الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَمِعت جَعْفَر ابْن أخى أَبى ثَوْر يَقُول حضرت وَفَاة الْحَارِث فَقَالَ إِن رَأَيْت مَا أحب تبسمت إِلَيْكُم وَإِن رَأَيْت غير ذَلِك تنسمتم فى وجهى قَالَ فَتَبَسَّمَ ثمَّ مَاتَ
قَوْله تنسمتم فى وجهى بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بعْدهَا نون ثمَّ سين ضبطناه لِئَلَّا يتصحف
توفى الْحَارِث سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
ذكر الْبَحْث عَمَّا كَانَ بَينه وَبَين الإِمَام أَحْمد
أول مَا نقدمه أَنه ينبغى لَك أَيهَا المسترشد أَن تسلك سَبِيل الْأَدَب مَعَ الْأَئِمَّة الماضين وَأَن لَا تنظر إِلَى كَلَام بَعضهم فى بعض إِلَّا إِذا أَتَى ببرهان وَاضح ثمَّ إِن قدرت على التَّأْوِيل وتحسين الظَّن فدونك وَإِلَّا فَاضْرب صفحا عَمَّا جرى بَينهم فَإنَّك لم تخلق لهَذَا فاشتغل بِمَا يَعْنِيك ودع مَالا يَعْنِيك وَلَا يزَال طَالب الْعلم عندى نبيلا حَتَّى يَخُوض فِيمَا جرى بَين السّلف الماضين وَيقْضى لبَعْضهِم على بعض فإياك ثمَّ إياك أَن تصغى إِلَى مَا اتّفق بَين أَبى حنيفَة وسُفْيَان الثورى أَو بَين مَالك وَابْن أَبى ذِئْب أَو بَين أَحْمد بن صَالح والنسائى أَو بَين أَحْمد ابْن حَنْبَل والْحَارث المحاسبى وهلم جرا إِلَى زمَان الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَالشَّيْخ تقى الدّين بن الصّلاح فَإنَّك إِن اشتغلت بذلك خشيت عَلَيْك الْهَلَاك فالقوم أَئِمَّة أَعْلَام ولأقوالهم محامل رُبمَا لم يفهم بَعْضهَا فَلَيْسَ لنا إِلَّا الترضى عَنْهُم وَالسُّكُوت عَمَّا جرى بَينهم كَمَا يفعل فِيمَا جرى بَين الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم
إِذا عرفت ذَلِك فَاعْلَم أَن الإِمَام أَحْمد رضى الله عَنهُ كَانَ شَدِيد النكير على من يتَكَلَّم فى علم الْكَلَام خوفًا أَن يجر ذَلِك إِلَى مَا لَا ينبغى وَلَا شكّ أَن السُّكُوت عَنهُ مَا لم تدع إِلَيْهِ الْحَاجة أولى وَالْكَلَام فِيهِ عِنْد فقد الْحَاجة بِدعَة وَكَانَ الْحَارِث قد تكلم فى شئ من مسَائِل الْكَلَام
قَالَ أَبُو الْقَاسِم النصراباذى بلغنى أَن أَحْمد ابْن حَنْبَل هجره بِهَذَا السَّبَب
قلت وَالظَّن بِالْحَارِثِ أَنه إِنَّمَا تكلم حِين دعت الْحَاجة وَلكُل مقصد وَالله يرحمهما
وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَن أَبَا بكر أَحْمد بن إِسْحَاق الصبغى أخبرهُ قَالَ سَمِعت إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق السراج يَقُول قَالَ لى أَحْمد بن حَنْبَل بلغنى أَن الْحَارِث هَذَا يكثر الْكَوْن عنْدك فَلَو أحضرته مَنْزِلك وأجلستنى من حَيْثُ لَا يرانى فَأَسْمع كَلَامه فقصدت الْحَارِث وَسَأَلته أَن يحضرنا تِلْكَ اللَّيْلَة وَأَن يحضر أَصْحَابه فَقَالَ فيهم كَثْرَة فَلَا تزدهم على الْكسْب وَالتَّمْر فَأتيت أَبَا عبد الله فأعلمته فَحَضَرَ إِلَى غرفَة واجتهد فى ورده وَحضر الْحَارِث وَأَصْحَابه فَأَكَلُوا ثمَّ صلوا الْعَتَمَة وَلم يصلوا بعْدهَا وقعدوا بَين يدى الْحَارِث لَا ينطقون إِلَى قريب نصف اللَّيْل ثمَّ ابْتَدَأَ رجل مِنْهُم فَسَأَلَ عَن مَسْأَلَة فَأخذ الْحَارِث فى الْكَلَام وَأَصْحَابه يَسْتَمِعُون كَأَن على رؤوسهم الطير فَمنهمْ من يبكى وَمِنْهُم من يحن وَمِنْهُم من يزعق وَهُوَ فى كَلَامه فَصَعدت الغرفة لأتعرف حَال أَبى عبد الله فَوَجَدته قد بَكَى حَتَّى غشى عَلَيْهِ فَانْصَرَفت إِلَيْهِم وَلم تزل تِلْكَ حَالهم حَتَّى أَصْبحُوا وذهبوا فَصَعدت إِلَى أَبى عبد الله فَقَالَ مَا أعلم أَنى رَأَيْت مثل هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَلَا سَمِعت فى علم الْحَقَائِق مثل كَلَام هَذَا الرجل وَمَعَ هَذَا فَلَا أرى لَك صحبتهم ثمَّ قَامَ وَخرج وفى رِوَايَة أُخْرَى أَن أَحْمد قَالَ لَا أنكر من هَذَا شَيْئا
قلت تَأمل هَذِه الْحِكَايَة بِعَين البصيرة وَاعْلَم أَن أَحْمد بن حَنْبَل إِنَّمَا لم ير لهَذَا الرجل صحبتهم لقصوره عَن مقامهم فَإِنَّهُم فى مقَام ضيق لَا يسلكه كل أحد فيخاف على سالكه وَإِلَّا فَأَحْمَد قد بَكَى وشكر الْحَارِث هَذَا الشُّكْر وَلكُل رأى واجتهاد حشرنا الله مَعَهم أَجْمَعِينَ فى زمرة سيد الْمُرْسلين صلى الله عليه وسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه وَسلم