الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَن يُونُس
قَالَ يُونُس سَمِعت الشافعى يَقُول لَوْلَا مَالك وَابْن عُيَيْنَة لذهب علم الْحجاز
قَالَ وسمعته يَقُول إِذا جَاءَ مَالك فمالك النَّجْم
قَالَ يُونُس فِيمَا رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فى كتاب الْعلم سَمِعت الشافعى يَقُول إِذا سَمِعت الرجل يَقُول الِاسْم غير الْمُسَمّى أَو الِاسْم الْمُسَمّى فاشهد عَلَيْهِ أَنه من أهل الْكَلَام وَلَا دين لَهُ
قلت وَهَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا روى فى ذمّ الْكَلَام وَقد روى مَا يُعَارضهُ وللحافظ ابْن عَسَاكِر فى كتاب تَبْيِين كذب المفترى على أَمْثَال هَذِه الْكَلِمَة كَلَام لَا مزِيد على حسنه ذكرت بعضه مَعَ زيادات فى كتاب منع الْمَوَانِع
حكى يُونُس عَن الشافعى فى بَاب الْعدَد أَنه قَالَ اخْتلف عمر وعَلى رضى الله عَنْهُمَا فى ثَلَاث مسَائِل الْقيَاس فِيهَا مَعَ على وَبِقَوْلِهِ أَقُول
إِحْدَاهَا إِذا تزوجت فى عدتهَا وَدخل بهَا الثانى حرمهَا على الثانى أبدا عمر بن الْخطاب وَبِه أَخذ مَالك وَأحمد فى رِوَايَة وَهُوَ قَول قديم وَعند على لَا تحرم على التَّأْبِيد وَهُوَ الْجَدِيد
وَهَكَذَا الْخلاف فى كل وَطْء أفسد النّسَب هَل يحرم بِهِ على الْمُفْسد أبدا مثل وَطْء زَوْجَة غَيره بِشُبْهَة أَو أمة غَيره بِشُبْهَة
وَوَجهه المؤيدون بِأَنَّهُ استعجل الْحق قبل وقته فحرمه الله تَعَالَى فى وقته كالميراث إِذا قتل مُوَرِثه لم يَرِثهُ وَبِأَنَّهُ سَبَب يفْسد فَيحرم بِهِ على التَّأْبِيد كاللعان
وَحجَّة الْجَدِيد قَوْله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} وَهَذِه من وَرَاء ذَلِكُم وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ مُبَاحا لم يحرم بِهِ على التَّأْبِيد فَكَذَلِك إِذا كَانَ حَرَامًا بِالزِّنَا وَلِأَن الْخُصُوم فرقوا بَين الْعَالم فَلم يحرموها عَلَيْهِ أبدا قَالُوا لِأَنَّهُ جَاره بِالْحَدِّ وَالْجَاهِل فَفِيهِ
حرموها أبدا وَالْفرق فَاسد لِأَن الْعَالم أَشد جرما وبالزنا يفْسد النّسَب أَيْضا فى كَلِمَات كَثِيرَة لعلمائنا
وَوجه الشافعى كَون الْقيَاس مَعَ على كرم الله وَجهه بِأَن الْوَطْء لَا يقتضى تَحْرِيم الْمَوْطُوءَة على الواطىء بل تَحْرِيم غَيرهَا على الواطىء وتحريمها على غير الواطىء فَمَا قَالُوهُ خلاف الْأُصُول وَأطَال أَصْحَابنَا فى هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى أنكر أهل الْبَصْرَة أَن يكون للشافعى قَول قديم فِيهَا قَالُوا وَإِنَّمَا ذكره حِكَايَة لَا مذهبا
الثَّانِيَة امْرَأَة الْمَفْقُود قَالَ عمر تنْكح بعد التَّرَبُّص وَهُوَ الْقَدِيم وَقَالَ على تصبر أبدا وَهُوَ الْجَدِيد وَلَفظ على إِنَّهَا امْرَأَة ابْتليت فَلتَصْبِر
وَالثَّالِثَة إِذا تزوجت الرَّجْعِيَّة بعد انْقِضَاء الْعدة وَكَانَ زَوجهَا الْمُطلق غَائِبا وَدخل بهَا الثانى ثمَّ عَاد الْمُطلق وَأقَام بَيِّنَة أَنه كَانَ رَاجعهَا قبل انْقِضَاء عدتهَا قَالَ عمر الثانى أَحَق بهَا وَقَالَ على بل هى للْأولِ وَهُوَ قَوْلنَا
ذكر هَذَا كُله الرويانى فِي الْبَحْر فى كتاب الْعدَد وَلم يذكرهُ الماوردى فى الحاوى مَعَ تتبعه لأمثال ذَلِك وَهُوَ ثَابت عَن الشافعى مروى بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَيْهِ رَوَاهُ ابْن أَبى حَاتِم وَابْن حمكان فى مَنَاقِب الشافعى وَغَيرهمَا
وروى عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم فى كِتَابه فى آدَاب الشافعى أَنه سمع يُونُس يَقُول سَمِعت الشافعى يَقُول لَو أتم مُسَافر الصَّلَاة مُتَعَمدا مُنْكرا للقصر فَعَلَيهِ إِعَادَة الصَّلَاة وَهَذَا شىء غَرِيب
قَالَ ابْن خُزَيْمَة سَمِعت يُونُس وَذكر الشافعى فَقَالَ كَانَ يناظر الرجل حَتَّى يقطعهُ ثمَّ يَقُول لمناظره تقلد أَنْت الْآن قولى وأتقلد قَوْلك فيتقلد المناظر قَوْله ويتقلد الشافعى قَول المناظر فَلَا يزَال يناظره حَتَّى يقطعهُ وَكَانَ لَا يَأْخُذ فى شىء إِلَّا تَقول هَذِه صناعته
قَالَ يُونُس قَالَ الشافعى فى قَوْله تَعَالَى {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} الْفَاحِشَة أَن تبذو على أهل زَوجهَا
وَقَالَ أصح الْمعَانى فى قَوْله تَعَالَى {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} الْوَلَد والحيضة لَا تكْتم ذَلِك عَن زَوجهَا مَخَافَة أَن يُرَاجِعهَا
وَقَالَ يُونُس قَالَ الشافعى فى قَوْله تَعَالَى {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة} الْآيَة كلهَا نسخت بِالْحَدِيثِ قَالَ النبى صلى الله عليه وسلم (خُذُوا عَنى خُذُوا عَنى قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا على الْبكر جلد مائَة وتغريب عَام وعَلى الثّيّب الرَّجْم)
قلت هَذَا يدل على أَن الشافعى لَا يمْنَع نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ وَقد أطلنا فى الْكَلَام على ذَلِك فى أصُول الْفِقْه
قَالَ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو الْوَلِيد النيسابورى حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَحْمُود قَالَ سَأَلَ إِنْسَان يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن معنى قَول النبى صلى الله عليه وسلم (أقرُّوا الطير على مكناتها) فَقَالَ إِن الله يحب الْحق إِن الشافعى قَالَ كَانَ الرجل فى الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ الْحَاجة أَتَى الطير فى وَكره فنفره فَإِن أَخذ ذَات الْيَمين مضى لِحَاجَتِهِ وَإِن أَخذ ذَات الشمَال رَجَعَ فَنهى النبى صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِك
قَالَ وَكَانَ الشافعى رحمه الله نَسِيج وَحده فى هَذِه الْمعَانى
وَقَالَ مُحَمَّد بن مهَاجر سَأَلت وكيعا عَن تَفْسِير هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هُوَ صيد اللَّيْل فَذكرت لَهُ قَول الشافعى فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ مَا كُنَّا نظنه إِلَّا صيد اللَّيْل
قلت المكنات وَاحِدهَا مكنة بِكَسْر الْكَاف وَقد تفتح وهى فى الأَصْل بيض الضباب وَقيل هى هُنَا بِمَعْنى الْأَمْكِنَة وَقيل مكناتها جمع مكن وَمكن جمع مَكَان كصعدات فى صعد وحمرات فى حمر
قَالَ يُونُس قلت للشافعى مَا تَقول فى رجل يصلى وَرجل قَاعد فعطس الْقَاعِد فَقَالَ لَهُ الْمصلى رَحِمك الله قَالَ لَهُ الشافعى لَا تَنْقَطِع صلَاته
قَالَ لَهُ يُونُس كَيفَ وَهَذَا كَلَام
قَالَ إِنَّمَا دَعَا الله لَهُ وَقد دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فى الصَّلَاة لقوم وعَلى آخَرين
قلت وَقد صحّح الرويانى هَذَا النَّص وَصحح الْمُتَأَخّرُونَ بطلَان الصَّلَاة بِهِ
قَالَ يُونُس كُنَّا فى مجْلِس الشافعى فَقَالَ مَا أبين من حى فَهُوَ ميت فَقَامَ إِلَيْهِ غُلَام لم يبلغ الْحلم فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله لَا يخْتَلف النَّاس أَن الشّعْر وَالصُّوف مجزوز من حى وَهُوَ طَاهِر فَقَالَ الشافعى لم أرد إِلَّا فى المتعبدين
نَقله الآبرى فى كِتَابه وَقَالَ يعْنى بالمتعبدين الْآدَمِيّين بِخِلَاف الْبَهَائِم
قَالَ يُونُس سَمِعت الشافعى يَقُول أوحى الله إِلَى دَاوُد عليه السلام يَا دَاوُد وعزتى وجلالى لأبترن كل شفتين تكلمتا بِخِلَاف مَا فى الْقلب
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَبى مَرْوَان يَقُول سَمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول سَمِعت يُونُس بن عبد الْأَعْلَى يَقُول إِن أم الشافعى رضى الله عَنهُ فَاطِمَة بنت عبيد الله بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن على بن أَبى طَالب وَإِنَّهَا هى الَّتِى حملت
الشافعى رضى الله عَنهُ إِلَى الْيَمين وأدبته وَإِن يُونُس كَانَ يَقُول لَا أعلم هاشميا وَلدته هاشمية إِلَّا على بن أَبى طَالب والشافعى رضى الله عَنْهُمَا
قلت وَهَذَا قَول من قَالَ إِن أم الشافعى رضى الله عَنهُ من ولد على كرم الله وَجهه وَعَلِيهِ الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل الفارسى فَإِنَّهُ نَصره فى كِتَابه الذى صنفه فى نسب الشافعى لَكِن أنكرهُ زَكَرِيَّا الساجى وَأَبُو الْحسن الآبرى والبيهقى والخطيب والأردستانى وَزَعَمُوا أَنَّهَا كَانَت أزدية وَمِنْهُم من قَالَ أسدية وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ لما قدم مصر سَأَلَهُ بعض أَهلهَا أَن ينزل عِنْده فَأبى وَقَالَ إنى أنزل على أخوالى الأسديين
قلت وَأَنا أَقُول لَا دلَالَة فِي هَذَا على أَن أمه أسدية لجَوَاز أَن تكون الأَسدِية أم أَبِيه أَو أم جده وَنَحْو ذَلِك وَيكون اقْتدى فى ذَلِك قولا وفعلا برَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما هَاجر وَقدم الْمَدِينَة وَنزل على أخوال عبد الْمطلب إِكْرَاما لَهُم فَمَا ذكره يُونُس من أَن أمه من ولد على قَول لم يظْهر لى فَسَاده بل أَنا أميل إِلَيْهِ
فَإِن قلت قد ضعفه من ذكرت من الْأَئِمَّة وَجعل البيهقى الْحمل فِيهِ على أَحْمد ابْن الْحُسَيْن ابْن أَبى مَرْوَان وَاحْتج بمخالفة سَائِر الرِّوَايَات لَهُ
قلت لم يتَبَيَّن لى مخالفتها فَإِن غايتها مَا ذكرت من أَنه رضى الله عَنهُ قَالَ أنزل على أخوالى الأسديين وَقد بَينا أَنه يُمكن حمل ذَلِك على أخوال الْأَب وَنَحْوه والمصير إِلَى ذَلِك مُتَعَيّن للْجمع بَينه وَبَين هَذِه الرِّوَايَة الصَّرِيحَة فى تعْيين اسْم أمة وَسِيَاق نَسَبهَا إِلَى على كرم الله وَجهه وَضعف ابْن أَبى مَرْوَان لم يثبت عندنَا وَلَو كَانَ لم يسكت عَنهُ الْحَاكِم إِن شَاءَ الله
وَالَّذين قَالُوا إِن أمه أسدية رُبمَا قَالُوا أَيْضا أزدية ثمَّ قَالُوا الأزد والأسد شىء وَاحِد وَلم يعينوا لَهَا اسْما وَلَا ساقوا نسبا وَغَايَة بَعضهم أَن كناها أم حَبِيبَة
فَإِن قلت قد ذكرُوا أَن ابْن عبد الحكم قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول أمى من الأزد
قلت وَقد ذكرنَا أَن يُونُس قَالَ مَا أبديناه وَالله أعلم أى الْأَمريْنِ أثبت وَالْجمع بَينهمَا عِنْد الثُّبُوت مُمكن بِالطَّرِيقِ الَّتِى ذكرنَا
فَإِن قلت فقد وَافق ابْن المقرى الْجَمَاعَة على تَضْعِيف كَونهَا علوِيَّة محتجا بقول الشافعى فى حكايته مَعَ إِبْرَاهِيم الحجبى الذى تقدّمت فى تَرْجَمَة الْحَارِث النقال على ابْن عمى قَالَ وَلم يقل جدى قَالَ وَلَو كَانَ جده لذكر ذَلِك لِأَن الجدودة أقوى من الخؤولة والعمومة
قلت يحْتَمل أَن يُقَال إِنَّمَا اقْتصر على كَونه ابْن عَمه لِأَنَّهَا الْقَرَابَة من جِهَة الْأَب وَأما الجدودة فَإِنَّهَا قرَابَة من جِهَة الْأُم والقرابة من جِهَة الْأُم لَا تذكر غَالِبا ثمَّ الْأَمر فى هَذِه الْمَسْأَلَة موهوم فلسنا فِيهَا على قطع وَلَا ظن غَالب وَمَا ذَكرْنَاهُ من اقْتِصَاره على أَنه ابْن عَمه للمعنى الذى أبديناه حسن فى الْجَواب لَو وَقع الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فى كل الرِّوَايَات لَكِن فى بَعْضهَا ابْن عمى وَابْن خالتى وَذكر الخؤولة يضعف مَا أبديناه وَلَا عَظِيم فى الْمَسْأَلَة وأى الْأَمريْنِ مِنْهَا ثَبت فشرفه بَين فَإِن الأزد أَيْضا قَالَ فيهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ الترمذى الأزد أَسد الله فى الأَرْض يُرِيد النَّاس أَن يضعوهم ويأبى الله إِلَّا أَن يرفعهم الحَدِيث
وَكَانَت أمه رضى الله عَنْهَا بِاتِّفَاق النقلَة من العابدات القانتات وَمن أذكى الْخلق فطْرَة وهى الَّتِى شهِدت هى وَأم بشر المريسى بِمَكَّة عِنْد القاضى فَأَرَادَ أَن يفرق بَينهمَا ليسألهما منفردتين عَمَّا شهدتا بِهِ استفسارا فَقَالَت لَهُ أم الشافعى أَيهَا القاضى لَيْسَ لَك ذَلِك لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} فَلم يفرق بَينهمَا