الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبُرْهَان عِنْد الْكَلَام فى مَفْهُوم الصّفة وشاققناه نَحن فى شرح مختصرابن الْحَاجِب
وَسمعت أَن أَبَا حَيَّان جمعه وَالشَّيْخ الإِمَام مجْلِس وَكَانَ أَبُو حَيَّان يرى وجوب حذف خبر لَوْلَا مُطلقًا وَالشَّيْخ الإِمَام يرى رأى ابْن مَالك من الْفرق بَين كَذَا
39 - يُوسُف بن يحيى الإِمَام الْجَلِيل أَبُو يَعْقُوب البويطى المصرى
وبويط من صَعِيد مصر وَهُوَ أكبر أَصْحَاب الشافعى المصريين
كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا عابدا زاهدا فَقِيها عَظِيما مناظرا جبلا من جبال الْعلم وَالدّين غَالب أوقاته الذّكر والتشاغل بِالْعلمِ غَالب ليله التَّهَجُّد والتلاوة سريع الدمعة
تفقه على الشافعى واختص بِصُحْبَتِهِ
وَحدث عَنهُ وَعَن عبد الله بن وهب وَغَيرهمَا
روى عَنهُ الرّبيع المرادى وَهُوَ رَفِيقه وَإِبْرَاهِيم الحربى وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل الترمذى وَأَبُو حَاتِم وَقَالَ صَدُوق وَأحمد بن إِبْرَاهِيم بن فيل وَالقَاسِم بن هِشَام السمسار وَآخَرُونَ
وَله الْمُخْتَصر الْمَشْهُور والذى اخْتَصَرَهُ من كَلَام الشافعى رضى الله عَنهُ قَالَ أَبُو عَاصِم هُوَ فى غَايَة الْحسن على نظم أَبْوَاب الْمَبْسُوط
قلت وقفت عَلَيْهِ وَهُوَ مَشْهُور
قَالَ أَبُو عَاصِم كَانَ الشافعى رضى الله عَنهُ يعْتَمد البويطى فى الْفتيا ويحيل عَلَيْهِ إِذا جَاءَتْهُ مَسْأَلَة
قَالَ واستخلفه على أَصْحَابه بعد مَوته فتخرجت على يَدَيْهِ أَئِمَّة تفَرقُوا فى الْبِلَاد ونشروا علم الشافعى فى الْآفَاق
وَقَالَ الرّبيع كَانَ أَبُو يَعْقُوب من الشافعى بمَكَان مكين
وَقد قدمنَا فى تَرْجَمَة ابْن عبد الحكم مَا رَوَاهُ الْحَاكِم عَن إِمَام الْأَئِمَّة أَبى بكر بن خُزَيْمَة أَنه قَالَ كَانَ ابْن عبد الحكم أعلم من رَأَيْت بِمذهب مَالك فَوَقَعت بَينه وَبَين البويطى وَحْشَة عِنْد موت الشافعى فحدثنى أَبُو جَعْفَر السكرى قَالَ تنَازع ابْن عبد الحكم والبويطى مجْلِس الشافعى فَقَالَ البويطى أَنا أَحَق بِهِ مِنْك وَقَالَ الآخر كَذَلِك
فجَاء الحميدى وَكَانَ تِلْكَ الْأَيَّام بِمصْر فَقَالَ قَالَ الشافعى لَيْسَ أحد أَحَق بمجلسى من يُوسُف وَلَيْسَ أحد من أصحابى أعلم مِنْهُ
فَقَالَ لَهُ ابْن عبد الحكم كذبت
قَالَ لَهُ كذبت أَنْت وَأَبُوك وأمك
وَغَضب ابْن عبد الحكم وَجلسَ البويطى فى مجْلِس الشافعى وَجلسَ ابْن عبد الحكم فى الطاق الثَّالِث
وَعَن الرّبيع أَن البويطى وَابْن عبد الحكم تنَازعا الْحلقَة فى مرض الشافعى فَأخْبر بذلك فَقَالَ الْحلقَة البويطى
وَكَانَت الْفَتَاوَى ترد على البويطى من السُّلْطَان فَمن دونه وَهُوَ متنوع فى صنائع الْمَعْرُوف كثير التِّلَاوَة لَا يمر يَوْم وَلَيْلَة غَالِبا حَتَّى يخْتم فسعى بِهِ من يحسده وَكتب فِيهِ إِلَى ابْن أَبى دؤاد بالعراق فَكتب إِلَى والى مصر أَن يمتحنه فامتحنه فَلم يجب وَكَانَ الوالى حسن الرأى فِيهِ فَقَالَ لَهُ قل فِيمَا بينى وَبَيْنك قَالَ إِنَّه يقْتَدى بى مائَة ألف وَلَا يَدْرُونَ الْمَعْنى
قَالَ وَكَانَ أَمر أَن يحمل إِلَى بَغْدَاد فى أَرْبَعِينَ رَطْل حَدِيد
قيل وَكَانَ المزنى وحرملة وَابْن الشافعى مِمَّن سعى بالبويطى
قَالَ جَعْفَر الترمذى فحدثنى الثِّقَة عَن البويطى أَنه قَالَ برِئ النَّاس من دمى إِلَّا ثَلَاثَة حَرْمَلَة والمزنى وَآخر قلت إِن صحت هَذِه الْحِكَايَة فالذى عندنَا فى إِبْهَام الثَّالِث أَنه رَاعى فِيهِ حق وَالِده رضوَان الله عَلَيْهِ
قَالَ الرّبيع كَانَ البويطى أبدا يُحَرك شَفَتَيْه بِذكر الله وَمَا أَبْصرت أحدا أنزع بِحجَّة من كتاب الله من البويطى وَلَقَد رَأَيْته على بغل وفى عُنُقه غل وفى رجلَيْهِ قيد وَبَين الغل والقيد سلسلة حَدِيد وَهُوَ يَقُول إِنَّمَا خلق الله الْخلق بكن فَإِذا كَانَت مخلوقة فَكَأَن مخلوقا خلق بمخلوق وَلَئِن أدخلت عَلَيْهِ لأصدقنه يعْنى الواثق ولأموتن فى حديدى هَذَا حَتَّى يأتى قوم يعلمُونَ أَنه قد مَاتَ فى هَذَا الشَّأْن قوم فى حديدهم
وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب أَيْضا خلق الله الْخلق بكن أفتراه خلق مخلوقا بمخلوق وَالله يَقُول بعد فنَاء الْخلق {لمن الْملك الْيَوْم} وَلَا مُجيب وَلَا داعى فَيَقُول تَعَالَى {لله الْوَاحِد القهار} فَلَو كَانَ مخلوقا مجيبا لفنى حَتَّى لَا يُجيب وَكَانَ يَقُول من قَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر
قلت يرحم الله أَبَا يَعْقُوب لقد قَامَ مقَام الصديقين
قَالَ الساجى كَانَ البويطى وَهُوَ فى الْحَبْس يغْتَسل كل جُمُعَة ويتطيب وَيغسل ثِيَابه ثمَّ يخرج إِلَى بَاب السجْن إِذا سمع النداء فَيردهُ السجان وَيَقُول ارْجع رَحِمك الله فَيَقُول البويطى اللَّهُمَّ إنى أجبْت داعيك فمنعونى
وَقَالَ أَبُو عَمْرو المستملى حَضَرنَا مجْلِس مُحَمَّد بن يحيى الذهلى فَقَرَأَ علينا كتاب البويطى إِلَيْهِ وَإِذا فِيهِ والذى أَسأَلك أَن تعرض حالى على إِخْوَاننَا أهل الحَدِيث لَعَلَّ الله يخلصنى بدعائهم فإنى فى الْحَدِيد وَقد عجزت عَن أَدَاء الْفَرَائِض من الطَّهَارَة وَالصَّلَاة فَضَجَّ النَّاس بالبكاء وَالدُّعَاء لَهُ
قلت انْظُر إِلَى هَذَا الحبر رحمه الله لم يكن أسفه إِلَّا على أَدَاء الْفَرَائِض وَلم يتأثر بالقيد وَلَا بالسجن فرضى الله عَنهُ وجزاه عَن صبره خيرا
وَمَا كَانَ أَبُو يَعْقُوب ليَمُوت إِلَّا فى الْحَدِيد كَيفَ وَقد قَالَ الرّبيع كنت عِنْد الشافعى أَنا والمزنى وَأَبُو يَعْقُوب فَقَالَ لى أَنْت تَمُوت فى الحَدِيث وَقَالَ لأبى يَعْقُوب أَنْت تَمُوت فى الْحَدِيد وَقَالَ للمزنى هَذَا لَو ناظره الشَّيْطَان لقطعه
قَالَ الرّبيع فَدخلت على البويطى أَيَّام المحنة فرأيته مُقَيّدا إِلَى أَنْصَاف سَاقيه مغلولة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه
وَقَالَ الرّبيع أَيْضا كتب إِلَى البويطى أَن اصبر نَفسك للغرباء وَحسن خلقك لأهل حلقتك فإنى لم أزل أسمع الشافعى رحمه الله يكثر أَن يتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت
(أهين لَهُم نفسى لكى يكرمونها
…
وَلنْ تكرم النَّفس الَّتِى لَا تهينها)
مَاتَ البويطى فى شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فى سجن بَغْدَاد فى الْقَيْد والغل