المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المذهب الثاني (أن يفتتح عقد الصلح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» وربما كرر فيها التحميد إعلاما بعظيم موقع النعمة) - صبح الأعشى في صناعة الإنشا - ط العلمية - جـ ١٤

[القلقشندي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع عشر]

- ‌[تتمة المقالة التاسعة]

- ‌الباب الرابع من المقالة التاسعة (في الهدن الواقعة بين ملوك الإسلام وملوك الكفر؛ وفيه فصلان)

- ‌الفصل الأوّل في أصول تتعيّن على الكاتب معرفتها؛ وفيه ثلاثة أطراف

- ‌الطرف الأوّل (في بيان رتبتها ومعناها، وذكر ما يرادفها من الألفاظ)

- ‌الطرف الثاني (في أصل وضعها)

- ‌الطرف الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة الهدن)

- ‌النوع الأوّل (ما يختص بكتابة الهدنة بين أهل الإسلام وأهل الكفر)

- ‌النوع الثاني (ما تشترك فيه الهدن الواقعة بين أهل الكفر والإسلام، وعقود الصّلح الجارية بين زعماء المسلمين؛ وهي ضربان)

- ‌الضرب الأوّل (الشروط العادية التي جرت العادة أن يقع الاتّفاق عليها بين الملوك في كتابة الهدن خلا ما تقدّم)

- ‌الضرب الثاني (مما يلزم الكاتب في كتابة الهدنة- تحرير أوضاعها، وترتيب قوانينها، وإحكام معاقدها)

- ‌الطرف الأوّل (فيما يستبدّ ملوك الإسلام فيه بالكتابة عنهم- وتخلّد منه نسخ بالأبواب السلطانية، وتدفع منه نسخ إلى ملوك الكفر)

- ‌النّمط الأوّل (ما يكتب في طرّة الهدنة من أعلى الدّرج)

- ‌النّمط الثاني (ما يكتب في متن الهدنة، وهو على نوعين)

- ‌النوع الأوّل (ما تكون الهدنة فيه من جانب واحد)

- ‌المذهب الأوّل (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «هذا ما هادن عليه»

- ‌المذهب الثاني (أن تفتتح المهادنة قبل لفظ «هذا» ببعديّة)

- ‌النوع الثاني (من الهدن الواقعة بين ملك مسلم وملك كافر- أن تكون الهدنة من الجانبين جميعا)

- ‌المذهب الأوّل (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «هذه هدنة» ونحو ذلك)

- ‌المذهب الثاني (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «استقرّت الهدنة بين فلان وفلان» ويقدّم فيه ذكر الملك المسلم)

- ‌المذهب الثالث (أن تفتتح المهادنة بخطبة مبتدأة ب «الحمد لله» )

- ‌الطرف الثاني (فيما يشارك فيه ملوك الكفر ملوك الإسلام في كتابة نسخ من دواوينهم)

- ‌الباب الخامس من المقالة التاسعة (في عقود الصّلح الواقعة بين ملكين مسلمين؛ وفيه فصلان)

- ‌الفصل الأوّل (في أصول تعتمد في ذلك)

- ‌الفصل الثاني من الباب الخامس من المقالة التاسعة (فيما جرت العادة بكتابته بين الخلفاء وملوك المسلمين على تعاقب الدول؛ ممّا يكتب في الطّرّة والمتن)

- ‌النوع الأوّل (ما يكون العقد فيه من الجانبين)

- ‌النوع الثاني (ممّا يجري عقد الصّلح فيه بين ملكين مسلمين- ما يكون العقد فيه من جانب واحد)

- ‌المذهب الأوّل (أن يفتتح عقد الصّلح بلفظ: «هذا» كما في النوع السابق)

- ‌المذهب الثاني (أن يفتتح عقد الصّلح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» وربّما كرّر فيها التحميد إعلاما بعظيم موقع النّعمة)

- ‌الباب السادس من المقالة التاسعة (في الفسوخ الواردة على العقود السابقة؛ وفيه فصلان)

- ‌الفصل الأوّل (الفسخ؛ وهو ما وقع من أحد الجانبين دون الآخر)

- ‌الفصل الثاني المفاسخة؛ وهي ما يكون من الجانبين جميعا

- ‌المقالة العاشرة في فنون من الكتابة يتداولها الكتّاب وتتنافس في عملها، ليس لها تعلّق بكتابة الدّواوين السلطانية ولا غيرها؛ وفيها بابان

- ‌الفصل الأوّل في المقامات

- ‌الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (في الرّسائل)

- ‌الصنف الأوّل (منها الرّسائل الملوكيّة؛ وهي على ضربين)

- ‌الضرب الأوّل (رسائل الغزو؛ وهي أعظمها وأجلّها)

- ‌الضرب الثاني (من الرسائل الملوكية رسائل الصّيد)

- ‌الصنف الثاني (من الرسائل ما يرد منها مورد المدح والتّقريض)

- ‌[الخصلة الاولى] أوّلها: العلم بموقع النّعمة من المنعم عليه

- ‌والخصلة الثانية: الحرّيّة الباعثة على حبّ المكافأة

- ‌والخصلة الثالثة: الدّيانة بالشّكر

- ‌والخصلة الرابعة: وصف ذلك الإحسان باللّسان البيّن

- ‌الصنف الثالث (من الرسائل المفاخرات؛ وهي على أنواع)

- ‌الصّنف الرابع

- ‌[الصّنف الخامس]

- ‌الفصل الثالث من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (في قدمات البندق)

- ‌الفصل الرابع من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (في الصّدقات؛ وفيه طرفان)

- ‌الطرف الأوّل (في الصّدقات الملوكيّة وما في معناها)

- ‌الطرف الثاني (في صدقات الرّؤساء والأعيان وأولادهم)

- ‌الفصل الخامس من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب مما جرت العادة بمراعاة النّثر المسجوع فيه، ومحاولة الفصاحة والبلاغة؛ وفيه طرفان)

- ‌الطرف الأوّل (فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب؛ ثم هو على صنفين)

- ‌الصنف الأوّل (الإجازات بالفتيا والتّدريس والرّواية وعراضات الكتب ونحوها)

- ‌الصنف الثاني (التّقريضات التي تكتب على المصنّفات المصنّفة والقصائد المنظومة)

- ‌الطرف الثاني (فيما يكتب عن القضاة؛ وهو على أربعة أصناف)

- ‌الصنف الأوّل (التقاليد الحكميّة؛ وهي على مرتبتين)

- ‌المرتبة الأولى (أن تفتتح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» )

- ‌[المرتبة الثانية]

- ‌الصنف الثاني (إسجالات العدالة)

- ‌الصنف الثالث (الكتب إلى النّوّاب وما في معناها)

- ‌الصنف الرابع (ما يكتب في افتتاحات الكتب)

- ‌الفصل السادس (في العمرات التي تكتب للحاجّ)

- ‌الباب الثاني من المقالة العاشرة في الهزليّات

- ‌الخاتمة في ذكر أمور تتعلق بديوان الإنشاء غير أمور الكتابة وفيها أربعة أبواب

- ‌الباب الأوّل في الكلام على البريد؛ وفيه فصلان

- ‌الفصل الأوّل في مقدمات يحتاج الكاتب إلى معرفتها؛ ويتعلّق الغرض من ذلك بثلاثة أمور

- ‌الأمر الأوّل (معرفة معنى لفظ البريد لغة واصطلاحا)

- ‌الأمر الثاني (أوّل من وضع البريد وما آل إليه أمره إلى الآن)

- ‌الأمر الثالث (بيان معالم البريد)

- ‌الفصل الثاني من الباب الأوّل من الخاتمة في ذكر مراكز البريد

- ‌المقصد الأوّل (في مركز قلعة الجبل المحروسة بالديار المصرية التي هي قاعدة الملك، وما يتفرّع عنه من المراكز، وما تنتهي إليه مراكز كلّ جهة)

- ‌المقصد الثاني (في مراكز غزّة وما يتفرّع عنه من البلاد الشامية)

- ‌المقصد الثالث (في ذكر دمشق وما يتفرّع عنه من المراكز الموصّلة إلى حمص وحماة وحلب، وإلى الرّحبة، وإلى طرابلس، وإلى جعبر، ومصياف وبيروت وصيدا وبعلبكّ والكرك وأذرعات)

- ‌المقصد الرابع (من مركز حلب وما يتفرّع عنه من المراكز الواصلة إلى البيرة وبهسنى وما يليهما، وقلعة المسلمين المعروفة بقلعة الرّوم، وآياس، مدينة الفتوحات الجاهانية، وجعبر)

- ‌المقصد الخامس (في مركز طرابلس وما يتفرّع عنه من المراكز الموصّلة إلى جهاتها)

- ‌المقصد السادس (في معرفة مراحل الحجاز الموصّلة إلى مكّة المشرّفة والمدينة النّبويّة، على ساكنها سيدنا محمد أفضل الصلاة والسّلام والتحية والإكرام، إذ كانت من تتمّة الطّرق الموصّلة إلى بعض أقطار المملكة)

- ‌الطريق إلى المدينة النّبويّة (على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام)

- ‌الباب الثاني من الخاتمة في مطارات الحمام الرّسائليّ، وذكر أبراجها المقرّرة بطرق الديار المصرية والبلاد الشّاميّة، وفيه فصلان

- ‌الفصل الأوّل في مطاراته

- ‌الفصل الثاني من الباب الثاني من الخاتمة في أبراج الحمام المقرّرة لإطارتها بالديار المصرية والبلاد الشّاميّة

- ‌الأبراج الاخذة من قلعة الجبل المحروسة إلى جهات الديار المصرية

- ‌الأبراج الآخذة من قلعة الجبل إلى غزّة

- ‌الأبراج الآخذة من غزّة وما يتفرّع عنها

- ‌الأبراج الآخذة من دمشق وما يتفرّع عنها

- ‌الأبراج الاخذة من حلب وما يتفرّع عنها

- ‌الباب الثالث من الخاتمة في ذكر هجن الثّلج والمراكب المعدّة لحمل الثّلج الذي يحمل من الشام إلى الأبواب السلطانية بالديار المصريّة؛ وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأوّل (في نقل الثّلج)

- ‌الفصل الثاني من الباب الثالث من الخاتمة في المراكب المعدّة لنقل الثّلج من الشام

- ‌الفصل الثالث من الباب الثالث من الخاتمة في الهجن المعدّة لنقل ذلك

- ‌الباب الرابع من الخاتمة في المناور والمحرقات؛ وفيه فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المناور

- ‌الفصل الثاني من الباب الرابع من الخاتمة: في المحرقات

- ‌المصادر والمراجع المستعملة في الحواشي

- ‌[فهرس]

الفصل: ‌المذهب الثاني (أن يفتتح عقد الصلح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» وربما كرر فيها التحميد إعلاما بعظيم موقع النعمة)

وكفى بالله شهيدا، وجازيا لعباده ومثيبا. وذلك في يوم كذا، من شهر كذا، من سنة كذا.

‌المذهب الثاني (أن يفتتح عقد الصّلح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» وربّما كرّر فيها التحميد إعلاما بعظيم موقع النّعمة)

وهذه نسخة عقد صلح كتب بها أبو الحسين أحمد بن سعد عن بعض الأمراء لمن كان

«1»

ونصّها على ما ذكره في «كتاب البلاغة» «2» في الترسل، بعد البسملة:

الحمد لله الذي خلق العباد بقدرته، وكوّن الأمور بحكمته، وصرّفها على إرادته. لم يلطف عنه خفيّ، ولا امتنع عنه قويّ؛ ابتدع الخلائق على اختلاف فطرها، وتباين صورها، من غير مثال احتذاه، ولا رسم اقتفاه، وأيّدهم بنعمته، فيما ركبه فيهم من الأدوات الدّالّة على ربوبيّته، الناطقة بوحدانيّته، واكتفوا بالمعرفة به- جل جلاله بخبر العقول، وشهادة الأفهام، ثم استظهر لهم في التّبصرة، وغلبهم في الحجّة، برسل أرسلها، وآيات بيّنها، ومعالم أوضحها، ومنارات لمسالك الحقّ رفعها، وشرع لهم الإسلام دينا وارتضاه واصطفاه، وفضّله واجتباه، وشرّفه وأعلاه، وجعله مهيمنا على الدّين كلّه، وقدّر العزّ لحزبه وأهله، فقال جل جلاله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ*

«3» وأيّده بأنبيائه الدّاعين إليه، والنّاهجين لطرقه، والهادين لفرائضه، والمخبرين عن شرائعه، قرنا بعد قرن، وأمّة بعد أمّة، في فترة بعد فترة «4» ،

ص: 113

وبيّنة بعد بيّنة، حتّى انتهى تقديره- جل جلاله أن بعث النّبيّ الأمّيّ، الفاضل الزّكيّ، الذي قفّى به على الرّسل، ونسخ بشريعته شرائع الملل، وبدينه أديان الأمم، على حين تراخي فترة، وترامي حيرة؛ فأباخ «1» به نيران الفتن بعد اضطرامها، وأضاء به سبل الرّشاد بعد إظلامها، على علم منه- تعالى ذكره- بما وجده عنده من النّهوض بأعباء الرّسالة، والقيام بأداء الأمانة، فأزاح بذلك العلّة، وقطع المعذرة، ولم يبق للشّاكّ موضع شبهة، ولا للمعاند دعوى مموّهة، حتى مضى حميدا تشهد له آثاره، وتقوم بتأييد سنّته أخباره، قد خلّف في أمّته، ما أصارهم به إلى عطف الله ورحمته، والنّجاة من عقابه وسخطه، إلّا من شقي بسوء اختياره، وحرم الرّشاد بخذلانه، صلّى الله عليه وعلى آله الطيبين أفضل صلاة وأتمّها، وأوفاها وأعمّها.

والحمد لله الذي خصّ سيدنا الأمير بالتّوفيق، وتوحّده بالإرشاد والتّسديد، في جميع أنحائه، ومواقع آرائه، وجعل همّته (إذ كانت الهمم منصرفة إلى هشيم الدّنيا وزخارفها، التي يتحلّى بها الأبناء وتدعوها إلى نفسها) مقصورة على ما يجمع له رضا ربّه، وسلامة دينه، واستقامة أمور مملكته، وصلاح أحوال رعيّته، وأيّده في هذه الحال المعارضة، والشّبهة الواقعة، التي تحار في مثلها الآراء، وتضطرب الأهواء، وتتنازع خواطر النفوس، وتفتلج وساوس الصّدور، ويخفى موقع الصّواب، ويشكل منهج الصّلاح- بما اختار له من السّلم والموادعة، والصّلح والموافقة، الذي أخبر الله تعالى في كتابه على فضله، والخير الذي في ضمنه، بقوله جلّ وعزّ:

وَالصُّلْحُ خَيْرٌ

«2» وقوله جلّ ذكره: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ

«3» حتّى أصبح السّيف مغمودا، ورواق الأمن ممدودا، والأهواء

ص: 114

متّفقة، والقلوب مؤتلفة، والكلمة مجتمعة، ونيران الفتن والضّلالة خامدة، وظنون بغاتها والسّاعين لها كاذبة، وطبقات الأولياء والرّعيّة- بما أعيد إليهم من الأمنة تعقب الخيفة، والأنسة من بعد الوحشة- مستبشرة، وإلى الله عز وجل في إطالة بقاء الأمير وإدامة دولته، وحراسة نعمته وتثبيت وطأته- راغبين، وفي مسالمته مخلصين. ولو لم يكن السّلم في كتاب الله مأمورا به، والصّلح مخبرا عن الخير الذي فيه، لكان فيما ينتظم به: من حقن الدّماء، وسكون الدّهماء، ويجمع من الخلال المحمودة، والفضائل الممدودة، المقدّم ذكرها- ما حدا عليه، ومثّل للعقول السّليمة والآراء الصّحيحة موضع الخير فيه، وحسن العائدة على الخاصّ والعامّ به، فيما يتجلّى للعيون، من مشتبهات الظّنون، إذ الدّين واقع، والشّكّ جانح بين المحقّ والمبطل، والجائر والمقسط. وقد قال الله جلّ ثناؤه: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ

«1» ناظرا للمسلمين من معرّة أو مضرّة تلحق بعضهم بغير علم، ومؤثرا تطهيرهم من ظنّ العدوان، مع رفعه عنهم فرطات النّسيان، وكافّا أيدي المسلمين عن المشركين، كما كفّ أيديهم عن المسلمين، تحنّنا على بريّته، وإبقاء على أهل معصيته، إلى أن يتمّ لهم الميقات الذي أدناه، والأمر الذي أمضاه، وموقع الحمد في عاقبته، والسّلامة في خاتمته، وبلّغهم من غاية البقاء أمدها، ومن مرافق العيش أرغدها، مقصورة أيدي النّوائب عما خوّله، ومعصومة أعين الحوادث عما نوّله، إنه جواد ماجد.

قلت: وعلى هذا المذهب كتب عقد الصّلح بين السّلطان الملك النّاصر أبي السّعادات «فرج» بن السّلطان الملك الظّاهر «برقوق» ، وبين المقام الشّريف القطبيّ تيمور كوركان «2» صاحب ماوراء النّهر، بعد طروقه

ص: 115

الشّام وفتحه دمشق وتحريقها وتخريبها، وإرسال كتابه في معنى طلب الصّلح، وإرسال الأمير أطلمش لزمه، المأسور «1» في الدّولة الظاهريّة «برقوق» صحبة الخواجا نظام الدين مسعود الكججاني. جهّز ذلك إليه قرين كتاب من الأبواب السلطانية صحبة الخواجا مسعود المذكور، والأمير شهاب الدين بن أغلبك، والأمير قانبيه، في جمادى الأولى «2» سنة خمس وثمانمائة، بإشارة المقرّ الفتحيّ صاحب ديوان الإنشاء الشريف، من إنشاء الشيخ زين الدّين طاهر، ابن الشيخ بدر الدين حبيب الحلبيّ، أحد كتّاب الدّست الشّريف بالأبواب السلطانية، وهو مكتوب في قطع

«3»

بقلم

«4»

وفي طرّته ما صورته:

«مرقوم «5» شريف جليل عظيم، مبجّل مكرّم جميل نظيم، مشتمل على عقد صلح افتتحه المقام الشريف، العاليّ، القطبيّ، نصرة الدّين، تيمور كوركان، زيدت عظمته، يكون بينه وبين المقام الشريف، السّلطان، المالك، الملك النّاصر أبي السّعادات «فرج» بن السلطان الشّهيد، الملك الظّاهر أبي سعيد «برقوق» خادم الحرمين الشريفين، خلّد الله تعالى

ص: 116

ملكه، انعقد بمباشرة السّفير عن المقام الشريف القطبيّ، المشار إليه ووكيله في ذلك، الخواجا نظام الدّين مسعود الكججاني، بشهادة من حضر صحبته من العدول بالتوكيل المذكور، على حكم إشارة مرسله إليه ومضمون مكاتبته، وقصده تجهيز الأمير أطلمش لزمه، وحلف المقام القطبيّ على الموافاة والمصافاة، واتّحاد المملكتين، وإجراء الأمور على السّداد، وعمل مصالح العباد والبلاد» .

والبياض ثلاثة أوصال بوصل الطّرّة، والبسملة في أوّل الوصل الرابع بهامش عن يمينها، وتحت البسملة سطر، ثم بيت العلامة، والسّطر الثاني بعد بيت العلامة. والعلامة بجليل الثّلث بالذّهب ما صورته:«الله أملي» .

ونسخة المكتوب بعد البسملة ما صورته:

الحمد لله الذي جعل الصّلح خير ما انعقدت عليه المصالح، والإصلاح بين النّاس أولى ما اتّصلت به أسباب المناجح، وأحقّ ما نطقت به ألسن المحامد وأثنت عليه أفواه المدائح.

نحمده على نعمه التي جمعت أشتات القلوب الطوائح، وأضافت إلى ضياء الشّمس نور القمر فاهتدى بهما كلّ غاد ورائح، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلّغ قائلها أهنى المنائح، وتتعطّر مجالس الذّكر بعرف روائحها الرّوائح، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من آخى بين المتحاكمين فنصح لله ورأى الصّلح من أعظم النّصائح، وأكمل رسول انقادت لأخلاقه الرّضيّة، وصفاته المرضيّة، جوانح النّفوس الجوانح، وسلّم تسليما كثيرا.

وبعد، فإنّ أولى ما اجتمعت عليه آراء أولي الألباب، وركنت إليه قلوب ذوي المعرفة من أهل المودّة والأحباب- ائتلاف القلوب بعد اختلافها، واتصافها بالتّلبّس بأحسن أوصافها، والعمل على الصّلح الذي هو أصلح للناس، وأربح متاجر الدّنيا والآخرة وأدفع لليأس والباس، إذ هو مفتاح أبواب الخيرات الشّاملة، ومصباح مناهج الفكر الصّحيحة الكاملة،

ص: 117

والدّاعي إلى كلّ فعل جميل، والسّاعي بكلّ قول هو شفاء صدى الغليل ونجاة من داء العليل.

ولمّا كان المقام الشّريف، العاليّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، المؤيديّ، المظفّريّ، الملجئيّ، الملاذيّ، الوالديّ، القطبيّ، نصرة الدّين، ملجأ القاصدين، ملاذ العابدين، قطب الإسلام والمسلمين، تيمور كوركان، زيدت عظمته- هو الباديء بإحياء هذه السّنّة الحسنة، والحادي إلى العمل بمقتضى مفاوضته الشريفة التي هي لذلك متضمّنة، الواردة إلى حضرة عبد الله ووليّه، السّلطان المالك، الملك النّاصر، زين الدّنيا والدّين، أبي السّعادات «فرج» بن السّلطان الشّهيد الملك الظّاهر، أبي سعيد «برقوق» خادم الحرمين الشّريفين- خلّد الله تعالى ملكه- على يد سفير حضرته، المجلس السّاميّ، الشّيخيّ، النّظاميّ، مسعود الكججانيّ، المؤرّخة بمستهلّ شهر ربيع الأوّل سنة تاريخه.

وجلّ مضمونها، وسرّ مكنونها- قصد إيقاع الصّلح الشريف بين المشار إليهما، ونسج المودّة والمحبّة والمصادقة بينهما، وإسبال رداء محاسنها عليهما، بمقتضى تفويض المقام الشّريف القطبيّ المشار إليه الأمر في الصّلح المذكور إلى الشّيخ نظام الدّين مسعود المذكور، وتوكيله إيّاه فيه، وإقامته مقام نفسه الشّريفة، وجعل قوله من قوله، وأنّه- عظّم الله تعالى شأنه- أشهد الله العظيم عليه بذلك، وأشهد عليه من يضع خطّه من جماعته المجهّزين صحبة الشّيخ نظام الدّين مسعود المذكور، وهما: الشّيخ بدر الدّين أحمد بن الشّيخ الإمام العالم شمس الدين محمد بن الجزريّ الشّافعي، والصّدر الأجلّ كمال الدّين كمال أغا «1» ، وأنّ ذلك صدر عن المقام الشريف القطبيّ المشار إليه، لموافقته على الصّلح الشريف، وإجابة

ص: 118

القصد فيه بإطلاق الأمير أطلمش لزم المقام القطبيّ المشار إليه، وتجهيزه إلى حضرته العالية، وأنّه عاهد الله عز وجل بحضور جمّ غفير من أمراء دولته وأكابرها، ومن حضر مجلسه، باليمين الشّرعية الجامعة لأشتات الحلف:

بالله الذي لا إله إلا هو ربّ البريّة وباريء النّسم، على ذلك جميعه، وعلى أنه لا يدخل إلى البلاد الداخلة في مملكة مولانا السّلطان الملك النّاصر المشار إليه، وأنّه مهما عاهد وصالح وعاقد عليه الشّيخ نظام الدّين مسعود الوكيل المذكور يقضي به المقام القطبيّ المشار إليه، ويمضيه ويرتضيه، وانفصل الأمر على ذلك.

فعند ما وقف مولانا السّلطان الملك النّاصر المشار إليه- خلّد الله تعالى ملكه- على المكاتبة الشّريفة المشار إليها، وتفهّم مضمونها، ورأى أن المصلحة في الصّلح: تبرّكا بما ورد في كتاب الله عز وجل، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم استخار الله عز وجل، وأمر بتجهيز الأمير أطلمش المذكور، وتسليمه للشّيخ نظام الدّين مسعود المذكور، وأذن لهما في التّوجّه إلى حضرة المقام الشريف القطبيّ المشار إليه: بموافقة مولانا أمير المؤمنين المتوكّل على الله- أدام الله تعالى أيّامه- على ذلك، وحضور الشّيخ الإمام الفرد الأوحد، شيخ الإسلام، سراج الدّين، عمر البلقينيّ- أعاد الله تعالى على المسلمين من بركاته- وقضاة القضاة الحكّام- أعزّ الله تعالى أحكامهم- ومشايخ العلم الشّريف والصّلاح، وأركان الدّولة الشّريفة، ومن يضع خطّه في هذا الصّلح الشّريف بالشهادة بمضمونه.

وعقد الصّلح الشريف بين مولانا السّلطان الملك الناصر المشار إليه- خلّد الله تعالى ملكه- وبين الشّيخ نظام الدّين مسعود الوكيل المذكور عن المقام الشّريف القطبيّ المشار إليه- زيدت عظمته- على حكم مضمون مفاوضته الشريفة المقدّم ذكرها، وما قامت به البيّنة الشّرعية، بشهادة العدلين المذكورين الواصلين صحبة الوكيل المذكور بالتّوكيل المشروح فيه، فكان صلحا صحيحا شرعيّا، تامّا كاملا معتبرا مرضيّا، على أحسن الأمور وأجملها، وأفضل الأحوال وأكملها.

ص: 119

وحلف مولانا السّلطان الملك النّاصر المشار إليه- خلّد الله ملكه- وعاهد الله عز وجل نظير ما حلف وعاهد عليه المقام الشّريف القطبيّ المشار وإليه من القول والعمل، واستقرّت بمشيئة الله تعالى الخواطر، وسرّت القلوب وقرّت النّواظر، لما في ذلك من حفظ ذمام العهود الشريفة، وإقامة منار الشّرع الشريف وامتداد ظلال أعلامه الوريفة، وإجراء كلمة الصّدق، على لسان أهل الحقّ، وصون أمانة الله تعالى وشعار دينه بين الخلق، فلا يتغيّر عقد هذا الصّلح الشريف على مدى الليالي والأيام، ولا ينقضي حكمه ولا ينحلّ إبرامه على توالي السّنين والأعوام.

هذا: على أن لا يدخل أحد من عساكرهما وجندهما ومماليكهما إلى حدود مملكة الآخر، ولا يتعرّض إلى ما يتعلّق به من ممالك وقلاع، وحصون وسواحل وموان وغير ذلك من سائر الأنواع، ورعاياهما من جميع الطوائف والأجناس، وما هو مختصّ ببلاد كلّ منهما ومعروف به بين الناس: حاضرها وباديها، وقاصيها ودانيها، وعامرها وغامرها، وباطنها وظاهرها، ولا إلى من فيها من الرّعيّة والتّجّار والمسافرين، وسائر الغادين والرّائحين في السّبل والطّرق: متفرّقين ومجتمعين.

هذا على أن يكون كلّ من المقامين الشّريفين المشار إليهما مع الآخر على أكمل ما يكون في السّرّاء والضّرّاء: من حسن الوفاء، وجميل المودّة والصّفاء، ويكونا في الاتحاد كالوالد والولد، وعلى المبالغة في الامتزاج والاختلاط كروحين في جسد، مع ما يضاف إلى ذلك من مصادقة الأصدقاء، ومعاداة الأعداء، ومسالمة المسالمين، ومحاربة المحاربين، في السّرّ والإعلان، والظّهور والكتمان؛ وبالله التّوفيق، وهو العالم بما تبدي الأعين وما تخفي الصّدور، وعليه التّكلان «1» في كلّ الأمور، في الغيبة والحضور، والورود والصّدور.

ص: 120