الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن حَدِيث دَاوُد أَيْضا من آذَى ذِمِّيا فَأَنا خَصمه وَمن كنت خَصمه خصمته يَوْم الْقِيَامَة
رَوَاهُ الْخَطِيب فى تَرْجَمَة دَاوُد وَالْحمل فِيهِ على الراوى عَنهُ الْعَبَّاس بن أَحْمد بن الْمُذكر
ذكر اخْتِلَاف الْعلمَاء فى أَن دَاوُد وَأَصْحَابه هَل يعْتد بخلافهم فى الْفُرُوع
الذى تحصل لى فِيهِ من كَلَام الْعلمَاء ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا اعْتِبَاره مُطلقًا وَهُوَ مَا ذكر الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور البغدادى أَنه الصَّحِيح من مَذْهَبنَا وَقَالَ ابْن الصّلاح إِنَّه الذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْأَمر آخرا
والثانى عدم اعْتِبَاره مُطلقًا وَهُوَ رأى الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق الإسفراينى وَنَقله عَن الْجُمْهُور حَيْثُ قَالَ قَالَ الْجُمْهُور إِنَّهُم يعْنى نفاة الْقيَاس لَا يبلغون رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَلَا يجوز تقليدهم الْقَضَاء وَإِن ابْن أَبى هُرَيْرَة وَغَيره من الشافعيين لَا يعتدون بخلافهم فى الْفُرُوع
وَهَذَا هُوَ اخْتِيَار إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَعَزاهُ إِلَى أهل التَّحْقِيق فَقَالَ والمحققون من عُلَمَاء الشَّرِيعَة لَا يُقِيمُونَ لأهل الظَّاهِر وزنا وَقَالَ فى كتاب أدب الْقَضَاء من النِّهَايَة كل مَسْلَك يخْتَص بِهِ أَصْحَاب الظَّاهِر عَن القياسيين فَالْحكم بحسنه مَنْصُوص
قَالَ وبحق قَالَ حبر الْأُصُول القاضى أَبُو بكر إنى لَا أعدهم من عُلَمَاء الْأمة وَلَا أبالى بخلافهم وَلَا وفاقهم
وَقَالَ فى بَاب قطع الْيَد وَالرجل فى السّرقَة كررنا فى مَوَاضِع فى الْأُصُول وَالْفُرُوع أَن أَصْحَاب الظَّاهِر لَيْسُوا من عُلَمَاء الشَّرِيعَة وَإِنَّمَا هم نقلة إِن ظَهرت الثِّقَة
انْتهى
وَالثَّالِث أَن قَوْلهم مُعْتَبر إِلَّا فِيمَا خَالف الْقيَاس الجلى
قلت وَهُوَ رأى الشَّيْخ أَبى عَمْرو بن الصّلاح
وسماعى من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رحمه الله أَن الذى صَحَّ عِنْده عَن دَاوُد أَنه لَا يُنكر الْقيَاس الجلى وَإِن نقل إِنْكَاره عَنهُ ناقلون قَالَ وَإِنَّمَا يُنكر الخفى فَقَط
قَالَ ومنكر الْقيَاس مُطلقًا جليه وخفيه طَائِفَة من أَصْحَابه زعيمهم ابْن حزم
قلت ووقفت لداود رحمه الله على رِسَالَة أرسلها إِلَى أَبى الْوَلِيد مُوسَى بن أَبى الْجَارُود طَوِيلَة دلّت على عَظِيم مَعْرفَته بالجدل وَكَثْرَة صناعته فى المناظرة وقصدى من ذكرهَا الْآن أَن مضمونها الرَّد على أَبى إِسْمَاعِيل المزنى رحمه الله فى رده على دَاوُد إِنْكَار الْقيَاس وشنع فِيهِ على المزنى كثيرا وَلم أجد فى هَذَا الْكتاب لَفْظَة تدل على أَنه يَقُول بشئ من الْقيَاس بل ظَاهر كَلَامه إِنْكَاره جملَة وَإِن لم يُصَرح بذلك وَهَذِه الرسَالَة الَّتِى عندى أصل صَحِيح قديم أعتقده كتب فى حُدُود سنة ثَلَاثمِائَة أَو قبلهَا بِكَثِير ثمَّ وقفت لداود رحمه الله على أوراق يسيرَة سَمَّاهَا الْأُصُول نقلت مِنْهَا مَا نَصه
وَالْحكم بِالْقِيَاسِ لَا يجب وَالْقَوْل بالاستحسان لَا يجوز انْتهى
ثمَّ قَالَ وَلَا يجوز أَن يحرم النبى صلى الله عليه وسلم فَيحرم محرم غير مَا حرم لِأَنَّهُ يُشبههُ إِلَّا أَن يوقفنا النبى صلى الله عليه وسلم على عِلّة من أجلهَا وَقع التَّحْرِيم مثل أَن يَقُول حرمت الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّهَا مكيلة واغسل هَذَا الثَّوْب لِأَن فِيهِ دَمًا أَو اقْتُل هَذَا إِنَّه أسود يعلم بِهَذَا أَن الذى أوجب الحكم من أَجله هُوَ مَا وقف عَلَيْهِ وَمَا لم يكن ذَلِك فالبعيد وَاقع بِظَاهِر التَّوْقِيف وَمَا جَاوز ذَلِك فمسكوت عَنهُ دَاخل فى بَاب مَا عفى عَنهُ انْتهى
فَكَأَنَّهُ لَا يُسمى مَنْصُوص الْعلَّة قِيَاسا وَهَذَا يُؤَيّد مَنْقُول الشَّيْخ الإِمَام وَهُوَ قريب من نقل الآمدى
فالذى أرَاهُ الِاعْتِبَار بِخِلَاف دَاوُد ووفاقه نعم للظاهرية مسَائِل لَا يعْتد بِخِلَافِهِ فِيهَا لَا من حَيْثُ إِن دَاوُد غير أهل للنَّظَر بل لخرقه فِيهَا إِجْمَاعًا تقدمه وعذره أَنه لم يبلغهُ
أَو دَلِيلا وَاضحا جدا وَذَلِكَ كَقَوْلِه فى التغوط فى المَاء الراكد وَقَوله لَا رَبًّا إِلَّا فى السِّتَّة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا وَغير ذَلِك من مسَائِل وجهت سِهَام الملام إِلَيْهِم وأفاضت سَبِيل الإزراء عَلَيْهِم
وَوَقع فى كَلَام القاضى الْحُسَيْن شئ موهم نَقله عَنهُ ابْن الرّفْعَة فى الْكِفَايَة بِعِبَارَة تزيد إيهاما ففهمه الطّلبَة عَن ابْن الرّفْعَة فهما يزِيد على مَدْلُوله فَصَارَ غَلطا على غلط وَذَلِكَ أَن ابْن الرّفْعَة ذكر فى الْكِفَايَة فى بَاب صَلَاة الْمُسَافِر بَعْدَمَا حكى أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ ذكر أَن الْمُحَقِّقين لَا تقيم لمَذْهَب أهل الظَّاهِر وزنا مَا نَصه وَفِيه نظر فَإِن القاضى الْحُسَيْن نقل عَن الشافعى أَنه قَالَ فى الْكِتَابَة وإنى لَا أمتنع عَن كِتَابَة عبد جمع الْقُوَّة وَالْأَمَانَة وَإِنَّمَا استحبه لِلْخُرُوجِ من الْخلاف فَإِن دَاوُد أوجب كِتَابَة من جمع الْقُوَّة على الْكسْب وَالْأَمَانَة من العبيد وَدَاوُد من أهل الظَّاهِر وَقد أَقَامَ الشافعى لخلافه وزنا وَاسْتحبَّ كِتَابَة من ذكره لأجل خِلَافه انْتهى
ففهم الطّلبَة مِنْهُ أَن هَذِه الْجُمْلَة كلهَا من نَص الشافعى من قَوْله قَالَ فى الْكِتَابَة إِلَى قَوْله من العبيد وقرءوا إِنَّمَا أستحب لِلْخُرُوجِ بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْحَاء فعل مضارع للمتكلم وَلَيْسَت هَذِه الْعبارَة فى النَّص وَلَا يُمكن ذَلِك فَإِن دَاوُد بعد الشافعى
وَرَأَيْت بِخَط الشَّيْخ الْوَالِد رحمه الله على حَاشِيَة الْكِفَايَة عِنْد قَوْله وَالْأَمَانَة قبيل قَوْله وَإِنَّمَا اسْتحبَّ مَا نَصه هُنَا انْتهى كَلَام الشافعى وَإِنَّمَا استحبه القاضى الْحُسَيْن وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء فى اسْتحبَّ وَلَا يحسن أَن يُرَاد بِالْخِلَافِ خلاف دَاوُد فَإِن دَاوُد بعد الشافعى وَلَعَلَّ مُرَاد القاضى الْخلاف الذى دَاوُد مُوَافق لَهُ فَلَا يلْزم أَن يكون الشافعى أَقَامَ لخلاف دَاوُد وَحده وزنا انْتهى كَلَام الْوَالِد
وَأَقُول من قَوْله قَالَ فى الْكِتَابَة إِلَى وَالْأَمَانَة هُوَ النَّص كَمَا نبه عَلَيْهِ
الشَّيْخ الإِمَام وَمن قَوْله وَإِنَّمَا اسْتحبَّ إِلَى قَوْله من العبيد هُوَ كَلَام القَاضِي حُسَيْن وَهُوَ بِفَتْح حاء اسْتحبَّ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْوَالِد وَلَا شكّ أَنه توهم أَن الشافعى رَاعى خلاف دَاوُد فَأجَاب الشَّيْخ الإِمَام عَنهُ بِأَنَّهُ رَاعى الْخلاف الذى دَاوُد مُوَافق لَهُ لَا أَنه نظر فى خُصُوص ذَلِك لعدم إِمْكَان ذَلِك فَإِن دَاوُد مُتَأَخّر عَنهُ وَمن قَوْله وَدَاوُد إِلَى قَوْله لأجل خِلَافه هُوَ كَلَام ابْن الرّفْعَة ذكره كَمَا نرى ردا على الإِمَام فى نَقله أَن الْمُحَقِّقين لَا يُقِيمُونَ لَهُ وزنا فنقضى عَلَيْهِ بِأَن إِمَام الْمُحَقِّقين وَهُوَ الشافعى أَقَامَ لداود وزنا حَيْثُ اعْتبر خِلَافه وَأثبت لأَجله حكما شَرْعِيًّا وَهُوَ اسْتِحْبَاب الْكِتَابَة وَهُوَ أَشد إيهاما إِذْ يكَاد يُصَرح بِأَن الشافعى نظر خلاف دَاوُد بِخُصُوصِهِ
وَلابْن الرّفْعَة عذر وَعَن كَلَامه جَوَاب كِلَاهُمَا نبه عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام فى هَذِه الْحَاشِيَة
أما عذره فَإِن مُرَاده الْخلاف الذى دَاوُد مُوَافق لَهُ فَصحت نسبته لداود بِهَذَا الِاعْتِبَار
وَأما جَوَابه فَإِنَّهُ لَا يكون قد اعْتبر مَذْهَب دَاوُد لخصوصه بل إِنَّمَا اعْتبر مذهبا دَاوُد مُوَافق لَهُ وَالله أعلم
وعَلى هَذَا الْحمل قَول ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب فى الْمُصراة قَالَ دَاوُد بِإِثْبَات الْخِيَار فى الْإِبِل وَالْغنم لأجل الْخَبَر وَلم يُثبتهُ فى الْبَقر لعدم وُرُود النَّص فِيهَا ومخالفته هى الَّتِى أحوجت الشافعى إِلَى آخر مَا ذكره فَالْمُرَاد بِهِ مُخَالفَة الْمَذْهَب الذى ذهب إِلَيْهِ دَاوُد
وَنَظِيره قَول الإِمَام فى النِّهَايَة فى كتاب اخْتِلَاف الْحُكَّام والشهادات لَا يجب الْإِشْهَاد إِلَّا على عقد النِّكَاح وفى الرّجْعَة قَولَانِ وَأوجب دَاوُد الْإِشْهَاد وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ الشافعى بِأَن قَالَ الله تَعَالَى أثبت الْإِشْهَاد إِلَى آخر مَا ذكره وَقد يُوهم أَن الشافعى