السلطان الملك الصالح علاء الدّين «عليّ» - خلّد الله تعالى سلطنتهما «2» - وبين الحكّام بمملكة عكّا، وصيدا، وعثليث، وبلادها التي انعقدت عليها هذه الهدنة، وهم:(الشيخان أو دهيل المملكة بعكّا)«3» ، وحضرة المقدّم الجليل (افريز كاسام ديبا حول)«4» مقدّم بيت الديويّة، وحضرة المقدّم الجليل (افريز سكفل للورن)«5» مقدّم بيت الاسبتارية، والمرشان الأجلّ (افريز)«6» كورات نائب مقدّم بيت الاسبتار الآمن «7» - لمدّة عشر سنين كوامل، وعشرة أشهر، وعشرة أيّام، وعشر ساعات: أوّلها يوم الخميس خامس ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانين وستمائة للهجرة النّبويّة، صلوات الله على صاحبها وسلامه، الموافق للثالث
من حزيران سنة ألف وخمسمائة وأربع وتسعين لغلبة الإسكندر بن فيلبّس اليونانيّ- على جميع بلاد السّلطان وولده «1» ، وهي التي في مملكتهما وتحت حكمهما وطاعتهما وما تحويه أيديهما يومئذ: من جميع الأقاليم والممالك، والقلاع، والحصون الإسلامية، وثغر دمياط «2» ، وثغر الإسكندريّة المحروستين، ونسترو «3» ، وسنتريّة «4» وما ينسب إليها من المواني والسواحل، وثغر فوّة «5» ، وثغر رشيد، والبلاد الحجازية، وثغر غزّة المحروس، وما معها من المواني والبلاد، والمملكة الكركيّة «6» ، والشّوبكيّة وأعمالها، والصّلت وأعمالها، وبصرى «7» وأعمالها، ومملكة بلاد الخليل صلوات الله عليه وسلامه، ومملكة القدس الشّريف وأعمالها، وبيت لحم «8» وأعماله
وبلاده، وجميع ما هو داخل فيها ومحسوب منها، وبيت جبريل «1» ، ومملكة نابلس «2» وأعمالها، ومملكة الأطرون «3» وأعمالها، وعسقلان «4» وأعمالها وموانيها وسواحلها، ومملكة يافا والرّملة وميناها، وقيساريّة وميناها وسواحلها وأعمالها، وأرسوف «5» وأعمالها، وقلعة قاقون «6» وأعمالها وبلادها، وأعمال العوجاء «7» وما معها من الملاحة، والفتوح السّعيد وأعمالها ومزارعها، وبيسان وأعمالها وبلادها، والطّور وأعماله، واللّجون «8» وأعماله، وجينين «9» وأعمالها، وعين جالوت وأعمالها، والقيمون «10»
وأعماله وما ينسب إليه، وطبريّة وبحيرتها وأعمالها وما معها، والمملكة الصّفدية وما ينسب إليها، وتبنين وهونين «1» وما معهما من البلاد والأعمال، والشّقيف المحروس المعروف بشقيف أرنون «2» وما معه من البلاد والأعمال وما هو منسوب إليه، وبلاد الفرن «3» وما معه خارجا عما عيّن في هذه الهدنة المباركة، ونصف مدينة إسكندرونة، ونصف ضيعة مأرب «4» بفدنهما وكرومهما وبساتينهما وحقوقهما؛ وما عدا ذلك من حقوق «5» إسكندرونة المذكورة، يكون جميعه بحدوده وبلاده للسلطان الملك المنصور ولولده النّصف، والنّصف الآخر لمملكة عكّا. والبقاع العزيزي «6» وأعماله، وشعرا «7» وأعمالها، وشقيف تيرون «8» وأعماله، والعامر جميعها (ولا با
وغيرها) «1» ، وبانياس وأعمالها «2» وقلعة الصّبيبة وأعمالها وما معها من البحيرات والأعمال، وكوكب وأعمالها وما معها، وقلعة عجلون وأعمالها، ودمشق والمملكة الدّمشقيّة- حرسها الله تعالى- وما لها من القلاع والبلاد والممالك والأعمال، وقلعة بعلبكّ المحروسة وما معها وأعمالها، ومملكة حمص وما لها من الأعمال والحدود، ومملكة حماة المحروسة ومدينتها وقلعتها وبلادها وحدودها، وبلاطنس وأعمالها، وصهيون وأعمالها، وبرزية «3» وأعمالها، وفتوحات حصن الأكراد المحروس وأعماله، وصافيثا وأعمالها، و [ميعار و]«4» أعمالها، والعريمة وأعمالها، وقدقيا «5» وأعمالها، وحلبا «6» وأعمالها، والقليعة «7» وأعمالها، وحصن عكّار «8» وأعماله وبلاده، وقلعة شيزر «9» وأعمالها، وأفامية «10» وأعمالها، وجبلة «11» وأعمالها، وأبو قبيس «12» وأعماله، والمملكة الحلبيّة وما هو مضاف إليها من القلاع والمدن والبلاد والحصون، وأنطاكية وأعمالها وما دخل في الفتوح
المبارك، وبغراس «1» وأعمالها، والدّربساك «2» وأعمالها، والرّاوندان وأعمالها، وعينتاب وأعمالها، وحارم «3» وأعمالها، ويبرين «4» وأعمالها، وسيح «5» الحديد وأعماله، وقلعة نجم وأعمالها، وشقيف دركوش «6» وأعماله، والشّغر وأعماله، وبكاس «7» وأعماله، والسّويداء وأعمالها، والباب وبزاعا وأعمالهما، والبيرة وأعمالها، والرّحبة وأعمالها، وسلمية وأعمالها، وشميمس «8» وأعمالها، وتدمر وأعمالها، وما هو منسوب إليها، وجميع ما هو منسوب لمولانا السلطان ولولده من البلاد التي عيّنت في هذه الهدنة المباركة، والتي لم تعيّن.
وعلى جميع العساكر، وعلى جميع الرّعايا من سائر الناس أجمعين:
على اختلافهم، وتغيّر أنفارهم وأجناسهم وأديانهم، للقاطنين فيها، والمتردّدين في البرّ والبحر، والسّهل والجبل، في اللّيل والنهار، يكونون آمنين مطمئنّين في حالتي صدورهم وورودهم- على أنفسهم، وأموالهم، وأولادهم، وحريمهم، وبضائعهم، وغلمانهم، وأتباعهم، ومواشيهم، ودوابّهم، وعلى جميع ما يتعلّق بهم، وكلّ ما تحوي أيديهم من سائر الأشياء على اختلافها، من الحكّام بمملكة عكّا: وهم كفيل المملكة بها، والمقدّم
(افريز كليام ديبا حول)«1» مقدّم بيت الديوية، والمقدّم (افريز بيكوك للورن)«2» [مقدّم بيت الاسبتار]«3» ، وافريز اهداب «4» نائب مقدّم بيت الاسبتار الامن، ومن جميع الفرنج والإخوة، والفرسان الدّاخلين في طاعتهم وتحويه مملكتهم السّاحليّة، ومن جميع الفرنج على اختلافهم، الذين يستوطنون عكّا والبلاد الساحليّة الداخلة في هذه الهدنة من كلّ واصل إليها في برّ أو بحر على اختلاف أجناسهم وأنفارهم، لا ينال بلاد السّلطان وولده، ولا حصونهما، ولا قلاعهما، ولا بلادهما، ولا ضياعهما، ولا عساكرهما، ولا جيوشهما، ولا عربهما، ولا تركمانهما، ولا أكرادهما، ولا رعاياهما، على اختلاف الأجناس والأنفار، ولا ما تحويه أيديهم من المواشي والأموال والغلال وسائر الأشياء منهم غدر «5» ولا سوء، ولا يخشون من جميعهم أمرا مكروها ولا إغارة، ولا تعرّضا ولا أذيّة.
وكذلك ما يستفتحه ويضيفه السلطان وولده على يديهما، وعلى يد نوّابهما وعساكرهما: من بلاد، وحصون، وقلاع، وملك، وأعمال، وولايات، برّا وبحرا، سهلا ووعرا.
وكذلك جميع بلاد الفرنج التي استقرّت الآن عليها هذه الهدنة [من البلاد الساحلية]«6» وهي مدينة عكّا وبساتينها، وأراضيها وطواحينها، وما يختصّ بها من كرومها، وما لها من حقوق حولها، وما تقرّر لها من بلاد في هذه الهدنة [وعدتها بما فيها من مزارع ثلاثة وسبعون ناحية خاصّا
للفرنج] «1» وهي: البصة «2» ومزرعتها، مجدل «3» ، حمصين، رأس عبده «4» ، المنواث «5» ومزرعتها، الكابرة «6» ومزرعتها، نصف وفيه جمعون «7» ، كفر بردى ومزرعتها، كوكب «8» عمقا ومزرعتها، المونية، كفر ياسيف»
ومزرعتها، توسيان، مكر حرسين ومزرعتها، الحديدة «10» ، الغياضة، العطوانية، مرتوقا الحارثية «11» ثمرا الطرة، الرنب «12» ، البابوحيه «13» ومزرعتها، العرج ومزرعتها، المزرعة السّميرية البيضاء، دعوق والطاحون، كردانه «14» والطاحون، حدرول «15» ، تل النحل، الغار، الرخ والمجدل، تلّ كيسان، البروة «16» ، الرامون، ساسا السياسية، الشبيكة، المشيرقة، العطرانية، المنيير، اكليل، هرياسيف
العربية، هوشة «1» ، الزراعة «2» الجديدة الشمالية، الرحاحيه، قسطه، كفرنبتل، الدويرات «3» ، ماصوب «4» ، متماس «5» ، العباسية، سيعانه «6» ، عين الملك، المنصورة «7» ، الرصيفة، حبابا «8» ، سرطا «9» ، كفرتا «10» ، أرض الزراعة، رولس «11» ، صغد عدي، سفرعم «12» ، هذه البلاد المذكورة [تكون] خاصّا للفرنج. حيفا والكروم والبساتين التي لها جميعها، والقصر وهو الحوش وكفر توثا، وهي: الكنيسة «13» ، والطيرة «14» ، والسعبة،
والسعادة، والمعر «1» ، والباجور «2» ، وسومرا. تكون حيفا وهذه البلاد المذكورة بحدودها وأراضيها خاصّة للفرنج. وكذلك قرية (مارنياباره)«3» بها، المعروفة بها وكرومها وغروسها يكون خاصّا للفرنج. ودير السياح «4» ، ودير مارلياس «5» بأراضيهما المعروفة بهما وكرومهما وبساتينهما يكون خاصّا للفرنج.
وعلى أن يكون للسّلطان الملك المنصور ولولده الصّالح، من بلاد الكرمل وهي: الدالية «6» ، ودونه، وضريبة الريح، والكرك، ومعليا، والرامون «7» ، ولوبيه «8» ، وبسور، وخربة يونس، وخربة خميس، ورشميا، ودوابه «9» ، يكون خاصّا للفرنج في بلاد أخرى ذكرها. وما عدا ذلك من البلاد الجبلية جميعها للسلطان ولولده بكمالها.
«10» وتكون جميع هذه البلاد العكّاويّة وما عيّن في هذه الهدنة المباركة من البلاد السّاحليّة آمنة من السّلطان الملك المنصور وولده الملك الصّالح،
وآمنة من عساكرهما وجنودهما ومن خدمهما، وتكون هذه البلاد المشروحة أعلاه، الداخلة في هذه الهدنة المباركة: الخاصّ بها»
، وما هو مناصفة- مطمئنّة هي ورعاياها، وسائر أجناس الناس فيها، والقاطنين بها، والمتردّدين إليها على اختلاف أجناسهم وأديانهم، والمتردّدين إليها من جميع بلاد الفرنجة والسّفّار، والمتردّدين منها وإليها في برّ وبحر، في ليل أو نهار، سهل وجبل، آمنين على النّفوس والأموال والأولاد، والمراكب والدّوابّ، وجميع ما يتعلّق بهم، وكلّ ما تحويه أيديهم من الأشياء على اختلافها، من السّلطان وولده، وجميع من هو تحت طاعتهما، لا ينالهم ولا ينال هذه البلاد المذكورة التي انعقدت عليها الهدنة سوء ولا ضرر ولا إغارة، ولا ينال إحدى الجهتين المذكورتين: الإسلاميّة والفرنجية من الأخرى ضرر ولا أذيّة، ويكون ما تقرّر أنه يكون خاصّا للفرنج حسب ما بيّن أعلاه لهم، وما تقرّر أن يكون للسّلطان ولولده خاصّا لهما، والمناصفات تكون كما شرح. ولا يكون للفرنج من البلاد والمناصفات إلا ما شرح في هذه الهدنة وعيّن فيها من البلاد.
وعلى أنّ الفرنج لا يجدّدون في غير عكّا وعثليث وصيدا: ممّا هو خارج عن
أسوار هذه الجهات الثّلاث المذكورات، لا قلعة، ولا برجا، ولا حصنا، ولا مستجدّا.
وعلى أنه متى هرب أحد- كائنا من كان- من بلاد السّلطان وولده إلى عكّا والبلاد السّاحلية المعيّنة في هذه الهدنة، وقصد الدّخول في دين النّصرانيّة وتنصّر بإرادته، يردّ جميع ما يروح معه ويبقى عريانا، وإن كان ما يقصد الدّخول في دين النصرانية ولا يتنصّر، ردّ إلى أبوابهما العالية بجميع ما يروح معه، بشفاعة ثقة بعد أن يعطى الأمان. وكذلك إذا حضر أحد من عكّا والبلاد السّاحليّة الداخلة في هذه الهدنة، وقصد الدّخول في دين الإسلام وأسلم بإرادته، يردّ جميع ما معه ويبقى عريانا، وإن كان ما يقصد الدّخول في دين الإسلام ولا يسلم، يردّ إلى الحكّام بعكّا، والمقدّمين بجميع ما يروح معه بشفاعة بعد أن يعطى له الأمان.
وعلى أنّ الممنوعات المعروف منعها قديما تستقرّ على قاعدة المنع من الجهتين. ومتى وجد مع أحد من تجّار بلاد السّلطان وولده من المسلمين وغيرهم على اختلاف أديانهم وأجناسهم شيء من الممنوعات بعكّا والبلاد السّاحليّة الداخلة في هذه الهدنة، مثل عدّة السّلاح وغيره، يعاد على صاحبه الذي اشتراه منه، ويعاد إليه ثمنه، ويردّ ولا يؤخذ ماله استهلاكا، ولا يؤذى.
وللسّلطان ولولده أن يفتصلا «1» في من يخرج من بلادهما من رعيّتهما، على اختلاف أديانهم وأجناسهم، بشيء من الممنوعات. وكذلك كفيل المملكة بعكّا والمقدّمون لهم أن يفتصلوا في رعيّتهم الذين يخرجون بالممنوعات من بلادهم الدّاخلة في هذه الهدنة.
ومتى أخذت أخيذة من الجانبين، أو قتل قتيل من الجانبين، على أيّ وجه كان- والعياذ بالله- ردّت الأخيذة بعينها إن كانت موجودة أو قيمتها إن
كانت مفقودة، والقتيل يكون العوض عنه بنظيره من جنسه: فارس بفارس، وبركيل «1» ببركيل، وتاجر بتاجر، وراجل براجل، وفلّاح بفلّاح، فإن خفي أمر القتيل والأخيذة، كانت المهلة في الكشف أربعين يوما؛ فإن ظهرت الأخيذة أو تعيّن أمر المقتول، ردّت الأخيذة بعينها ويكون العوض عن القتيل بنظيره، وإن لم تظهر كانت اليمين على والي المكان المدّعى عليه، وثلاثة نفر يقع اختيار المدّعي عليهم، من تلك الولاية. وإن امتنع الوالي عن اليمين حلّف من الجهة المدّعية ثلاثة نفر تختارهم الجهة الأخرى وأخذ قيمتها. وإن لم ينصف الوالي ولا ردّ المال، أنهى المدّعي أمره إلى الحكّام من الجهتين، وتكون المهلة بعد الإنهاء أربعين يوما، ويلزم الولاة من الجهتين بالوفاء بهذا الشّرط.
ومتى أخفوا قتيلا أو أخيذة، أو قدروا على أخذ حقّ ولم يأخذه كلّ واحد في ولايته، يتعيّن على الذي يوليه من ملوك الجهتين إقامة السّياسة «2» فيه: من أخذ الرّوح والمال والشّنق، والإنكار التامّ على من يتعيّن عليه الإنكار إذا فعل ذلك في ولايته وأرضه.
وإن هرب أحد بمال واعترف ببعضه وأنكر بعض ما يدّعى به عليه، لزمه أن يحلف أنه لم يأخذ سوى ما ردّه؛ فإن لم يقنع المدّعي بيمين الهارب، حلف والي تلك الولاية أنه لم يطّلع على أنه وصل معه غير ما ردّه؛ وإن أنكر أنّه لم يصل معه شيء أصلا، استحلف الهارب أنه لم يصل معه للمدّعي شيء.
وعلى أنه إذا انكسر مركب من مراكب تجّار السّلطان وولده التي انعقدت عليها الهدنة، ورعيّتهما من المسلمين وغيرهم: على اختلاف أجناسهم وأديانهم، في مينا عكّا وسواحلها، والبلاد السّاحليّة التي انعقدت
عليها الهدنة، كان كلّ من فيها آمنا على الأنفس والأموال والأتباع والمتاجر؛ فإن وجد أصحاب هذه المراكب التي تنكسر تسلّم مراكبهم وأموالهم [إليهم]«1» ؛ وإن عدموا بموت أو غرق أو غيبة، فيحتفظ بموجودهم ويسلّم لنوّاب السّلطان وولده. وكذلك المراكب المتوجّهة من هذه البلاد السّاحلية المنعقد عليها الهدنة للفرنج، يجري لها مثل ذلك في بلاد السّلطان وولده، ويحفظ بموجودها إن لم يكن صاحبها حاضرا إلى أن يسلّم لكفيل المملكة بعكّا أو المقدّم.
ومتى توفّي أحد من التّجّار الصادرين والواردين، على اختلاف أجناسهم وأديانهم، من بلاد السّلطان وولده، في عكّا وصيدا وعثليث، والبلاد السّاحلية الداخلة في هذه الهدنة على اختلاف أجناسهم وأديانهم [فيحتفظ على ماله حتى يسلم لنواب السلطان وولده]«2» ، وإذا توفّي أحد في البلاد الإسلامية الداخلة في هذه الهدنة، يحتفظ على ماله إلى حين يسلّم إلى كفيل المملكة بعكّا والمقدّمين.
وعلى أنّ شواني «3» السّلطان وولده إذا عمّرت وخرجت لا تتعرّض بأذيّة إلى البلاد الساحليّة التي انعقدت عليها هذه الهدنة؛ ومتى قصدت الشّواني المذكورة جهة غير هذه الجهات، وكان صاحب تلك الجهة معاهدا للحكّام بمملكة عكّا، فلا تدخل إلى البلاد التي انعقدت عليها هذه الهدنة ولا تتزوّد منها؛ وإن لم يكن صاحب تلك الجهة التي تقصدها الشّواني المنصورة معاهدا للحكّام بمملكة عكّا والبلاد التي انعقدت عليها الهدنة، فلها أن تدخل إلى بلادها وتتزوّد منها. وإن انكسر شيء من هذه الشّواني- والعياذ بالله- في مينا من مواني البلاد التي انعقدت عليها الهدنة وسواحلها: فإن
كانت قاصدة [إلى] من له مع مملكة عكّا ومقدّمي بيوتها عهد، فيلزم كفيل المملكة بعكّا ومقدّمي البيوت بحفظها، وتمكين رجالها من الزّوادة وإصلاح ما انكسر منها، والعود إلى البلاد الإسلامية، [ويبطل حركة ما ينكسر]«1» منها- والعياذ بالله- أو يرميه البحر. هذا إذا كانت قاصدة من له مع مملكة عكّا ومقدّميها عهد، فإن [قصدت من]«2» لم يكن لها معهم عهد، فلها أن تتزوّد وتعمر رجالها من البلاد المنعقد عليها هذه الهدنة، وتتوجّه إلى البلاد المرسوم لها بقصدها، ويعتمد هذا الفضل من الجهتين.
وعلى أنّه متى تحرك أحد من ملوك [البحر]«3» الفرنجة وغيرهم من جوّا البحر لقصد الحضور لمضرّة السّلطان وولده في بلادهما المتّفقة «4» عليها هذه الهدنة، فليلزم «5» نائب المملكة والمقدّمين بعكّا، أن يعرّفوا السلطان وولده بحركتهم قبل وصولهم إلى البلاد الإسلاميّة الداخلة في هذه الهدنة بمدّة شهرين، وإن وصلوا بعد انقضاء مدّة شهرين، فيكون كفيل المملكة بعكّا، والمقدّمون بريئين «6» من عهدة اليمين في هذا الفصل. ومتى تحرّك عدوّ من جهة البرّ من التّتار وغيرهم، فأيّ من سبق الخبر إليه من الجهتين يعرّف الجهة الأخرى بما سبق الخبر إليه من أمرهم.
وعلى أنه إن قصد البلاد الشّاميّة- والعياذ بالله- عدوّ من التّتار وغيرهم في البرّ، وانحازت العساكر الإسلامية من قدّام العدوّ، ووصل العدوّ إلى
القرب من البلاد السّاحليّة الداخلة في هذه الهدنة وقصدوها بمضرّة، فيكتب «1» إلى [كفيل] المملكة بعكّا، والمقدّمين بها أن يدرؤوا عن بيوتهم ورعيّتهم وبلادهم بما تصل قدرتهم إليه. وإن حصل- والعياذ بالله- جفل «2» من البلاد الإسلاميّة إلى السّاحليّة الداخلة في هذه الهدنة، فيلزم كفيل المملكة بعكّا، والمقدّمين بها حفظهم والدّفع عنهم ومنع من يقصدهم بضرر، ويكونون آمنين مطمئنّين بما معهم.
وعلى أنّ النّائب بمملكة عكّا «3» والمقدّمين بها يوصون في سائر البلاد الساحلية التي وقعت الهدنة عليها، أنّهم لا يمكّنون حراميّة البحر من الزوادة من عندهم ولا من حمل ماء، وإن ظفروا بأحد منهم يمسكونه، وإن كانوا يبيعون عندهم بضائع فيمسكها كفيل المملكة بعكّا والمقدّمون حتّى يظهر صاحبها وتسلّم إليه. وكذلك يعتمد السلطان وولده [في أمر الحراميّة هذا الاعتماد]«4» .
وعلى أن الرّهائن بعكّا والبلاد السّاحلية الدّاخلة في هذه الهدنة، كلّ من عليه منهم مبلغ أو غلّة، فيحلف والي ذلك المكان الذي منه الرّهينة، ويحلف المباشر والكاتب في وقت أخذ هذا الشّخص رهينة أنه عليه كذا وكذا: من دراهم أو غلّة أو بقر أو غيره، فإذا حلف الوالي والمباشر والكاتب قدّام نائب السلطان وولده على ذلك يقوم أهل الرّهينة عنه بما للفرنج عليه ويطلقونه. وأما الرّهائن الذين أخذوا منسوبين إلى الجفل والاختشاء أنهم لا يهربون إلى بلاد الإسلام ويمتنع الولاة والمباشرون من اليمين عليهم، فأولئك يطلقون.
وعلى أن لا يجدّد على التّجّار المسافرين: الصادرين والواردين من الجهتين حقّ لم تجر به عادة، ويجروا على عوائدهم المستمرّة إلى آخر وقت، وتؤخذ منهم الحقوق على العادة المستمرّة، ولا يجدّد عليهم رسم ولا حقّ لم تجر به عادة. وكلّ مكان عرف باستخراج الحقّ فيه يستخرج بذلك المكان من غير زيادة من الجهتين، في حالتي سفرهم وإقامتهم، ويكون التّجّار والسّفّار والمتردّدون آمنين مطمئنّين مخفّرين من الجهتين في حالتي سفرهم وإقامتهم، وصدورهم وورودهم بما صحبتهم من الأصناف والبضائع التي هي غير ممنوعة.
وعلى أنه ينادى في البلاد الإسلامية والبلاد الفرنجية الدّاخلة في هذه الهدنة: أنه من كان من فلّاحي بلاد المسلمين يعود إلى بلاد المسلمين مسلما كان أو نصرانيّا، وكذلك من كان من فلّاحي بلاد الفرنج مسلما كان أو نصرانيّا، معروفا قراريّا من الجهتين، ومن لم يعد بعد المناداة يطرد من الجهتين. ولا يمكّن فلّاحو بلاد المسلمين من المقام في بلاد الفرنج المنعقد عليها هذه الهدنة، ولا فلّاحو بلاد المسلمين من المقام في بلاد المسلمين التي انعقدت عليها هذه الهدنة؛ ويكون عود الفلّاح من الجهة إلى الجهة الأخرى بأمان.
وعلى أن تكون كنيسة النّاصرة وأربع بيوت من أقرب البيوت إليها لزيارة الحجّاج وغيرهم من دين الصّليب: كبيرهم وصغيرهم على اختلاف أجناسهم وأنفارهم: من عكّا والبلاد الساحليّة الداخلة في هذه الهدنة، ويصلّي بالكنيسة الاقسّاء «1» والرّهبان، وتكون البيوت المذكورة لزوّار كنيسة النّاصرة خاصّة، ويكونون آمنين مطمئنّين في توجّههم وحضورهم إلى حدود البلاد الداخلة في هذه الهدنة. وإذا نقبت الحجارة التي بالكنيسة المذكورة ترمى برّا، ولا يحطّ حجر منها على حجر لأجل بنايته «2» ، ولا يتعرّض إلى
الأقسّاء والرّهبان، وذلك على وجه الهبة لأجل زوّار دين الصّليب بغير حقّ.
ويلزم السلطان وولده حفظ هذه البلاد المشروحة التي انعقدت عليها الهدنة من نفسهما وعساكرهما وجنودهما، ومن جميع المتجرّمة والمتلصّصين والمفسدين: ممّن هو داخل تحت حكمهما وطاعتهما. ويلزم كفيل المملكة بعكّا والمقدّمين بها حفظ هذه البلاد الإسلامية المشروحة التي انعقدت عليها الهدنة، من نفسهم وعساكرهم وجنودهم، وجميع المتجرّمة والمتلصّصين والمفسدين: ممن هو داخل تحت حكمهم وطاعتهم بالمملكة السّاحليّة الداخلة في هذه الهدنة. ويلزم كفيل المملكة بعكّا، ومقدّمي البيوت بها الحكّام بعكّا والبلاد الساحلية الداخلة في هذه الهدنة- القيام بما تضمّنته هذه الهدنة من الشّروط جميعها، شرطا شرطا، وفصلا فصلا، والعمل بأحكامها، والوقوف مع شروطها إلى انقضاء مدّتها. ويفي كلّ منهم بما حلف به من الأيمان المؤكّدة: من أنّه يفي بجميع ما في هذه الهدنة على ما حلفوا به.
تستمرّ هذه الهدنة المباركة بين السّلطان وولده وأولادهما وأولاد أولادهم، وبين الحكّام بمملكة عكّا، وصيدا، وعثليث؛ وهم الشيخان (أودرا)«1» المقدّمون المذكورون فلان وفلان إلى آخرها، لا تتغيّر بموت ملوك أحد الجهتين، ولا بتغيّر مقدّم وتولية غيره، بل تستمرّ على حالها إلى آخرها وانقضائها، بشروطها المحدودة، وقواعدها المقرّرة، كاملة تامّة، ومتى انقضت هذه الهدنة المباركة، أو وقع- والعياذ بالله- فسخ، كانت المهلة في ذلك أربعين من الجهتين. وينادى برجوع كلّ أحد إلى وطنه بعد الإشهاد، ليعود الناس إلى مواطنهم آمنين مطمئنّين، ولا يمنعون من السّفر من الجهتين، ولا تبطل بعزل أحد من الجهتين، وتشيّد أحكامها متتابعة
متوالية، بالسنين والشّهور والأيّام إلى انقضائها، ويلزم المتولي حفظها والعمل بشروطها وفصولها، وفروعها وأصولها، ويجري الحال فيها على أجمل الحالات إلى آخرها. وعلى جميع ذلك وقع الرّضا والصّفح والاتّفاق، وحلف عليها من الجهتين، والله الموفّق «1» .
وهذه نسخة هدنة، عقدت بين الملك الأشرف، صلاح الدّين «خليل» ابن الملك المنصور سيف الدّين «قلاوون» صاحب الديار المصريّة والبلاد الشّامية، وبين دون حاكم الريد أرغون «2» ، صاحب برشلونة من بلاد الأندلس، على يد رسله: أخويه وصهريه الآتي ذكرهم، في صفر سنة اثنتين وتسعين وستّمائة؛ وهي:
استقرّت الموّدّة والمصادقة بين الملك الأشرف، وبين حضرة الملك الجليل، المكرّم، الخطير، الباسل، الأسد، الضرّغام، المفخّم، المبجّل «دون» حاكم الريد أرغون، وأخويه دون ولذريك «3» ، ودون بيدرو، وبين صهريه اللّذين طلب الرّسولان الواصلان إلى الأبواب الشريفة عن مرسلهما الملك دون حاكم أن يكونا داخلين في الهدنة والمصادقة،
وأن يلتزم الملك دون حاكم عنهما بكلّ ما التزم به عن نفسه، ويتدرّك أمرهما، وهما الملك الجليل، المكرّم، الخطير، الباسل، الأسد، الضّرغام، دون شانجه «1» ، ملك قشتالة، وطليطلة، وليون، وبلنسية، وأشبيلية، وقرطبة، ومرسية، وجيّان، والغرب، الكفيل بمملكة أرغون وبرتقال «2» - والملك الجليل دون أتفونش «3» ملك برتقال، من تاريخ يوم الخميس تاسع عشر صفر سنة اثنتين وتسعين وستّمائة، الموافق لثلاث بقين من جنير «4» سنة ألف ومائتين واثنتين وتسعين لمولانا السّيّد المسيح عليه السلام، وذلك بحضور رسولي الملك دون حاكم، وهما: المحتشم الكبير «روصوديمار موند» الحاكم، عن الملك دون حاكم في بلنسية، ورفيقه المحتشم العمدة «ديمون المان قراري» برجلونة، الواصلين بكتاب الملك دون حاكم، المختوم بختم الملك المذكور، المقتضي معناه أنّه حمّلهما جميعا أحوالهم ومطلوبهم، وسأل أن يقوما فيما يقولانه عنه، فكان مضمون مشافهتهما وسؤالهما تقرير قواعد الصّلح والمودّة والصّداقة، والشّروط التي يشترطها الملك الأشرف على الملك دون حاكم، وأنّه يلتزم بجميع هذه الشّروط الآتي ذكرها، ويحلف الملك المذكور عليها هو وأخواه وصهراه المذكورون، ووضع الرسولان المذكوران خطوطهما بجميع الفصول الآتي ذكرها، بأمره ومرسومه، وأن الملك دون حاكم وأخويه وصهريه يلتزمون بها؛ وهي: استقرار المودّة والمصادقة من التّاريخ المقدّم ذكره، على ممرّ السنين والأعوام، وتعاقب اللّيالي والأيّام: برّا وبحرا، سهلا ووعرا، قربا وبعدا.
وعلى أن تكون بلاد السلطان الملك الأشرف، وقلاعه، وحصونه،
وثغوره، وممالكه، ومواني بلاده وسواحلها، وبرورها، وجميع أقاليمها ومدنها، وكلّ ما هو داخل في مملكته، ومحسوب منها، ومنسوب إليها: من سائر الاقاليم الرّوميّة، والعراقيّة، والمشرقيّة، والشّاميّة، والحلبية، والفراتيّة، واليمنية، والحجازيّة، والدّيار المصرية، والغرب.
وحدّ هذه البلاد والأقاليم وموانيها وسواحلها من البرّ الشّاميّ من القسطنطينيّة والبلاد الرّومية السّاحليّة، وهي: من طرابلس الغرب، وسواحل برقة، والإسكندريّة، ودمياط، والطّينة، وقطيا، وغزّة، وعسقلان، ويافا، وأرسوف، وقيساريّة، وعثليث، وحيفا، وعكّا، وصور، وصيدا، وبيروت، وجبيل، والبيرون «1» ، وأنفة طرابلس الشّام، وأنطرسوس، ومرقيّة، والمرقب، وساحل المرقب: بانياس وغيرها، وجبلة، واللّاذقيّة، والسّويديّة وجميع المواني والبرور إلى ثغر دمياط وبحيرة تنّيس.
وحدّها من البرّ الغربيّ: من تونس وإقليم إفريقية وبلادها وموانيها، وطرابلس الغرب وثغورها، وبلادها وموانيها، وبرقة وثغورها وبلادها وموانيها، إلى ثغر الإسكندريّة ورشيد وبحيرة تنّيس وسواحلها وبلادها وموانيها.
وما تحويه هذه البلاد والممالك المذكورة والّتي لم تذكر، والمدائن والثّغور والسّواحل والمواني والطّرقات في البرّ والبحر، والصّدور والورود، والمقام والسّفر، من عساكر وجنود، وتركمان، وأكراد، وعربان، ورعايا، وتجّار، وشواني، ومراكب، وسفن، وأموال، ومواش، على اختلاف الأديان والأنفار والأجناس، وما تحويه الأيدي، من سائر أصناف الأموال والأسلحة والأمتعة والبضائع والمتاجر، قليلا كان أو كثيرا، قريبا كان أو بعيدا، برّا كان أو بحرا- آمنة «2» على الأنفس، والأرواح، والأموال
والحريم، والأولاد من الملك دون حاكم ومن أخويه وصهريه المذكورين، ومن أولادهم، وفرسانهم، وخيّالتهم، ومعاهديهم، وعمائرهم، ورجالهم، وكلّ من يتعلّق بهم. وكذلك كلّ ما سيفتحه الله تعالى على يد الملك الأشرف، وعلى يد أولاده وعساكره وجيوشه، من القلاع والحصون، والبلاد والأقاليم، فإنه يجري عليه هذا الحكم.
وعلى أن تكون بلاد الملك دون حاكم وبلاد أخويه وصهريه وممالكه المذكورة في هذه الهدنة، وهي: أرغون وأعمالها وبلادها: صقلّية «1» وجزيرتها وبلادها وأعمالها، برّبولية «2» وأعمالها وبلادها، جزيرة مالقة، وقوصرة وبلادها وأعمالها، ميورقة ويابسة «3» وبلادها، وأرسويار»
وأعمالها، وما سيفتحه الملك دون حاكم من بلاد أعدائه الفرنج المجاورين له بتلك الأقاليم- آمنين من الملك الأشرف وأولاده، وعساكره وجيوشه، وشوانيه وعمائره، هي ومن فيها من فرسان وخيّالة ورعايا، وأهل بلاده آمنين مطمئنّين على الأنفس والأموال، والحريم والأولاد، في البرّ والبحر، والصّدور والورود.
وعلى أنّ الملك دون حاكم هو وأخواه وصهراه أصدقاء من يصادق الملك الأشرف وأولاده، وأعداء من يعاديهم من سائر الملوك الفرنجية وغير الملوك الفرنجية. وإن قصد الباب «5» برومية، أو ملك من ملوك الفرنج:
متوّجا كان أو غير متوّج، كبيرا كان أو صغيرا، أو من الجنويّة، أو من البنادقة أو من سائر الأجناس على اختلاف الفرنج والرّوم، والبيوت: بيت الإخوة
الديويّة، والاسبتارية، والرّوم، وسائر أجناس النّصارى- مضرّة بلاد الملك الأشرف، بمحاربة أو أذيّة، يمنعهم الملك دون حاكم هو وأخواه وصهراه ويردّونهم، ويعمرون شوانيهم ومراكبهم، ويقصدون بلادهم، ويشغلونهم بنفوسهم عن قصد بلاد الملك الأشرف وموانيه وسواحله وثغوره المذكورة، وغير المذكورة، ويقاتلونهم في البرّ والبحر بشوانيهم وعمائرهم، وفرسانهم وخيّالتهم ورجّالتهم.
وعلى أنّه متى خرج أحد من معاهدي الملك الأشرف من الفرنج عن شروط الهدنة المستقرّة بينه وبينهم، ووقع ما يوجب فسخ الهدنة، لا يعينهم الملك دون حاكم ولا أحد من أخويه ولا صهريه، ولا خيّالتهم، ولا فرسانهم، ولا أهل بلادهم، بخيل ولا خيّالة، ولا سلاح ولا رجّالة، ولا مال ولا نجدة، ولا ميرة، ولا مراكب ولا شواني ولا غير ذلك.
وعلى أنّه متى طلب الباب برومية، وملوك الفرنج، والرّوم، والتّتار، وغيرهم من الملك دون حاكم أو من أخويه أو من صهريه أو من بلادهم، إنجادا، أو معاونة: بخيّالة، أو رجّالة، أو مال، أو مراكب، أو شواني، أو سلاح- لا يوافقهم على شيء من ذلك، لا في سرّ ولا جهر، ولا يعين أحدا منهم ولا يوافقه على ذلك. ومتى اطّلعوا على أنّ أحدا منهم يقصد بلاد الملك الأشرف لمحاربته أو لمضرّته بشيء، يعرّف الملك الأشرف بخبرهم، وبالجهة التي اتّفقوا على قصدها في أقرب وقت، قبل [حركتهم]«1» من بلادهم، ولا يخفيه شيئا من ذلك.
وعلى أنّه متى انكسر مركب من المراكب الإسلاميّة في بلاد الملك دون حاكم، أو بلاد أخويه أو بلاد صهريه، [فعليهم]«2» أن يخفروهم، ويحفظوا
مراكبهم وأموالهم، ويساعدوهم على عمارة مراكبهم، ويجهّزوهم وأموالهم وبضائعهم إلى بلاد الملك الأشرف. وكذلك إذا انكسرت مركب من بلاد دون حاكم، وبلاد أخويه وصهريه، ومعاهديه في بلاد الملك الأشرف، يكون لهم هذا الحكم المذكور أعلاه.
وعلى أنّه متى مات أحد من تجّار المسلمين ومن نصارى بلاد الملك الأشرف، أو ذمّة أهل بلاده، في بلاد الملك دون حاكم وبلاد أخويه وصهريه وأولاده ومعاهديه، لا يعارضوهم في أموالهم ولا في بضائعهم، ويحمل مالهم وموجودهم إلى بلاد الملك الأشرف ليفعل فيه ما يختار.
وكذلك من يموت في بلاد الملك الأشرف من أهل مملكة الملك دون حاكم وبلاد أخويه وصهريه ومعاهديهم، فلهم هذا الحكم المذكور أعلاه.
وعلى أنّه متى عبر على بلاد الملك دون حاكم أو بلاد أخويه أو صهريه أو معاهديه رسل من بلاد الملك الأشرف قاصدين جهة من الجهات القريبة أو البعيدة، صادرين أو واردين، أو رماهم الرّيح في [بلاده]«1» ، تكون الرّسل وغلمانهم وأتباعهم، ومن يصل معهم من رسل الملوك أو غيرهم- آمنين محفوظين في الأنفس والأموال، ويجهّزهم إلى بلاد الملك الأشرف.
وعلى أنّ الملك دون حاكم وأخويه وصهريه متى جرى من أحد من بلادهم قضيّة توجب فسخ المهادنة، كان على كلّ من الملك دون حاكم وأخويه وصهريه طلب من يفعل ذلك وفعل الواجب فيه.
وعلى أنّ الملك دون حاكم وأخويه وصهريه يفسح كلّ منهم لأهل بلاده وغيرهم من الفرنج، أنّهم يجلبون إلى الثّغور الإسلامية، الحديد والبياض والخشب وغير ذلك.
وعلى أنّه متى أسر أحد من المسلمين في البرّ أو البحر، من مبدإ تاريخ
هذه المهادنة من سائر البلاد: شرقها وغربها، أقصاها وأدناها، ووصلوا به إلى بلاد الملك دون حاكم وبلاد أخويه وصهريه ليبيعوه بها، فيلزم الملك دون حاكم وأخويه وصهريه فكّ أسره وحمله إلى بلاد الملك الأشرف.
وعلى أنّه متى كان بين تجّار المسلمين، وبين تجّار بلاد الملك دون حاكم وأخويه وصهريه معاملة في بضائعهم، وهم في بلاد الملك الأشرف، كان أمرهم محمولا على موجب الشّرع الشريف.
وعلى أنّه متى ركب أحد من المسلمين في مراكب بلاد الملك دون حاكم وأخويه وصهريه، وحمل بضاعته معهم وعدمت البضاعة، كان على الملك دون حاكم وعلى أخويه وصهريه ردّها إن كانت موجودة، أو قيمتها إن كانت مفقودة.
وعلى أنّه متى هرب أحد من بلاد الملك الأشرف الدّاخلة في هذه المهادنة إلى بلاد الملك دون حاكم وأخويه وصهريه، أو توجّه ببضاعة لغيره وأقام بتلك البلاد، كان على الملك دون حاكم وعلى أخويه وصهريه ردّ الهارب أو المقيم ببضاعة غيره، والمال معه إلى بلاد الملك الأشرف ما دام [المذكور] مسلما؛ وإن تنصّر، يردّ المال الذي معه خاصّة. ولمملكة الملك دون حاكم وأخويه وصهريه فيمن يهرب من بلادهم إلى بلاد الملك الأشرف هذا الحكم المذكور أعلاه.
وعلى أنّه إذا وصل من بلاد الملك دون حاكم وبلاد أخويه وصهريه ومعاهديه من الفرنج من يقصد زيارة القدس الشّريف، وعلى يده كتاب الملك دون حاكم وختمه إلى نائب الملك الأشرف بالقدس الشّريف، يفسح له في الزّيارة مسموحا بالحقّ ليقضي زيارته ويعود إلى بلاده آمنا مطمئنّا في نفسه وماله، رجلا كان أو امرأة، بحيث إن الملك دون حاكم لا يكتب لأحد من أعدائه ولا من أعداء الملك الأشرف في أمر الزيارة بشيء.
وعلى أنّ الملك دون حاكم يحرس جميع بلاد الملك الأشرف هو
وأخواه وصهراه من كل مضرّة، ويجتهد كلّ منهم في أنّ أحدا من أعداء الملك الأشرف لا يصل إلى بلاد الملك الأشرف، ولا ينجدهم على مضرّة بلاد الملك الأشرف ولا رعاياه، وأنه يساعد الملك الأشرف في البرّ والبحر بكلّ ما يشتهيه ويختاره.
وعلى أنّ الحقوق الواجبة على من يصدر ويرد ويتردّد من بلاد الملك دون حاكم وأخويه وصهريه، إلى ثغري الإسكندريّة ودمياط، والثّغور الإسلامية، والممالك السّلطانية، بسائر أصناف البضائع والمتاجر على اختلافها، تستمرّ على حكم الضرائب المستقرّة في الدّيوان المعمور إلى آخر وقت، ولا يحدث عليهم فيها حادث. وكذلك يجري الحكم على من يتردّد من البلاد السلطانية إلى بلاد الملك دون حاكم وأخويه وصهريه.
تستمرّ هذه المودّة والمصادقة على حكم هذه الشّروط المشروحة أعلاه بين الجهات على الدّوام والاستمرار، وتجري أحكامها وقواعدها على أجمل الاستقرار؛ فإن الممالك بها قد صارت مملكة واحدة وشيئا واحدا؛ لا تنتقض بموت أحد من الجانبين، ولا بعزل وال وتوليه غيره، بل تؤيّد أحكامها، وتدوم أيّامها، وشهورها وأعوامها. وعلى ذلك انتظمت واستقرّت في التاريخ المذكور أعلاه، وهو كذا وكذا، والله الموفّق بكرمه إن شاء الله تعالى.
قلت: وهذه النّسخ الخمس المتقدّمة الذّكر نقلتها من تذكرة محمد بن المكرّم «1» ، أحد كتّاب الإنشاء بالدّولة المنصورية «قلاوون» المسّماة:
«تذكرة اللّبيب، ونزهة الأديب» من نسخة بخطّه، ذكر فيها أن النّسخة الأولى منها كتبها بخطّه على مدينة صفد. وليس منها ما هو حسن التّرتيب، رائق الألفاظ، بهج المعاني، بليغ المقاصد، غير النّسخة الأخيرة المعقودة بين
الملك الأشرف وبين الملك دون حاكم. أما سائر النّسخ المتقدّمة فإنها مبتذلة الألفاظ، غير رائقة التّرتيب، لا يصدر مثلها من كاتب عنده أدنى ممارسة لصناعة الكلام. والعجب من صدور ذلك في زمن «الظّاهر بيبرس» و «المنصور قلاوون» وهما من هما من عظماء الملوك!!! وكتابة الإنشاء يومئذ بيد بني عبد الظّاهر الذين هم بيت الفصاحة ورؤوس أرباب البلاغة!!! ولعلّ ذلك إنما وقع، لأن الفرنج كانوا مجاورين للمسلمين يومئذ ببلاد الشّام، فيقع الاتّفاق والتراضي بين الجهتين على فصل فصل، فيكتبه كاتب من كلّ جهة من جهتي المسلمين والفرنج بألفاظ مبتذلة غير رائقة، طلبا للسّرعة، إلى أن ينتهي بهم الحال في الاتّفاق والتراضي، إلى آخر فصول الهدنة، فيكتبها كاتب الملك المسلم على صورة ما جرى في المسودّة، ليطابق ما كتب به كاتب الفرنج؛ إذ لو عدل فيها كاتب السلطان إلى الترتيب، وتحسين الألفاظ وبلاغة التّركيب، لاختلّ الحال فيها عما وافق عليه كاتب الفرنج أوّلا، فينكرونه حينئذ، ويرون أنه غير ما وقع عليه الاتّفاق، لقصورهم في اللّغة العربيّة، فيحتاج الكاتب إلى إبقاء الحال على ما توافق عليه الكاتبان في المسودّة. وبالجملة فإنما ذكرت النّسخ المذكورة- على سخافة لفظها، وعدم انسجام ترتيبها- لا شتمالها على الفصول التي جرى فيها الاتّفاق فيما تقدّم من الزّمان، ليستمدّ منها الكاتب ما لعلّه لا يحضر بباله من مقاصد المهادنات، أغنانا الله تعالى عن الحاجة إليها.
واعلم أنه قد جرت العادة، إنه إذا كتبت الهدنة، كتب قرينها يمين يحلف بها السلطان أو نائبه القائم بعقد الهدنة، على التّوفية بفصولها وشروطها، ويمين يحلف عليها القائم عن الملك الكافر بعقد الهدنة، ممّن يأذن له في عقدها عنه، بكتاب يصدر عنه بذلك، أو تجهّز نسختها إلى الملك الكافر ليحلف عليها، ويكتب خطّه بذلك، وتعاد إلى الأبواب السلطانية.