الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَاتَ الأنماطى فى شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَحكى أَن أَبَا سعيد الإصطخرى سَأَلَ الأنماطى فَقَالَ لَهُ النَّص آكِد أم الِاجْتِهَاد
فَقَالَ النَّص
فَقَالَ أليسى قد نَص النبى صلى الله عليه وسلم على الشّعير وَلم ينص على الْبر أَفَرَأَيْت لَو كَانَ قوته برا أَيجوزُ لَهُ إِخْرَاج الشّعير
فَقَالَ لَا يجوز ذَلِك
فَقَالَ قد قدمت الِاجْتِهَاد على النَّص
فَدخل ابْن سُرَيج فَأخْبرهُ بِمَا جرى فَقَالَ إِن النَّص يقدم على اجْتِهَاد مُحْتَمل فَأَما إِذا كَانَ مَا وَقع عَلَيْهِ النَّص تَنْبِيها على مَا هُوَ أَعلَى قدم عَلَيْهِ كالضرب مَعَ التأفيف كَذَلِك قصد النبى صلى الله عليه وسلم بذلك إِلَى بَيَان مَا يلْزمهُم أَن يخرجُوا فى يَوْم الْفطر وَجعل ذَلِك قوتا فَإِذا اقتات الْإِنْسَان برا لم يجز لَهُ أَن يخرج شَعِيرًا بِخِلَاف الْعَكْس لِأَنَّهُ أَعلَى مِنْهُ
67 - عُثْمَان بن سعيد بن خَالِد بن سعيد السجستانى الْحَافِظ أَبُو سعيد الدارمى
مُحدث هراة وَأحد الْأَعْلَام الثِّقَات وَمن ذكره العبادى فى الطَّبَقَات قَائِلا الإِمَام فى الحَدِيث وَالْفِقْه أَخذ الْأَدَب عَن ابْن الأعرابى وَالْفِقْه عَن البويطى والْحَدِيث عَن يحيى بن معِين
قلت كَانَ الدارمى وَاسع الرحلة طوف الأقاليم ولقى الْكِبَار
سمع أَبَا الْيَمَان الحمصى وَيحيى الوحاظى وحيوة بن شُرَيْح بحمص
وَسَعِيد بن أَبى مَرْيَم وَعبد الْغفار بن دَاوُد الحرانى ونعيم بن حَمَّاد وطبقتهم بِمصْر
وَسليمَان بن حَرْب ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل التبوذكى وخلقا بالعراق
وَهِشَام بن عمار وَطَائِفَة بِدِمَشْق
روى عَنهُ أَبُو عَمْرو أَحْمد بن مُحَمَّد بن الحيرى ومؤمل بن الْحسن الماسرجسى وَأحمد بن مُحَمَّد الأزهرى وَأَبُو النَّضر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطوسى الْفَقِيه وحامد الرفا وَأحمد بن مُحَمَّد بن عَبدُوس الطرائفى وَخلق
وَمن مشايخه فى الحَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل وعَلى بن المدينى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَيحيى بن معِين وَشَيْخه فى الْفِقْه البويطى
قَالَ أَبُو الْفضل يَعْقُوب الهروى القراب مَا رَأينَا مثل عُثْمَان بن سعيد وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه
وَعَن عُثْمَان الدارمى من لم يجمع حَدِيث شُعْبَة وسُفْيَان وَمَالك وَحَمَّاد بن زيد وَابْن عُيَيْنَة فَهُوَ مُفلس فى الحَدِيث يَعْنِي أَنه مَا بلغ رُتْبَة الْحفاظ فى الْعلم
قَالَ شَيخنَا الذهبى وَلَا ريب أَن من حصل علم هَؤُلَاءِ وأحاط بمروياتهم فقد حصل على ثلثى السّنة أَو نَحْوهَا
توفى الدارمى رحمه الله فى ذى الْحجَّة سنة ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
قَالَ الذهبى وَوهم من قَالَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ
وللدارمى كتاب فى الرَّد على الْجَهْمِية وَكتاب فى الرَّد على بشر المريسى ومسند كَبِير وَهُوَ الذى قَامَ على مُحَمَّد بن كرام الذى تنْسب إِلَيْهِ الكرامية وطردوه عَن هراة
وَكَانَ من خبر ابْن كرام هَذَا وَهُوَ شيخ سجستانى مجسم أَنه سمع يَسِيرا من الحَدِيث وَنَشَأ بسجستان ثمَّ دخل خُرَاسَان وَأكْثر الِاخْتِلَاف إِلَى أَحْمد بن حَرْب الزَّاهِد ثمَّ جاور بِمَكَّة خمس سِنِين ثمَّ ورد نيسابور وَانْصَرف مِنْهَا إِلَى سجستان وَبَاعَ مَا كَانَ يملكهُ وَعَاد إِلَى نيسابور وباح بالتجسيم وَقَالَ إِن الْإِيمَان بالْقَوْل كَاف وَإِن لم يكن مَعَه معرفَة بِالْقَلْبِ وَكَانَ من إِظْهَار التنسك والتأله والتعبد والتقشف على جَانب عَظِيم فافترق النَّاس فِيهِ على قَوْلَيْنِ مِنْهُم المعتقد وَمِنْهُم المنتقد وعقدت لَهُ مجَالِس سُئِلَ فِيهَا عَمَّا يَقُوله فَكَانَ جَوَابه أَنه إلهام يلهمه الله ثمَّ إِن الْأَمِير مُحَمَّد بن طَاهِر بن عبيد الله بن طَاهِر حَبسه بنيسابور مُدَّة
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَكَانَ يغْتَسل كل يَوْم جُمُعَة ويتأهب لِلْخُرُوجِ إِلَى الْجَامِع ثمَّ يَقُول للسجان أتأذن لى فى الْخُرُوج فَيَقُول لَا فَيَقُول اللَّهُمَّ إنى بذلت مجهودى وَالْمَنْع من غيرى ثمَّ إِنَّه أخرج من نيسابور فى سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ بعد أَن مكث بالسجن ثَمَان سِنِين وَتوفى بِبَيْت الْمُقَدّس سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقيل توفى بزغر وَحمل إِلَى بَيت الْمُقَدّس
قَالَ الْحَاكِم لقد بلغنى أَنه كَانَ مَعَه جمَاعَة من الْفُقَرَاء وَكَانَ لِبَاسه مسك ضَأْن مدبوغ غير مخيط وعَلى رَأسه قلنسوة بَيْضَاء وَقد نصب لَهُ دكان من لبن وَكَانَ يطْرَح لَهُ قِطْعَة فرو فيجلس عَلَيْهَا فيعظ وَيذكر وَيحدث قَالَ وَقد أثنى عَلَيْهِ فِيمَا بلغنى ابْن خُزَيْمَة وَاجْتمعَ بِهِ غير مرّة وَكَذَلِكَ أَبُو سعيد عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن الْحَاكِم وهما إِمَامًا الْفَرِيقَيْنِ
قلت يعْنى الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس السراج شهِدت أَبَا عبد الله البخارى وَدفع إِلَيْهِ كتاب من مُحَمَّد بن كرام سَأَلَهُ عَن أَحَادِيث مِنْهَا الزهرى عَن سَالم عَن أَبِيه رَفعه الْإِيمَان لَا يزِيد وَلَا ينقص فَكتب على ظهر كِتَابه من حدث بِهَذَا اسْتوْجبَ الضَّرْب الشَّديد وَالْحَبْس الطَّوِيل
قلت وَصَاحب سجستان هُوَ الذى نَفَاهُ وَلم يكن قصد الساعين عَلَيْهِ إِلَّا إِرَاقَة دَمه وَإِنَّمَا صَاحب سجستان هاب قَتله لما رأى عَلَيْهِ من مخايل الْعِبَادَة والتقشف وَلَقَد افْتتن بِهِ خلق كثير وَهُوَ عندنَا فى مَكَان الْمَشِيئَة لله أَن يغْفر لَهُ وَأَن يؤاخذه فَإِنَّهُ مُبْتَدع لَا محَالة
وَاعْلَم أَن كراما على مَا هُوَ الْمَشْهُور بتَشْديد الرَّاء ورأيتها كَذَلِك مضبوطة بِخَط شَيخنَا الذهبى وَكنت أسمع الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رحمه الله يحْكى أَن الشَّيْخ صدر الدّين ابْن المرحل قَرَأَ مرّة بِحَضْرَة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر جُزْءا وَفِيه ذكر مُحَمَّد بن كرام فَقَالَ كرام وخفف لَهُ الرَّاء فَرد عَلَيْهِ بعض الْحَاضِرين فَقَالَ لَا إِنَّمَا هُوَ بِالتَّخْفِيفِ فقد قَالَ الشَّاعِر
(الرأى رأى أَبى حنيفَة وَحده
…
وَالدّين دين مُحَمَّد بن كرام)
قَالَ الْوَالِد فَظن الْحَاضِرُونَ أَن الشَّيْخ صدر الدّين وضع هَذَا الْبَيْت على البديهة وَأَنه لَا أصل لَهُ هَذَا مَا كَانَ يحكيه لنا الْوَالِد ثمَّ رَأَيْت أَنا بِخَط الشَّيْخ تقى الدّين ابْن الصّلاح فى مجاميعه أَن مُحَمَّد بن كرام بِالتَّخْفِيفِ وَأَن أَبَا الْفَتْح البستى أنْشد
(إِن الَّذين نجلهم لم يتقدوا
…
بِمُحَمد بن كرام غير كرام)
(الرأى رأى أَبى حنيفَة وَحده
…
وَالدّين دين مُحَمَّد بن كرام)
فَأريت ذَلِك للوالد فأعجبه وسر بِهِ سُرُورًا كثيرا ثمَّ رَأَيْت هذَيْن الْبَيْتَيْنِ بعينهما منسوبين إِلَى قائلهما البستى فى كتاب اليمينى فى سيرة السُّلْطَان يَمِين الدولة مَحْمُود بن سبكتكين