الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُقُوط قَول الْجَارِح وَلَا يَنْتَهِي إِلَى الِاعْتِبَار بِهِ عَلَى الْإِطْلَاق بل يكون بَين بَين أما إِذا انْتَفَت الظنون واندفعت التهم وَكَانَ الْجَارِح خَبرا من أَحْبَار الْأمة مبرأ عَن مظان التُّهْمَة أَو كَانَ الْمَجْرُوح مَشْهُورا بالضعف متروكا بَين النقاد فَلَا نتلعثم عِنْد جرحه وَلَا نحوج الْجَارِح إِلَى تَفْسِير بل طلب التَّفْسِير مِنْهُ وَالْحَالة هَذِهِ طلب لغيبة لَا حَاجَة إِلَيْهَا
فَنحْن نقبل قَول ابْن معِين فِي إِبْرَاهِيم بن شُعَيْب المدنى شيخ روى عَنهُ ابْن وهب إِنَّه لَيْسَ بشئ وَفِي إِبْرَاهِيم بْن يزِيد الْمدنِي إِنَّه ضَعِيف وَفِي الْحُسَيْن بْن الْفرج الْخياط إِنَّه كَذَّاب يسرق الحَدِيث وعَلى هَذَا وَإِن لم يبين الْجرْح لِأَنَّهُ إِمَام مقدم فِي هَذِهِ الصِّنَاعَة جرح طَائِفَة غير ثابتي الْعَدَالَة والثبت وَلَا نقبل قَوْله فِي الشَّافِعِي وَلَو فسر وأتى بِأَلف إِيضَاح لقِيَام الْقَاطِع عَلَى أَنه غير محق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ
فَاعْتبر مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي ابْن معِين وَغَيره واحتفظ بِمَا ذَكرْنَاهُ تنْتَفع بِهِ
وَيقرب من هَذِهِ الْقَاعِدَة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل
قَاعِدَة فِي المؤرخين
نافعة جدا فَإِن أهل التَّارِيخ رُبمَا وضعُوا من أنَاس وَرفعُوا أُنَاسًا إِمَّا لتعصب أَو لجهل أَو لمُجَرّد اعْتِمَاد عَلَى نقل من لَا يوثق بِهِ أَو غير ذَلِك من الْأَسْبَاب
وَالْجهل فِي المؤرخين أَكثر مِنْهُ فِي أهل الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَكَذَلِكَ التعصب قل أَن رَأَيْت تَارِيخا خَالِيا من ذَلِك
وَأما تَارِيخ شَيخنَا الذَّهَبِيّ غفر اللَّه لَهُ فَإِنَّهُ عَلَى حسنه وَجمعه مشحون بالتعصب المفرط لَا واخذه اللَّه فَلَقَد أَكثر الوقيعة فِي أهل الدّين أَعنِي الْفُقَرَاء الَّذين هم صفوة الْخلق واستطال بِلِسَانِهِ عَلَى كثير من أَئِمَّة الشافعيين والحنفيين وَمَال فأفرط عَلَى الأشاعرة ومدح فَزَاد فِي المجسمة هَذَا وَهُوَ الْحَافِظ المدره وَالْإِمَام المبجل فَمَا ظَنك بعوام المؤرخين فَالرَّأْي عندنَا أَلا يقبل مدح وَلَا ذمّ من المؤرخين إِلَّا بِمَا اشْتَرَطَهُ إِمَام الْأَئِمَّة وَحبر الْأمة وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رحمه الله حَيْثُ قَالَ ونقلته من خطه فِي مجاميعه
يشْتَرط فِي المؤرخ الصدْق وَإِذا نقل يعْتَمد اللَّفْظ دون الْمَعْنى وَألا يكون ذَلِك الَّذِي نَقله أَخذه فِي المذاكرة وَكتبه بعد ذَلِك وَأَن يُسمى الْمَنْقُول عَنهُ فَهَذِهِ شُرُوط أَرْبَعَة فِيمَا يَنْقُلهُ
وَيشْتَرط فِيهِ أَيْضًا لما يترجمه من عِنْد نَفسه وَلما عساه يطول فِي التراجم من الْمَنْقُول وَيقصر أَن يكون عَارِفًا بِحَال صَاحب التَّرْجَمَة علما ودينا وَغَيرهمَا من الصِّفَات وَهَذَا عَزِيز جدا وَأَن يكون حسن الْعبارَة عَارِفًا بمدلولات الْأَلْفَاظ وَأَن يكون حسن التَّصَوُّر حَتَّى يتَصَوَّر حَال تَرْجَمته جَمِيع حَال ذَلِك الشَّخْص ويعبر عَنهُ بِعِبَارَة لَا تزيد عَلَيْهِ وَلَا تنقص عَنهُ وَأَن لَا يغلبه الْهوى فيخيل إِلَيْهِ هَوَاهُ الإطناب فِي مدح من يُحِبهُ وَالتَّقْصِير فِي غَيره بل إِمَّا أَن يكون مُجَردا عَن الْهوى وَهُوَ عَزِيز وَإِمَّا أَن يكون عِنْده من الْعدْل مَا يقهر بِهِ هَوَاهُ ويسلك طَرِيق الْإِنْصَاف
فَهَذِهِ أَرْبَعَة شُرُوط أُخْرَى وَلَك أَن تجعلها خَمْسَة لِأَن حسن تصَوره وَعلمه قد لَا يحصل مَعَهُمَا الاستحضار حِين التصنيف فَيجْعَل حُضُور التَّصَوُّر زَائِدا عَلَى حسن التَّصَوُّر وَالْعلم فَهِيَ تِسْعَة شُرُوط فِي المؤرخ وأصعبها الِاطِّلَاع عَلَى حَال الشَّخْص فِي الْعلم فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى الْمُشَاركَة فِي علمه والقرب مِنْهُ حَتَّى يعرف مرتبته انْتهى
وَذكر أَن كِتَابَته لهَذِهِ الشُّرُوط كَانَت بعد أَن وقف عَلَى كَلَام ابْن معِين فى الشافعى وَقَول أَحْمَد بْن حَنْبَل إِنَّه لَا يعرف الشَّافِعِي وَلَا يعرف مَا يَقُول
قلت وَمَا أحسن قَوْله وَلما عساه يطول فِي التراجم من الْمَنْقُول وَيقصر فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى فَائِدَة جليلة يغْفل عَنْهَا كَثِيرُونَ ويحترز مِنْهَا الموفقون وَهِي تَطْوِيل التراجم وتقصيرها فَرب محتاط لنَفسِهِ لَا يذكر إِلَّا مَا وجده مَنْقُولًا ثمَّ يَأْتِي إِلَى من يبغضه فينقل جَمِيع مَا ذكر من مذامه ويحذف كثيرا مِمَّا نقل من ممادحه ويجئ إِلَى من يُحِبهُ فيعكس الْحَال فِيهِ ويظن الْمِسْكِين أَنه لم يَأْتِ بذنب لِأَنَّهُ لَيْسَ يجب عَلَيْهِ تَطْوِيل تَرْجَمَة أحد وَلَا اسْتِيفَاء مَا ذكر من ممادحه وَلَا يظنّ المغتر أَن تَقْصِيره لترجمته بِهَذِهِ النِّيَّة استزراء بِهِ وخيانة لله وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُؤْمنِينَ فِي تأدية مَا قيل
فِي حَقه من حمد وذم فَهُوَ كمن يذكر بَين يَدَيْهِ بعض النَّاس فَيَقُول دَعونَا مِنْهُ وَإنَّهُ عَجِيب أَو اللَّه يصلحه فيظن أَنه لم يغتبه بشئ من ذَلِك وَمَا يظنّ أَن ذَلِك من أقبح الْغَيْبَة
وَلَقَد وقفت فِي تَارِيخ الذَّهَبِيّ رحمه الله عَلَى تَرْجَمَة الشَّيْخ الْمُوفق بْن قدامَة الْحَنْبَلِيّ وَالشَّيْخ فَخر الدّين بْن عَسَاكِر وَقد أَطَالَ تِلْكَ وَقصر هَذِهِ وأتى بِمَا لَا يشك لَبِيب أَنه لم يحملهُ عَلَى ذَلِك إِلَّا أَن هَذَا أشعري وَذَاكَ حنبلي وسيقفون بَين يَدي رب الْعَالمين
وَكَذَلِكَ مَا أحسن قَول الشَّيْخ الإِمَام وَأَن لَا يغلبه الْهوى فَإِن الْهوى غلاب إِلَّا لمن عصمه اللَّه
وَقَوله فإمَّا أَن يتجرد عَن الْهوى أَو يكون عِنْده من الْعدْل مَا يقهر بِهِ هَوَاهُ عندنَا فِيهِ زِيَادَة فَنَقُول
قد لَا يتجرد عَن الْهوى وَلَكِن لَا يَظُنّهُ هوى بل يَظُنّهُ لجهله أَو بدعته حَقًا وَذَلِكَ لَا يتطلب مَا يقهر هَوَاهُ لِأَن المستقر فِي ذهنه أَنه محق وَهَذَا كَمَا يفعل كثير من المتخالفين فِي العقائد بَعضهم فِي بعض فَلَا يَنْبَغِي أَن يقبل قَول مُخَالف فِي العقيدة عَلَى الْإِطْلَاق إِلَّا أَن يكون ثِقَة وَقد رَوَى شَيْئا مضبوطا عاينه أَو حَقَّقَهُ
وَقَوْلنَا مضبوطا احترزنا بِهِ عَن رِوَايَة مَا لَا يَنْضَبِط من الترهات الَّتِي لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا عِنْد التَّأَمُّل والتحقق شئ
وَقَوْلنَا عاينه أَو حَقَّقَهُ ليخرج مَا يرويهِ عَمَّن غلا أَو رخص ترويجا لعقيدته
وَمَا أحسن اشْتِرَاطه الْعلم وَمَعْرِفَة مدلولات الْأَلْفَاظ فَلَقَد وَقع كَثِيرُونَ لجهلهم بِهَذَا وَفِي كتب الْمُتَقَدِّمين جرح جمَاعَة بالفلسفة ظنا مِنْهُم أَن علم الْكَلَام فلسفة إِلَى أَمْثَال ذَلِك مِمَّا يطول عده
فقد قِيلَ فِي أَحْمَد بْن صَالح الَّذِي نَحن فِي تَرْجَمته إِنَّه يتفلسف وَالَّذِي قَالَ هَذَا لَا يعرف الفلسفة
وَكَذَلِكَ قِيلَ فى أَبى حَاتِم الرازى وَإِنَّمَا كَانَ رجلا متكلما