الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليأخذ الصَّدَقَة فَإِن إِخْرَاج الزَّكَاة لابد مِنْهُ وَإِن كَانَ لابد من إِخْرَاج تِلْكَ الصَّدَقَة يُخَيّر قَالَ وَأخذ الزَّكَاة أَشد فى كسر النَّفس
61 - الْحَارِث بن أَسد المحاسبى أَبُو عبد الله
علم العارفين فى زَمَانه وأستاذ السائرين الْجَامِع بَين علمى الْبَاطِن وَالظَّاهِر شيخ الْجُنَيْد
وَيُقَال إِنَّمَا سمى المحاسبى لِكَثْرَة محاسبته لنَفسِهِ
قَالَ ابْن الصّلاح ذكره الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور فى الطَّبَقَة الأولى فِيمَن صحب الشافعى وَقَالَ كَانَ إِمَام الْمُسلمين فى الْفِقْه والتصوف والْحَدِيث وَالْكَلَام وَكتبه فى هَذِه الْعُلُوم أصُول من يصنف فِيهَا وَإِلَيْهِ ينْسب أَكثر متكلمى الصفاتية
ثمَّ قَالَ لَو لم يكن فِي أَصْحَاب الشافعى فى الْفِقْه وَالْكَلَام وَالْأُصُول وَالْقِيَاس والزهد والورع والمعرفة إِلَّا الْحَارِث المحاسبى لَكَانَ مغبرا فى وُجُوه مخالفيه وَالْحَمْد لله على ذَلِك
قَالَ ابْن الصّلاح صحبته للشافعى لم أر أحدا ذكرهَا سواهُ وَلَيْسَ أَبُو مَنْصُور من أهل هَذَا الْفَنّ فيعتمد فِيمَا تفرد بِهِ والقرائن شاهدة بانتفائها
قلت إِن كَانَ أَبُو مَنْصُور صرح بِأَنَّهُ صحب الشافعى فالاعتراض عَلَيْهِ لائح وَإِلَّا فقد يكون أَرَادَ بالطبقة الأولى من عاصر الشافعى وَكَانَ فى طبقَة الآخذين عَنهُ وَقد ذكره فى الطَّبَقَة الأولى أَيْضا أَبُو عَاصِم العبادى وَقَالَ كَانَ مِمَّن عاصر الشافعى وَاخْتَارَ مذْهبه وَلم يقل كَانَ مِمَّن صَحبه فَلَعَلَّ هَذَا الْقدر مُرَاد أَبى مَنْصُور
روى الْحَارِث عَن يزِيد بن هَارُون وطبقته
روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس بن مَسْرُوق وَأحمد بن الْحسن بن عبد الْجَبَّار الصوفى وَالشَّيْخ الْجُنَيْد وَإِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق السراج وَأَبُو على الْحُسَيْن بن خيران الْفَقِيه وَغَيرهم
قَالَ الْخَطِيب لَهُ كتب كَثِيرَة فى الزّهْد وأصول الدّيانَة وَالرَّدّ على الْمُعْتَزلَة والرافضة
قلت كتبه كَثِيرَة الْفَوَائِد جمة الْمَنَافِع وَقَالَ جمع من الصُّوفِيَّة إِنَّهَا تبلغ مائتى مُصَنف
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عبد الله بن خَفِيف اقتدوا بِخَمْسَة من شُيُوخنَا وَالْبَاقُونَ سلمُوا إِلَيْهِم أَحْوَالهم الْحَارِث بن أَسد المحاسبى والجنيد بن مُحَمَّد وَأَبُو مُحَمَّد رُوَيْم وَأَبُو الْعَبَّاس بن عَطاء وَعَمْرو بن عُثْمَان المكى لأَنهم جمعُوا بَين الْعلم والحقائق
وَقَالَ جَعْفَر الخلدى سَمِعت الْجُنَيْد يَقُول كنت كثيرا أَقُول لِلْحَارِثِ عزلتى أنسى فَيَقُول كم تَقول أنسى وعزلتى لَو أَن نصف الْخلق تقربُوا منى مَا وجدت بهم أنسا وَلَو أَن نصف الْخلق الآخر نأوا عَنى مَا استوحشت لبعدهم
قَالَ وَسمعت الْجُنَيْد يَقُول كَانَ الْحَارِث كثير الضّر فاجتاز بى يَوْمًا وَأَنا جَالس على بابنا فَرَأَيْت على وَجهه زِيَادَة الضّر من الْجُوع فَقلت لَهُ يَا عَم لَو دخلت إِلَيْنَا نلْت من شئ من عندنَا وعمدت إِلَى بَيت عمى وَكَانَ أوسع من بيتنا لَا يَخْلُو من أَطْعِمَة فاخرة لَا يكون مثلهَا فى بيتنا سَرِيعا فَجئْت بأنواع كَثِيرَة من الطَّعَام فَوَضَعته بَين يَدَيْهِ فَمد يَده فَأخذ لقْمَة فَرَفعهَا إِلَى فِيهِ فرأيته يعلكها وَلَا يزدردها ثمَّ وثب وَخرج وَمَا كلمنى فَلَمَّا كَانَ الْغَد لَقيته فَقلت لَهُ يَا عَم سررتنى ثمَّ نغصت على قَالَ يَا بنى أما الْفَاقَة فَكَانَت شَدِيدَة وَقد اجتهدت فى أَن أنال من الطَّعَام الذى قَدمته إِلَى وَلَكِن بينى وَبَين الله عَلامَة إِذا لم يكن الطَّعَام مرضيا ارْتَفع إِلَى أنفى مِنْهُ زفرَة فَلم تقبله نفسى فقد رميت بِتِلْكَ اللُّقْمَة فى دهليزكم
وفى رِوَايَة أُخْرَى كَانَ إِذا مد يَده إِلَى طَعَام فِيهِ شُبْهَة تحرّك لَهُ عرق فى أُصْبُعه فَيمْتَنع مِنْهُ
وَقَالَ الْجُنَيْد مَاتَ أَبُو الْحَارِث يَوْم مَاتَ وَإِن الْحَارِث لمحتاج إِلَى دانق فضَّة وَخلف أَبوهُ مَالا كثيرا وَمَا أَخذ مِنْهُ حَبَّة وَاحِدَة وَقَالَ أهل ملتين لَا يتوارثان وَكَانَ أَبوهُ رَافِضِيًّا
وَقَالَ أَبُو على بن خيران الْفَقِيه رَأَيْت الْحَارِث بِبَاب الطاق فى وسط الطَّرِيق مُتَعَلقا بِأَبِيهِ وَالنَّاس قد اجْتَمعُوا عَلَيْهِ يَقُول أمى طَلقهَا فَإنَّك على دين وهى على دين غَيره
وَهَذَا من الْحَارِث بِنَاء على القَوْل بتكفير الْقَدَرِيَّة فَلَعَلَّهُ كَانَ يرى ذَلِك وَأما الْحِكَايَة الْمُتَقَدّمَة فى أَنه لم يَأْخُذ من مِيرَاث أَبِيه فَلَعَلَّهُ ترك الْأَخْذ من مِيرَاثه ورعا لِأَنَّهُ فى مَحل الْخلاف إِذْ فى تَكْفِير الْقَدَرِيَّة خلاف وفى نفى التَّوَارُث بِنَاء على التَّكْفِير أَيْضا خلاف وَابْن الصّلاح جعل عدم أَخذه من مِيرَاث أَبِيه دَلِيلا مِنْهُ على أَنه يَقُول بالتكفير وَفِيه نظر لاحْتِمَال أَنه فعل ذَلِك ورعا وَقد صرح بَعضهم بذلك وَبِأَن الله عوضه عَن ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ لَا يدْخل بَطْنه إِلَّا الْحَلَال الْمَحْض كَمَا تقدم
وَأما حمله أَبَاهُ على أَن يُطلق امْرَأَته فصريح فى أَنه كَانَ يرى التَّكْفِير إِذْ لَا مَحل للورع هُنَا
وَقيل أنْشد قَوَّال بَين يدى الْحَارِث هَذِه الأبيات
(أَنا فى الغربة أبكى
…
مَا بَكت عين غَرِيب)
(لم أكن يَوْم خروجى
…
من بلادى بمصيب)
(عجبا لى ولتركى
…
وطنا فِيهِ حبيبى)
فَقَامَ يتواجد ويبكى حَتَّى رَحمَه كل من حَضَره
وروى الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل المحاملى القاضى قَالَ قَالَ أَبُو بكر بن هَارُون بن المجدر