الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُم فَقَامَ وَمَشى وَعَاد إِلَى الصِّحَّة كَمَا كَانَ ثمَّ قَالَ لَوْلَا أَنَّك حَلَفت أَن أَبَاك رضى عَنْك مَا دَعَوْت لَك
قلت أما الدُّعَاء فَلَا إِشْكَال فِيهِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِظْهَار كَرَامَة وَلَكنَّا نبحث فى هَذَا الْأَمر فى موضِعين أَحدهمَا فِيمَا نَحن بصدده من السِّرّ فى إِظْهَاره كرم الله وَجهه الْكَرَامَة فى قَوْله قُم
فَنَقُول لَعَلَّه لما دَعَا أذن لَهُ أَن يَقُول ذَلِك أَو رأى أَن قِيَامه مَوْقُوف بِإِذن الله تَعَالَى على هَذَا الْمقَال فَلم يكن من ذكره بُد
والثانى كَونه صلى رَكْعَات وَلم يقْتَصر على رَكْعَتَيْنِ
فَنَقُول ينبغى للداعى أَن يبْدَأ بِعَمَل صَالح يتنور بِهِ قلبه ليعقبه الدُّعَاء وَلذَلِك كَانَ الدُّعَاء عقيب المكتوبات أقرب إِلَى الإجابات وَمن أفضل الْأَعْمَال الصَّلَاة وَقد جَاءَ فى أَحَادِيث كَثِيرَة الْأَمر بتقديمها على الدُّعَاء عِنْد الْحَاجَات وَأَقل الصَّلَاة رَكْعَتَانِ فَإِن حصل نور بهَا وأشرقت علائم الْقبُول فَالْأولى الدُّعَاء عقيبها وَإِلَّا فَليصل الْمَرْء إِلَى أَن تلوح أَمَارَات الْقبُول فَيعرض إِذْ ذَاك عَن الصَّلَاة ويفتتح الدُّعَاء فَإِنَّهُ أقرب إِلَى الْإِجَابَة وللكلام فى هَذَا الْمقَام سبح طَوِيل لسنا لَهُ الْآن
وَمِنْهَا على يَد الْعَبَّاس عَم النبى صلى الله عليه وسلم
فى استسقائه عَام الرَّمَادَة وَذَلِكَ أَن الأَرْض أجدبت فى زمَان عمر رضى الله عَنهُ وَكَانَت الرّيح تذرى تُرَابا كالرماد لشدَّة الجدب فَسمى عَام الرَّمَادَة لذَلِك وَقيل إِنَّمَا سمى بذلك لِكَثْرَة من هلك فِيهِ والرمد الْهَلَاك فَخرج عمر بِالْعَبَّاسِ بن عبد الْمطلب رضى الله عَنْهُمَا يستسقى فَأخذ بضبعيه وأشخصه قَائِما ثمَّ أشخص إِلَى السَّمَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ
إِنَّا نتقرب إِلَيْك بعم نبيك وقفية آبَائِهِ وَكبر رِجَاله فَإنَّك تَقول وقولك الْحق {وَأما الْجِدَار فَكَانَ لغلامين يتيمين فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} فحفظتهما لصلاح أَبِيهِمَا فاحفظ اللَّهُمَّ نبيك فى عَمه فقد دلونا بِهِ إِلَيْك مستشفعين ومستغفرين ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ {اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} إِلَى قَوْله {أَنهَارًا} وَالْعَبَّاس قد طَال عمر وَعَيناهُ تَنْضَحَانِ وسبابته تجول على صَدره وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ أَنْت الراعى لَا تهمل الضَّالة وَلَا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصَّغِير ورق الْكَبِير وَارْتَفَعت الشكوى وَأَنت تعلم السِّرّ وأخفى اللَّهُمَّ فأغثهم بغياثك قبل أَن يقنطوا فيهلكوا فَإِنَّهُ لَا ييأس من روحك إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ اللَّهُمَّ فأغثهم بغياثك فقد تقرب إِلَى الْقَوْم لمكانى من نبيك عليه السلام فَنَشَأَتْ طريرة من سَحَاب وَقَالَ النَّاس ترَوْنَ
ترَوْنَ ثمَّ تلامت واستتمت ومشت فِيهَا ريح ثمَّ هدت وَدرت فَمَا برح الْقَوْم حَتَّى اعتلقوا الْحذاء وقلصوا المآزر وخاضوا المَاء إِلَى الركب ولاذ النَّاس بِالْعَبَّاسِ يمسحون أردانه وَيَقُولُونَ هَنِيئًا لَك ساقى الْحَرَمَيْنِ فأمرع الله الْحباب وأخصب الْبِلَاد ورحم الْعباد
قلت فَهَذِهِ دَعْوَة مستجابة ببركة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَلم يكن فِيهَا قصد إِلَى إِظْهَار كَرَامَة بل استسقاء عِنْد احْتِيَاج الْخلق
وهى مثل مَا ظهر على يَد سعد بن أَبى وَقاص رضى الله عَنهُ
وَذَلِكَ أَنه كَانَ يَوْم الْقَادِسِيَّة متألما من دمل لم يسْتَطع الرّكُوب لأَجله فَجَلَسَ فى قصر يشرف على النَّاس فَقَالَ فى ذَلِك بعض الشُّعَرَاء مقَالا بلغه رضى الله عَنهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنَا لِسَانه وَيَده فخرس لِسَانه وشلت يَده وَكَانَ سعد رضى الله عَنهُ مجاب الدعْوَة لِأَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعَا لَهُ بذلك فَقَالَ (اللَّهُمَّ سدد سَهْمه وأجب دَعوته) فَكَانَ لَا يَدْعُو بشئ إِلَّا أجَاب الله عز وجل دعاءه فِيهِ وَكَانَ الصَّحَابَة يعْرفُونَ ذَلِك مِنْهُ وَلما عَزله عمر رضى الله عَنهُ من الْكُوفَة بشكوى أَهلهَا وَكَانَ عمر رضى الله عَنهُ قد قَالَ لَا يشكو إِلَى أهل مَوضِع عاملهم إِلَّا عزلته وَذَلِكَ وَالله أعلم لمعنيين
أَحدهمَا لِأَنَّهُ رأى أَن الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم كلهم عدُول والاستبدال مُمكن والثانى أَنه لم يكن للأولين رَغْبَة فى الْولَايَة وَإِنَّمَا كَانُوا يفعلونها امتثالا لأمر أَمِير الْمُؤمنِينَ وانقيادا لطاعة الله عز وجل وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم ورجاء ثَوَاب الله فى إِقَامَة الْحق فَإِذا عزل أحدهم كَانَ الْعَزْل أحب إِلَيْهِ من الْولَايَة فَلَا يؤلم ذَلِك قلبه فَلذَلِك كَانَ عمر رضى الله عَنهُ وَالله أعلم يخْتَار عزل المشكو على الْإِطْلَاق بِمُجَرَّد الشكوى وَإِن كَانَ عِنْده