الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حِكَايَة تشْتَمل على تَحْقِيق التجلى
قَالَ القاضى نَاصِر الدّين بن الْمُنِير المالكى فى كِتَابه المقتفى وفى الْحِكَايَة الْمُدَوَّنَة فى كتب أهل الطَّرِيق أَن أَبَا تُرَاب النخشبى كَانَ لَهُ تلميذ وَكَانَ الشَّيْخ يرفق بِهِ ويتفرس فِيهِ الْخَيْر وَكَانَ أَبُو تُرَاب كثيرا مَا يذكر أَبَا يزِيد البسطامى فَقَالَ لَهُ الْفَتى يَوْمًا لقد أكثرت من ذكر أَبى يزِيد من يتجلى لَهُ الْحق فى كل يَوْم مَرَّات مَاذَا يصنع بأبى يزِيد فَقَالَ لَهُ أَبُو تُرَاب وَيحك يَا فَتى لَو رَأَيْت أَبَا يزِيد لرأيت مرأى عَظِيما فَلم يزل يشوقه إِلَى لِقَائِه حَتَّى عزم على ذَلِك فى صُحْبَة الشَّيْخ أَبى تُرَاب فارتحلا إِلَى أَبى يزِيد فَقيل لَهما إِنَّه فى الغيضة وَكَانَت لَهُ غيضة يأوى إِلَيْهَا مَعَ السبَاع فقصدا الغيضة وجلسا على ربوة على ممر أَبى يزِيد فَلَمَّا خرج أَبُو يزِيد من الغيضة قَالَ أَبُو تُرَاب للفتى هَذَا أَبُو يزِيد فعندما وَقع بصر الْفَتى على أَبى يزِيد خر مَيتا فَحدث أَبُو تُرَاب أَبَا يزِيد بِقِصَّتِهِ وَعجب من ثُبُوته لتجلى الْحق سبحانه وتعالى وَعدم تماسكه لرؤية أَبى يزِيد فَقَالَ أَبُو يزِيد لأبى تُرَاب كَانَ هَذَا الْفَتى صَادِقا وَكَانَ الْحق يتجلى لَهُ على قدر مَا عِنْده فَلَمَّا رآنى تجلى لَهُ الْحق على قدرى فَلم يطق
قَالَ الْفَقِيه نَاصِر الدّين واصطلاح أهل الطَّرِيق مَعْرُوف وَحَاصِله رُتْبَة من الْمعرفَة جلية وَحَالَة من الْيَقَظَة والحضرة سَرِيَّة سنية وَالْإِيمَان يزِيد وَينْقص على الصَّحِيح وَلَا تظنهم يعنون بالتجلى رُؤْيَة الْبَصَر الَّتِى قيل فِيهَا لمُوسَى عليه السلام على خصوصيته لن ترانى والتى قيل فِيهَا على الْعُمُوم {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} فَإِذا فهمت أَن مُرَادهم الذى أثبتوه غير الْمَعْنى الذى حصل النَّاس مِنْهُ على النَّاس فى الدُّنْيَا ووعد بِهِ الْخَواص فى الْأُخْرَى فَلَا ضير بعد ذَلِك عَلَيْك وَلَا طَرِيق لسبق الظَّن إِلَيْك وَالله يتَوَلَّى السرائر
قلت وَكَلَام ابْن الْمُنِير هَذَا فى تَفْسِير التجلى يقرب من قَول شيخ الْإِسْلَام وسلطان الْعلمَاء أَبى مُحَمَّد بن عبد السَّلَام رحمه الله فى كتاب الْقَوَاعِد إِن التجلى والمشاهدة عبارَة عَن الْعلم والعرفان
وَاعْلَم أَن الْقَوْم لَا يقتصرون فى تَفْسِير التجلى على الْعلم وَلَا يعنون بِهِ إِيَّاه ثمَّ لَا يفصحون بِمَا يعنون إفصاحا وَإِنَّمَا يلوحون تَلْوِيحًا ثمَّ يصرحون بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا يُوجب سوء الظَّن تَصْرِيحًا وَقد ذكر سيد الطَّائِفَة أَبُو الْقَاسِم القشيرى رحمه الله فى الرسَالَة بَاب السّتْر والتجلى ثمَّ بَاب الْمُشَاهدَة وَلم يفصح بتفسير التجلى كَأَنَّهُ خشى على فهم من لَيْسَ من أهل الطَّرِيق وَعرف أَن السالك يفهمهُ فَلم يحْتَج إِلَى كشفه لَهُ
وَحَاصِل مَا يَقُوله متأخرو الْقَوْم أَن التجلى ضَرْبَان
ضرب للعوام وَهُوَ أَن يكْشف صُورَة كَمَا جَاءَ جِبْرِيل عليه السلام فى صُورَة دحْيَة وكما فى الحَدِيث (رَأَيْت ربى فى صُورَة شَاب) قَالُوا وَهَذَا تجلى الصّفة ويضربون لذَلِك الْمرْآة مثلا فَيَقُولُونَ أَنْت تنظر وَجهك فى الْمرْآة وَلَيْسَت الْمرْآة محلا لوجهك وَلَا وَجهك حَالا فِيهَا وَإِنَّمَا هُنَاكَ مثالها تَعَالَى الله عَن أَن يكون لَهُ مِثَال وَإِنَّمَا يذكرُونَ هَذَا تَقْرِيبًا للأفهام
وَحَدِيث فى صُورَة شَاب أَمْرَد مَوْضُوع مَكْذُوب على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
وَضرب للخواص وَهُوَ تجلى الذَّات نَفسهَا ويذكرون هُنَا لتقريب الْفَهم الشَّمْس قَالُوا فَإنَّك ترى ضوء النَّهَار فتحكم بِوُجُود الشَّمْس وحضورها برؤيتك الضَّوْء
قَالُوا وَهَذَا تقريب أَيْضا وَإِلَّا فنور البارى لَو سَطَعَ لأحرق الْوُجُود بأسره إِلَّا من ثبته الله
وَقد يعتضدون بِحَدِيث أَبى ذَر رضى الله عَنهُ سَأَلت النبى صلى الله عليه وسلم هَل رَأَيْت رَبك قَالَ نور أَنى أرَاهُ وفى لفظ قَالَ رَأَيْت نورا
أخرجه مُسلم والترمذى وَلكنه حَدِيث مؤول بِاتِّفَاق الْمُسلمين
هَذَا حَاصِل كَلَام الْقَوْم وَأَنا معترف بالقصور عَن فهمه وضيق الْمحل عَن بسط الْعبارَة فِيهِ
وَقد جالست فى هَذِه الْمَسْأَلَة الشَّيْخ الإِمَام الصَّالح الْعَارِف قطب الدّين بركَة الْمُسلمين مُحَمَّد بن اسفهبدا الأردبيلى أعَاد الله من بركته وَقلت لَهُ أتقولون بِأَن الذى يرَاهُ الْعَارِف فى الدُّنْيَا هُوَ الذى وعده الله فى الْآخِرَة
قَالَ نعم
قلت فَبِمَ تتَمَيَّز رُؤْيَة يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ بالبصر فَإِن الرُّؤْيَة فى الدُّنْيَا فى هذَيْن الضربين إِنَّمَا هى بالبصيرة دون الْبَصَر
قلت فقد اخْتلف فى جَوَاز رُؤْيَة الله تَعَالَى فى الدُّنْيَا
قَالَ الْحق الْجَوَاز
قلت فَلَا فَارق حِينَئِذٍ وَتجوز الرُّؤْيَة بالبصر فى الدُّنْيَا
قَالَ الْفَارِق أَنه فى الْآخِرَة مَعْلُوم الْوُقُوع للْمُؤْمِنين كلهم وفى الدُّنْيَا لم يثبت وُقُوعه إِلَّا للنبى صلى الله عليه وسلم وفى بعض ذوى المقامات الْعلية
هَكَذَا قَالَ
وَمِمَّا قلت لَهُ وَقد ضرب الْمرْآة مثلا قد يُقَال إِن هَذَا نوع من الْحُلُول والحلول كفر
قَالَ لَا فَإِن الْحُلُول مَعْنَاهُ أَن الذَّات تحل فى ذَات أُخْرَى والمرآة لَا تحل الصُّورَة فِيهَا
هَذَا كَلَامه
قلت لَهُ فَمَا الْمُشَاهدَة عَن التجلى